أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاضل متين - الطفل الذي لا يقتنع بأنّه ميتٌ ونحن أيضاً














المزيد.....

الطفل الذي لا يقتنع بأنّه ميتٌ ونحن أيضاً


فاضل متين

الحوار المتمدن-العدد: 6534 - 2020 / 4 / 10 - 11:15
المحور: الادب والفن
    


ابن عمّي طفلٌ مشاغبٌ جدّاً ، منذ ولادته وهو لا يكفُّ عن تعذيب أُمّه، لم نألفه يوماً يتوقف عن اللعب والعبث بالاشياء ، يكسر بلور النوافذ ، يقتلع أصص الأزهار، يسرق البيوض من قنن الجيران ، ويعبث بأشياء أخوته. عدّة مرّاتٍ لاحقناه قصد معاقبته لكنّه طفلٌ لعوبُ ومحنك درج منذ سنوات على لعبةٍ جديدة، لعبة الاختفاء عنا خلسة. اغلبُ الظنّ إنّه يختبئُ في قبره لئلّا نترصده، لكنّه لا يلبث يعود مجدداً ليكمل لعبته المفضلة، ألا وهي العبث بنا، فمنذ أن أعتمد على ساقيه لم نجده يجلس يوماً، فيتسلق أشجار الجيران ويعيث ببيادرهم، يدخل زرائبهم ويشاكس دوابهم، وكثيراً ما يبعثر أدوات وعدّة حصادة والده قبل أن يتوارى، نعرف إنّه سيعيد الكرّة مرّةً أخرى فنتحصنُ له، غير إنّه ذكيٌّ، يعرف كيف يتوارى عنا فيلوذ إلى قبره الذي لا يتسع لسواه، يقول عمي ما كان لنا أن نسميه فاضل، الأجدى أن ندعوه المحنة. هي لعبته يبدو، إذ كل يومٍ يعود ليستئنف ما أنهاه، فيصعد سلّم الحصادة ويعتلي بسطة الجوالق ويلعب بمغالق مسكاب القمح قبل أن يتزحلق على مزرابها الجانبي، فيفتح عمي ذراعيه ليلتقطه، غير إنّه قبل أن يصل نهاية المزراب يختفي فتعود ذراعا عمي دائماً فارغتين منه .. لديه لعبةُ أُخرى لم يتوانى يوماً عن تركها، مع إنّنا ألف مرّة نبّهناه إذ يتّجه الى غطاس الماء ويسقي به أشجار جده إلى أن تذّبل من فرط الرواية، ويترك الماء ينساب إلى أن يجف البئر، ثم ما يلبث أن يتوجّه نحو أشياء أبيه فينثرها كيفما اتفق ثم يلوذ بالاختباء . يتنهد عمّي ويعدّ عدّته ويعيد ترتيب أغراضه بغضبٍ وحنق، يعرف إنّه فاضل من بعثرها، لكنّه لا يذكّر لنا حماقات إبنه كي لا يعود ويقضّ مضّجعه في الليل..
هو طفلٌ ثرثارُ ومشاكس جداً ، كل ليلة يأتي ليوشّوش في أُذُني أخته فيجبرها على السهاد ، ثم يتّجه نحو أبيه ليكمل دائرة عبثه، فيصبغ كلّ يومٍ شعرتين من شعره وذقنه بالابيض خلسةً وبعدها يرسم في وجهه خطوطاً عرجاء، وبسببه بات عمي الشاب ختياراً تدعو هيئته للرثاء ..
يقول الناس لهم إذا لم تتخلّصوا من هذا الولد فإنّه سيستمرّ بالعبث بحياتكم وستشكون من مشاكله حتى مماتكم. فيحاول أهله أن يتناسوه ويتخلّصوا من عنائه، لكنه طفلٌ عنيدٌ لا يُبارح ذاكرتهم ، ثم إنّه فوق تخريبه وطيشه وعناده، يتقمص عدة هيئات، كأن يقتحم وجدان أهله على شكل أغنية حزينة فيُعكّر أفئدتهم ويملأها غصّصاً، أو يحول نفسه إلى ملح يستقرّ في عيني أمه، فيسقط من عينيها دمعاً، فتكفّكفه بيديها، وتجمعه قطرة قطرة، وعلى راحة يديها تهدهده .. كانت أمه تقول : إبني أكبر من أخاكم مصطفى بسنة ونصف السنة ، لكنها ما عادت تقيس عمره بعمر أخي، بل تقيس أيّامه بعدد الدموع التي تُسقطها عليه ..
لدينا صورة لابن عمي معلقة على حائطنا ، بيده علم كردستان وبجانبه النيران ، هو مشاكسٌ أيضاً في الصور ، مرةً نجده يرسم بإصبعيه رمز النصر والشهادة، مرة يدير ظهره ويضحك، مرة يعبث بالنيران التي بجانبه ، يحدث أن يغادر الصورة ، رأيته قبل يومين يتحرك بخلسة اللص يلتفّ حول إطار الصورة وأنزلق إلى الأرض ثم أختفى ، لا أعرف الى أين مضى لكنني رأيته يعود مع أنبلاج الفجر. ولكي نمنعه من الهرب مرّة أخرى سوّرنا الإطار بالوشاح الاسود ، مع ذلك لا نظنه سيركن في مجثمه، ربما لأنّه لم يقتنع مثلنا إنّه ميت وعليه الركود في مرقده ..
مشكلة ابن عمي إنّه أحمقٌ أيضاً، إذ لا يكفُّ عن تمثيل مشهد استشهاده كل يومٍ امامنا، يقول عمي بأسى: أولم أقُل لكم كان علينا أن نسميه المحنة ؟! .........



#فاضل_متين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صلاة الأستكرونة
- الجريدة النّازفةِ
- هكذا نُميَ إليّ عنكَ
- تمرّد وجودي
- نازح مجهول
- ثم إني خُيّبت
- أطفال في منتصف الحرب
- مُجرد دُعابة
- الغرانيق رواية تحطيم آلهة العسكر


المزيد.....




- -أولُ الكلماتِ في لغةِ الهوى- قصيدة جديدة للشاعرة عزة عيسى
- “برقم الجلوس والاسم إعرف نتيجتك”رسميًا موعد إعلان نتيجة الدب ...
- “الإعلان الثاني “مسلسل المؤسس عثمان الحلقه 164 مترجمة كاملة ...
- اختتام أعمال منتدى -الساحة الحمراء- للكتاب في موسكو
- عثمان 164 الاعلان 3 مترجم.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 164 الم ...
- فيلم مغربي -ممنوع على أقل من 16 سنة-.. ونجمته تؤكد: -المشاهد ...
- نمو كبير في الطلب على دراسة اللغة الروسية في إفريقيا
- الحرب والغرب، والثقافة
- -الإله والمعنى في زمن الحداثة-.. رفيق عبد السلام: هزيمتنا سي ...
- مصر.. قرار من جهات التحقيق بخصوص صاحب واقعة الصفع من عمرو دي ...


المزيد.....

- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد
- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاضل متين - الطفل الذي لا يقتنع بأنّه ميتٌ ونحن أيضاً