أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محسن كفحالي - مدن الأشباح















المزيد.....

مدن الأشباح


محسن كفحالي

الحوار المتمدن-العدد: 6522 - 2020 / 3 / 24 - 10:05
المحور: الادب والفن
    


إلى حدود منتصف مارس كانت حياة " كبير" عادية و هادئة ، رغم قلة التساقطات و بعض الأخبار الأتية من بليد بعيد عكرت هذا الهدوء.كبير بعد عودته من حقوله، يفضل كأسا من الشاي و متابعة أخبار الظهيرة، فهو لا يشاهد في التلفاز إلا الأخبار وخصوصا نشرة الطقس ، لكن هذه المرة خرج عن هدوءه المعتاد، قائلا : يا إلهي ماذا فعلت الإنسانية حتى تصاب بهذا الوباء الفتاك ألا يكفينا الحروب والجفاف، و المجاعة ...
قاطعه صوت زوجته من المطبخ، في مجلس النساء قالت السعدية ،زوجة علي صاحب الدكان ، بأن هذا المرض يصيب من يأكل الخفافيش و الضفادع و القطط، و قالت، حليمة زوجه إمام المسجد، أن هذا الوباء عقاب من الله للكفار لأنهم عذبوا المسلمين .
- لا أعرف الحقيقة، و لكن من أين لها هي بهذه المعلومات ؟
-أنسيت! لها ولد في الجندية في العاصمة و يهاتفها يوميا .
-الحقيقية لا يعلمها إلا الله ، لكن ما رأيك يا "حورية" في الذي يأكل أموال اليتامى ، و الذي يظلم الناس و يعتدي على حقوقهم ، أي مرض بليق بهم ؟
-أحيانا لا أفهمك و لكن إذا كان كلامك يا "كبير" يدخل في السياسة فمن الأفضل أن تصمت ، لم يعد فينا ما يتحمل بهدلة السجون مثل زمان ، و أنت تعرف لم يتبقى لي في هذه الحياة أحد سواء بعد أن حرمنا من الإنجاب ، اغرورقت عيناها بالدموع و لم تستطيع إتمام الكلام . تنهدت و جمعت أنفاسها قائلة : هل ندمت يا " كبير" لأنني لم أستطيع أن أنجب لك بنتا أو ولدا ؟
رسم على وجهه ابتسامة خفيفة ، الصمت يا حبيبتي له صوت أكثر من الكلام ، بل أكثر من الصراخ ، الصمت لغة الأقوياء لا الجبناء ، الحقيقة الندم الوحيد الذي كنت سأشعر به هو فقدانك، كان القدر جميلا لأنه جمع بيننا و أنا لم أحب أي شيء في حياتي أكثر منك ، و الحقيقة أن راضي كل الرضا لأن الله منحني قلبك ، لكن هل كنت تتركني إذا كان نفس الأمر حدث معي ؟
لم تسطيع المقاومة ، ارتمت في حضنه ، بدأ يصفف شعرها قائلا: أحببتك و أنت صغيرة ، أحببتك أكثر و أنت تكبرين معي ، و سأحبك و أنت عجوز، عشنا معا و سنموت معا .
في اليوم الموالي كانت الأخبار تتسارع ، و أصبح الأمر مأسويا، كانت الإنسانية تسير إلى الفناء مع اتساع دائرة الزائر المجهول الذي أرعب المفكرين، أما عامة الناس فاكتفت بتابعة الأحداث و الأخبار عن بعد .
خرج " كبير " ذاك اليوم مبكرا ، ظلت زوجته تترنح في المنزل خوفا من أن يكون مكروها قد أصابه ، لحظات سمعت دقات خفيفة على الباب ، فتحت الباب و قبل أن يتكلم ،سألته : أين كنت يا "كبير" ؟ تعرف أنني اشتاق إليك كثيرا ، و لا أستطيع العيش من دونك ،خاطئ من قال أن المنازل أسوار ونوافذ و أبواب ....، المنازل حب و رحمة و مودة ، و في غياب هذه الأشياء في المنازل مجرد طوب و إسمنت.
- هل تعرفين الأخبار الرائجة في الخارج يا "حورية "
- لم أخرج هذا اليوم و لا علم لي بأي شيء، ماذا هناك ؟
- سمعت وأنا عائد من الحقل أن المرض دخل البلاد ، و بعد توقيف الدراسة سيتم إغلاق المساجد، الأسواق، بعض المحالات التجارية ، و سيمنع السفر و الخروج إلا للضرورة . تنهد بصوت مرتفع قائلا: أي ذنب ارتكبت الإنسانية ، أي مرض هذا الذي جعل العالم يتوقف بمجالاته المختلفة .
قابل التلفاز و هو الذي لم يكون يتابع غير نشرة الأخيار و أحوال الطقس ، بدت الأرقام مخيفة ، في هذه الدولة الوفيات بالمئات و في هذه الدولة بالألاف ، أما الإصابات فكانت تسير بخط تصاعدي لا يتوقف. بدت له الأرقام محزنة ، مخيفة ، مرعبة ، وضع يده على خده و أمسك بيده الأخرى يد زوجته ، لا أخاف الموت و لكن لا أحب أن تكون نهايتي في غرفة زجاجية ، أفضل أن تكون نهايتي وسط الناس وسط الجيران ، أفضل أن تكون نهايتي بين ذراعيك و أنا أنظر إلى عينيك ، أريد أن تكون أخر شيء أراه قبل موتي ، لا أحب أم أموت وحيدا و أدفن
وحيدا ،وضعت راحتها على فمه و ظلت صامتة تنظر إليه.
في هذه اللحظة كانت القنوات التلفزيونية تعرض صور الجثث و المقابر الجماعية ، لحظات اثبتت أن الإنسان مجرد كائن ضعيف أمام غطرسة الطبيعة.لم يمر وقت طويل حتى أتى خبر اليقين ، حينما أعلن مسؤول وزاري رفيع المستوى أن البلد تعلن حالة الطوارئ لمدة شهر ، و عليه يجب على كل شخص المكوث في منزله .
كان اليوم الأول ل" كبير" يوما صعبا جدا ، كبير الذي لم يعهد المكوث في البيت إلا للراحة و النوم، اليوم أصبح مفروضا عليه المكوث في البيت شهرا كاملا و لا يخرج إلا للضرورة ، إنها تشبه تجربة السجن الاختياري ، أسئلة و أخرى سكنت تفكيره " هل يعيش الإنسان بالطعام فقط ؟ أليس هناك ما هو أجدر من الأكل ؟ أليس الحرية هي ماهية الإنسان و جوهره ؟ وجد كبير نفسه حائرا بين موقفين ، هل يختار الحرية أم الحياة ؟ فضل الحياة ووصل إلى حقيقة أن العيش بدون حرية هي موت في حد ذاتها ، وصل إلى حقيقة مفادها أن تجرية السجن هي أسوء ما يمكن أن يعيشه الإنسان. كان صادقا "أنطوان تشيخوف" عندما تحيز في إحدى قصصه إلى عقوبة الإعدام و فضلها عن السجن المؤبد .
من ذلك اليوم أصبح "كبير" يعيش حياة السجن الاختياري من أجل حرية معهودة في أقرب وقتت ممكن ، أو على الأقل كانت أماله أن يعود إلى حقلة و جيرانه و حياته الطبيعية . كان يقضي يومه العصيب أمام شاشة التلفاز أو يترنح من غرفة إلى غرفة و أحيانا يصعد إلى سطح منزله ينظر إلى العالم من فوقف متمنيا أن تسطع شمس الحياة من جديد.
أمام التلفاز " عاش كبير تناقضا " لم يعيشه من قبل ، عرف من خلال الأخبار أن شخصيات مهمة ساهمت بمبالغ مهمة من علاج المرضى و محاصرة الوباء ، عرف أيضا أن المريض يمكن أن يتصل فقط و الدولة تتكلف بالتنقل إلى منزله و تقديم المساعدات الضرورية،.
سمعت أيضا أن الجيش و الأمن و مختلف السلطات نزلت إلى الشارع من أجل حماية المواطنين ، و في القنوات التلفزيونية نشرات الأخبار مستمرة عن الوضع و تقديم المساعدات و إلإرشادات للناس، و صرب من حديد على كل من ينشر أخبار زائفة أو يهدد سلامة المواطنين . نشرات الأخبار تطمئن الناس بأن كل شيء على ما يرام ، و أن الأسواق فيها إحياطي كبير من الخر و الفواكه و المواد الغذائية و الدولة عازمة على ضرب من حديد على يد كل من سولت له نفسه التلاعي بأرواح الناس ، الأطباء يشتغلون بلا ملل و لا كلل ، و الأساتذة رغم توقف الدراسة فهم مرابطون في منازلهم من أجل التعليم عن بعد .
وسط هذه الأخبار المفرحة ، كانت حوادث تعكر تفكير " كبير " ، سمع أن هناك احتكار من طرف البعض للمواد الاستهلاكية ، و أن بعض الناس تتهافت على الحاجيات الضرورية ، و أن هناك من استغل الوضعية التي تعيشها البلاد لصالح من أجل مراكمة رؤوس الأموال .
بقي مندهشا ، حائرا ، هل فعلا ما يقال هو الحقيقة ، أم التلفزيون يلعب لعبته المفضلة ، لعبة الكذب و الخداع ، كم من مرة أكد أن أمطار الخير ستزور بلادنا و لكن الحقيقية غير ذلك ، لكن هذه المرة أعتقد أن الأمر جدي للغاية و صحيح ، في ليلة واحدة كل شيء تغير ، أصبح التضامن و حب الوطن عملة أساسية داخل الوطن ، أكاد لا أصق نفسي ، هل فعلا ما أسمعه هو الحقيقية ؟
-قاطعت تفكيره زوجته قائلة : كل شيء ممكن ، نتمنى أن تزول هذه الغمامة و أن تعود الحياة إلى طبيعتها ، أتمنى أن تتزوج بنت جيراننا التي انتظرت طويلا و لم يكتب لها أن تفرح في هذه الأيام ، أتمنى للآباء تفرح بحضن أبنائهم.
-أي وطن هذا الذي يكتنز جميع هذه الخيرات ، أي وطن هذا يحمل في فؤاده كل هذا الحب و التضامن و الرحمة ، أي إنسان هذا يمتلك هذا الوطن ، ثم صمت قليلا ، ثم قال: " أتمنى أن يزول الوباء و أن يستمر الوطن الذي عشته بعد الوباء"



#محسن_كفحالي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من بولمان إلى العالمية -حركة مدنية اجتماعية تطالب بإنصاف الم ...
- حي المداوييخ
- حي المداويخ
- السواد
- فاس: تحتضن المؤتمر التأسيسي للائتلاف المدني من أجل الجبل بال ...
- حكت لي جدتي .....
- الإتلاف المدني من أجل الجبل تجربة متميزة في عالم الترافع
- الزفزفة
- أوراق بلا عنوان - نهاية ورقة و بداية أوراق-
- أوراق بلا عنوان - الجزء الثاني - ورقة المرأة-
- أوراق بلا عنوان
- موعد مع الموت


المزيد.....




- -كاسونغو-.. قصة فقدان وحب تختبئ خلف الإيقاعات الراقصة
- -كاسونغو-.. قصة فقدان وحب تختبئ خلف الإيقاعات الراقصة
- العمود الثامن: في حكاية الشيخ والشاعر !!
- الاحتفاء بالشاعر والمترجم ياسين طه حافظ بمناسبة اختياره رمزً ...
- جاهزون يا أطفال .. أحلى الأفلام الكارتونية على تردد قناة سبي ...
- مجزرة النصيرات في فيلم استقصائي على -الجزيرة 360-
- مجزرة النصيرات في فيلم استقصائي على -الجزيرة 360-
- يحصل على جائزة أفضل فيلم صيفي لعام 2025 “فيلم مشروع أكس”
- رابط مباشر نتيجة الدبلومات الفنية الدور الاول برقم الجلوس فو ...
- في ليبيا: السوريون يواجهون أوضاعا إنسانية وقانونية صعبة في ظ ...


المزيد.....

- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محسن كفحالي - مدن الأشباح