أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محسن كفحالي - حي المداوييخ















المزيد.....

حي المداوييخ


محسن كفحالي

الحوار المتمدن-العدد: 5876 - 2018 / 5 / 18 - 21:59
المحور: الادب والفن
    


حي المداويخ
يوجد حيينا وسط البلدة ، تتوسطه ساحة كبيرة بها بعض الأشجار ، مقابل الساحة حمام شعبي ليلا لرجال و نهارا لنساء ، على القرب منه مسجد و في الجهة المقالة مقهى يحكى أنه كان عبارة حانة أيام الفرنسين.
في المدخل الأساسي للحي يوجد دكان " عمي علي" كما يحلو لأهل الحي تسميته ، ابن الحي ولد فيه و عاش مع أهله ، يحكي أهل الحي أنه لم يغادر الحي إلا مرات قليلة لأشياء مهمة ، يفتخر بعدم مغادرته الحي قائلا "الحي يسكنني قبل أن أسكنه ، الحي جزء من وجداني بل هو الوجدان ذاته ، فيه ولدت و تربيت ، فيه الأصدقاء و الأهل ، في الحب و الألم و الاشتياق" .
إلى جانب عمي " علي" يوجد قدور الخياط و السوسي صاحب المواد الغذائية الذي استقر في الحي بعدما هاجر قريته ، اليوم يعتبر واحدا من أبناء الحي و لا يغادره إلا مرة في السنة .
في الجهة المقابلة للساحة توجد المقهى تعود في الأصل إلى عهد الفرنسيين كما هو متداول بين أهل الحي ، كانت تعتبر ملجأ الفرنسيين و بعض القواد المغاربة من أجل تناول الخمر على ايقاع الموسيقى و الرقص ، و بعد مغادرة الفرسيين انتقلت إلى أحد أبناء الحي .
مساء كل يوم يجتمع أهل الحي في المقهى ، يقصون القصص و يناقشون حال المدينة و الحي ، من أوضاع سياسية و اقتصادية و علاقات إنسانية ، مناقشة قيم الحي و الحفاظ عليها ة تربيتها للأجيال اللاحقة ،يتوج النقاش على أنغام الموسيقى و بعض القصائد الشعرية التي يلقها أبناء الحي بحضور الناي .
عادت المقهى إلى سكونها المعتاد، أخذ كل شخص مكانه ، رائحة الكيف تنتشر في الحي ، تتعالى الأصوات أحيانا حول جودته و قيمته ، يتدخل أحد الحضور قائلا : "الأصناف الجديدة غزت الأسواق و قضت على الزراعة
الأصيلة ، و يحذر من أضرارها على الأرض و الإنسان" و يختم حديثه بالقول التالي " ما أجمل بنت البلد و هل هناك أحلى من بنت البلد "
هاهي الشمس تبعث قبلاتها للحي و أهله ، أصوات من هنا و هناك ، نساء يتجهن نحو عملهن و أطفال تجاه المدرسة و المحلات تفتح أبوابها للزبائن ، في الحي تدب الحياة بعد الفجر مباشرة ، امتلئ الحي بأهله و بعض الزوار مع وصول وقت الظهيرة .
كانت رائحتها تنبعث قبل أن تظهر في الحي هكذا علق عمي علي الحلاق ، رائحة جميلة الحي ، خرجت زينب تتغنج ، يتمايل جسدها و تضع قدمها على الأرض بكل رفق و حنان ، قال قدور الخياط " من يرفق بالأرض ماذا يفعل بقلب إنسان متيم ، يقال في عالمنا أن المرأة مجرد زي ، يقطع الجسد
و يظهر الجمال المختفي ، معك سقطت هذه النظرية يا حسناء الحي "
لم تنظر إليه و استمرت في حركتها و كأنها حركات مقصودة ، حركات يمكن أن يقال عنها استفزازات أثنى ، تقابلت مع عمي علي الحلاق ابتسمت قائلة " كيف حالك يا أجمل عم " رد " كان لساني في مضى يشبه المقص ، كان الغزل أهلي و داري و عيناي عاشقة للجمال و قلبي للحب تواق ، ولكن عندما أراك أيتها الجميلة ألوم القدر لأنك أتيت في زمان غير زماني و جئت في زمن غير زمانك "
زينب بنت الحي ذات الوجه الحسن ، هلال في اكتماله ، طويلة ، رشيقة ، ذات جسد مكتنز ، تتمايل في مشيها ، لا تتحدث كثيرا ، لا تتحدث كثيرا مع رجال الحي باستثناء شاب أحمق أو يطلق عليه بلغة أهل البلد " مدواخ الحي "
"مدواخ "الحي شاب في عقده الثالث ، طويل القامة ذو لحية و شعر طويل ،لا أحد يعرف أصله أو أهله أو بلدته التي جاء منها ، كتوم و لا يتحدث إلا قليلا ، يغادر الحي في الصباح و لا يعود الا مساء.
يوم الخميس ليلة خاصة فيها تكثر الحكايات و القصص فيها تتبارى ألسن أهل الحي على نسج أجمل العبارات ، ليلة خميس ليلة رقص على أنغام الحي ، ليلة يتوقف فيها الزمن قليلا ليعود إلى الوراء ناسجا من حياة الناس قصصا و حكايات ، حياة مطبوعة بالآمال و الأمل ، بالسعادة و الشقاء ، حياة تحولت إلى قصص يتداولونها الناس فيما بينهم ، و قصص مستوحاة من حياة الناس .
توقفت الحركة في الحي ، فقط ضوضاء منبعث من المقهى و رائحة الكيف ، دخل " عمي علي الحلاق " و قدور الخياط و باقي الزوار ، قال نادي المقهى من سيحكي الليلة ، إنها ليلة الخميس يا أهل الحي .
تقدم المعلم قدور قائلا : من سيحدث غير من أكتوى قلبه بحب حسناء الحي .
من تنام الشمس في حضرته ، من يقبله القمر ، من يتمتع بتلك العينين الساحرتين ، ذاك المجهول الذي أخذ ذهب الحي و أزهاره .
صمت الحاضرون ، نظروا إلى" الدواخ" الذي كان صامتا ، يفكر فيما قاله المعلم قدور هل عفوي أو مقصود .
تململ " المدوخ " من مكانه ، ماذا تريدون أن تسمعون ، قصة حياة أم حياة قصة ، يقال أم الصمت من ذهب صحيح لكن الكلام من ذهب .
أنا الذي تعددت أسماءه في هذا الوطن ، لكن مهما تعددت الأسماء فأنا واحد ثابت لا أتغير أنا الذي يسكنني الحب ، أحببت كل شيء في هذا الكون ، أحببت الحي و أهله ، أحببت وطني و بلدي ، و أحببت زينب .
أحيانا يطلق علي "المدواخ " و أحيانا " المجهول " و أحيانا " المقاطع " و عند البعض الخائن .
قصتي بدأت مع المقاطعة في وقت كانت تستعمل كل الوسائل لتبخيس الناس و قمت حياتهم قربان للمال آنذاك قررت المقتطعة ، خرجت في المظاهرات ووزعت البيانات ، حلمت بالحرية و الكرامة ، قاطعت الظلم و الكراهية ، قاطعت التعصب و التمركز حول العرق و الدين ، قاطعت كل استغلال
للإنسان ، قاطعت الزواج ليس رفضا للعلاقات الوجدانية و لكن رفضا لثقافته الاستهلاكية ، الزواج ككل المؤسسات التي تساهم في مص دماء البسطاء ، قاطعت كل شيء لا يتأسس على الحب ، قاطعت كل شيء قائم على الاستغلال ، فكانت تهمتي الخيانة.
أنا خائن في نظري الناس لأنني رفضت تزييف الحقائق و المشاعر ، خائن لأني رفضت الكذب و النفاق ، خائن لأنني فضلت الحقيقة في عالم اللاحقيقة ، و فضلت العقل في واقع أستسلم لللاعقل ،خائن لأنني أحببت هذا البلد ضدا على لصوصه ، أحببت هذا الوطن ضدا على مصاصي دماء الفقراء و المحرومين ،خائن لأني حلمت بالحرية و الكرامة ، في نظرهم إما عبيدا لهم و لأبنائهم و إما خونة ، و خائن في نظركم لأني أحببت زينب و أنا الغريب الذي لا عائله له ، أحببن زينب الحسناء كما قلتم لأنها تختلف عن الأخرين ، و الأهم هو أني ليس خائنا في نظرها ، أو ربما زينب أحبتني فقط ، لا تتحدث ماذا سنفعل غدا ، و ما سيكون وضعنا غدا ، ما فائدة هذه الأسئلة في حضرة الحب ، زينب أحببتها لأنها كانت تتحدث عن الحب فقط ،
و هل يبقى للعالم طعم دون حب .
خلاصة زينب غير الأخرين ، زينب منتهى الحب و بدايته ، مهما اختلفت أسماء الروايات و القصص تعرف أني أقصدها هي .
قاطعت كل شيء إلا زينب ، كيف أقاطعها و هي التي تشاركني نفس الهموم و نفس الروح ، نفس المشاعر و العواطف .
بصوت مرتفع قال " أفضل أن أكون من المداويخ ، و أن اكون مجهولا و خائنا على أن أكون عبدا ".
رد الحاضرون " كلنا مدوايخ "







#محسن_كفحالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حي المداويخ
- السواد
- فاس: تحتضن المؤتمر التأسيسي للائتلاف المدني من أجل الجبل بال ...
- حكت لي جدتي .....
- الإتلاف المدني من أجل الجبل تجربة متميزة في عالم الترافع
- الزفزفة
- أوراق بلا عنوان - نهاية ورقة و بداية أوراق-
- أوراق بلا عنوان - الجزء الثاني - ورقة المرأة-
- أوراق بلا عنوان
- موعد مع الموت


المزيد.....




- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...
- فيلم -حرب أهلية- يواصل تصدّر شباك التذاكر الأميركي ويحقق 11 ...
- الجامعة العربية تشهد انطلاق مؤتمر الثقافة الإعلامية والمعلوم ...
- مسلسل طائر الرفراف الحلقة 67 مترجمة على موقع قصة عشق.. تردد ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محسن كفحالي - حي المداوييخ