|
حديث عن عائشة: الفصل العاشر/ 2
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 6502 - 2020 / 2 / 29 - 19:34
المحور:
الادب والفن
بمجرد إعلام عيشو رجلها تفاصيل قصة سلب الأسرة النصرانية، وما سببته من مأزق أخلاقي لقريبها صالح، فإنه راحَ يذرع المجال الضيق لخطواته في حجرة النوم. كانت العتمة منسدلة مذ بعض الوقت، والنسيم الجبليّ العذب يُبشّر بانتهاء موجة الحر. علاوة على سخطه المعهود من أيّ ذكر لأفعال شقيقه الشائنة، كان يشعرُ خصوصاً بالخجل والحرج تلقاء موقف أمه من تلك الأفعال؛ هيَ مَن كانت تفتخر بها علناً، بزعم أنها انتزاعٌ لحق الفقراء من بين براثن الأغنياء. لكنه لم يكن في مقدوره مواجهة والدته بالحقيقة، حدّ حصول خصام بينهما. السلام العائليّ، كان من أولوياته، ما لو أُخِذَ بعين الاعتبار وجودُ أسرة شقيقه بين ظهرانيهم. وإذاً، فضّل أن يختنق داخله من الانفعال، على أن يدخل في خصام مع سيدة الدار، المتصفة بالعناد أكثر من أي شيء. " بما أنّ خبرَ سلب الأسرة النصرانية لم ينتشر سوى بين أقارب كتومين، ليسَ علينا إلا انتظار ما تُخبئه الأيام. وفي كل الأحوال، اتصفَ موقفُ صالح بالشهامة؛ ومن العدل أن يُشكر عليه. هذا ما سأفعله حينَ ألتقي به، وذلك لطمأنته أيضاً على أن أحداً لن يقدر تلويث سمعته مستقبلاً "، كذلك كان تعليقه على ما سمعه من امرأته حول القضية. في حقيقة الحال، أنه لاحَ أكثر حاجة للطمأنينة ممن تورط بالقضية. بيد أنه ارتاح رويداً لفكرته، بحيث أنه استعد للذهاب إلى مناوبته الليلية وكانت ملامحه قد استعادت رونقها المعتاد. خرجَ من الحجرة المضاءة بالمصباح الكهربائي، ليستقبل صديقَهَ، الظلامَ، الذي سيبقى برفقته ساعاتٍ عديدة. مع ذلك، شاء التعريج على والدته وكانت جالسة في الإيوان مع مسلّة الخياطة. قال لها، متنفساً في عسر: " حمو جمّو، الشاغل حديثه الشام كلها، ظهرَ أنه ابنك حسّو " " سبقَ أن أعلمتني بذلك امرأته، لكنني لم أذكره لك كيلا أشغل خاطرك "، ردت الأم بعد لحظة تفكير وما لبثت أن تابعت عملها. قال لها بينما يتحرك لمغادرة المنزل: " الأوضاع تتغيّر، وربما لن تتاح لحسّو فرصة النجاة مرة أخرى ".
*** في حجرتها، المنعزلة على طرف المنزل، كانت فاتي مع طفلها البالغ عامين من العُمر، وقد جعلت البابَ موارباً أملاً في الحظوة بالنسيم المعتدل والمتأثر تقلّبَ المواسم. لم يصل لسمعها حديثُ شقيق زوجها مع والدته، لكنها كانت مستسلمة لذكريات متواشجة مع ذلك الحديث. لم يكن قد مضى على تركها لرجلها أكثر من عام، وكانت سعيدة معه برغم الخطر الملازم لهما على مدار الساعة. مرت تلك الأيام مثل حلمٍ هانئ، بالأخص فترة الاستقرار في وادي بردى، الأشبه بالمكوث في الفردوس. لكنها كانت آنذاك تُدرك أنها أيامٌ ستنقضي سريعاً، كون رجلها دائم الحركة بسبب طبيعة نشاطه كقاطع طريق. كم تتمنى الآنَ لو يُتاح لها توديع الصيف بإطلالة على قرية بسيمة، للاجتماع مجدداً بالزوجين الطيبين، الذين كانا يستقبلانها كأنها من أفراد الأسرة. ولو كان لها شيء من القيمة بنظر أسرة رجلها، فكّرت فاتي بكرب، لكانت عيشو قد اصطحبتها في سيارة قريبها إلى الزبداني وربما لأتيح لها عندئذٍ المرور على تلك الأسرة الكريمة. *** بدَورها، راحت عيشو تستعيد الأسبوعين الذين قضتهما في الريف تحت سماءٍ تصدحُ بقرع أجراس الكنائس وتغريد الطيور، بينما خرير الجداول يتناهى من عمق الوادي، المصبوغ بعشرات ألوان أزهاره البرية، النامية بين الأحجار والصخور. مزرعة الجدة، وهيَ آخر ما تبقى لهذه من الأراضي بسبب الأزواج الجشعين، كانت أيضاً مزدهرة بألوان من الفاكهة، كالتفاح والكمثرى والدراق، لا يوجد لها مثيل في أيّ مكان آخر لناحية الحجم الضخم والطعم اللذيذ. ثم ابتسمت عيشو لمشهد كبرى ابنتيها، كَولي، وكيفَ كانت تشد طرف ثوب جدتها ذات ظهيرة، لحثّها على الوفاء بوعدٍ قطعته في الليلة السابقة، أن تدعها تسبح في مياه الجدول، الجاري من جانب المزرعة. لقد كان ذاك يوماً حاراً، ودّ هوَ أيضاً لو يستحم بماء الجدول. خلّو، الأب، هوَ من سبقَ وعلّمَ الابنة كيفَ تطفو على سطح الماء أثناء مرافقتها له في الطريق إلى بساتين الحارة. شقيقة عيشو، رابعة، البالغة عشرة أعوام، أغرقت نفسها بالدموع يوم المسير إلى الزبداني، لتعذر اصطحابها في السيارة بسبب الظهور المفاجئ لسلطانة. إنها كذلك مستسلمة لتيار الذكريات العذب، المنعش مثل نسيم الليلة الجبليّ، لما شعرت عيشو ببذرة حياة تنمو في باطنها. مذهولةً، وضعت يدها على بطنها كي تتأكد من هذا الشعور وما لو أنه حقيقة وليسَ وهماً: بلى إنه شعورٌ نبيل، برغم غموضه للوهلة الأولى، تعرفه كل مَن جرّبت الأمومة، لا يفتر يلحّ على صاحبته إلى أن يأتي دورَ القابلة كي تؤكده مع ابتسامة عريضة!
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حديث عن عائشة: الفصل العاشر/ 1
-
حديث عن عائشة: بقية الفصل التاسع
-
حديث عن عائشة: الفصل التاسع/ 3
-
صراع على العيش
-
حديث عن عائشة: مستهل الفصل التاسع
-
حديث عن عائشة: بقية الفصل الثامن
-
حديث عن عائشة: الفصل الثامن/ 2
-
حديث عن عائشة: الفصل الثامن/ 1
-
مزحة، جريمة مزدوجة ومتورطون ثلاثة
-
نادية لطفي؛ الوجه الجميل للفن/ 2
-
نادية لطفي؛ الوجه الجميل للفن
-
عصير الحصرم 77
-
المنزل المنحوس
-
حديث عن عائشة: الفصل السابع
-
حديث عن عائشة: بقية الفصل السادس
-
حديث عن عائشة: مستهل الفصل السادس
-
حديث عن عائشة: بقية الفصل الخامس
-
حديث عن عائشة: الفصل الخامس/ 2
-
حديث عن عائشة: الفصل الخامس/ 1
-
حديث عن عائشة: الفصل الرابع/ 5
المزيد.....
-
الوزير المغربي السابق سعد العلمي يوقع -الحلم في بطن الحوت- ف
...
-
انتخاب وزير الثقافة والآثار السابق المصري خالد العناني مديرا
...
-
بعد الفيلم المُرتقب.. الإعلان عن موسمين جديدين من مسلسل -Pea
...
-
عاجل.. المصري خالد العناني مديراً لمنظمة اليونسكو
-
منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) تنتخب
...
-
فنان تونسي بأسطول الصمود: نعتذر لأهلنا بغزة لأننا لم نصل إلي
...
-
اليونسكو تختار مديرا عاما يقودها في مرحلة بالغة الصعوبة
-
فيلم تايلور سويفت يعتلي صدارة شباك التذاكر متفوقا على -معركة
...
-
لوحاته تجوب أوروبا.. لماذا لجأ فنان من غزة للرسم على الكراتي
...
-
لوحاته تجوب أوروبا.. لماذا لجأ فنان من غزة للرسم على الكراتي
...
المزيد.....
-
مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
شهريار
/ كمال التاغوتي
-
فرس تتعثر بظلال الغيوم
/ د. خالد زغريت
-
سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي
/ أبو الحسن سلام
-
الرملة 4000
/ رانية مرجية
-
هبنّقة
/ كمال التاغوتي
-
يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025
/ السيد حافظ
-
للجرح شكل الوتر
/ د. خالد زغريت
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
المزيد.....
|