أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد بقوح - دشيريات (٣)














المزيد.....

دشيريات (٣)


محمد بقوح

الحوار المتمدن-العدد: 6486 - 2020 / 2 / 8 - 02:45
المحور: سيرة ذاتية
    


قطعت الطريق المؤدي إلى سكن صفيحي "أيت الفيتنام"، مرورا بسور "دا العربي" الطويل وبابه القصديري العريض، المشدود حده مباشرة بتشابك خيط كثيف من سدرة الشوك اليابس الذي وضع هناك كسياج يحمي البيت الداخلي لعائلة كثيرة الأفراد، قدمت مؤخرا من جنوب الصحراء.
تمتد بك قامتك النحيلة مشيا على أقدامك الصغيرة، بجانب حائط دار "محمد بيغربان"، في طريق درب إمزيلن المحجر و المغبر و المؤثث بسواد جانبي مجرى الماء المتدفق في الشارع العام. تصل إلى ساحة صغيرة، كملتقى لتجمع سكني جديد، يقودك سيرك غربا إلى مجموعة من الدواوير على التوالي: كدوار "أيت أماعي" و "أيت بوعشرة" و "أيت أبادو"، حيث تشم رائحة التاريخ و الأصالة بمعناها العميق. تجمع سكاني كبير لا تزال ذاكرتي تحتفظ بأوشامه ناصعة، كما لو كان تاريخها هو تاريخ الأمس القريب. ذكرى الزمن الذي لا يمكن أن يمحوها الزمن مهما طال أو قصر..!
حين أعود من المدرسة، عند الساعة السادسة مساء، أكلف يوميا بجلب الحليب الطري، حاملا بين يدي الإبريق الكبير، من نوع الألمنيوم، وقطع المسافة الفاصلة بين بيتنا، جهة شمال الدوار، وغربه نحو مجمع "أيت أماعي"، الذين كانوا يزودون ساكنة المنطقة بالحليب الطازج الطبيعي، باعتبارهم كانوا مربين جيدين لقطيع مهم من الأبقار و الأغنام و المعز. أذكر أن ثمن الليتر هو درهم واحد. في المقابل، كان "أيت أسياخ" يهتمون بالشأن الفلاحي المحلي في المنطقة، بالجهة الشمالية الغربية، قرب السور القصير للمطار المدني الوحيد آنذاك، قبل تحويله اليوم إلى مطار جهوي لأغراض عسكرية. وكثيرا ما اقتنيت من "دا سعيد" ما نحتاج إليه من مواد فلاحية كالخضر، وأعشاب زراعية، وخاصة القزبور، ونبتة "الفصة" التي كنت أداوم اقتناءها تقريبا يوميا من حقولهم، بسبب الحضور الفعلي لبعض الحيوانات الأليفة في سطح منزلنا، كالقن والغنم والمعز، كباقي ساكنة المنطقة. إن الطابع البدوي كان السمة المشتركة العامة في كلية الحياة بالدشيرة.
لكن، لن أنسى طريفة جميلة كانت بيني كطفل صغير، الحامل بين يديه الإبريق الكبير المملوء بالحليب الطازج، وبين شخص "دا جامع أماعي"، الشيخ الرائع والطاعن في السن حينئذ، الذي كان كلما رآني قادما في اتجاهه، وهو قاعد بجانب باب التحفة، الباب الخشبي الكبير و العريض الحجم، يطلب مني، متوسلا، أن أرقص له رقصته التقليدية المفضلة: ضرب الأرض بالأقدام، وتحريك الكتفين موازاة مع إحداث إيقاعات أمازيغية منسجمة مع حركة الأقدام والكتفين.. أذكر أن "دا جامع" رحمة الله عليه، كان يتلقى مشهد رقصتي الطفولية البريئة بكثير من الفرح و البهجة التي لا يضاهيها ثمن.. بعدها أتوقف،ثم يشكرني مبتسما بل ضاحكا، فتبدو لي أسنانه الناصعة المصطفة داخل فمه اصطفاف الجند الذي يستعد للقاء بالعدو.
كان هذا الأمر كثيرا ما يشغلني حين أعود إلى البيت. أسأل أمي عن سر أسنان الشيخ "دا جامع" السليمة و الجميلة، رغم سنه جد المتقدمة، لتجيبني ذلك الجواب الميتافيزيقي الذي يعني أنها أسنان الجنة، استنبتها العجوز الفاضل لأنه تحمل تقلبات الحياة بما يكفي، فكان له لابد أن يجازى في الإرض قبل صعود روحه إلى السماء.. لتبقى عيوني الظمآى كما كانت مندهشة ومستغربة قبل طرح السؤال.



#محمد_بقوح (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دشيريات (٢)
- دشيريات (١)
- الكبش مسعود
- سيرة إنسان : الأديب حسن العيساوي
- من دفاتر نيتشه الفلسفية : نظرية الإنسان (7)
- مأزق الدين والسياسة من منظور سبينوزا - جدلية القوة والضعف - ...
- مآزق الدين والسياسة من منظور سبينوزا
- من دفاتر نيتشه الفلسفية : الوعي والجسد (6)
- من دفاتر نيتشه الفلسفية : الدين والأخلاق (5)
- من دفاتر نيتشه الفلسفية : نظرية المعرفة (4)
- تأملات فلسفية - العدالة
- جيل دولوز قارئا لنيتشه : مفهوم التراجيديا
- جيل دولوز قارئا لنيتشه : مفهوم الجسد
- جيل دولوز قارئا لنيتشه
- نشاط إبداعي وفكري يسرق الأنفاس في مدينة أيت ملول السوسية بجن ...
- نيتشه قارئا لسقراط
- نص : التلفاز الأخضر
- قصة : الديك البلدي
- قصة : غيلم زفزاف
- مملكة الذباب الموحش


المزيد.....




- لماذا قللت أمريكا من أهمية اعتزام بريطانيا وفرنسا وكندا الاع ...
- ويتكوف يزور غزة الجمعة.. وحماس تشترط -وقف التجويع- لاستئناف ...
- سرايا القدس تبثّ -رسالة أخيرة- لأسير إسرائيلي في غزة: -أموت ...
- تحريك أول دعوى جنائية بحق شخصيات بارزة في نظام بشار الأسد
- مفاوضات سوريا وإسرائيل: خلاصة الأخطاء والدروس
- مسرح أوروبا الدموي يعود من جديد
- مصر تعتبر المظاهرات أمام سفاراتها لا تدعم القضية الفلسطينية ...
- مصدر: إسرائيل وأمريكا قد تغيران استراتيجيتهما بشأن غزة بعد ا ...
- بوتين يستقبل وزير الخارجية السوري في الكرملين.. ودمشق تعتبر ...
- واشنطن وعشر دول حليفة تتهم إيران بتنفيذ سياسة -اغتيالات وعمل ...


المزيد.....

- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد بقوح - دشيريات (٣)