أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد بقوح - دشيريات (٢)














المزيد.....

دشيريات (٢)


محمد بقوح

الحوار المتمدن-العدد: 6484 - 2020 / 2 / 6 - 16:33
المحور: سيرة ذاتية
    


لماذا أحاول توثيق الدشيرة كذاكرة مكان وإنسان، في طفولتها بالكتابة عنها. لعنة هذه الكتابة تحرجني. التفكير في المستقبل هو رهان التحدي وليس العودة إلى الماضي. ما نفع استعادة تاريخ وجغرافية الدشيرة بالكتابة الأدبية ؟
هل هي محاولة مني، ومن جيلي، لمقاومة النسيان باستحضارها، تاريخيا وحضاريا؟
ربما الجواب عن هذا السؤال يهم الذين يعيشون اليوم خارج الدشيرة من أبنائها الأوفياء، أكثر من الذين يعيشون فيها وبين ظهرانيها. لأن مسألة هوية الإنتماء إلى مدينة أو مكان ما، هو المدخل الأساس إلى الإنتماء للوطن، ومن تم الإنتماء إلى بني الإنسان.
تابعت طريقي إلى مدرستي. البرد قارس. الطريق محجرة ومغبرة. اقتربت إلى البيت المهجور حيث يعيش الشاب المريض باستمرار "بيغربان". هذا هو اسمه أو لقبه. لست أدري لماذا سمي بذلك الاسم. لكن، أعلم علم اليقين أنه شخص يدخل ويخرج وحيدا منحني الظهر من المنزل المعني. يعيش فيه عزلته القصوى. أذكره في حدود العشرين سنة من عمره. طويل القامة، دائم الصمت. لم أسمعه أبدا يتكلم كما يفعل الناس. كثيرا ما يرتدي ملابس قديمة موسخة، وأحيانا ممزقة، تظهر أجزاء من جسده العاري. تساءلت برأسي الصغيرة آنذاك، كيف ترك هذا الشاب يعيش وحيدا ومريضا، و في منزل مهجور، بلا عائلة ولا أسرة ولا أقارب له؟ ولماذا لم تهتم به الدولة. كأن يعتنى به في مستشفى أو في خيرية. رأيته منزويا، أكثر من مرة، يأكل التراب، بل يلتهمه التهاما. أخبرت والدي، فجئنا به معا، في الحين إلى منزلنا. امتنع عن الدخول. تصرف كالعاقل تماما، بالرغم من أنه يشاع بين ساكنة الحي أنه "مجنون" وفاقد لعقله. نظفناه، و أعطيناه ما تيسر من الطعام والشراب، ثم أخيرا حرصنا على أن يغير ملابسه الموسخة والممزقة الشبه العارية بملابس محترمة ألبسها له أبي. كان يأكل ويشرب بشراهة. تابعته أيضا وهو يرتدي الملابس محدثا صوت مهدر مأنن ومأفف.. كصوت هر جريح يموء.. بدا لي كشاب مكتمل الرجولة بعد الانتهاء من ارتداء الملابس. أنيق، لكنه حزين. بعد ذلك خرج واختفى. غير أنني في الغد الآتي رأيته شبه عار، كما كان قبلا. هذا هو "بيغربان". شخص يقبل المساعدة، ويحب الناس، وما يلبث أن ينفتح عليهم، وعلى تغيير أحواله، حتى يعود إلى طبيعته الأصلية. التخبط، والانزواء، وأكل التراب والشرب من مياه الحوض الحار، و ارتداء اللباس الممزق شبه عار تماما. لم يكن عنيفا معنا نحن أطفال دواره. رغم أن البعض منا يستفزه.
بعد مضي سنوات لم نر له وجودا أو حضورا في حينا إمزيلن. قيل أنه توفي بسبب أمراض عضوية كان يعاني منها. وجد ذات يوم جثة هامدة في منزله..
وباختفاء "بيغربان" من دورة حياة حينا، تكون ورقة خضراء قد سقطت من شجرتنا، وصفحة من تاريخ كتاب دوارنا إمزيلن قد طويت. إنه بمثابة سقوط لجزء مهم من المشاهد اليومية لهذا الحي البدوي في زمنه السبعيني. شعرت شخصيا أن نقصا من تاريخ دوارنا قد حصل باختفاء محمد "بيغربان". علمت في ما بعد أن اسمه محمد سامي. اسم بهوية مجهولة..، وبمصير مأساوي حتمي كان متوقعا منذ مدة.



#محمد_بقوح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دشيريات (١)
- الكبش مسعود
- سيرة إنسان : الأديب حسن العيساوي
- من دفاتر نيتشه الفلسفية : نظرية الإنسان (7)
- مأزق الدين والسياسة من منظور سبينوزا - جدلية القوة والضعف - ...
- مآزق الدين والسياسة من منظور سبينوزا
- من دفاتر نيتشه الفلسفية : الوعي والجسد (6)
- من دفاتر نيتشه الفلسفية : الدين والأخلاق (5)
- من دفاتر نيتشه الفلسفية : نظرية المعرفة (4)
- تأملات فلسفية - العدالة
- جيل دولوز قارئا لنيتشه : مفهوم التراجيديا
- جيل دولوز قارئا لنيتشه : مفهوم الجسد
- جيل دولوز قارئا لنيتشه
- نشاط إبداعي وفكري يسرق الأنفاس في مدينة أيت ملول السوسية بجن ...
- نيتشه قارئا لسقراط
- نص : التلفاز الأخضر
- قصة : الديك البلدي
- قصة : غيلم زفزاف
- مملكة الذباب الموحش
- التعليم كمحرر للشعوب


المزيد.....




- عداء قتل أسدًا جبليًا حاول افتراسه أثناء ركضه وحيدًا.. شاهد ...
- بلينكن لـCNN: أمريكا لاحظت أدلة على محاولة الصين -التأثير وا ...
- مراسلنا: طائرة مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في البقاع الغربي ...
- بدء الجولة الثانية من الانتخابات الهندية وتوقعات بفوز حزب به ...
- السفن التجارية تبدأ بالعبور عبر قناة مؤقتة بعد انهيار جسر با ...
- تركيا - السجن المؤبد لسيدة سورية أدينت بالضلوع في تفجير بإسط ...
- اشتباك بين قوات أميركية وزورق وطائرة مسيرة في منطقة يسيطر عل ...
- الرئيس الصيني يأمل في إزالة الخصومة مع الولايات المتحدة
- عاجل | هيئة البث الإسرائيلية: إصابة إسرائيلية في عملية طعن ب ...
- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد بقوح - دشيريات (٢)