أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راوند دلعو - هذا الموت من هذا الجمال !















المزيد.....

هذا الموت من هذا الجمال !


راوند دلعو
(مفكر _ ناقد للدين _ ناقد أدبي _ باحث في تاريخ المحمدية المبكر _ شاعر) من دمشق.

(Rawand Dalao)


الحوار المتمدن-العدد: 6482 - 2020 / 2 / 4 - 14:41
المحور: الادب والفن
    


( هذا الموت من هذا الجمال !)

في واحدةٍ مُخضَوضِرة من غابات النمسا الغَنَّاء ، و بالتحديد في أحضان ريفها الريان الجميل ... يشق نهر (سالزاخ) طريقه على مهل عبر سفوحٍ من طين لازب مُعشوشب بالألوان التي تتباوس من الشفاه ...

يمشي الهوينى مُتَخصوراً و كأنه يريد أن يثبت للطبيعة أن الزجاج السائل من بين أكتاف الصباريات و الزيزفونيات أمر لا مفر منه ليتكمل المشهد الربيعي الأخاذ ، فيشعر المرء من دفقه السلس بأنه آخذٌ بالتكسُّر من رقة زجاجيته الحالمة و نقاوة كريستاليته البراقة !

كنت أجلس يومياً على ضفة النهر حيث تتعانق الأشجار بالأشجار ... و تتعارك الأغصان بالأغصان ... و يحاكي الجوريُّ الجوريَّ بالجوريِّ ... بلعثمة و ضجيج من نحل و فراشات.

تماديت في حضوري وسط هذا المشهد الخلاب إلى أن نَشَأتْ علاقة حب و تعاطف بيني و بين لقلق أبيض رائع ، يختصر الطاووسية و الببغائية برفة جناح واحدة ... ها هو يمشي متبختراً على ضفة النهر ، رافعاً رأسه جنرالاً بعدد كبير من الأوسمة و الترقيات ! .... يسكب الريش من على كتفيه بطريقة ثلجية ، فيها الكثير من الإبداع الطاووسي و العفوية السنونوية ... اللهم إلا خطّين رماديين ينسدلان من على جناحيه بالمِيل ... كأن الله رسمهما بمسطرة حادة في غاية الدقة .... و صَوَّبَ منتصف الكتف !

لقلق رائع حتى في طريقة تنقله ... يطير أمامي من ضفة إلى أخرى يمارس التدلُّل و التدلُّه و الاستعراض و التثني ...

يتعنجه بمنقاره المدبب الذي يعكس الشمس الحادة لتفقأ العين ... فكأنه من حدته و دمويته سكين جزار أفاقت لتوها من المجلخ ... و يا ويلكم !

أراقب صديقي اللقلق واقفاً بالساعات على الضفة ناظراً إلى قاع النهر ....

فإذا به يغدرني بمشهد غير متوقع ... ليستل منقاره الأصفر البراق فيغمسه بسرعة البرق في ماء النهر .... و إذا بالمنقار و قد غُرز في صدر سمكة ذهبية مسكينة ...

رأيتها _ و ليتني لم أرها _ و هي تحشرج مضطربة تعالج أظفار الموت الذي يكتسح جسدها الصغير ... فتُعاركُ سكاكين المنقار اللئيم بصدر عار ، مع بضع انتفاضات لا تسمن و لا تغني من جوع ... !

ها هو يُنطِّطُها بين سيفي منقاره فيعدّل سمتها تلقاء حلقومه الجائع مباشرة ...

نعم نعم إنها في سَمْتِ اللهاة تباشر منتصف الحلقوم .... ثُمَّ هَمْ !

إنه الموت !

ابتلعها أخو القحبة !

يالجمالها المهدور في جماله المتأله المنفوش .... يالذهبيتها الضائعة و انسيابيتها المهراقة ... في بريق منقاره الماكر !

و فجأة ! و بعد أن تأملتُ بعمق في هذا المشهد:

1_ الإجرامي
2_ الجمالي
3_ الخلاب
4_ الصادم
5_ الماكر
6_ المتوحش ...

انكشف لي سر من أسرار الكون !

إذ أدركتُ أنني رأيت الجمال يختلط بالموت ... و المكر بالعفوية ... و القهر بالضعف و التخطيط بالتلقائية.

فهذا اللقلق هو الدنيا توظِّفُ جمالها الزاهي المفروش ، متربصة بنا لتقذفنا بالموت في صدورنا على حين غرة ... ها هي تتخلى عنا في لحظة ما ، فكلنا سنكون يوماً ما تلك الفريسة ... تلك السمكة ... تلك الأضحية على ذلك المذبح ... مذبح الحقيقة !

#الحق_الحق_أقول_لكم ... إن موتنا لجزء من جمالية الحياة ، إذ في موتنا استمرارية و حياة للكون ... فنحن كونيون رغماً عن أنوفنا ، عالميون غصباً عَنّا ...

كن ما كنتَ فسيأكلك أحدهم يوماً ما ... هَمٌ هَمٌ ، حُلقومٌ حُلقومٌ ... لقد حان وقت الرحيل ... ثم لتفترقي يا أيتها الخلايا المجتمعة في الجسد إلى الأبد ...

نعم إنه الموت ، و هذا الموت من هذا الجمال ... جمال الدنيا متمثلاً في بهاء اللقلق ، في بريق منقاره ، في نقاء ريشاته ، إنه جمال الموت 😔 جمال الموت الذي ينتظرنا ....

هنالك عندما اكتشفتُ أن موتي سِمَةُ كونِيَّتي ، و وَصْمَةُ عالميّتي ... و جزئي الذي سينضم إليّ فيُكملُني ... إنه الموت الكامن في الجَمَالِيِّ ...

فهل زركشت الدنيا هيئة اللقلق و هندستها من أجل إغرائية الموت ؟

أم أن الموت من استخدم الجمالَ و التَّكَيُّفِيَّةَ العالية في اللقلق كخدعة لتمرير جيناته إلى صدر السمكة المنكوبة ؟

هل الموت يستخدم الجمال أم أن الجمال هو من يوظف الموت ؟

أسئلة وجودية دارت في رأسي ... و عندها أصغيت قليلا أتأمل ضفة النهر كساحة للموت .... فانتبهت إلى قَدَر سمكة أخرى إذا بها في حلقوم اللقلق ... بروحها التي بلغت حلقومها ... ثم أخرى ... ثم أخرى ... ثم أخرى !

يا له من لقلق لئيم لا يشبع !

فاكتشفت أن هذا اللقلق أداة مبرمجة للإماتة و ماكينة متنقلة تصنع الموت المغلف بالجمال .... موتٌ يباغت السمك المسكين فيخطف منه نور العيون ... !

فأدركت أنني أمام ساحة تعذيب و ترويع حمراء لا أمام طبيعة خلابة جميلة ترفل بالألوان ... !

أدركت أنني أمام جحيم مقيم و موت مستمر و ألم مزمن ... و سواد يطغى ... لكنه مشهد مغطى بقناع من الجمال الخلبي الكاذب ...!

يا له من قاتل محترف ... ذاك الذي صمم هذا المشهد ... !

فحتى نحن البشر لا نستطيع أن نغلف الموت بالجمال إذ إننا نقتل ببشاعة و قبح رهيبين ... أما مصمم هذا المشهد فمحترف إجرام لا يرحم حيث استطاع تغليف كل هذا الموت بفتون من كل هذا الجمال ...!

جميعناً ماكينات مميتة ثم ميتة ... إننا أدوات لصناعة موت غيرنا الذين بدورهم سيصنعون موتنا !

ثم صَمَتَ المشهد برهة ... صمت ... صمت ... صمت ...

إلى أن جاء ثعلب أحمر منفوش الفرو خارج لتوه من عند مصفف الشعر ... كان قد اختبأ بين أوراق الشجر ، فانقض على هذا اللقلق الخيلاء ... فقتله ثم أكله !

عندها توسع التساؤل و ازدادت الصورة اتضاحاً ....

فنحن عبارة عن موت ، يقتل موتاً ، يقتل موتاً ...

و جمال قاتل ، يغلف جمالاً قاتلاً ، يغلف جمالاً قاتلاً ...

فالجمالية هي كنه الموت و بروازه ...

و الموت هو الضريبة التي دفعتها الحياة مقابل الجمالية و العبور.

#راوند_دلعو



#راوند_دلعو (هاشتاغ)       Rawand_Dalao#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وظيفة الكهنة و الشيوخ المحمديين ، تحت المجهر
- الشمودوغمائية أخطر أمراض الفكر البشري
- المخابرات الناعمة
- مُعضِلة الدين س
- انتحار
- الواقعيّة على مذبح العقل
- وهكذا
- حرية س الحي ، في نقد ع الميت ..
- الحربان العالميتان حربان طائفيتان !!
- خذوا آلهتكم و ارحلوا
- قيامة العقل _ رسالة إلى كل أصولي
- مسائيَّاتٌ سَكرى
- القرآن في محكمة الإنسان
- الدين وحش يلتهم الطفولة
- مَلَامِس الرومنس
- فيه اختلافاً كثيراً_ أخطاء قرآنية واضحة في السجعية رقم 7 من ...
- لعبة الصناديق _ اللعبة الأخطر في الوجود
- هل نحزن أم نفرح لمقتل قاسم سليماني ؟
- قصيدة بلا عنوان
- هذه الدنيا


المزيد.....




- الفنانة شيرين عبد الوهاب تنهار باكية خلال حفل بالكويت (فيديو ...
- تفاعل كبير مع آخر تغريدة نشرها الشاعر السعودي الراحل الأمير ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 158 مترجمة على قناة الفجر الجزائري ...
- وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبدالمحسن عن عمر يناهز 75 عاماً ب ...
- “أفلام تحبس الأنفاس” الرعب والاكشن مع تردد قناة أم بي سي 2 m ...
- فنان يحول خيمة النزوح إلى مرسم
- الإعلان الأول حصري.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 159 على قصة عش ...
- أكشاك بيع الصحف زيّنت الشوارع لعقود وقد تختفي أمام الصحافة ا ...
- الكويت.. تاريخ حضاري عريق كشفته حفريات علم الآثار في العقود ...
- “نزلها لعيالك هيزقططوا” .. تردد قناة وناسة 2024 لمتابعة الأغ ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راوند دلعو - هذا الموت من هذا الجمال !