أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسن عجمي - الدين قرار إنسانوي مستقبلي















المزيد.....

الدين قرار إنسانوي مستقبلي


حسن عجمي

الحوار المتمدن-العدد: 6474 - 2020 / 1 / 27 - 22:01
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


من الممكن بحق تحليل الدين من خلال مفاهيم الإنسانوية و المستقبل و العلوم و الفلسفة فنحصل بذلك على تحليل إنسانوي سوبر مستقبلي للدين. فالدين قرار إنسانوي في المستقبل. و يُتخَذ هذا القرار الإنسانوي اعتمادا ً على معارفنا العلمية و الفلسفية و على ضوء القِيَم الإنسانية. بالنسبة إلى السوبر مستقبلية , التاريخ يبدأ من المستقبل و بذلك لا بدّ من تحليل المفاهيم و الظواهر من خلال المستقبل فتصبح الظواهر و المعاني ظواهر مستقبلية مُحدَّدة فقط في المستقبل ما يُحرِّرنا من المعتقدات و السلوكيات الماضوية. من هذا المنطلق تُؤكِّد الفلسفة السوبر مستقبلية الإنسانوية على أنَّ الدين قرار إنسانوي مستقبلي لا يتكوّن سوى في المستقبل على ضوء القِيَم الإنسانية و المعرفية.

وحدة الدين و العِلم و الفلسفة

التحليل الإنسانوي السوبر مستقبلي يعتمد على مفاهيم القرار الإنساني و المستقبل و العلم و الفلسفة و القِيَم الإنسانية في عملية تحليل الدين. من الممكن تقديم هذا التحليل على النحو التالي : الدين قرار إنسانوي مستقبلي يتمحور حول فهم ما يُعتبَر وحيا ً على ضوء الواقع و المنطق و التفكير الفلسفي الموضوعي و العلوم و المعارف و القِيَم الإنسانية. لهذا التحليل فضائل عديدة تدعم مقبوليته و صدقه. من تلك الفضائل نجاحه في التوحيد بين الدين و الفلسفة و العلوم.

بما أنَّ الدين قرار إنسانوي في المستقبل يُعنَى بفهم الوحي على ضوء الواقع و المنطق و الفكر الفلسفي الموضوعي و العلوم و المعارف و القِيَم الإنسانية , إذن يتشكّل الدين من خلال العلوم و الفلسفة المنطقية و الموضوعية بحيث يُفهَم الدين فيتكوّن على أساس نتائج العلم و الفكر الفلسفي المنطقي و الموضوعي. و بذلك لا يوجد فصل بين الدين و العلم و الفلسفة بل الأديان و العلوم و الفلسفة تشكِّل حقلا ً معرفيا ً واحدا ً غير منفصل بل منسجم العناصر و الأجزاء. من هنا يتمكّن هذا التحليل الإنسانوي السوبر مستقبلي للدين من التوحيد بين الدين و العلم و الفلسفة. و هذه فضيلة أساسية يمتلكها هذا التحليل. فبما أنَّ الدين مُعرَّف من خلال العلم و المعرفة و الفلسفة , إذن لا بد أن تشكّل الأديان و العلوم و المعارف و الفلسفة حقلا ً معرفيا ً واحدا ً ما يضمن انسجامها و عدم التعارض فيما بينها. التوحيد بين الدين و العلوم و الفلسفة يضمن وحدانية العقل البشري و وحدانية المعرفة البشرية فيجنبنا الوقوع في انفصام العقل و انقسامه على نفسه و صراعاته الفكرية و العقائدية و المعرفية. و في كل هذا فضائل متنوّعة لكنها مُختصَرة في فضيلة التوحيد بين الدين و العلم و الفلسفة.

حلّ خلاف فكري

ينجح التحليل الإنسانوي السوبر مستقبلي للدين في حلّ الخلاف بين القول بأنَّ الدين وحي إلهي و القول بأنَّ الدين وضعي من صنع البشر و ذلك من خلال توحيده للقوليْن المتنافسيْن. إن كان الدين قرارا ً إنسانويا ً مستقبليا ً حيال الوحي و هو قرار على ضوء الواقع و المعرفة الحقة و القِيَم الإنسانية , إذن الدين من صنع الإنسان فوضعي لكونه قرارا ً إنسانيا ً و الدين أيضا ً وحي إلهي لكونه قرارا ً إنسانيا ً حيال الوحي الإلهي. بذلك ينجح التحليل الإنسانوي السوبر مستقبلي في التوحيد بين الموقف القائل بأنَّ الدين من صنع البشر و الموقف المنافس القائل بأنَّ الدين وحي إلهي. من هنا يكتسب هذا التحليل فضيلة أخرى لكونه يحلّ خلافا ً دينيا ً و فلسفيا ً أساسيا ً. هذا يتضمن أنَّ للدين وجهيْن هما وجه إنساني و آخر إلهي. و من المتوقع ذلك لأنَّ الدين موجَّه للإنسان فيتخذ بُعده الإنساني. كما أنَّ الدين يحتوي بالضرورة على مفهوم الألوهية بمعنى أو بآخر و إلا لم يكن دينا ً فيتخذ بذلك بُعده الإلهي.

الدين و الحرية و التطوّر

إن كان الدين قرارا ً إنسانويا ً في المستقبل بحيث يُعنَى هذا القرار بفهم الوحي , إذن الدين يتشكّل في المستقبل على ضوء قراراتنا ما يحرّرنا من الفهم الماضوي للأديان فيدفع بنا نحو تطوير الدين كما نراه نحن و نفهمه على أساس الاعتماد على القِيَم الإنسانية و المعارف الفلسفية و العلمية الحقة. من هنا , ينجح هذا التحليل للدين في تحريرنا من الفكر الماضوي فيكتسب هذه الفضيلة الجوهرية كما ينجح في ضمان تطوير الدين لأننا نحن مَن سوف نشكّله في المستقبل على ضوء تطوّرنا المستقبلي. و ضمان التحرّر من الماضوية و تطوير الدين فضيلة أساسية لهذا التحليل الإنسانوي السوبر مستقبلي.

كما أنَّ هذا التحليل ينجح في تفسير لماذا الدين يتطوّر أو يتغيّر. فبما أنَّ الدين قرار إنسانوي في المستقبل و بذلك يتكوّن في المستقبل , و الحاضر كان مستقبل الماضي و الماضي كان مستقبل ماض ٍ قبله , إذن يتشكّل الدين في مستقبل متجدّد بانتقال المستقبل إلى حاضر فماض ٍ فيتطوّر أو يتغيّر بتطوّر أو تغيّر المستقبل المتحوّل إلى حاضر فماض ٍ. بكلام ٍ آخر , الدين يتطوّر أو يتغيّر بشكل دائم لأنَّ الدين يتشكّل في المستقبل و المستقبل متغيّر أو متطوّر عما نعهده أو عما عهدناه. و إن كان الدين قرارا ً إنسانويا ً مستقبليا ً يُعنَى بفهم الوحي اعتمادا ً على الفكر الفلسفي و العلمي الحق و القِيَم الإنسانية , إذن من المتوقع أنَّ الشعب المتطوّر في العلم و الفلسفة و في قيمه الإنسانية هو متطوّر أيضا ً في دينه بينما الشعب المتخلّف في العلوم و الفلسفة هو أيضا ً متخلّف في دينه. هكذا يفسِّر هذا التحليل للدين لماذا الشعوب المتطوّرة بانجازاتها الحضارية كالعلم و الفلسفة متطوّرة في دينها أيضا ً بينما الشعوب المتخلفة علميا ً و فلسفيا ً متخلفة في دينها. على هذا الأساس , يكتسب هذا التحليل للدين قدرة تفسيرية أساسية تشير إلى صدقه.

الدين و القِيَم و المجتمع

ينجح هذا التحليل للدين أيضا ً في تفسير عدم انفصال المجتمع عن الدين و لماذا كل مجتمع لا يخلو من دين أو أديان. فبما أنَّ الدين قرارات إنسانوية في المستقبل على أساس المعارف العلمية و الفلسفية الحقة و القِيَم الإنسانية , و القرارات الإنسانية مصدرها الفرد فالمجتمع , إذن من الطبيعي أن لا يوجد مجتمع بلا دين تماما ً كما لا يوجد دين بلا مجتمع. هكذا ينجح هذا التحليل في تفسير لماذا كل مجتمع لديه دين أو أديان. فالدين في حد ذاته قرار إنساني و بذلك هو قرار اجتماعي أيضا ً ما يحتّم وجود دين أو أديان في كل مجتمع. من هنا أيضا ً بمجرد أن وُجِد المجتمع وُجِد أيضا ً الدين بسبب الارتباط الضروري بينهما من جراء أنَّ الدين ليس سوى قرارات اجتماعية. كما أنَّ هذا التحليل للدين يفسِّر لماذا الدين بالضرورة يحتوي على قِيَم و أخلاق إنسانوية. فبما أنَّ الدين قرارات إنسانوية على ضوء القِيَم الإنسانية و العلوم و الفلسفة , إذن من الطبيعي أن يحتوي كل دين على قِيَم إنسانوية و أخلاقية. فلا دين بلا قِيَم إنسانية و أخلاقية لأنَّ الدين ليس سوى قرارات إنسانية معتمدة على القِيَم الأخلاقية تماما ً كما هي معتمدة على الفكر العلمي و الفلسفي الحق.

لامُحدَّدية الدين

علما ً بأنَّ الدين قرار إنسانوي في المستقبل , إذن يتشكّل الدين في المستقبل فقط على ضوء قراراتنا الإنسانوية و بذلك الدين غير مُحدَّد في الحاضر و الماضي تماما ً كما تقول السوبر حداثة التي تُؤكِّد على أنَّ اللامُحدَّد يحكم العالَم. من هنا , هذا التحليل للدين هو تحليل سوبر حداثوي بالإضافة إلى كونه تحليلا ً إنسانويا ً و سوبر مستقبليا ً بسبب تحليله للدين من خلال القرارات الإنسانوية و من خلال المستقبل أيضاً. على هذا الأساس , تشكِّل الاتجاهات الفلسفية السوبر حداثوية و السوبر مستقبلية و الإنسانوية حقلا ً فلسفيا ً واحدا ً منسجم الأجزاء و العناصر. هذا التحليل للدين هو تحليل سوبر إنسانوي أيضاً لأنه يقول إنَّ الإنسان يُحدِّد الدين في المستقبل لأنَّ الدين قرار إنسانوي مستقبلي. و بذلك يغدو الدين مُحرِّرا ً للإنسان (لأنَّ الدين من نتاج الإنسان و إن كان يمتلك بُعداً إلهياً) بدلا ً من أن يكون سجنا ً للإنسان. فلا دين بلا حرية و بلا إنسانوية تماما ً كما لا حرية و لا إنسانوية بلا دين. لامُحدَّدية الدين تُحرِّر الإنسان لأنها تجعله المُحدِّد الأساس للدين غير المُحدَّد ما يضمن استمرارية الأبحاث الدينية بهدف تحديد مضامين أي دين و مقاصده. و في هذا فضيلة كبرى فلا قيمة لدين يقتل استمرارية التفكير و الإبداع.

إنسانوية الدين

بما أنَّ الدين قرار إنسانوي مستقبلي حول فهم الوحي على ضوء القِيَم الإنسانية و العِلم و الفلسفة , و القرارات الإنسانوية معتمدة في تشكّلها على الإنسان , إذن الدين نتاج الإنسان و إن كان نتاج الوحي أيضا ً بكونه قرارا ً إنسانويا ً مستقبليا ً حول فهم الوحي. من هنا يتضمن هذا التحليل للدين أنَّ الدين من صنع الإنسان على ضوء قراراته الإنسانوية. و بذلك يتفق هذا التحليل للدين و ينسجم مع المذهب الإنسانوي القائل بمحورية الوجود الإنساني و دور الإنسان الفعّال في تكوين الظواهر كافة. هكذا يُعبِّر هذا التحليل للدين عن الإنسانوية لكونه يتضمنها و يؤدي إليها. و هذا هو جوهر التحليل الإنسانوي السوبر مستقبلي للدين لأنه يعرِّف الدين من خلال القرارات الإنسانية المستقبلية. بفضل هذه النتيجة نصل إلى أنسنة الدين الكامنة أولا ً في اعتبار أنَّ الدين من نتاج الإنسان و الكامنة ثانيا ً في تشكيل الدين على ضوء القِيَم الإنسانية. فبما أنَّ الدين قرارات إنسانوية مستقبلية , و القِيَم الإنسانوية كالحرية و المساواة و السلام جوهر المذهب الإنسانوي , إذن الدين يتضمن بالضرورة احترام و اتباع القِيَم الإنسانوية و استخدامها في تشكيل الدين ما يُلزِم هذا التحليل للدين بقبول الإنسانوية و اعتبارها صادقة المعاني و الدلالات. لا دين بلا قِيَم إنسانية تماما ً كما أنه لا دين بلا علوم و فلسفات. هكذا تشكّل المعارف الإنسانية المختلفة حقلا ً معرفيا ً واحدا ًغير منفصل بل منسجم الأجزاء و العناصر ما يُوحِّد العقل البشري فيُوحِّد الحضارة الإنسانية.



#حسن_عجمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الله مفهوم إنسانوي
- كلّ عقيدة إرهاب
- الإنسان فن الثورة على المعاني
- الثورة الحقيقية هي الثورة العلمية
- ثورة السوبر حداثة في مواجهة ديكتاتورية السوبر تخلّف
- كل عام وأنتم بألف ثورة
- هل الكون مادي أم مثالي؟
- هل الله سوبر حداثوي؟
- ولاية المواطن سيادة الثورة
- بنية العقل وفشل الثورات وسُبُل نجاحها
- الثورة على الله
- الثورة على اليقينيات
- كلما ازداد اليقين قَلَّت المعرفة
- العِلم سبيل السلام و الحرية
- العدالة كسلام
- المعارف السوبر مستقبلية
- المعرفة قرار إنسانوي
- المعرفة قرار عقلاني
- العلوم السوبر مستقبلية
- الحقيقة فن استنتاج المعاني


المزيد.....




- جعلها تركض داخل الطائرة.. شاهد كيف فاجأ طيار مضيفة أمام الرك ...
- احتجاجات مع بدء مدينة البندقية في فرض رسوم دخول على زوار الي ...
- هذا ما قاله أطفال غزة دعمًا لطلاب الجامعات الأمريكية المتضام ...
- الخارجية الأمريكية: تصريحات نتنياهو عن مظاهرات الجامعات ليست ...
- استخدمتها في الهجوم على إسرائيل.. إيران تعرض عددًا من صواريخ ...
- -رص- - مبادرة مجتمع يمني يقاسي لرصف طريق جبلية من ركام الحرب ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب باردة جديدة
- روسيا تطور رادارات لاكتشاف المسيرات على ارتفاعات منخفضة
- رافائيل كوريا يُدعِم نشاطَ لجنة تدقيق الدِّيون الأكوادورية
- هل يتجه العراق لانتخابات تشريعية مبكرة؟


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسن عجمي - الدين قرار إنسانوي مستقبلي