أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسن عجمي - هل الله سوبر حداثوي؟















المزيد.....

هل الله سوبر حداثوي؟


حسن عجمي

الحوار المتمدن-العدد: 6448 - 2019 / 12 / 27 - 05:59
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


هل الله حداثوي أم ما بعد حداثوي أم سوبر حداثوي؟ يختلف العلماء والفلاسفة حيال أية حداثة هي الأصدق والأفضل فبينما يتخذ أينشتاين موقفاً حداثوياً ويُصوِّر الله على أنه حداثوي يتخذ هوكنغ موقفاً ما بعد حداثوي فيُصوِّر الله على أنه ما بعد حداثوي. لكن السوبر حداثة تتخطى المذهبيْن السابقيْن معاً و تُصوِّر الله على أنه سوبر حداثوي.

يقول أينشتاين إنَّ الله لا يلعب بالنرد. والمقصود هو أنَّ قوانين الطبيعة حتمية و ليست احتمالية على نقيض من نظرية ميكانيكا الكمّ العلمية. وبذلك المقصود بقول أينشتاين هو رفض نظرية ميكانيكا الكمّ لأنها تعتبر أنَّ الكون محكوم بقوانين طبيعية احتمالية غير حتمية. فأينشتاين بقوله السابق يُعبِّر عن رفضه لنظرية ميكانيكا الكمّ مؤكِّداً على صدق نظريته النسبية التي تصف العالَم على أنه محكوم بقوانين حتمية على نقيض مما تصف ميكانيكا الكمّ. هكذا قول أينشتاين "إنَّ الله لا يلعب بالنرد" هو بمثابة دفاع عن نظريته العلمية و اعتراض قوي ضدّ ميكانيكا الكمّ التي رفضها بشدة. من هنا عبارة أينشتاين "الله لا يلعب بالنرد" تختصر الصراع العلمي القائم بين الفيزيائيين حيال قبول أم رفض نظرية ميكانيكا الكمّ.

الفيزيائيون منقسمون فمنهم مَن يرفض ميكانيكا الكمّ لكونها تصوّر الكون على أنه محكوم بقوانين غير حتمية كما يفعل أينشتاين والفيزيائي روجر بنروز بينما فيزيائيون آخرون يقبلون نظرية ميكانيكا الكمّ كالفيزيائي ستيفن هوكنغ. و لذا قال هوكنغ إنَّ الله حقاً لا يلعب بالنرد فقط بل يرمي أحياناً بحجارة النرد حيث لا تُرَى. وهذا يناقض موقف أينشتاين. المقصود بقول هوكنغ "إنَّ الله حقاً لا يلعب بالنرد فقط بل أحياناً يرمي حجارة النرد حيث لا تُرَى" هو أنَّ قوانين الطبيعة احتمالية وليست حتمية (تماماً كما جاءت في نظرية ميكانيكا الكمّ) و أنَّ المعلومات تزول في الثقوب السوداء (المُعبَّر عن زوالها بِرمي حجارة النرد حيث لا تُرَى). وبذلك قول هوكنغ بمثابة دفاع عن نظرية ميكانيكا الكمّ القائلة بأنَّ قوانين الطبيعة احتمالية ما يناقض موقف أينشتاين المدافع عن أنَّ قوانين الطبيعة حتمية وليست احتمالية.

موقف أينشتاين موقف حداثوي بينما موقف هوكنغ فموقف ما بعد حداثوي. في نموذج أينشتاين العلمي , الكون مُحدَّد لأنه محكوم بقوانين حتمية مُحدَّدة النتائج. لكن هذه هي فلسفة الحداثة التي تقول بأنَّ الكون مُحدَّد وبذلك من الممكن معرفته كما هو. من هنا موقف أينشتاين القائل بمُحدَّدية وحتمية الكون والقوانين الطبيعية موقف حداثوي. أما في نموذج هوكنغ العلمي فالكون غير مُحدَّد تماماً كما تصفه نظرية ميكانيكا الكمّ القائلة بِلا مُحدَّدية العالَم و بأنَّ قوانينه احتمالية غير حتمية (كأن يكون من غير المُحدَّد إن كان الجُسيم كالإلكترون جُسيماً أم موجة بدلاً من جُسيم). لكن فلسفة ما بعد الحداثة تعتبر أنَّ الكون غير مُحدَّد ولذا من غير الممكن معرفته كما هو. من هنا موقف هوكنغ موقف ما بعد حداثوي.

من جهة أخرى , من الممكن طرح فلسفة مختلفة عن الفلسفات والنماذج العلمية السابقة ألا و هي فلسفة السوبر حداثة. بالنسبة إلى السوبر حداثة , الكون غير مُحدَّد و رغم ذلك من الممكن معرفته كما هو و ذلك من خلال لا مُحدَّديته بالذات. وبذلك تختلف السوبر حداثة عن موقف الحداثة القائل بمُحدَّدية الكون و إمكانية معرفته كما تختلف عن موقف ما بعد الحداثة القائل بلا مُحدَّدية الكون و عدم إمكانية معرفته. مثلٌ على تطبيق السوبر حداثة هو التالي: بما أنَّ الكون غير مُحدَّد ما هو و مما يتكوّن , إذن تنجح النظريات العلمية و تصدق في وصف الكون و تفسيره رغم اختلافها و تعارضها كنجاح ميكانيكا الكمّ بقوانينها الاحتمالية و نجاح نظرية أينشتاين العلمية بقوانينها الحتمية و صدقهما معاً فإن كان الكون مُحدَّداً لنجحت نظرية علمية واحدة دون سواها. هكذا تنجح السوبر حداثة في تفسير لماذا تنجح النظريات العلمية رغم الاختلاف والتعارض فيما بينها. وبذلك رغم لا مُحدَّدية الكون من الممكن معرفته كمعرفة لماذا تنجح النظريات العلمية وتصدق و إن اختلفت و تعارضت.

في نموذج أينشتاين الحداثوي , الله لا يلعب بالنرد بينما في نموذج هوكنغ الما بعد حداثوي الله يلعب بالنرد. أما السوبر حداثة فتختلف عن النموذجيْن السابقيْن لأنها تؤكِّد على أنه من غير المُحدَّد إن كان الله يلعب بالنرد أم لا. و بذلك , بالنسبة إلى السوبر حداثة , من غير المُحدَّد إن كانت قوانين الطبيعة احتمالية (كما تقول نظرية ميكانيكا الكمّ العلمية) أم حتمية (كما تقول نظرية أينشتاين العلمية). ولذلك تتصرّف ظواهر الكون وحقائقه على أنها محكومة بقوانين طبيعية احتمالية غير حتمية كما تتصرّف على أنها محكومة بقوانين حتمية غير احتمالية في آن ما يُفسِّر نجاح نظرية ميكانيكا الكمّ الاحتمالية ونجاح نظرية أينشتاين الحتمية معاً في وصف الكون و تفسيره رغم اختلافهما و تعارضهما. هكذا تكتسب السوبر حداثة قدرتها التفسيرية ما يدعم صدقها ومقبوليتها. وبذلك يصبح الله سوبر حداثوياً لأنه أنتج كوناً محكوماً بمبادىء السوبر حداثة كمبدأ أنه من غير المُحدَّد إن كان الله يلعب بالنرد أم لا الذي يتضمن أنَّ الله يلعب ولا يلعب بالنرد في آن ٍ معاً تماماً كما المبدأ العلمي القائل بأنه من غير المُحدَّد إن كان الجُسيم جُسيماً أم موجة يتضمن أنَّ الجُسيم جُسيم و موجة في آن.

يتخطى الله الحداثة و ما بعد الحداثة لأنه إله سوبر حداثوي. لذلك تصدق النظريات العلمية (كنظرية ميكانيكا الكمّ و نظرية أينشتاين) رغم اختلافها والتعارض فيما بينها. فالواقع ذاته سوبر حداثوي لأنه مجموع كل الممكنات كإمكانية أن يكون حتمياً وإمكانية أن يكون غير حتمي في آن. واقعٌ صادقٌ بصدق كافة النظريات العلمية أغنى من واقع ٍ مسجون بصدق نظرية علمية واحدة دون سواها. و كونٌ متحقق بتحقق كل الممكنات رغم اختلافها و تنوّعها أغنى من كون ٍ تتحقق فيه بعض الممكنات دون سواها. هكذا يغتني الله بِغنى كونه و يغتني الكون بِغنى الله متى أصبحَ الكونُ سوبر حداثوياً بِسوبرحداثوية الله.



#حسن_عجمي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ولاية المواطن سيادة الثورة
- بنية العقل وفشل الثورات وسُبُل نجاحها
- الثورة على الله
- الثورة على اليقينيات
- كلما ازداد اليقين قَلَّت المعرفة
- العِلم سبيل السلام و الحرية
- العدالة كسلام
- المعارف السوبر مستقبلية
- المعرفة قرار إنسانوي
- المعرفة قرار عقلاني
- العلوم السوبر مستقبلية
- الحقيقة فن استنتاج المعاني
- الحياة فن إضفاء المعاني
- المعاني السوبر حداثوية
- العلوم السوبر حداثوية
- جدل الثورات الفلسفية
- المجاز فن المعاني الصادقة
- الإعجاز المخادع و البلاغة الكاذبة
- المعنى فن إنتاج اللغة
- الشِعر فن استدعاء التأويل


المزيد.....




- -منفذو مجزة كشمير الهندية داخل باكستان-.. نائب الرئيس الأمري ...
- مخبأ حربي بفندق في فيتنام استضاف المشاهير خلال الغارات الأمر ...
- الدروز والعنف بسوريا.. أمريكا: -حري بالسلطات المؤقتة وقف الق ...
- ادعاءات صادمة عن زوار الأرض بعد ظهور جسم غامض في أمريكا! (صو ...
- إصابة 5 أشخاص بغارة إسرائيلية على بلدة في جنوب لبنان
- مراجعة شاملة لأضخم موقع بناء في العالم: هل تلغي السعودية مشر ...
- صحافة العالم بأسوأ حال وأوروبا أكثر حرية وتراجع ألماني أمريك ...
- الأمن الفيدرالي الروسي: إحباط هجوم إرهابي كان يستهدف عناصر م ...
- ترامب يطرح ميزانية تتضمن خفضا جذريا للإنفاق على البيئة والتع ...
- صحيفة: واشنطن تكشف لدول -العيون الخمس- بيانات سرية عن الصين ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسن عجمي - هل الله سوبر حداثوي؟