أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسن عجمي - العدالة كسلام















المزيد.....

العدالة كسلام


حسن عجمي

الحوار المتمدن-العدد: 6176 - 2019 / 3 / 18 - 07:17
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تتنوّع نظريات العدالة و تتصارع. لكن لا تتحقق العدالة بأي من أنواعها أو بكافة أنواعها من دون وجود سلام. لذلك تكمن العدالة في السلام. و هذا أساس نظرية العدالة كسلام.

من نظريات العدالة نظرية الفيلسوف أفلاطون التي مضمونها أنَّ العدالة هي الانسجام كالانسجام بين الطبقات الاجتماعية. يعتبر أفلاطون أنَّ العدالة كامنة في أن يقوم كل فرد بما هو مُؤهَّل للقيام به ما يحتِّم أن توجد ثلاث طبقات اجتماعية لا بدّ من وجود انسجام فيما بينها لكي تتحقق العدالة الحقة. الطبقة الأولى طبقة الحكّام الفلاسفة و الطبقة الثانية طبقة المحاربين و الطبقة الثالثة طبقة المُنتِجين كالمزارعين و العمّال. و لا توجد العدالة كانسجام , بالنسبة إلى المدينة الفاضلة لدى أفلاطون , سوى بأن يحكم الفلاسفة (بسبب امتلاكهم للمعرفة الحقة) و أن تأتمر طبقة المحاربين بأوامر و قوانين الفلاسفة الحكّام و أن تطيع طبقة المُنتِجين أوامر طبقة المحاربين فأوامر الملك الفيلسوف أو الملكة الفيلسوفة.

فقط من خلال هذا الانسجام بين هذه الطبقات المبني على طاعة الأقل معرفة لصاحب الأكثر معرفة توجد العدالة. في مدينة أفلاطون الفاضلة كل فرد يقوم بما هو مُهيَّأ للقيام به طبيعياً و تربوياً ما يؤدي إلى الانسجام الاجتماعي و العدالة معاً. فالمُهيَّأ للحكم (بسبب أنه فيلسوف عالِم) يحكم و المُهيَّأ للعسكر يتعسكر بسبب قدرته على ذلك بينما المُهيَّأ للانتاج الزراعي أو الصناعي إلخ فيُنتِج ما هو قادر و مُهيَّأ لانتاجه ما يحتِّم وجود الانسجام بين هذه الطبقات من جراء أنَّ كل فرد يقوم بما يجيد القيام به على ضوء ما هو مُهيَّأ له بطبيعته و علومه.

تطوّر مفهوم العدالة عبر التاريخ و اتخذ مضامين متنوّعة كالعدالة المتمثلة في احترام الحريات بأنواعها كالحرية السلوكية و الفكرية. مثل ذلك نظرية العدالة كحرية لدى الفيلسوف روبرت نوزيك الذي يصرّ على أنَّ العدالة كامنة في احترام حريات الأفراد و عدم التدخل في شؤونهم و أنَّ الضامن الوحيد لحريات الفرد هو عدم فرض إعادة توزيع الثروة في المجتمع و محدودية السلطة الحاكمة و حق كل فرد بالتصرّف كما يشاء بما يملك و إلا خرقنا حق كل فرد في أن يكون حُرّاً في فعل ما يريد بنفسه و بما يمتلك. يعتبر نوزيك أنَّ فقط الحكومة الصغيرة و المحدودة الصلاحيات و المهتمة فقط بحماية المواطنين من ممارسة القوة و القمع و الاحتيال و السرقة إلخ مُبرَّرة حقاً لكونها لا تخرق حقوق المواطنين كحقهم الأساسي في التصرّف بحرية مطلقة بلا اعتداء على الآخرين. و بذلك , من منظوره الفلسفي , توزيع الثروات هو توزيع عادل فقط متى تمّ بالتبادل الاقتصادي الحُرّ و إن أدى إلى اللامساواة الاجتماعية و الاقتصادية. هكذا , بالنسبة إلى نوزيك , الرأسمالية الخالية من أية قيود هي الكفيلة بتحقيق العدالة الحقة القائمة على احترام الحريات أولاً و أخيراً.

ثمة عدالة أخرى هي العدالة كانصاف. يقول الفيلسوف جون رولز إنَّ العدالة تتكوّن من مبدأيْن هما أولاً المساواة في الحريات الأساسية و ثانياً مبدأ أنَّ اللامساواة مقبولة فقط إذا أدت إلى تحقيق النفع الأكبر للأقل حظاً في المجتمع بالإضافة إلى المساواة في الفُرَص. و هذا ما يسمّيه رولز بالعدالة كانصاف. بالنسبة إليه , اللامساواة الاجتماعية و الاقتصادية غير مقبولة في حال أدت إلى عدم إفادة الأقل حظاً اجتماعياً و اقتصادياً. و بذلك العدالة كانصاف تسعى إلى إقلال درجة اللامساواة الاجتماعية و الاقتصادية ما يجعل هذه العدالة حقاً عدالة كانصاف. مثل ذلك أنه في نموذج العدالة كانصاف يجب أن تُبنَى المؤسسات على أساس إفادة الأقل حظاً و إلا أمست اللامساواة الاجتماعية و الاقتصادية مرفوضة. فحين تُبنَى المؤسسات لنفع الأقل حظاً تتقلص الفوارق الاجتماعية و الاقتصادية ما يحتِّم نشوء العدالة كانصاف. و هذا نوع من أنواع الاشتراكية الممكنة.

أما العدالة لدى الفيلسوف كارل ماركس فهي العدالة كمساواة بمعنى المساواة في الحقوق و الواجبات و المساواة المتحققة من جراء القضاء على الحكم الطبقي. في الماركسية , فقط المجتمع الذي بلا طبقات هو المجتمع العادل. و بذلك لا تتحقق العدالة الحقة سوى بتأميم وسائل الانتاج و الغاء الملكية الفردية. هذا لأنَّ أي حكم لأية طبقة اجتماعية يُسبِّب عدم المساواة بين الأفراد المنتمين إلى طبقات اجتماعية مختلفة ما يدلّ على أنَّ العدالة كمساواة لا توجد إلا بالقضاء على الطبقات الاجتماعية المتصارعة فسيادة المساواة الاقتصادية بين الجميع ما يحرِّر كل فرد من سلطة الرأسمالية و تناقضاتها. هكذا لا عدالة حقة بلا مجتمع شيوعي و دولة شيوعية خالية من الطبقية و حكم رؤوس الأموال. بالنسبة إلى الماركسية , المساواة الاقتصادية هي الأساس لكل أنواع المساواة الأخرى و بذلك هي أساس العدالة كمساواة. فمثلاً , من المستحيل وجود مساواة في الفُرَص بلا أن نبدأ بمساواة اقتصادية بين جميع الأفراد فبلا مساواة اقتصادية يمتاز فرد على آخر فتزول المساواة في الفُرَص.

لكن لا تتحقق العدالة كانسجام من دون سلام. فالأوطان الخالية من السلام تعاني من عدم الانسجام فالحروب تدمِّر المجتمعات فتقضي على أي انسجام اجتماعي. كما أنَّ الشعوب الفاقدة للسلام فاقدة للحريات. في زمن الحروب يخسر الفرد حرياته و حقوقه من جراء أنَّ الحروب تقيِّد تصرّف الأفراد و تقتل آخرين. من هنا , من المستحيل تحقيق العدالة كحرية بلا وجود سلام أولاً. من المنطلق نفسه , من غير الممكن وجود العدالة كانصاف مع وجود صراعات و حروب بما أنَّ الحرب تمنع احترام الحقوق الإنسانية بقتلها للمواطنين و تقييد حركتهم فتمنع توزيع الحقوق بتساوٍ و تقضي على إمكانية إفادة الأقل حظاً تماماً كما تلغي إفادة معظم أفراد المجتمع بسبب ما تنتج من دمار و قتل. بذلك لا توجد العدالة كانصاف من دون وجود سلام.

هذا ما يصدق أيضاً على العدالة كمساواة. في زمن الحرب تزول كل أنواع المساواة الممكنة بين الأفراد لأنَّ الحرب عبارة عن قاتل و مقتول و مُدمِّر و مُدمَّر و منتصر و منهزم و لذا تتصف الحروب بالضرورة بخرق المساواة بين البشر و خرق الحقوق الإنسانية كافة من جراء ما تنتج من دمار و انهيار اجتماعي و اقتصادي و أخلاقي. من هنا أيضاً لا عدالة كمساواة بلا سلام. كل هذا يرينا أنَّ السلام هو أساس إمكانية تأسيس العدالة كانسجام و كحرية و كانصاف و كمساواة. و بذلك تكمن العدالة الحقة في السلام لأنَّ السلام هو الطريق الوحيد لبناء العدالة بأنواعها كافة كالعدالة كانسجام و حرية و انصاف و مساواة.

على هذا الأساس , العدالة الحقة ألا و هي العدالة كسلام تؤسِّس للعدالة كانسجام و حرية و انصاف و مساواة تماماً كما أنَّ الانسجام و الحرية و الانصاف و المساواة تؤسِّس للسلام. إنسانٌ بلا سلام إنسانٌ بلا عدالة. و إنسانٌ بلا عدالة و سلام شبهُ إنسان.



#حسن_عجمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المعارف السوبر مستقبلية
- المعرفة قرار إنسانوي
- المعرفة قرار عقلاني
- العلوم السوبر مستقبلية
- الحقيقة فن استنتاج المعاني
- الحياة فن إضفاء المعاني
- المعاني السوبر حداثوية
- العلوم السوبر حداثوية
- جدل الثورات الفلسفية
- المجاز فن المعاني الصادقة
- الإعجاز المخادع و البلاغة الكاذبة
- المعنى فن إنتاج اللغة
- الشِعر فن استدعاء التأويل
- الكون فن إيصال المعاني
- الجمال فن انتظام المعاني
- الفن تحويل اللامعنى إلى معان ٍ
- العقل فن إنتاج الواقع
- المعرفة فن إنتاج المعاني
- العِلم فن توحيد المعاني
- الأدب فن تكثير المعنى


المزيد.....




- بايدن يرد على سؤال حول عزمه إجراء مناظرة مع ترامب قبل انتخاب ...
- نذر حرب ووعيد لأمريكا وإسرائيل.. شاهد ما رصده فريق CNN في شو ...
- ليتوانيا تدعو حلفاء أوكرانيا إلى الاستعداد: حزمة المساعدات ا ...
- الشرطة تفصل بين مظاهرة طلابية مؤيدة للفلسطينيين وأخرى لإسرائ ...
- أوكرانيا - دعم عسكري غربي جديد وروسيا تستهدف شبكة القطارات
- -لا استطيع التنفس-.. لقطات تظهر لحظة وفاة رجل من أصول إفريقي ...
- الشرطة تعتقل حاخامات إسرائيليين وأمريكيين طالبوا بوقف إطلاق ...
- وزير الدفاع الأمريكي يؤكد تخصيص ستة مليارات دولار لأسلحة جدي ...
- السفير الروسي يعتبر الاتهامات البريطانية بتورط روسيا في أعما ...
- وزير الدفاع الأمريكي: تحسن وضع قوات كييف يحتاج وقتا بعد المس ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسن عجمي - العدالة كسلام