أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن عجمي - الجمال فن انتظام المعاني















المزيد.....

الجمال فن انتظام المعاني


حسن عجمي

الحوار المتمدن-العدد: 6107 - 2019 / 1 / 7 - 11:53
المحور: الادب والفن
    


الجمال فن انتظام المعاني. لذلك الكون جميل لأنه مبني على ضوء انتظام معاني ظواهره. فكل ظواهر الكون و حقائقه منتظمة بإحكام في منظومات منطقية معتمدة على منظومات سببية ما يجعل الكون جميلاً بانتظام معانيه.

مثل ذلك أنَّ الأشجار و الغمام مُنتظِمة بمعان ٍ منها أنَّ الأشجار مصادر للحياة (بإنتاجها الأوكسجين) ما يكفل اكتمال صيرورة الحياة و استمراريتها و ما يتضمن بدوره نتيجة أنَّ وجود الأشجار ضروري و إلا انهارت حياة الكائنات الأخرى و لذلك الأشجار موجودة. و في هذا منطق وجود الأشجار و معانيها كمعناها الأساسي الكامن في المساهمة في تشكيل الحياة من خلال إنتاج الأوكسجين. أما الغمام فمُنتظِم بمعانيه كمعنى أنه مصدر للماء الضروري لاستمرارية وجود البحار و الأنهار و الضروري أيضاً لبناء الأجساد البيولوجية الحية.

هكذا تنتظم ظواهر الكون فتصبح حائزة على الجمال. فإن وُجِدت ظاهرة تبدو في الظاهر على أنها جميلة لكنها قاتلة لانتظام الحياة و وجود كون حي فحينها ستمسي حقاً خالية من الجمال بل سوف تغدو قبيحة بفعل قتلها لانتظام الكون و الحياة. من هنا الجمال فن انتظام معاني ظواهر الكون الذي يضمن وجود كون حي و استمرارية وجوده.

يتصف الفن أيضاً بالجمال لأنَّ الفن يُنظِّم المعاني في منظومات منطقية. فمثلاً , لوحة "الزمن" للفنان سلفادور دالي لوحة جميلة لأنَّ فيها تنتظم المعاني منها انتظام المعاني التالية : الزمن مرتبط بالكون فيتغيّر بتغيّرات الكون لأنَّ الزمن نسبي كما تؤكّد نظرية النسبية لأينشتاين. لذلك يولد الزمن و ينمو و يموت بولادة الكون و نموه و موته. من هنا ساعات دالي في "لوحة الزمن" ذائبة و تحتضر باحتضار الأرض. هكذا تنتظم المعاني في "لوحة الزمن" فتصبح منطقية ما يجعل لوحة دالي جميلة بامتياز. فانتظام المعاني هو تكوّن المعاني و تشكّلها من بعضها البعض على ضوء العلاقات المنطقية التي تسمح بحق في استنتاج معانٍ معينة من معانٍ أخرى. و بذلك أيضاً انتظام المعاني هو ربط المعاني بعلاقات استنتاجية منطقية ما يجعل مالك انتظام المعاني منطقياً فممكناً و منسجماً فحائزاً على الجمال و مستدعياً للتفكير المنطقي حياله.

أما لوحة "الحذاء" للفنان فان غوخ فجميلة أيضاً لأنها تحتوي على انتظام معانٍ دقيقة منها أنَّ قبح هذا الحذاء القديم و المُهمَل ليس سوى فوضاه. و فوضى هذا الحذاء ليست سوى حقيقة أنَّ الكون يعبر من انتظام إلى فوضى كما تشير نظرية الثرموديناميك العلمية. على هذا الأساس , تحدّثنا لوحة الحذاء قائلة : قبح هذا الحذاء فوضاه بينما فوضاه مجرّد حقيقة الكون المُنتقِل إلى فوضى و لكن رغم ذلك الكون جميل لذلك قبح هذا الحذاء جميل أيضاً و فوضاه موجودية الكون فانتظام الوجود. هكذا تنتظم معاني لوحة الحذاء فتكتسب جماليتها.

حذاء فان غوخ رمز للكون فإن احتضر الكون و مات بماديته يبقى حياً بمعانيه المجرّدة عن المادة. و بذلك أيضاً هذا الحذاء رمز للحياة التي لا تموت. فالفوضى تولد من الانتظام كما يولد الانتظام من الفوضى في صيرورة أبدية. فوضى الحياة و الكون انتظام آخر ما يحتِّم استمرارية الوجود و انتصار الحياة و سيادتها كانتصار هذا الحذاء بتحوّله إلى فن راقي الدلالات بانتظام معانيه.

الأفكار أيضاً جميلة حين تنتظم معانيها بعلاقات منطقية سليمة كعلاقة الاستنتاج المنطقي و الانسجام الفكري. فالبراهين العلمية و الفلسفية تتصف بالجمال لانتظامها المنطقي تماماً كما أنَّ النظريات العلمية و الفلسفية المنتظمة بالمنطق و المتصفة بالقدرة على وصف الكون و تفسيره تتصف بجماليتها. مثل ذلك إذا نظرنا إلى مقولة الفيزيائي "آلن غوث" ألا و هي أنَّ "الوجود موجود لأنه عدم" فحينئذٍ سنجد أنها تتصف بجمالية خارقة. و تكمن جماليتها في أنها انتظام لمعانٍ عديدة و متنوّعة منها أنه إذا جمعنا طاقات الكون سوف نجد أنَّها تساوي صفراً لأنَّ طاقة الكون الإيجابية متساوية مع طاقته السلبية و لذلك من الممكن أن يولد الكون تلقائياً من العدم (المشار إليه بالصفر فالعدم علمياً هو كل الطاقات المُختزِلة لبعضها البعض).

هكذا تتصف مقولة "الوجود موجود لأنه عدم" بالجمال لأنَّ معانيها منتظمة منطقياً و علمياً بحيث تُستنتَج نتائجها بسلاسة من مسلّماتها فتغدو منسجمة حاوية على منطق سليم هو أساس جماليتها. من هنا الجمال أيضاً عملية تفكير منطقي و علمي يُعقلِن الكون الواقعي الذي يصدق فيه أو الأكوان الممكنة التي يصدق فيها. لو أننا قلنا إنَّ "الوجود موجود لأنه موجود" نقع حينها في الدور المرفوض منطقياً (لأنه حينئذٍ نكون قد فَسَّرنا الشيء بالشيء نفسه) فيمسي قولنا مرفوضاً و فاقداً للجمال بسبب عدم انتظام معانيه منطقياً و علمياً. من هنا الجمال هو انتظام المعاني منطقياً و علمياً.

إن كان الجمال فن انتظام المعاني فمن الممكن أن تنتظم المعاني بِطرُق عديدة و مختلفة كما من الممكن أن تنتظم المعاني لدى هذا الفرد و لا تنتظم لدى آخر. لذلك الجمال متعدّد و متنوّع و يختلف من فرد إلى آخر. هكذا الجمال على أنه فن انتظام المعاني يُفسِّر لماذا الجمال نسبي فما هو جميل بالنسبة إلى شخص قد لا يكون جميلاً بالنسبة إلى شخص آخر و ما هو جميل اليوم قد يمسي قبيحاً غداً و العكس صحيح. كل هذا ممكن لأنَّ الجمال فن انتظام المعاني و انتظامها نسبي و متغيّر بنسبية و تغيّر بناء هذا أو ذاك الانتظام للمعاني أو عدم بناء أي انتظام.

على ضوء هذه الاعتبارات , الجمال ليس صفة ثابتة في الكون. و الجمال ليس تأثيراً إيجابياً في النفس البشرية فقط. بل الجمال عملية إنتاج هذا الانتظام للمعاني أو ذاك الانتظام. الجمال ليس صفة متحرّكة للكون و ظواهره فقط و ليس حالة استحسان و متعة في النفس البشرية فقط لأنَّ الجمال تكوين انتظام المعاني و بذلك الجمال صيرورة إنتاج و خلق لانتظامات المعنى. لكن لا تنتظم المعاني بلا صفات واقعية في الكون حاوية على قابلية الانتظام و بلا نفس بشرية تقوم بتنظيم المعاني فعلياً. هكذا الجمال جدلية الواقع و النفس البشرية معاً التي بفضلها تتشكّل انتظامات المعاني بدلاً من أن يكون صفة مُحدَّدة في الوجود الواقعي أو حالة نفسية مُحدَّدة. لكن من الممكن أن تنتظم المعاني بِطرُق عديدة و مختلفة و متنوّعة. لذلك الجمال هو لامحددية العلاقة الجدلية بين الواقع و العقل البشري. من هنا كلما ازدادت لامحددية الظاهرة كلما ازدادت إمكانيات انتظامات معانيها بأساليب و طرُق متنوّعة ما يحتِّم ازدياد جمالها.

الكون اللامُحدَّد بظواهر معانيه و معاني ظواهره أجمل من الكون المُحدَّد بمعانٍ تُقيِّده. فلامحددية الكون تحرِّر الإنسان و الكون معاً لأنها تسمح بتشكيل انتظامات معان ٍ متعدّدة و مختلفة و جديدة من جراء لامحددية صفات و ماهيات الكون نفسه. لو أنَّ الكون كان مُحدَّداً لسجننا في انتظام معان ٍ مُحدَّدة فسجن الجمال و اغتاله. هكذا الجمال لامحددية انتظامات المعاني و تحديدها باستمرار بأساليب و مناهج متنوّعة. الجمال صيرورة انتظام المعاني الأبدية.



#حسن_عجمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفن تحويل اللامعنى إلى معان ٍ
- العقل فن إنتاج الواقع
- المعرفة فن إنتاج المعاني
- العِلم فن توحيد المعاني
- الأدب فن تكثير المعنى
- الأدب فن إخفاء المعنى
- فلسفة ارتباط العقل بالواقع
- فلسفة المعاني و صراع النظريات
- ستيفن هوكنغ : لا غالب إلا العلم
- الفيزياء المعاصرة و التصوّف
- فلسفة العلمانية الإنسانوية
- العلم أنسنة الكون
- الكون عزف جاز
- نقد العلوم
- علمانية اللغة العربية و ديمقراطيتها
- الفلسفة الأخلاقية في اللغة العربية
- الفلسفة التربوية و صراع الحداثة و التخلف
- فلسفة الميتافيزياء و العلوم المعاصرة
- فلسفة العلوم
- المعنافوبيا


المزيد.....




- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن عجمي - الجمال فن انتظام المعاني