أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن عجمي - الفلسفة التربوية و صراع الحداثة و التخلف















المزيد.....

الفلسفة التربوية و صراع الحداثة و التخلف


حسن عجمي

الحوار المتمدن-العدد: 5287 - 2016 / 9 / 17 - 09:42
المحور: الادب والفن
    


تختلف الفلسفات التربوية و تتصارع. نشهد في هذا المقال صراع فلسفة السوبر حداثة و عقائد السوبر تخلف ضمن سياق العملية التربوية. فهل العلم أداة قمع و تجهيل أم منهج لتحقيق إنسانية الإنسان و حريته ؟ هذا يعتمد علينا نحن.

تعتبر الفلسفة التربوية التقليدية أن الكون مُحدَّد و بذلك المعرفة مُحدَّدة أيضاً. و بما أن المعرفة محدَّدة إذن لا يوجد داع ٍ للاستمرار في عملية تحديد المعرفة ما يقضي على البحث العلمي و يغتال العلم. هكذا الفلسفة التربوية التقليدية تلغي المعرفة و ذلك من جراء اختزال المعرفة إلى عقائد مُحدَّدة سلفاً. و هي بذلك تجعل المعلم ناقلاً للمعلومة و تبقي الطالب متلقياً لها فتقضي على المبدع في المعلم و الطالب. و هذا نقيض العلم لأن العلم عملية تصحيح مستمرة لِما نعتقد و ليس مجموعة عقائد مُحدَّدة. الفلسفة التربوية التقليدية تعتمد على اليقينيات غير القابلة للشك و المراجعة و الاستبدال ما يؤسس للعنصرية و الطائفية. فحين تكون معتقداتنا يقينيات بالنسبة إلينا سنتعصب لها فنرفض الآخر ما يوقعنا في العنصرية و الطائفية. و لذا نجد أن المجتمع الذي يرتكز على التعليم التقليدي يعاني من غياب المشاركة في بناء العلوم تماماً كما يعاني من التعصب و الاقتتال الأهلي. هكذا الحل الأنسب يكمن في التحرر من الماضي و معارفه المخادعة و السعي الدائم نحو صياغة معارف جديدة على أساس البحث العلمي و الفكر الموضوعي و المنطقي. شعب لا ينتج الجديد في العلوم و الفنون و الفلسفة شعب ميت.

بالإضافة إلى ذلك , العملية التربوية عملية تواصلية. و ثمة أساليب تواصلية عديدة و مختلفة منها أن التواصل هو عملية إرسال للمعلومات. هنا العملية التربوية تتكوّن من مُرسِل هو المعلّم و مُرسَل إليه و هو الطالب , و التعليم مجرد إرسال معلومات من المُرسِل و تلق ٍ للمعلومات من قبل المُرسَل إليه. لكن هذا النوع من التواصل التربوي يجعل المُرسِل مجرد ناقل للمعلومات و يبقي المتلقي مجرد متلق ٍ للمعلومات بدلاً من منتج لها. و في هذا فشل تربوي واضح. نوع آخر من التواصل التربوي كامن في أن التواصل هو إحداث تغيير. فمن دون إحداث تغيير في المتلقين لا يوجد تواصل حق. لكن هنا أيضاً يبقى المتلقي للمعلومات متلقياً لها بدلاً من مبدع لها فيفشل هذا الخطاب أيضاً. على أساس هذه الاعتبارات , العملية التربوية التواصلية الأصدق و الأنجح قائمة في تحويل المعلم و الطالب معاً إلى منتجي لمعارف جديدة. ضمن هذا السياق التربوي , العملية التواصلية بين المعلم و الطالب تغدو عملية إنتاج للمعرفة و العلوم بدلاً من أن تبقى عملية استهلاك لمعارف ماضوية و بذلك تحرر المعلم و الطالب معاً. فالعملية التربوية عملية تواصلية هدفها الأعلى تحقيق إنسانية الإنسان من خلال جعله منتجاً للمعرفة فحراً في خلقها على ضوء التفكير الموضوعي و البحث العلمي و المنطقي باستقلال عن خداع الماضي و أكاذيب الواقع الراهن. و لا يحدث ذلك سوى من خلال بناء قدرات إبداعية في كل من المعلم و الطالب. و بذلك تصبح العملية التربوية عملية صياغة قدرات على صناعة معارف و علوم جديدة.

لكننا اليوم نحيا في عصر السوبر تخلف. بالنسبة إلى السوبر تخلف كأيديولوجيا عقائدية , هدف التربية و التعليم هو تطوير التخلف. و يحدث ذلك من خلال طرق عدة منها جعل الطالب قادراً على تقديم العلم على أنه جهل و تقديم الجهل على أنه علم متى كان ذلك مناسباً للمؤسسة التربوية أو للنظام السياسي وراء هذه المنظمة التربوية أو تلك. في النموذج التربوي السوبر متخلف , التخلف هو القيمة العليا , و الوظيفة الأساسية للمؤسسات التربوية كامنة في نشر الجهل و التجهيل. و يتم ذلك من جراء تمكين الطلاب من استخدام العلم و المعارف و التكنولوجيا و الدين من أجل تحقيق هيمنة الجهل و التجهيل. فالنظام التربوي المتخلف يختلف عن النظام التربوي السوبر متخلف. المؤسسة التربوية المتخلفة لا تقدِّم شيئاً نافعاً و صادقاً للطالب و المجتمع بل تعيد صياغة المعارف الكاذبة التي يكتسبها الفرد عادة ً من محيطه المخادع. لكن المؤسسات التربوية السوبر متخلفة تقدِّم العلم على أنه جهل و الجهل على أنه علم بهدف تطوير التخلف من خلال استغلال المنجزات الحضارية كالعلم و التكنولوجيا لإعلاء رايات التعصب العنصري و الطائفي و المذهبي. و كل هذا يرتكز على تشويه الحقائق و العلوم بغرض القضاء على إنسانية الإنسان. هكذا يختلف التخلف عن السوبر تخلف. فالتخلف لا يقدِّم شيئاً بينما السوبر تخلف يقدِّم الكثير كتطوير التخلف و اعتبار التخلف الغاية الأسمى و قيمة القيم. و يتصف النظام التربوي السوبر متخلف بتخريج أطباء و مهندسين و أكاديميين و مثقفين منتمين إلى جماعاتهم و طوائفهم و مذاهبهم و مدافعين عن جماعاتهم ضد الطوائف و المذاهب الأخرى. و بذلك يتحوّل التعليم إلى أداة صياغة للطائفية و العنصرية و الحروب. هكذا يمسي العلم وسيلة قمع و أداة اضطهاد بدلاً من منهج للحرية و أداة لبناء إنسانية الإنسان.

من جهة أخرى , من الممكن التخلص من السوبر تخلف و ذلك من خلال اعتماد فلسفات معينة كفلسفة السوبر حداثة. بالنسبة إلى السوبر حداثة , المعرفة غير مُحدَّدة تماماً كالظواهر الطبيعية و الاجتماعية كافة. و بما أن المعرفة غير مُحدَّدة , إذن لا بد أن نحدِّدها نحن. و بذلك تغدو المعرفة معتمدة علينا نحن في تشكيلها و تكوينها بدلاً من أن نكون عبيداً لها. و بهذا تحررنا المعرفة بدلاً من أن تسجننا في مسلّماتها الماضوية. فلو كانت المعرفة مُحدَّدة ما هي لتم سجننا في معارف الماضي ما يحتم أن نخسر حريتنا. لكن المعرفة السوبر حداثوية غير مُحدَّدة , و بذلك تعتمد في وجودها و تكوّنها علينا نحن ما يضمن حريتنا في تشكيلها و تشكيل أنفسنا و ما يضمن أيضاً استمرارية بحثنا المعرفي. فالمعرفة غير المُحدَّدة تتطلب بحثاً مستمراً عن كيفية تحديدها ما يحتم استمرارية البحث العلمي بدلاً من اغتياله. و ضمان استمرارية البحث المعرفي فضيلة في حد ذاتها تماماً كفضيلة التحرر من المعارف الماضوية. هكذا تكتسب السوبر حداثة فضائلها فمقبوليتها. و السوبر حداثة تؤكد على إمكانية المعرفة علماً بأنها تتضمن فكرة أن المعرفة من صناعتنا نحن لكونها تحتاج إلينا كي نحددها بشكل مستمر. من منطلق السوبر حداثة , الكون ذاته غير مُحدَّد و رغم لا محددية الكون من الممكن معرفته. فمثلاً , بما أن الكون غير مُحدَّد , إذن من الطبيعي أن توجد نظريات علمية ناجحة في وصف الكون و تفسيره رغم أنها تختلف عن بعضها البعض و تتعارض كنظرية ميكانيكا الكم القائلة بلا حتمية الكون و النظرية النسبية لأينشتاين القائلة بحتمية العالم ؛ فلو كان الكون محدَّداً لوجدت نظرية علمية واحدة ناجحة في وصفه و تفسيره. هكذا تفسِّر السوبر حداثة نجاح النظريات العلمية رغم اختلافها و ذلك من خلال لا محددية العالم. و بذلك المعرفة ممكنة رغم أن الكون غير مُحدَّد.

الآن , بما أن المعرفة غير مُحدَّدة لكنها ممكنة من منظور السوبر حداثة , إذن لا بد للطالب و المعلم أن يشاركا في عملية تحديد المعرفة. و بذلك يصبح كل من الطالب و المعلم منتجاً للمعرفة بدلاً من أن يبقى الطالب متلقياً للمعارف و يبقى المعلم ناقلاً للمعرفة. هكذا تحوّل فلسفة السوبر حداثة التربية و التعليم إلى وسائل إنتاج للمعارف فتحررنا من المؤسسات التربوية التي تسجننا بقيود المعرفة الماضوية. الصراع لا ينتهي بين السوبر حداثة و السوبر تخلف. لكن مَن سينتصر في النهاية ؟ هذا يعتمد علينا نحن. بالإضافة إلى ذلك , تتفق السوبر حداثة مع فلسفة السوبر مستقبلية التي تقول إن التاريخ يبدأ من المستقبل. من منطلق السوبر مستقبلية , الظواهر و الحقائق مُحدَّدة فقط في المستقبل و بذلك الحقائق و الظواهر الطبيعية و الاجتماعية ليست مُحدَّدة في الحاضر و الماضي تماماً كما تؤكد السوبر حداثة. من هنا , تنسجم السوبر مستقبلية مع فلسفة السوبر حداثة. و بما أن حقائق الوجود و ظواهره مُحدَّدة فقط في المستقبل , إذن من منظور السوبر مستقبلية المعرفة محدَّدة فقط في المستقبل. و لذلك تحتاج المعرفة إلى تحديدها بشكل دائم من قِبلنا فنضمن استمرارية البحث العلمي و تصبح المعرفة معتمدة علينا في تكوينها ما يوافق نتائج السوبر حداثة. هكذا تحوّل السوبر مستقبلية المؤسسات التربوية إلى مؤسسات منتجة للمعرفة بدلاً من أن تكون مستهلكة للمعارف. فبما أن المعرفة محدَّدة فقط في المستقبل , إذن المعرفة غير محدَّدة في الماضي. و بذلك تحررنا السوبر مستقبلية من المعارف الماضوية ما يحتم تحويل المؤسسات التربوية إلى آليات لإنتاج معلومات و معارف جديدة.

الهدف الأول للتربية و التعليم قائم في تحقيق التطور فإنسانية الإنسان و حريته الكامنة في العلم و المعرفة. و لا تطور من دون فلسفات سوبر حداثوية و سوبر مستقبلية. و ذلك لأن فلسفة السوبر حداثة و السوبر مستقبلية تحررنا من أكاذيب الماضي و خداع التاريخ و الواقع المشوّه و تدفع الطالب و المعلم إلى أن يصبحا منتجي للمعرفة بدلاً من سجنائها. الإنسان طالب و معلم و إنتاج لمعارف مبتكرة. إنسان بلا إنتاج معلومات جديدة إنسان أعمى.



#حسن_عجمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلسفة الميتافيزياء و العلوم المعاصرة
- فلسفة العلوم
- المعنافوبيا
- المعنالوجيا
- فلسفة الحداثة في مواجهة ما بعد الحداثة
- الفلسفة الإنسانوية في مواجهة فلسفة الثنائيات
- غزل فلسفي : كولونيا
- الفلسفة الاسلامية و دورها الاجتماعي و السياسي
- فلسفة الدين بين الحداثة و ما بعد الحداثة
- فلسفة الحياة و العقل و اللغة
- البحث عن لغات فكرية جديدة
- فلسفة الزمن و الكون و الوهم
- فلسفة العلم و الديمقراطية
- سوبر تفكيك الأصولية و الإرهاب
- الديمقراطية نظام تواصلي و معلوماتي
- فلسفة الكون المعلوماتي
- الكون نظام تواصلي
- العلم إعجاز لغوي
- العلم عملية تصحيح لغوية
- السوبر تخلف : ما بعد الديمقراطية و الديكتاتورية


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسن عجمي - الفلسفة التربوية و صراع الحداثة و التخلف