أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسن عجمي - المعنافوبيا















المزيد.....

المعنافوبيا


حسن عجمي

الحوار المتمدن-العدد: 5135 - 2016 / 4 / 17 - 08:55
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


المعنافوبيا هي الخوف من المعنى. اليوم تسود المعنافوبيا على المجتمعات العربية الإسلامية ؛ فنحن نخاف من المعاني و البحث فيها و اكتشاف معان ٍ جديدة. هذا أدى إلى عدم مشاركتنا الحالية في إنتاج العلوم و الفلسفة فأمسينا خارج التاريخ و الحضارة الإنسانية.

بما أننا نعاني من الخوف و الرعب من المعاني و البحث فيها , و بما أن العلوم و الفلسفة عملية بحث في معاني المفاهيم و كشف و اختراع معان ٍ جديدة للمفاهيم اللغوية , إذن من المتوقع أن نتجنب العلوم و الفلسفة و أن لا نشارك في صياغتها. هكذا ابتعدنا عن البحث في المعاني و الدلالات اللغوية من جراء المعنافوبيا التي أدت بنا إلى عدم الإنتاج الفكري و الفلسفي و العلمي ما حتم بدوره انحطاط حضارتنا. فالخوف من المعاني خوف من التفكير ؛ فالتفكير هو دوماً تفكير فيما هو معنى هذا المفهوم أو ذاك. على هذا الأساس , المعنافوبيا كمرض سيكولوجي نعاني منه حالياً مصدر أساسي من مصادر انحطاط حضارتنا اليوم و انعزالها عن مجرى التاريخ المتجه دائماً نحو اكتشاف و اختراع ما هو جديد في الفكر و العلم و الفلسفة. فلا حضارة حقيقية من دون علوم و فلسفات على أساسها تنبني المجتمعات و تزدهر و ترتقي. و بما أننا نخاف المعاني فالبحث فيها , إذن من الطبيعي أن نتمسك بالمعاني المُحدَّدة سلفاً في ماضينا فنغدو بذلك سوبر ماضويين لا نؤمن و لا نعتقد سوى بمعاني المفاهيم المُحدَّدة في هذا الجزء من التراث أو ذاك. هكذا أمسينا سجناء المعاني الماضوية من جراء المعنافوبيا التي تمنعنا من التقدم الحضاري و إنجاز النهضة الحقة.

يوجد سببان أساسيان وراء نشوء المعنافوبيا و سيطرتها على العقل العربي الإسلامي. و السببان مرتبطان بالثقافة العربية الإسلامية كما نحياها اليوم. السبب الأول هو التالي : العقيدة المهيمنة على عقولنا حالياً هي أن اللغة العربية هي لغة الله بما أن القرآن وحي من الله , و اللغة العربية لغة القرآن. لكن بما أن اللغة العربية هي لغة الله , إذن الله وحده يعلم معاني المفاهيم و المصطلحات العربية و دلالاتها. و لذا من الخطأ كما من المستحيل علينا أن نكتشف و نعلم الدلالات و المعاني الحقيقية و الدقيقة. لذلك نخاف المعاني و الدلالات كما نخاف الله و لا نخوض فيها فلسفياً و علمياً لأنها مُلك الله وحده. من هنا , عقيدتنا المسيطرة اليوم أدت إلى المعنافوبيا فانهيار عقلنا العلمي و الفلسفي. فاعتبار أن لغتنا مقدَّسة جعلنا نخشى لغتنا فالتفكير بها و فيها ما أدى إلى رفضنا للتفكير في أي قضية علمية أو فلسفية.


السبب الأساسي الثاني وراء المعنافوبيا هو أننا نخاف التغيير و نرفضه لأننا نخشى أن يؤدي أي تغيير إلى تهديد أو تدمير واقعنا المعاش و ماضينا التراثي و العقائدي المُعتمَد. فكل من خوفنا من أن تتغير هويتنا و أن نخسرها و خوفنا من خسارة تراثنا و ديننا أدى بنا إلى أن نخشى و نتجنب أي تغيير. و خوفنا من أي تغيير محتمل أو ممكن سَبَّب خوفنا من المعاني و الدلالات و البحث فيها أو من خلالها لأن التفكير في المعنى و الدلالة قد يُنتِج معان ٍ و دلالات فلغات جديدة تؤسس للتغيير على المستويات كافة. من هنا , رفضنا لأي تغيير حقيقي هو سبب من الأسباب الرئيسية خلف نمو المعنافوبيا و سيادتها على عقولنا و مشاعرنا. فمثلا ً , إذا بحثنا و اكتشفنا أن مفهوم الحرية يعني إعادة توزيع الثروة و المعرفة بشكل متساو ٍ بين الناس , فهذا البحث اللغوي الفلسفي سوف يُسبِّب تغيراً جذرياً في المجتمع في حال انتشاره و قبوله. على هذا الأساس , البحث في اللغة و معانيها يُشكّل خطراً على ما نعتاد من واقع متخلف. لذا نخاف اللغة و ما تحتوي من معان ٍ و دلالات ممكنة و جديدة.

بالإضافة إلى ذلك , المعنافوبيا سبب أساسي من أسباب الحروب الدائمة التي نعاني منها اليوم. فخوفنا من المعنى و البحث فيه و من خلاله جعلنا نكتفي بالمعاني التراثية المُحدَّدة مُسبَقاً فإتخذناها كيقينيات معرفية لا تقبل الشك و المراجعة و الاستبدال. و بذلك تعصبنا لمعتقداتنا الحاوية على المعاني الماضوية فرفضنا الآخر الذي لا يؤمن بما نؤمن ما سَبَّب لا محالة إلى اقتتالنا الطائفي و المذهبي و العرقي. أما إذا اعتبرنا أن اللغة عملية بحث مستمرة عن معان ٍ و دلالات جديدة فحينها لن نتعصب لمعان ٍ ماضوية , و بذلك يزول سبب أساسي وراء صراعاتنا. خوفنا من المعاني يؤسس لليقينيات. و اليقينيات تؤسس للحروب الدائمة. فاليقينيات تؤدي إلى رفض الآخر الذي لا يؤمن بما نؤمن. على هذا الأساس , التجسد الأول للمعنافوبيا هو تجسدها في الحروب المستمرة ضمن مجتمعاتنا العربية الإسلامية.

للمعنافوبيا تجسدات عديدة و مختلفة منها : أولا ً , تجسدها في اقتتالنا و حروبنا الداخلية. فحروبنا حروب على المعنى كأن نختلف حول هل معاني الإسلام كامنة فيما قال إبن تيمية أم فيما قال إبن رشد. أتباع الاتجاه الأول هم الأصوليون أما أتباع الاتجاه الثاني فهُم الليبراليون و العلمانيون. خلافنا خلاف على معاني الماضي لأننا نخاف البحث في معاني الحاضر و المستقبل. ثانياً , تتجسد المعنافوبيا في دعوتنا إلى عدم القراءة و التفكير و الكتابة عن العلماء و الفلاسفة و الإكتفاء بما يوجد في القرآن و حديث الرسول. و في هذا خوف شديد من الخوض في معان ٍ و دلالات لغوية ففكرية لم نعهدها سابقاً.

ثالثا ً , الرفض الصريح للعلم و الفلسفة و اعتبار نظرياتها كاذبة لأن الكون بناء عقلي مجرد في عقل الله وحده. و في هذا تعبير عن الخوف المرضي من معرفة معاني اللغات البشرية و دلالاتها المتجلية في الفلسفات و العلوم. رابعاً , اختزال نظريات العلماء و الفلاسفة الحديثة و المعاصرة إلى هذا القول الشِعري أو النثري التراثي أو ذاك. و في هذا تشويه للفلسفات و العلوم و تشويه للتراث في آن. و يدل هذا طبعاً على الرعب الذي يصيبنا في مواجهة الجديد من المعاني المُعبَّر عنها في الفلسفات و العلوم الحديثة و المعاصرة.

أما علاج هذا المرض العقلي الذي يُدعى المعنافوبيا فيكمن في اعتبار أن اللغة و معانيها و دلالاتها غير مُحدَّدة بل تعتمد في تحديدها و تكوينها علينا نحن بالذات. فعندما لا تكون اللغة و ما تتضمن من معان ٍ و دلالات مُحدَّدة منذ الأزل أو في الماضي , تحتاج حينها إلينا لكي نحددها فنكوِّنها , و بذلك يزول خوفنا من المعنى و البحث فيه. فالمعنى لا يوجد أصلا ً من دون إنتاجنا له. هكذا نتحرر من المعنافوبيا ما سوف يدفعنا نحو المشاركة في بناء علوم و فلسفات جديدة. فحين نتخلص من خوفنا من المعنى و البحث فيه سنتمكن من الإقبال على التفكير في معاني المفاهيم و دلالاتها. و كل من الفلسفة و العلم ليس سوى عملية بحث في معاني المفاهيم و دلالاتها. من هنا , سننجح في العودة إلى الحضارة و إنتاج العلم و الفلسفة حين نتحرر من المعنافوبيا فنقبل على التفكير في المعاني و الدلالات لكونها مجرد نتاج تفكيرنا و لا ترتبط بأي مُقدَّس أزلي أو دنيوي.



#حسن_عجمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المعنالوجيا
- فلسفة الحداثة في مواجهة ما بعد الحداثة
- الفلسفة الإنسانوية في مواجهة فلسفة الثنائيات
- غزل فلسفي : كولونيا
- الفلسفة الاسلامية و دورها الاجتماعي و السياسي
- فلسفة الدين بين الحداثة و ما بعد الحداثة
- فلسفة الحياة و العقل و اللغة
- البحث عن لغات فكرية جديدة
- فلسفة الزمن و الكون و الوهم
- فلسفة العلم و الديمقراطية
- سوبر تفكيك الأصولية و الإرهاب
- الديمقراطية نظام تواصلي و معلوماتي
- فلسفة الكون المعلوماتي
- الكون نظام تواصلي
- العلم إعجاز لغوي
- العلم عملية تصحيح لغوية
- السوبر تخلف : ما بعد الديمقراطية و الديكتاتورية
- فلسفة العلم في مواجهة فلسفة الجهل
- المعرفة بين السوبر حداثة و السوبر تخلف
- اللغة بين السوبر حداثة و السوبر تخلف


المزيد.....




- نقل الغنائم العسكرية الغربية إلى موسكو لإظهارها أثناء المعرض ...
- أمنستي: إسرائيل تنتهك القانون الدولي
- الضفة الغربية.. مزيد من القتل والاقتحام
- غالانت يتحدث عن نجاحات -مثيرة- للجيش الإسرائيلي في مواجهة حز ...
- -حزب الله- يعلن تنفيذ 5 عمليات نوعية ضد الجيش الإسرائيلي
- قطاع غزة.. مئات الجثث تحت الأنقاض
- ألاسكا.. طيار يبلغ عن حريق على متن طائرة كانت تحمل وقودا قب ...
- حزب الله: قصفنا مواقع بالمنطقة الحدودية
- إعلام كرواتي: يجب على أوكرانيا أن تستعد للأسوأ
- سوريا.. مرسوم بإحداث وزارة إعلام جديدة


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسن عجمي - المعنافوبيا