أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد بطاح - الوظيفة الأيديولوحية في الرواية















المزيد.....

الوظيفة الأيديولوحية في الرواية


أحمد بطاح

الحوار المتمدن-العدد: 6446 - 2019 / 12 / 25 - 17:53
المحور: الادب والفن
    


إن الباحث في فكر بول ريكور سيقف في كتابه " من النص إلى الفعل، أبحاث في الهيرمونطيقا" على ثلاثة وظائف تؤديها الأيديولوجيا وتشتغل بها باعتبارها ميكانيزمات، وأول هذه الوظائف نجد وظيفة التشويه، وهي الوظيفة التي حددها ماركس، على اعتبار أن الأيديولوجيا هي تشويه الواقع وقلب الحقائق، وخلق تصورات معكوسة عن الواقع. ثم تأتي وظيفة أخرى وهي الوظيفة التبريرية، حيث يقول بول ريكور: ".. ترتبط هذه الوظيفة عندما تتحول أفكار الطبقة المسيطرة في المجتمع إلى أفكار مهيمنة تدعي الكونية والشمولية"1 . بمعنى أن وظيفة التبرير تسعى إلى ترسيخ الأفكار المعكوسة وجعلها مقبولة لدى فئات المجتمع على أنها هي الأفكار الصحيحة والحقيقية، إن التبرير هنا يلعب دور الإيهام بالحقيقة. في حين تتجلى الوظيفة الأخيرة في الإدماج، ويقول عنها بول ريكور: "هذه الوظيفة على ما يبدو أكثر أهمية وعمقا من الوظيفتين السابقتين. ومن أجل أن نفهم هذه الوظيفة، سأنطلق من استعمال خاص للمفهوم، تظهر فيه بوضوح وظيفة الإدماج، يتعلق الأمر بمسألة تخليد جماعة ما احتفالاتها وذكرياتها الأساسية، بحيث يتمكن أفراد الجماعة من إعادة إحياء الأحداث التاريخية كأحداث أولية مؤسسة للهوية الخاصة بالجماعة، ترتبط هذه الوظيفة بتكوين بنية رمزية للجماعة"2 . إن وظيفة الإدماج حسب هذا المعنى هي عملية ترسيخ الحقائق المقلوبة والمبررة، وجعلها جزءا من الذاكرة الجماعية، بل رفعها إلى درجة المبادئ المؤسسة لما هو عام والتي تشكل الوعي الجمعي للمجتمعات.
من خلال إسقاط هذا التحليل لوظائف الأيديولوجيا على الرواية، ومحاولة فهم أبعادها الأيديولوجية، يتسنى لنا القول إن الرواية أيضا تقوم على بعد أيديولوجي يشتغل وفق هذا المنطق، إذ إن الرواية لا تنتج نسخة مطابقة للواقع، حتى في أقصى الحدود التي تتجلى في الرواية الواقعية، بل إنها تسعى، غالبا، إلى خلق عالم موازي، عالم الكلمات، عالم اللغة. إن الرواية هي إخفاق وتعويض، بحيث إن الروائي حينما يفشل في العالم الحقيقي يسعى إلى خلق عالم مزيف، يتحقق فيه ما لم يتحقق في العالم القائم، بل إن الرواية أحيانا هروب من الواقع، ليس في ارتباط بالكاتب فقط، بل حتى القارئ، هذا الأخير الذي يسعى إلى ترميم جراحه بالقراءة، وينتفض غضبا حينما تنتهي الرواية إلى نهاية حزينة، تناقض الإرادتين الفردية والجماعية في أن تكون النهاية السعيدة هي مآل الأبطال. وتعتبر قصة ستيفن كينغ بعنوان Miseryوالتي حولت إلى فيلم سنة 1990 من إخراج روب راينر ومن بطولة جيمس كان وكاثي بيتس، تقدم البطل الذي يعمل روائيا وقد وقع أسير إحدى معجباته بعد حادثة سير، هذه المعجبة التي ستقوم بتعذيبه وسجنه من أجل تغيير نهاية إحدى رواياته إلى نهاية تسعده. إن هذه القصة توضح بجلاء أن الرواية تسعى إلى خلق عالم آخر نعيد فيه معالجة إخفاقاتنا، عالم تظهر فيه الحقيقة مقلوبة ومشوهة. وهذا بالضبط ما سماه بول ريكور بوظيفة التشويه.
أما وظيفة التبرير فتتجلى أساسا داخل الروية، خاصة حينما يحاول الروائي أن يبرر الأحداث والشخصيات التي تكتب عنها، فالروائي أولا يحرص بشكل تام على التناسق المنطقي للأحداث، بحيث تكون هذه الأحداث متتابعة منطقيا، تتماشى والسياق الزمني الذي أنتجت فيه، في حين تكون الشخصيات في عالم الرواية قريبة من الشخصيات الحقيقية في العالم القائم، بحيث يحاول الكاتب أن يرصد السمات الواقعية للإنسان وأن يضفيها على شخصياته. إن هذا المنطق من الاشتغال هو منطق يسعى إلى تبرير معطيات الرواية، وجعلها جزءا من الواقع الذي يعيشه الإنسان، بل إن الرواية الناجحة هي الرواية الأشد إقناعا والأكثر إيهاما بصدقيتها. ولعل قوة الرواية أيضا تكون في قوة التلاعب الذي تمارسه على النفس، بحيث تجعل الإنسان يتعاطف مع الشخصيات، يحزن لحزنها، ويفرح لفرحها، ألم نتعاطف جميعا مع شخصية راسكولينكوف بطل رواية الجريمة والعقاب لدوستويفسكي بالرغم من قتله للعجوز المرابية؟
إن تبرير المعطيات التي تقدمها الرواية جزء أساسي من عملية الكتابة الروائية، بحيث يستحضر الكاتب أن عليه أن يقدم المعطيات كحقيقة، هذه المعطيات التي تكون في الأخير مجرد انعكاس للواقع على مرآة وعي الكاتب، فتغدو روايته وجهة نظر تدور حول الحقيقة دون أن تتغلغل داخلها، تقاربها دون أن تخوص فيها. إن الكاتب لا يلتزم الحياد في عملية الكتابة، فهو دائما يكتب من خلفية، ويطفو على السطح حتى ولو لو يرد ذلك. ووفق هذا النمط تظهر الأيديولوجيا، والتي يشكل الأدب الملتزم أعمق تجلياتها.
إن الروائي حينما يشوه الواقع، ويبرر معطياته المشوهة، يترك عملية الإدماج للعلاقة بين النص والمتلقي. ويلعب هذا الأخير دورا أساسيا في هذه العلاقة، ولو أن العملية أحيانا يحكمها ما هو نفسي عاطفي أكثر مما هو فكري. وقد تتسرب معطيات الرواية إلى وعي المتلقي لتغدو جزءا من بنيته الفكرية. ومن جهة أخرى ذات بعد جماعي فإن الرواية تشكل التصور العام لهذا النمط من الكتابة. فتصورنا للكتابة الروائية إنما جاء وليد ما قرأناه من روايات، بحيث أصبحت أشكال الرواية جزءا من التصور الجمعي الذي جاء نتاج التراكم الروائي وما كرسه من إدماج. بالإضافة إلى ذلك تسعى الرواية إلى إدماج ما تقدمه من معطيات، تتحول إلى حقائق يؤمن بها الجميع، بل حقائق يستدل بها، ولا ننسى ذلك الدور الذي لعبته شخصيات روائية في علم النفس، خاصة شخصيات دوستويفسكي، أو الأسئلة التي تطرحها بعض الروايات، والتي تتحول إلى أسئلة ينبغي الإجابة عنها باعتبارها تبحث في الحقيقة، نحو السؤال الذي طرحه غسان كنفاني: "لماذا لم تدقوا جدران الخزان؟ لماذا لم تقرعوا جدران الخزان؟ لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟"3 إذ أصبح السؤال الجوهري في القضية الفلسطينية.
بناء على كل ما سبق يتضح أن الكتابة الروائية تزييف وتبرير وإدماج، أنها محاولة خلق عالم لا وجود له إلا باللغة وداخل اللغة. إن العلاقة السحرية بين القارئ والرواية، والتي أدت إلى انتشار هذا الصنف الأدبي، تجد تفسيرها في هذه المعادلة المتكافئة، فالرواية هي ذلك العالم اللذيذ الوردي والجميل والذي يلجه القارئ هروبا من عالم قذر وحشي مطلي بالدماء والعنف والإخفاق. إن الرواية هي بلاد العجائب التي تأخذ "أليس" في رحلة خرافية، لكنها رحلة وهم وهروب من الواقعǃǃ
----------------------------------------------------
1 بول ريكور، من النص إلى الفعل، أبحاث في الهرمينوطيقا، طبعة سوي 1986، صفحة 424.
2 المرجع نفسه، صفحة 425-426.
3 غسان كنفاني، رجال في الشمس، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، الطبعة الثانية 1980، ص 93.



#أحمد_بطاح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مستويات اللغة في الرواية
- موقع المرأة في المجتمع الصحراوي
- هل يمكن أن نصرخ قائلين: أنقذوا الرواية العربية؟
- الرواية الصحراوية والمدينة
- المجتمع الصحراوي... في الحاجة إلى الفلسفة
- قراءة في رواية كولومينا
- معيقات التحول الحداثي في المجتمع الصحراوي
- الرواية والاعتراف
- نحو رؤية جديدة للكتابة في الصحراء
- الرواية عند البيضان
- الرواية الصحراوية... هل هي صرخة وعي؟
- الذات العربية من أزمة الوعي إلى الوعي بالأزمة


المزيد.....




- الجزائر.. قضية الفنانة جميلة وسلاح -المادة 87 مكرر-
- بمشاركة قطرية.. افتتاح منتدى BRICS+ Fashion Summit الدولي لل ...
- معرض الرياض للكتاب يناقش إشكالات المؤلفين وهمومهم
- الرئيس الايراني: نأمل ان نشهد تعزيز العلاقات الثقافية والسيا ...
- -الآداب المرتحلة- في الرباط بمشاركة 40 كاتبا من 16 دولة
- جوامع الجزائر.. فن معماري وإرث ديني خالد
- -قيامة ليّام تقترب-.. الصور الأولى من الفيلم السعودي -هوبال- ...
- الدوحة.. إسدال الستار على ملتقى السرد الخليجي الخامس وتكريم ...
- فنانون عرب يطلقون مبادرات لدعم اللبنانيين المتضررين من العدو ...
- عمرو دياب يعلن اعتزال الغناء في الأفراح بعد أشهر من واقعة -ا ...


المزيد.....

- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد بطاح - الوظيفة الأيديولوحية في الرواية