أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد بطاح - الرواية الصحراوية والمدينة















المزيد.....

الرواية الصحراوية والمدينة


أحمد بطاح

الحوار المتمدن-العدد: 6022 - 2018 / 10 / 13 - 00:16
المحور: الادب والفن
    


الرواية الصحراوية والمدينة

الرواية بنت المدينة؛ لقد ظل هذا القول قائما منذ هيغل، حيث ربط كغيره نشأة الرواية بقيام المجتمع البورجوازي الذي أسهم في نشأة المدينة بمفهومها الحديث. ومن ثم عمل الفن الروائي على رصد تناقضات المدينة وأوجاعها وهمومها وهي تئن تحت وطأة دخان المصانع والحركة السريعة وزحف العمران وتحول المساحات الخضراء إلى اسمنت، إنها غول يلتهم كل شيء بلا رحمة. في خضم هذه الدوامة ارتمى الإنسان محاولا الاستفادة من المدينة، لكنه، في الوقت ذاته، سيجد نفسه أبرز ضحاياها. لقد اشتغل الفن الروائي خاصة في الحقبة الواقعية على رصد صراع الإنسان والمدينة، وهو ما تجسد بشكلي جلي وواضح في الأدب الفرنسي والإنجليزي والروسي، الذي حاولت فيه مجموعة من الروائيين الوقوف على الصراع القائم بين شخصياتهم ومدن باريس ولندن وسان بطرسبرغ، خاصة الصراع المتمثل في شخصيات الأرياف التي تهاجر إلى المدينة لتصطدم بواقع مغاير. وحتى بالحديث عن الحقبة الرومانسية، فإننا سنجد تأثير المدينة على هذا الاتجاه الأدبي، إن الرومانسية بوصفها هروبا إلى الطبيعة هي محاولة للتحرر من المدينة، من وطأة الاسمنت، من العلاقات الجافة التي أصبحت تحكمها.
ولذلك شكلت المدينة مرتعا خصبا للرواية على مستويين، المستوى الأول يتجسد في المدينة كفضاء للرواية، بحيث تعتبر ذلك الوعاء الذي يلم أحداثها، وتدور فيه رحى هذه الأحداث، بحيث تصبح المدينة حلبة للصراع الوجودي والاقتصادي والاجتماعي، فالمدينة أم التناقض، ومحور الصراع الطبقي، كما أنها مكمن طرح الأسئلة الوجودية، نظرا لما تبعث من قلق وضغط وكآبة. وهي الفضاء المفتوح على المستقبل. لقد جسدت القاهرة، على سبيل المثال، دائرة الأحداث في روايات نجيب محفوظ، الذي سعى إلى رصد واقع هذه المدينة، وصراع الفرد مع الوجود فيها، فكانت مدينة القاهرة الخيط الناظم لمجموع ما أنتجه نجيب محفوظ، وحتى حينما سئل لم لم يكتب عن الريف أجاب قائلا: أنا ابن المدينة. أما المستوى الثاني فيتجسد في المدينة باعتبارها مصدر إلهام، حيث إن الروائي الذي يعيش في المدينة فهو يعيش في نهر جارف، إذ لا يمكن أن نستحم في النهر مرتين، فالمدينة هي الحركة والتسارع والتجدد المستمر، عكس الريف الذي يحمل معاني الركود والجمود. إن المدينة تجر الكاتب للكتابة، وتدفعه إلى معالجة التناقضات التي يعيشها بشكل يومي. كما أن في المدينة يكون الكاتب أقرب إلى مستجدات الحقل الروائي، فهي المكان الذي تقام فيه الندوات وهي الفضاء العمومي الذي تطرح فيه القضايا الأدبية للنقاش، وهي المكان الذي يحوي المكتبات والمعارض. ولذلك فإن الروائي الذي يسكن المدينة الحديثة يكون أكثر حظا في إيجاد مواد دسمة للكتابة، وفي تكوين ذاته باستمرار، وفي خلق علاقات تخرجه من دائرة الغمور إلى دائرة الشهرة.
وبالحديث عن المدينة في الصحراء الغربية-جنوب المغرب، فلا نكاد نجد في هذه البقاع مدينة بالمعنى الحديث للمدينة، خاصة ونحن أمام "مدن" تكونت مؤخرا، لا يكاد عمرها يتجاوز القرن على أبعد تقدير. ولذلك فهي مدن لم تراكم من عبق التاريخ شيئا، وتبدو أشبه بمدن ميتة، خاصة إذا قارناها بالمدن العتيقة التي كانت مهد حضارات متعددة، ولذلك فإن علاقة الروائي بهذه المدن هي علاقة جافة لا تتجاوز نوسطالجيا الطفولة والشباب، إنها مدن بلا قلب، فاقدة للحميمية. ومن ناحية أخرى، فإن هذه المدن لا تعيش صخب المدن الحديثة، إنها مدن أبعد من أن تكون مدنا مليونية، فعدد سكانها لا يتجاوز عدة آلاف، لذلك فهي لا تصلح أن تكون مادة دسمة للرواية، ولا تدفع للكتابة بقدر ما تنتج من روتين وركود وجمود، ناهيك عن كون الروائي فيها شخص مقطوع السبيل، فلا جامعات ليطور فيها معرفته ويطلع على ما استجد في الحقل الأكاديمي الروائي، ولا ورش ليطور فيها أداءه في الكتابة، ولا ندوات ليحرر فيها ذاته ويخوض في نقاشات أدبية. ليبقى فضاء التواصل الاجتماعي هو الفضاء الوحيد الذي يتيح له التعبير عن رأيه، وتبقى عصاميته في القراءة هي الوسيلة الوحيدة التي تمنحه قدرا من الاطلاع على جديد الرواية.
وإذا كانت الرواية هي ذلك الصخب الذي لا ينتهي، والإنتاج المستمر للحياة والموت، فإنها بذلك ناعورة لا تكف عن الدوران، وفي هذا الدوران يستطيع الروائي أن ينتج، أن يستمر قلمه في الحياة بمداد لا ينقطع. لكن المدن في الصحراء مدن لم تقترب بعد من المدن بالمعنى الحديث، في غياب دور سينما ومسارح وجامعات ومتنزهات عمومية ومتاحف، إنها جافة حتى من الأنهار، ولكم ألهم نهر السين لكتابة الروايات، وكم ألهم نهر النيل لإبداع القصائد.
يجد الروائي نفسه في المدن الصحراوية حبيس جدران عالية من الروتين الممل، ويسعى إلى تجديد ذاته باستمرار، لكن الواقع المتوقف خارجا يجعل هذا التجدد مثل حمار يدور حول طاحونة، الخط نفسه الذي يزحف عليه كل يوم، ولذلك كان ميلاد الفكرة في ذهن الروائي الصحراوي شيء صعب الحصول، ذلك أن دور المدينة ككيان فاعل في صنع الحدث ودفع الروائي إلى التفكير في مادة روائية جديدة، والتناقض الذي تخلقه في جوفه، والكم الهائل من الأشخاص الذين يصادفهم يوميا شيء غائب في هذه المدن التي ألف فيها الروائي الأحداث والأماكن والوجوه.
ناقش الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار المكان بعمق كبير في كتابه جماليات المكان واختص جزءا كبيرا منه في دراسة البيت، باعتباره المكان الأكثر حميمية من بين كل الأمكنة، هذا المكان الذي يحتوينا، والتي تشكل الأشياء فيه والأمكنة عالما خاصا يؤثر فينا، فالرفوف والأدراج والقبو والعلية كل شيء يحمل ذاتنا. لقد بحث باشلار عن الحميمية في الأمكنة الضيقة، تلك اللامفكر فيها، ولذلك حينما نتحدث عن المدينة تستدرجنا الهوامش فيها، ذلك المضيق الصغير الذي تتسلل إليه مياه البحر في المرسى، أو ذلك المكان الذي يتجمع فيه ماسحوا الأحذية، أو ذلك الشارع الذي يكون من أشد الشوارع فراغا وقت غروب الشمس حتى أنك تمشي فيه دون أن تصطدم بأحد، إنها حميمية المكان المفقودة في هذه المدن.
بشيء من الأسى نسجل تلك العلاقة المتوترة بين الروائي الصحراوي والمدينة الصحراوية، لكن بالرغم من كل ذلك استطاع هذا الروائي أن يخلق عالما روائيا متميزا من شيء أقرب إلى العدم، فجاءت مجموعة من الروايات التي حاولت أن ترصد تناقضات هذه المدن، أو من أجل الوقوف على حالة الصدمة التي عاشها الإنسان الصحراوي الذي وجد نفسه انتقل من حياة البدو إلى حياة المدينة بين ليلة وضحاها. وفي هذه النقطة الأخيرة يكمن ضعف المدينة الصحراوية وهشاشتها في العطاء، لكونها مدينة تحتاج الكثير من أجل أن تعطي وتمنح.



#أحمد_بطاح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المجتمع الصحراوي... في الحاجة إلى الفلسفة
- قراءة في رواية كولومينا
- معيقات التحول الحداثي في المجتمع الصحراوي
- الرواية والاعتراف
- نحو رؤية جديدة للكتابة في الصحراء
- الرواية عند البيضان
- الرواية الصحراوية... هل هي صرخة وعي؟
- الذات العربية من أزمة الوعي إلى الوعي بالأزمة


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد بطاح - الرواية الصحراوية والمدينة