أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد بطاح - مستويات اللغة في الرواية















المزيد.....

مستويات اللغة في الرواية


أحمد بطاح

الحوار المتمدن-العدد: 6446 - 2019 / 12 / 25 - 17:43
المحور: الادب والفن
    


إن الحديث عن اللغة في الرواية بشكل عام هو حديث عن مكون أساسي ومركزي لهذا الفن الجميل كما يسميه الفرنسيون، ذلك أن الرواية كشكل أدبي لا يمكن أن تكتب بمعزل عن اللغة، فهذه الأخيرة هي جوهر العمل الأدبي عموما، وأساس الرواية بشكل خاص. ومن هذا المنطلق تلعب اللغة دورا أساسيا في الرفع من جودة الرواية أو الخفض منها، تبعا للمستويات التي تصاغ بها، بحيث إن تجويد اللغة وتحسين توظيفها يقتضي لزاما تجويد العمل الروائي. وتبعا لهذه الأهمية يستند هذا المقال الذي يهدف إلى الوقوف على مسألة اللغة في الرواية ومستوياتها وطرق توظيفها.
لقد وضع الاتجاه البنيوي اللغة في صلب التفكير الفلسفي والأدبي، وبات ينظر إلى النص الأدبي على أنه بنية مكتفية بذاتها ومستقلة عن المؤلف، في سياق ما سمي بموت المؤلف، بحيث أصبح النص مادة حية تحمل توجهاتها الخاصة، وتحمل دلالتها بعيدا عن السياق التاريخي الذي أنشأها أو نشأت فيه، بحيث نجد نصا أدبيا قديما يقف بالموازاة مع نصوص حديثة العهد بعيدا عن التفاضل الزمني. وقد أورد المفكر زواوي بغورة نصا لنعموم تشومسكي في كتابه الفلسفة واللغة يقول فيه: "ركز تشومسكي على الوظيفة الإبداعية للغة، التي ترتبط أساسا بذات المتكلم، على خلاف الألسنية البنيوية، التي تهتم باللغة بعيدا عن ذات المتكلم، يقول: ما أصبح يمثل اليوم النقطة المركزية التي تدور حولها كل الدراسات اللغوية الحالية إنما هو المظهر الإبداعي للغة.. إن الظواهر لتوحي بأن الذات المتكلمة تخترع لغتها، بوجه من الوجوه كلما عمدة إلى التعبير عن نفسها"1 . وهكذا فإن الوقوف على اللغة هو بمثابة الوقوف على العمل الإبداعي ككل. وإذا كانت الرواية عالم متحرك في الزمن والمكان، بفعل قوى فاعلة، تختلف في توجهاتها وأفكارها وقناعاتها، فإن اللغة بدورها، والتي تؤطر هذا العالم، لا بد أن تتوازى في ديناميتها مع هذا الاختلاف، بحيث إن طغيان اللغة الواحدة على النص الأدبي هو بمثابة قتل له، وسلب لممكنات هذا النص من وقوف على طبائع الشخصيات، والتنوع والاختلاف الذي يبنى عليه العالم الإنساني. إن اللغة، منذ النظرية الروائية لميخائيل باختين، أصبحت تتخذ أنماطا متعددة يمكن أن نصطلح عليها بمستويات اللغة الرواية، وهكذا فإن الروائي يجب أن يخلق عالما روائيا متباينا لا يستوي فيه تعبير المثقف وغير المثقف، الرجل والمرأة، الطفل والراشد، الغني والفقير... إن لكل شخصية روائية أفكارها، قناعاتها، مرجعيتها... وبالتالي فلها لغتها الخاصة، وفي هذا الصدد يقول باختين: ".. إن تنوع اللغة وتنضيدها يصلحان قاعدة لأسلوب الرواية حتى في مثل هذه الحالة، حيث يبدو لأول وهلة لغة الكاتب وحيدة وأحادية الشكل...، مثقلة بالنوايا المباشرة والعاجلة، فإننا نكتشف وراء هذا المستوى الأملس، الأحادي اللغة، نثرا ثلاثي الأبعاد، متعدد اللسان بعمق، ويستجيب لمقتضيات الأسلوب ويحدده"2 .
إن فهم تموقع اللغة في النص الأدبي لا ينفصل عن فهم الإشكالية الفلسفية القائمة بين الفكر واللغة. إن اللغة ليست أداة للتعبير فقط، بل إنها أيضا أداة للتفكير، إذ لا يمكن للمرء أن يفكر خارج اللغة، بل إن هايدغر يرفعها لدرجة جعلها مثوى الوجود، وبالتالي فاللغة هي الرواية ذاتها، إنها ليست وسيلة في العمل الأدبي، بل وجب أن ينظر إليها كغاية، إذ لا يمكن فهم الشخصيات دون فهم لغتها. إن اللغة هي التبرير الوجودي للذات المنفلتة من سلطة الفكر، للذات التي تبحث عن وجودها داخل نطاق اللغة، تبحث عن أيديولوجيتها، تبحث عن تميزها.
بالإضافة إلى ذلك يقتضي الحديث عن الشخصيات داخل الرواية رصد أبعادها الثلاثة، البعد الحس حركي والبعد الانفعالي العاطفي والبعد الفكري والعقلي، ولا يتأتى رصد هذه الأبعاد دون وضعها في قالب لغوي يعبر عنها بدقة، وتبعا لاختلاف الأبعاد في الشخصية الواحدة وجب على الروائي أن يستحضر هذا التمايز، إذ لا يعني القول إن اللغة غاية هو جعلها لغة واحدة معيارية متعالية تسعى للمثالية من خلال الاستعارة والمجاز والتنميق اللفظي، بل إن الاشتغال على اللغة يجب أن يصب في إطار التنويع اللغوي، وأن يستحضر منطوق الشخصية بناء على مواقفها وأفكارها وأيديولوجيتها، وبالتالي الانتقال بالشخصية من وسيلة في يد المؤلف/الإله إلى أنا قائمة الذات، إنسان كموقف، لها إرادة وحرية وهوية. وخير تعبير عن ذلك ما أورده أحمد فارس الشدياق حيث يقول: "...إني إذا أوردت كلاما عن أحمق، انتقيت فيه له جميع الألفاظ السخيفة، وإذا نقلت عن أمير تأدبت معه في النقل ما أمكن، فكأني جالس بمجلسه، أو عن قسيس مثلا، أو عن مطران، أتحفته بجميع اللفظ الركيك والكلام المختل.."3 .
إن الروائي الذي يسعى إلى تحقيق تنوع لغوي داخل نصه الأدبي، لا بد له من أن يقف بعيدا عن لغته، وأن يجعل بينه وبين المنطوق الحواري مسافة كافية للتمييز بين لغة الروائي ولغة الشخصية، ذلك أن الروائي الذي يتحدث من خلال شخصيته ينطق هذه الشخصية ما لم تنطق به، ويلوي عنقها لتخدم قناعاته الخاصة، وبالتالي فهو يقحم ذاته بقوة في النص، مما يجعله عنيفا بخصوص الشخصيات، هاته الأخيرة التي تود أن تتمتع باستقلاليتها، وتود أن تعطى لها فرصة لتكون ذواتا تحمل هويتها الشخصية وليست هوية المؤلف. إن الذين استطاعوا أن يخلقوا عالما روائيا حقيقيا بشخصياته هم الذين استطاعوا أن يتحرروا من اللغة المصطنعة لصالح لغة تعبر عن الشخصيات تعبيرا حقيقيا. ولعل دوستويفسكي أو ماركيز أو غيرهما من كبار الروائيين استطاعوا أن يبصموا بصمتهم في صفحات الأدب لأنهم امتلكوا قدرة على جعل الشخصيات الهامشية، بكل تموقعاتها، تتحدث لغة تتماشى مع قدرتها الذاتية وخلفيتها الفكرية، أما أولئك الذين جعلوا من تنميق اللغة الغاية الكبرى في رواياتهم، سواء كانت هذه اللغة لغة حوار أو سرد أو وصف، فقد أخفقوا في بناء نصوص سردية خالدة تتمتع بتنوع لغوي وخطابي يكسر طابع الخطية اللغوية المعيارية.
-------------------------------------------------------
1 الزواوي بغورة، الفلسفة واللغة، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الأولى 2005. ص 141.
2 ميخائيل باختين، الخطاب الروائي، ترجمة محمد برادة، رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الأولى 2009، ص 151-152.
3 أحمد فارس الشدياق، الساق على الساق فيما هو الفارياق، باريس، معهد المكتبة الملكية، 1855، ص 75.



#أحمد_بطاح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موقع المرأة في المجتمع الصحراوي
- هل يمكن أن نصرخ قائلين: أنقذوا الرواية العربية؟
- الرواية الصحراوية والمدينة
- المجتمع الصحراوي... في الحاجة إلى الفلسفة
- قراءة في رواية كولومينا
- معيقات التحول الحداثي في المجتمع الصحراوي
- الرواية والاعتراف
- نحو رؤية جديدة للكتابة في الصحراء
- الرواية عند البيضان
- الرواية الصحراوية... هل هي صرخة وعي؟
- الذات العربية من أزمة الوعي إلى الوعي بالأزمة


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد بطاح - مستويات اللغة في الرواية