أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فرحناز فاضل - بيضة الشيطان - قصة















المزيد.....

بيضة الشيطان - قصة


فرحناز فاضل

الحوار المتمدن-العدد: 6422 - 2019 / 11 / 28 - 18:54
المحور: الادب والفن
    


"مستحيل! أن أتأخر في النهوض إطلاقا" همست بها سامية لنفسها؛ و هي تفتح عينيها بشدة، ثم بحركة سريعة تجلس وقد جعلت رجليها تتدلى؛ و هي تردف "يبدو أنني تأخرت بالفعل!" وقفت على عتبة الباب؛ و هي ترمق أمها النائمة في سريرها الحديدي في الصالة، قطعت الممر حتى المطبخ، و أخذت تبحث بيدها في سلة البيض عن البيضة الأخرى بينما تحمل بيدها الأخرى البيضة الأولى "أراهن أنهما كانتا اثنتين البارحة!" استطالت بعنقها وأخذت ترمق أمها التي ما تزال تغط في نومها، استقدمت اليأس بسرعة من العثور على البيضة الأخرى لكي لا تتأخر عن المدرسة، وضعت البيضة الوحيدة في إناء به ماء على النار وهرعت للاستحمام وهي ترمق أمها النائمة.
كانت قد ارتدت ملابسها وأحد الجوربين؛ عندما تذكرت البيضة الموضوعة على النار، فحاولت أن تركض بطريقة متعثرة حتى المطبخ، أنزلت الإناء الساخن ونظرت ناحية أمها "ألم تنهض بعد؟" ثم انتبهت للنار المشتعلة؛ و هي تهز رأسها لتبعد التشويش المعشش برأسها، ووضعت إبريق الشاي على النار، كانت ترمق أمها وهي تصب ملعقة ورق الشاي في الماء، و دون أن تبعد ناظريها عن تلك الجهة؛ غطّت الإبريق وهي تطيل النظر هذه المرة ولكن ليس إلى والدتها بل إلى (الهندول*) الساكن والمتعرج قماشه بتضاريس على هيئة جسد صغير، فجأة نمت عن (الهندول) اهتزازة "هل استيقظ؟ .. لا .. يبدو أنّه تحرك في أثناء نومه!"
حالما أنهت سامية ربط جديلة شعرها بشريطة، وعنقها تشرئب حتى فتحة إبريق الشاي الذي رفعت غطاه، فتأكدت من غليانه فرمقت والدتها وهي تنزل الإبريق وتخمد النار، ووجدتها ما تزال تغط في نومها دون حراك "أ هي نائمة أم ...؟!!" وهزت رأسها بعنف تطرد تلك الغربان التي تنعق!
بدا الطريق أمامها و هو يتماوج و يتحلزن؛ بينما تمايلت ترهف السمع إلى صوت محبّب جدّا لديها؛ نما بين ضجيج الصباح، فطلعت ابتسامة دافئة على ثغرها "سيمووووووو .. صغيرتي أنا هنا تعالي إلى بابا حبيبك" انقشع الصوت عن رنين جرس المدرسة الحاد والمزعج، جمدت سامية بمكانها و أخذت نفساً من الحزن المشبوب بالحنين عميقاً و تأوهت!
"إن حبلت مرات حمّود يا حجّة، و ولدت هذي السنة ذكراً، فإبنك حمّود سيروح مع جنية (العقبة*) و لن يعود أبداً!" شخّصت خيزرانة بعيني سوفي العرافة بعينين ضيّقتين تقدحان حنقاً "أعطيني حقي يا حجة" "حق ماذا؟هااااااااااا" تساءلت خيزرانة بإحتدام و هي تحكم الضغط على أسنانها فكأنها ترتب صف جيشها لحملة الانقضاض "حق ما ضربت لك الودع" قالت سوفي بلكنتها التي تخرج صوتها من شخير أنفها و تُميل كفّها نحو خمارها المبسوط على الأرض "أنت انضرب نافوخك .. خرّفتِ .. هذا كلام تنطقينه .. تف تف تف من فمك .. تريدين أعطيك حق موت ابني؟! هااااااا" فكأن زلزالاً نزل بالكرسي الخشبي الذي كانت تجلس عليه خيزرانة أمام الدار، كادت شهقة تفلت من سامية الواقفة على عتبة الباب و المستندة على ظهر الكرسي بيدها، كل شيء كان يحدث على مرأًى منها ومسمع "قومي فزّي من هنا! قومي قامت قيامتك!" .
كانت سامية تستلطف أحاديث سوفي العرافة العجيبة، وتضحك في سرّها لغرابة ما تقوله بغبطة متناهية البراءة مع أمنية طفولية في لو تستطيع أن تدخل عالم سوفي وتسافر بين قطع حصى الشاطئ وتستكشف عالم الصدفات ذات الألوان الجذابة في مغامرات يصوغ لها خيالها الممتطي نبرات سوفي، سوفي تلك العجوز الطاعنة في الغرابة؛ التي يغطي أنفها الضّخم نصف وجهها، ونصفا متر هما طولها الكامل، لا أحداً رأى شكل قدميها أو طولهما، عدد الأصابع بهما، ساقيها أو كم من الأرجل لديها، فهي ترفّل في ثياب طويلة جدا عليها بطول عامة نساء المدينة! وأكثر شيء كان يثير في مخيلة سامية نقع التساؤلات هو ذلك الطوق الذهبي الغريب الذي على ذراع سوفي اليسرى وبه ثلاثة من الأحجار الكريمة، والذي دوماً ما ترفعه إذا انزلق من مكانه بحركة مرتعشة وعصبية وسريعة جدّا!
"أين رأيت هكذا ثلاثة من ذي قبل يا ترى؟" حاولت مرات أن تسأل جدتها عن سوفي، لكنّ خيزرانة لم تكن تدع لسامية مجالاً لبسط السؤال مطلقاً، تنهرها بشكل نهائي لا جدال فيه! "جعلتِني آتيك على ملا وشّي في هكذا ساعة مرتبكة" بدأت سوفي في مرافعتها و هي تلم صدفاتها وحصاها وتودعها كيساً صغيراً يتدلى من عنقها بزعل "تركت لك زبوناتي و أكل عيشي، حتى (المداعة*) كانت والعة و الحين رقدن جمراتها بين الدقيق! خافي الله يا حجّة! لولا مكانتك ..." "لولا ماذا؟ هاااااااا .. كنت فرّحتني كنت أطيب خاطرك على طول وأملأ كيسك! لكن .. خافي الله يا حجّة! خيرة الله! هاااااا" نطقت العجوز الجملتين الأخيرين و هي تبرز ثناياها وأنيابها وزجّت بكفها بفرجة الثوب، واستخرجت قفّة مربوطة بمنديلها؛ يفوح منه العنبر، وفرجت عن فلساتها، و استخلصت منه بضعة دراهمَ، ومدت بهم نحو سوفي تهزّ يدها بإشمئزاز بيّن.
تناولت سوفي الدراهم بحركة جلفة؛ و هي ترمق سامية المتسمرة مكانها بنظرة غامضة، و أزجت إليها بربع ابتسامة ماكرة، و تمتمت تلوك الكلمات قبل لفظها "حيّا الله .. الذي طلع من ذمتك يا حجّة .. بركاتك! إيييييييييه" و قفّت عنهما مبتعدة و هي تغمغم بلكنة أخرى كلاما جنّيا ليس بلسان بشري! كاد حامد أن يصطدم بها و هو آت ناحيتهما، و جلس جنب والدته وقد دخلت سامية لتحضر لعمها بعض الماء، و عندما تساءل ما بال قسمات أمه كاللهب تتطاير و من ثمّ علم بالخبر قهقه حتى سقطت دموعه!
"صفية حامل يامّا!" و اغتمّ وجه خيزرانة، فتلبّد وجه حمّود الّذي كان طائراً من الفرحة لما شاهد وجه أمّه و هي تهمس له بحزمٍ و قد ضغطت على أسنانها حتى تكتم الصوت قدر المستطاع "سقّطها!" و كانت سامية واقفة تحمل صينية الشاي تحملق بجدتها تارة و أبيها تارة أخرى.
"قلت له تسقّطه قلت له" كانت خيزرانة تبكي بحرقة مجنونة و صيحاتٍ مدوية "ما سمع كلامي ما رضي يفعل" و هي تشد معصميها من يدي كنَّتيها زوجتي حمدان و حامد ابنيها لتنقض على صفية "منك لله يا بنت الحبشي! قتلتِ ابني .. أنتِ قتلتِ ابني" و كانا حمدان و حامد يستعدان ليرفعا جنازة شقيقهما حمّود الذي قضى نحبه في حادثٍ مروّع!
تركت خيزرانة بيت حمّود على الأثر، و بقيت سامية تنتظرها صبح مساء؛ و هي تقف مستندة على كرسيها الخشبي. لم تعد جدتها أبداً، و لم تزرهما سوفي العجوز، و حين ولادة أمها حضر حمدان مع زوجته ليباركوا المولود و يمنحوه اسمه، و لم يعودا بعدها!
انتهى دوام سامية، و تمهّلت الخطى؛ تمضي للبيت، و هي شاردة جدا! و حالما دفعت الباب؛ واجهت حميداً يلتهم البيضة و على يديه دماء طرية ما تزال تقطر على الأرض، و كان جالساً و هو يبدو أكبر و فوق رأسه نتوءات مخيفة و أنيابه بارزة إلى خارج فمه و أنفه بدا أضخم من أنف سوفي العرّافة نفسها. التهم سامية الرعب، و لم تستطع الحراك، فقط حرّكت مقلتيها إلى حيث تجد أمها عادة، فوجدتها ونصف جسدها العلوي يتدلّى إلى الأرض مقلوبا من فوق السرير، عيناها متحجرتان ولسانها خارج فمها بكلّه و هي غارقة في الدماء!
دقّ الجرس وانتهت الاستراحة. تنبّهت سامية من تهيّوءاتها، و قد اصفرّ لونها و شحب، و جفّ لسانها! في غمرة خوفها قرّرت الفرار من المدرسة، و بدأت بعملية التسلل بخفة ملازمة جدران الغرف الدراسية الداخلية حتى بوابة المدرسة و حالما انشغل البواب عن البوابة، تسللت للخارج بسرعة وخفة!
قطعت الطريق لبيتها ركضاً ووثباً، و لم تصل حتى كانت قد تعثرت؛ و سقطت ثلاثاً؛ و نهضت وأكملت! دفعت باب بيتها بكل ما أوتيت من قوة؛ مستجمعة كل قوتها و شجاعتها وكل ما تملكه من عزيمة مواجهة، فوجدت أمها جالسة بالسرير و وجهها للجهة الأخرى ترضع حميداً! و لقوة الصوت و شدته صاحت والدتها "من؟" فردّت سامية التي كانت في ذهول "سامية!"
"لماذا دخلتِ هكذا؟ أخفتِني!"
و اتجهت سامية إلى المطبخ بعدما أنزلت حقيبة الظهر المدرسية على الأرض و هي تهمس لنفسها "لقد نسيت البيضة في الماء و لم أخرجها للصحن!"

٢٤ حزيران ٢٠٠٤م



#فرحناز_فاضل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فاصفحِ الحبَّ الجميلَ
- ثمّ يموتون هكذا فجأة
- شكّةُ إبرة
- حكاية طويلة
- رصاصة عاقرة لكلب
- مورفين
- كهيئةِ الكيرِ إذا نُفخ
- أغداً أنساكَ
- قصيدة سارق الأحذية
- النداء الأخير للرحلة سبعمائة وثمان وثلاثين
- أوبريت عايدة - قصيدة
- برج الفؤاد المائل - قصيدة
- يا والمنادى حبيبُ - قصيدة
- من روح الغريب وحيٌ


المزيد.....




- الفن والقضية الفلسطينية مع الفنانة ميس أبو صاع (2)
- من -الست- إلى -روكي الغلابة-.. هيمنة نسائية على بطولات أفلام ...
- دواين جونسون بشكل جديد كليًا في فيلم -The Smashing Machine-. ...
- -سماء بلا أرض-.. حكاية إنسانية تفتتح مسابقة -نظرة ما- في مهر ...
- البابا فرنسيس سيظهر في فيلم وثائقي لمخرج أمريكي شهير (صورة) ...
- تكريم ضحايا مهرجان نوفا الموسيقى في يوم الذكرى الإسرائيلي
- المقابلة الأخيرة للبابا فرنسيس في فيلم وثائقي لمارتن سكورسيز ...
- طفل يُتلف لوحة فنية تُقدر قيمتها بخمسين مليون يورو في متحف ه ...
- بوتين يمنح عازف كمان وقائد أوركسترا روسيا مشهورا لقب -بطل ال ...
- كيلوغ: توقيع اتفاقية المعادن بين واشنطن وكييف تأخر بسبب ترجم ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فرحناز فاضل - بيضة الشيطان - قصة