أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 3














المزيد.....

سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 3


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6421 - 2019 / 11 / 27 - 11:09
المحور: الادب والفن
    


ما انفكّ صدى ضحكتها البريئة يتردد في سمعه، مذ أن حجبت الصخورُ شخصَها المفعم، في المقابل، بالفتنة الصارخة. قبل قليل، كان يؤوب منفرداً من جولة صيدٍ على وقت الظهيرة، حينَ لفظ منعطفُ الطريق مجموعةَ فتياتٍ عليهن هيئة نساء هذا الوادي، اللواتي يتجلببن بملابس مزركشة جميلة مع أغطية رأس ملونة تسمح بكشف وجوههن. كنّ تركن للتو، كما لاحَ من جرارهن، أحدَ الينابيع العديدة، المتفجرة في الجلاميد المتصدّعة عند لحف الجبل. حاذى جمعهن وكان فوق صهوة الجواد، المتدلي من سرجه شبكة دقيقة تنفر منها، داميةً، أطرافُ ومناقيرُ طيور البط البريَ والسمان والحمام الروميّ. تعلّقت نظرته بعينيها للحظات، بينما وقع ضربات جواده يدوي فوق الطريق، ما جعلها تطلق ضحكة مرتبكة مع غمغمة تلقفتها أذنه: " ماذا دهى هذا السيد الغريب؟ "
" احترسي يا حوريّة، فإنه صيّادٌ لا يُرام! "، علّقت عليها إحدى صويحباتها. انطلقت الضحكة البريئة من فم الحسناء، قبلَ أن تجيبها الضحكاتُ من بقية المجموعة الأقل تحفظاً. لكنه لم يتأثر إلا بالسحنة الفاتنة للفتاة، وكذا قوامها الأهيف. فكرة سعيدة، راحت على الأثر تحلق فوق رأسه: " لقد عرف الصيّادُ اسمَ تلك الطريدة، وبالتالي، سهلٌ عليه معرفة مَن تكون ". ثم ألقى نظرةً على الشبكة، أينَ الطيور المحطّمة الأجنحة والمناقير، اتسمت هذه المرة بمعاني الرحمة والشفقة والرثاء. وإنها معانٍ، سيضعها في سياقٍ آخر سريعاً، لما تعيّن عليه أن يستعيدَ صورة امرأته، التي ما تفتأ ضعيفة، واهنة القوى، أقرب لشبحٍ منها لإنسان.

***
اتفاقاً ولا ريب، كان سيره قد وقعَ على عدد من الهياكل المعمارية الأثرية، أعمدة وأقواس وجملونات، متهالكة على الأرض وقد اخضرّت فبدت كأنها أينعت أجماتٍ وشجيراتٍ وخمائلَ. لم يكن مصادفة، في المقابل، أنه بإزاء كل بقعة من الآثار الوثنية كان يوجد ديرٌ مسيحيّ؛ أو حتى مسجد يقوم على أطلال بعضها. ثمة كاهن عجوز، التقى به اليومَ عند هيكل " دير النحاس ". ابتسم رمضان آغا، لما نطق العجوز اسمَ الدير. قال لهذا الأخير، موضّحاً: " إنني من منطقة في دمشق، تدعى جسر النحاس "
" بلى، إن هذه الآثار كانت لمعبد إغريقيّ. كونهم اكتشفوا النحاس بالقرب من المعبد، صار يُعرف باسم هذا المعدن في لغتهم؛ كيبريس "، عقّبَ العجوز.
" وأنتَ، هل تخدم في أحد الأديرة هنا؟ "
" نعم، ولكن ضمن المكان المأهول داخل البلدة "
" أعجَبُ من تعاقب العقائد على نفس المكان، وكلّ منهم يخرّب معابد سلفه "، قال الآغا. هز الآخرُ رأسه متفهّماً، ثم راحَ يتكلم عن تاريخ المنطقة. قال أنه من أتباع كنيسة المسيح الأولى، الآرامية، وأنه يُجري القداسَ بلغتها. ثم أشارَ إلى راع يقود أغنامه باتجاه سفح الجبل، قائلاً، " لعله سليل الراعي الإغريقيّ، كولالاس، وتقول الأسطورة أنه عشق إلهة الشعر، زاراهو، وكان عمد إلى استحضارها بتلحين قصائدها. إلا أنها خدعته يوماً، بأن جعلته يطارحها الغرام. فلما مص نهديها، إذا بالحليب يتدفق إلى فمه. قالت له عندئذٍ، أنتَ صرت الآنَ ابني ولو شئتَ لأخذتك معي إلى جبل الأولمب كي تبقى بجانبي. لكن الراعي الملول، بقيَ في هذا البرية يعزف على نايه قصائد المعشوقة، الإلهة، إلى أن ذوى جسده واستسلم للفناء ".

***
صارَ رمضان آغا يفقد الصبرَ في خلال الصباح، بالكاد ينصت لوكيله وهوَ يقدّم له بياناً بالمصروفات أو أشياء من هذا القبيل. فما أن حلت ساعة الظهيرة، إلا وهُرع الآغا نحو الجواد، المعتاد على استقبال صاحبه برفع قائمتيه في الهواء والصهيل عالياً. كان يستعمل بندقية ألمانية، خاصّة بالصيد، تتمتع بالرشاقة وسهولة الإلقام. لكن جولته هذا اليوم لن تكون بحاجةٍ لبندقية، سوى شكلاً حَسْب. كان يود الظهورَ لفتاة النبع من غير ضحايا ودماء، أقرب إلى صفة أولئك الشباب في حارته، ممن اعتاد الواحد منهم على التوجه إلى مركز الشام ووردة حمراء في عروة سترته. هذا الضرب من السلوك، وكان فيما مضى لا يعجبه البتة، احتار الآنَ في كيفية التلاؤم معه. لن يكون ثمة وردة حمراء بالتأكيد، مع أنه بحاجة إلى مظهرٍ أكثر رقة.
" لكن مَن تكون هذه الحوريّة، سوى ابنة فلاح؟ بل لعل الأب يعمل أجيراً في أرض أحد الملاكين، وربما في أرضي أنا! "، كذلك خاطبَ نفسه رمضان آغا. لقد فاضَ به الاعتداد بالذات، كمألوف العادة. ثم إنها مغامرة، فكّرَ فيما يسير ببطء على ظهر الجواد، لا مستقبل لها إلا لو.. ولم يستطع إكمال فكرته، كون القلب ما زال على عهده بخصوص التعلق بالزوجة المريضة. في حقيقة الحال، أنّ الأمرَ له جانباً آخر يصلُ إلى حدود الممتلكات؛ وكان لامرأته نصيبٌ كبير فيها. فلو صمم فعلاً على إتباع هواه، وأدى ذلك إلى الإتيان بضرّة لها، فإنها من غير المستبعد أن تنضوَ عنها حجابَ العجز كي تهب في وجهه مثل اللبؤة الجريحة.
" أخوتها سيرثون أيضاً قسماً لا بأس به من أملاكها، طالما أنها لم تنجب صبياً "، دهمته هذه الفكرة وكانت قد غابت في الآونة الأخيرة بسبب تواتر الأحداث على خلفية ( طوشة الشام ). قبلاً، فاتح زوجته بالأمر مقترحاً عليها أن تملّك ابنتها كل شيء عن طريق عقد بيعٍ وشراء، صوريّ. وإن الوقتَ حانَ ليعيد الإلحاح عليها في الأمر، محتجّاً بطارئ ملموسٍ يتعلق بصحتها المتدهورة.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 1
- ليلى والذئاب: الخاتمة
- ليلى والذئاب: الفصل الرابع عشر/ 5
- ليلى والذئاب: الفصل الرابع عشر/ 4
- ليلى والذئاب: الفصل الرابع عشر/ 3
- ليلى والذئاب: مستهل الفصل الرابع عشر
- ليلى والذئاب: بقية الفصل الثالث عشر
- ليلى والذئاب: الفصل الثالث عشر/ 2
- ليلى والذئاب: الفصل الثالث عشر/ 1
- ليلى والذئاب: بقية الفصل الثاني عشر
- ليلى والذئاب: الفصل الثاني عشر/ 1
- ليلى والذئاب: الفصل الحادي عشر/ 5
- ليلى والذئاب: الفصل الحادي عشر/ 4
- ليلى والذئاب: الفصل الحادي عشر/ 3
- ليلى والذئاب: الفصل الحادي عشر/ 2
- ليلى والذئاب: الفصل الحادي عشر/ 1
- ليلى والذئاب: تتمة الفصل العاشر
- ليلى والذئاب: مستهل الفصل العاشر
- ليلى والذئاب: بقية الفصل التاسع


المزيد.....




- مستقبل السعودية..فنانة تتخيل بصور الذكاء الاصطناعي شكل الممل ...
- عمرو دياب في ضيافة ميقاتي.. ما كواليس اللقاء؟
- في عيد الأضحى.. شريف منير -يذبح بطيخة- ليذكر بألوان علم فلسط ...
- ممثل مصري يشارك في مسلسل مع إسرائيليين.. وتعليق من نقيب المم ...
- فنانة مصرية تبكي على الهواء في أول لقاء يجمعها بشقيقتها
- فيلم -Inside Out 2- يتصدر شباك التذاكر في أمريكا الشمالية مح ...
- أحدث المسلسلات والأفلام على المنصات الإلكترونية في العيد
- السعودية: الوصول لـ20 مليون مستفيد ومستمع لترجمة خطبة عيد ال ...
- ولاد رزق 3 وقاضية أفشة يتصدر إرادات شباك التذاكر وعصابة الما ...
- -معطف الريح لم يعمل-!.. إعلام عبري يقدم رواية جديدة عن مقتل ...


المزيد.....

- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد
- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 3