أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد الصلعي - انسان مع وقف التنفيذ ..رواية...8















المزيد.....

انسان مع وقف التنفيذ ..رواية...8


خالد الصلعي

الحوار المتمدن-العدد: 6383 - 2019 / 10 / 18 - 04:39
المحور: الادب والفن
    


انسان مع وقف التنفيذ ........رواية .....7..
**************************************
في مثل هذه اللحظات تهدأ شوارع بني مكادة ، لكنها لا تفرغ أبدا . منذ بدايات تشكلها لم تعرف هذه المنطقة فراغا تاما بالليل . وان كان الأمر اليوم أكثر عددا من سنوات الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي .
في تلك السنوات الجميلة كان لا يسهر في شوارع بني مكادة غير السكارى وأصحاب السبسي ، ومدخني الحشيش . والمشردون قليلون . كما أن المشاكل الاجتماعية لم تكن يهذه الحدة . كما أن فرص الشغل كانت متوفرة ، وكل شيئ يمكنك اقتناؤه بثمن بخس .
اليوم لا يسهر فيها الا مدمني الهيروين والكوكايين وشمامي ومصاصي السيلسيون . في الصيف يفترشون الأرض المفتوحة ، وفي فصل الشتاء يلجأون الى المباني التي يعلوها سقف ، يفترشونها بأغطيتهم التي يحملونها ليل نهار ، كغجر مغربي خالص .
هناك مجموعة من الشباب العاطل الذي مل الوقوف في الشوارع والاتكاء على جدران منازل الحي ، من يظلون ساهرين الى الفجر ، ثم يذهبون ليناموا نهارا .
تجشأت الفتاة الصغيرة التي افتضوا براءتها قبل أوان اليناعة ، وأصابت حميدو ببعض قيئها ، وزميل لها كان قبالتها . فانتفض حميدو " الله يلعن الدين دباباك ألقحبة " . قومي من هنا . طفو عليك . هل تتجشين علي ؟ اذا لم تكوني كفأة لهذا الميدان فلم دخلته ، هيا اغربي من امامي " .
وعوض ان تنهض الفتاة سقطت أرضا مغشيا عليها .
امتقع وجه حميدو ، وحار في أمره ، قال لأصدقائه "رشوا عليها بعض الماء " ، لكنه لم يجد أمامه أحدا . جميعهم هرب وفر من أمامه .
اخذ يسبهم " أشمايت ، ماذا بكم ، انها لم تمت ، هي في حالة غيبوبة فقط ، والله ان عاد الي احدكم لأسلخه سلخا "
رش عليها بعض الماء ، وهو يتمنى في سريرته وبالحاح شديد ان تفتح عينيها بسرعة . يناديها "هنية افتحي عينيك " ، لكن هنية لا تفتح عينيها ، تتنفس بصعوبة . ربما كان مقدار ما استنشقته من مادة السيلسيون اكبر بكثير عن طاقتها البسيطة ، فتلاعبت بدماغها موادها السامة .
هم لا يعرفون ان مادة السيلسيون مادة قاتلة ، سرعان ما تؤثر على الجهاز العضبي وتدمره . وهي اذ تتمدد في الخلايا فانها تقتل عملية التجدد والنمو الذي يصاحب الانسان لسنوات متقدمة قد تصل الثلاثين من عمره.
هنية لا تزال طفلة ، علبة واحدة من السيلسيون قد تقتلها . لكنها لا تدرك ذلك . ولا تعلم ان هذه المواد سرعان ما تسيطر على المخ وتلغي كل امكانات تطوره . تأسره ويطيعها ، فلا يبغي غير هذه المواد .
تنهد حميدو الصعداء ، هنية بدأت تفتح عينيها ببطء شديد ، لكنها تعجز عن رفع رأسها . حميدو يسألها " هل انت بخير " . هو نفسه لا يدري انها لا تزال في حالة غيبوبة .
اخذ يحركها لعلها تستفيق ويطمئن قلبه . لكنها ظلت جثة حية تتنفس ببطء ، وبالكاد تفتح عينيها .
عندما اطمأن أنها لا تزال حية ، هيأ لها مكانا خاصا بها ، ومدها فوقه ثم بحث في كيس بلاستيكي كبير عن لحاف رقيق ورماه فوقها .
الهاربون من زملائه يتابعون المشهد من مسافة قريبة ، وهم يرتجفون . كثير من اصدقائهم ماتوا بمثل تلك الطريقة . آخرون ماتوا وهم يستعملون الهيروين او الكوكايين . الكبيري نفسه مات بهذه المادة القاتلة . وجدوه ملقى على باب احدى العمارات وفي مرفقه ابرة من الابر الطبية التي يحقنون بها المرضى . الشريف أيضا مات بهذه المادة الملعونة ، وكان شابا رائعا ومهذبا . كان يشتغل في احدى محطات بيع المحروقات . نجاة بنت أرض الدولة ماتت هي الخرى بنفس المادة وتركت صديقتها عائشة تائهة ، لكن عائشة أقلعت عن ادمانها بعد أن رأت نهاية صديقتها الحميمة .
قبل أيام قليلة مات اسماعيل وتحولت جثته الى لون ازرق . لم يسمع يوما احد ان جثة انسان تتحول الى لون أزرق حين يموت . ارتعبوا . تساءلوا كيف ؟ ماذا تناول ؟ لم يسبق لأحد منا ان تحول لون جسده بعد موته . يسردون بينهم أسماء من ماتوا ذكورا واناثا ، لكنهم لا يعثرون على شيئ غريب حدث في جسده بعد موته أو تحول الجسد الى لون أزرق غامق . هم هكذا جبناء خوافون ، حتى اولئك الذين كانوا قبل سنة أو سنتين يتوفرون على صحة جيدة وبنية قرية تسرب اليهم الخوف واشتد اضطرابهم .
كيف لا يتمكن منهم الخوف ، اذا كان من لايستعمل تلك المواد أكثر جبنا منهم وخوفا ؟؟؟
نظر اليهم حميدو وهم تحت أشجار النخيل العقيمة . هي سبع شجرات تم غرسها بالقوة منذ ست سنوات في محيط النافورة . ورقم سبعة رقم أسطوري وملغز . حكاية سبعة رجال حكاية مشهورة في التراث العربي الاسلامي . ورقم سبعة في الأحلام يقال أنه مفتاح الأسرار ، اذا حلمته فتاة عزباء تتوزج في أقرب وقت . وهو في الميثولوجيا اليونانية يرمز الى الكمال . وهو الرقم الأعظم في حضارة الرافدين ، له قوة سحرية هائلة .
لكنهم منذ أن غرسوا تلك الأشجار السبعة في هذا المكان ، تعرض الى تشويه كبير ، غيروا معالم المنطقة رأسا على عقب . شتتوا الأسر ، قضوا على مورد رزق كثير من أولياء الأمر ومن الشباب الطيب . تسيد عملاء السلطة والخونة والمخبرين وحثالى المجتمع على المنطقة .
رقم سبعة كان بمثابة التنين الذي احرق الأخضر واليابس .
عاد زملاء حميدو بعد أن اطمأنوا لحالة الطفلة النائمة ، تأملوها فأيقنوا أنها لا تزال على قيد الحياة . حميدو لم يعاتبهم ، بل قال لهم بصوت الموقن من نفسه والضابط لشؤونه " أيها الهاربون الخائفون الجبناء ، لماذا هرولتم بتلك السرعة ، هل هي الأولى التي يغمى عليها ؟؟ .
لم يجبه أحد من الخمسة ، بل افترشوا اماكنهم وأخرجوا أغراضهم من جيوبهم ، وراحوا يمارسون عادتهم السيئة .
في الصباح الباكر ، استيقظت الطفلة من نومها ، عاينت المكان بهدوء ، حميدو يغطي في نوم عميق فاتحا فمه ، والآخرون مرتبون أمام بعضهم ، هم أيضا يغطون في نوم عميق . أخذت قنينة ماء وشربت قليلا ، قبل أن تخرج من الجيب الصغير لسروالها بورصة ، ثم من جيب سوالها الخلفي قطعة ألمنيوم ، وضعت حبة صغيرة من تلك المادة اللعينة في قطعة الألمنيوم وراحت تحرقها من تحت وتشم عبر غطاء قلم الكتابة ذلك البخار الذي يصعد من قطعة الألمنيوم .
سرعان ما انهت عمليتها ، ثم قامت . نفضت عن ثيابها ما يمكن نفضه ، واتجهت الى سبيلها نحو الوجهة التي تقود الى سينما طارق .
فتاة غضة ، برعم ناشئ ، في مقتبل العمر ، يمكن علاجها في ظرف زمني وجيز . يمكن لأي جهة ان تعالجها . سواء كانت أسرتها ، او معارفها ، او مؤسسات الدولة ، او المجتمع المدني ، او متطوع من أيها الناس .
يمكن دفعها للاقلاع عن هذا المرض اللعين ، عن هذه العادة السيئة ، عن هذا الادمان القاتل .
هي الآن لن تستطيع الالتفات الى نفسها . وحدها يستحيل أن تقنع نفسها بالتخلي عما تورطت فيه .
ضاعت الطفلة . ضاعت الطفولة .
جميلة ، ذات وجه صغير مستدير ، وشعر أسود كث وخفيف ، وأنف لوزي الشكل ، وشفتان مكتنزتان كقلب طائر الحسون .
بعد سنتين سيتحول هذا الجمال الى قبح شنيع . من المسؤول ؟



#خالد_الصلعي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انسان مع وقف التنفيذ ..رواية....7
- أبي أحمد علي ، شخصية السلام العالمية . من هو ؟
- انسان مع وقف التنفيذ ..رواية....6
- انسان مع وقف التنفيذ ..رواية ...5
- ايران تنتصر مرة أخرى ، متى يتعلم العرب فن الانتصار ؟
- انسان مع وقف التنفيذ ..رواية...4
- مواطن مع وقف التنفيذ ....رواية -3-
- انسان مع وقف التنفيذ ..رواية -2-
- انسان مع وقف التنفيذ ..رواية
- انما الامم الاخلاق....قصة
- حوار مع زيغموند باومان حول دور وأهمية المواقع الاجتماعية
- يخت الملك الفاخر وفقر المغاربة المذقع
- الربيع الايراني
- انتحار في عيد الأضحى ....قصة قصيرة
- حدود الملكية المطلقة بالمغرب
- لن أيأس
- أمينة بوعياش تخرج الفيل من خرم ابرة
- عشرون سنة من الحكم ، عشرون سنة من اللاحكم
- خطأ الملك ، كيف نتعامل معه ؟
- هل تكمل الجزائر مسارها المتفرد ؟


المزيد.....




- صاحب موسيقى فيلم -مهمة مستحيلة- لالو شيفرين : جسد يغيب وإبدا ...
- دينيس فيلنوف يُخرج فيلم -جيمس بوند- القادم
- افتتاح معرض -قفطان الأمس، نظرة اليوم- في -ليلة المتاحف- بالر ...
- -نملة تحفر في الصخر-ـ مسرحية تعيد ملف المفقودين اللبنانيين إ ...
- ذاكرة الألم والإبداع في أدب -أفريقيا المدهشة- بعين كتّابها
- “361” فيلم وثائقي من طلاب إعلام المنوفية يغير نظرتنا للحياة ...
- -أثر الصورة-.. تاريخ فلسطين المخفي عبر أرشيف واصف جوهرية الف ...
- بإسرائيل.. رفع صورة محمد بن سلمان والسيسي مع ترامب و8 قادة ع ...
- الخرّوبة سيرة المكان والهويّة في ررواية رشيد النجّاب
- -عصر الضبابية-.. قصة الفيزياء بين السطوع والسقوط


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد الصلعي - انسان مع وقف التنفيذ ..رواية...8