ريما كتانة نزال
الحوار المتمدن-العدد: 1555 - 2006 / 5 / 19 - 11:29
المحور:
حقوق الانسان
"نور" دخل السجن جنينا في رحم أمه ، وخرج منه مقيد اليدين دون أن يقطع حبله السري، تاركا أمه"منال" في الزنزانة، ، نور الذي لم يبك في لحظته الاولى، ولم يكتشف بعد الضحك، وعرف التحقيق قبل أن يعرف الهدهدة، وميز صوت قرقعة السلاح والمفاتيح الضخمة قبل أن يلهو بإدارة مفاتيح الدمى، وتكلم دون ان يلثغ، بل ان نور لم يتجشأ الحروف أبدا مع الحليب.
"نور" يستكمل مشواره ويغادر القفص بحكم احتلالي تماما كما دخل، ومن فداحة ما رأى استدارت عيناه محمّلة بالدهشة الأبدية، وللطفل الشقي عادات وتقاليد خاصة به، فلا ينفك عن ترداد كلمات السجانة التي تهوى الاطمئنان على عدد ممتلكاتها من "الأغيار"، فكانت أول كلمة نطق بها رافعا عقيرته هاتفا "عدد"، في الصباح والظهيرة والمساء"عدد"، ويهتم اليوم بحكم العادة بالقيام بعدّ أشقائه والجيران والطوابير، وقام مؤخرا بإحصاء عدد المعتصمين الذي شاركهم الوقوف من أجل أمه.
"لنور" عادات خاصة، فهو لا يحب الأبواب والنوافذ المفتوحة، ويركض الى إغلاق كل ما يفتح في غفلة منه، وهو ينام في مواعيد محددة، ويأكل بانتظام يليق بالأطفال الفلسطينيين، ويتساءل عن الكوة الصغيرة التي يدخل منها الطعام في الباب الكبير ويتساءل أين "الأشنافيم والكانتين"!، يجوع ويشبع بالتوقيت المضبوط على ساعة عبرية، ورياضته اليومية المفضلة ان يذرع المكان في خطوات معدودة بدقة يلتف بعدها كالآلة المحوسبة، نور لا يحتمل الشمس، ولا يألف الرجال من المخلوقات، ولا يفرط بغطائه الذي تلفع به في السجن، وبين الفينة والأخرى يسأل عن أمه..
نور "منال" انطفأ عندما تحرر "نور" بولادته الثانية، وروحها الفلسطينية تحمل في ثناياها الأضاد، فلا تريد بقاء فلذتها في حضنها والأصفاد تحفر لحمه الطري، ولا تريد مقايضة حريته بانتزاعه عن صدرها، و"منال" المذهولة في تناقضاتها تسمع من بعيد صدى صوته وهو يمارس هوايته بعدّها ورفيقاتها، وتتابع أنشطته التضامنية مع أهالي الأسرى، وتستنشق رائحته المتبقية على برشها..
نور غانم : طفل الاسيرة منال غانم الذي ولد بسجن تلموند الاسرائيلي، وبعد أن بلغ عمره عامان صدر حكم بفصله عن أمه.
#ريما_كتانة_نزال (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟