أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حارث رسمي الهيتي - سلام عادل .. الاستثناء في تاريخ الحزب الشيوعي العراقي















المزيد.....


سلام عادل .. الاستثناء في تاريخ الحزب الشيوعي العراقي


حارث رسمي الهيتي

الحوار المتمدن-العدد: 6349 - 2019 / 9 / 12 - 12:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بعد اجتماع حزيران 1955 الذي عقدته اللجنة المركزية وحاسبت فيه حميد عثمان سكرتير الحزب على نزعته الفردية في قيادة الحزب والسماح لنفسه بنشر وثيقة اطلاقات آيار ونشرها في جريدة الحزب المركزية ( القاعدة ) دون مناقشة اللجنة المركزية او الرجوع اليها ، وبعد أن تم تنحية حميد عثمان وانتخاب حسين احمد الرضي بديلاً عنه كسكرتيراً للحزب .
ولد حسين احمد الموسوي – والرضي تعود الى شدة تعلقه وحفظه لقصائد الشريف الرضي – عام 1922 في مدينة النجف حسب ما تذكر ثمينة ناجي يوسف زوجته وليس كما تذكر بعض المصادر ومنها بطاطو حيث يؤرخ ولادته في عام 1924 بالاستناد الى ما نشرته جريدة البرافدا حين كتبت عنه بعد استشهاده عام 1963 .
على أية حال ، ولد حسين احمد الرضي لرجل دين معمم وبسبب زواج والده باكثر من واحدة فقد وجد نفسه محاطاً بالكثير من الاخوة والاخوات وعلى الرغم من كثرة الابناء والبنات فقد أصر والدهم على ان يكملوا دراستهم وكان حريصاً على ارسالهم للتعليم لكن حسين احمد الرضي هو الوحيد من بين الابناء من واصل دراسته ودخل دار المعلمين ( 1 ) في بغداد وتخرج منه معلماً عام 1944 ونسب للعمل في احدى مدارس الديوانية ( 2 ) .
كان الرضي يتمتع بمواهب عديدة فقد كان رياضياً بارزاً ورساماً وذواقاً للشعر حافظاً له وبالأخص الشاعر الشريف الرضي اضافةً الى اهتمامه بالمسرح حتى انه بنفسه كان يضع المكياج لممثلات مسرحياته التي كان يعرضها في المدارس ( 3 ) .
في الديوانية التي عمل فيها حسين احمد الرضي معلماً التقى مع صديقه محمد حسين فرج الله عام 1944 وهو الذي رشحه لعضوية الحزب الشيوعي العراقي وحسب ما تذكر السيدة ثمينة ناجي يوسف زوجته فان لجنة الحزب في المدينة اختارته ليكون عضواً فيها وهو الذي لم يكتسب عضوية الحزب بعد بل ما زال مرشحاً نتيجة لنشاطه مما اضطرها الى ان تكتب الى قيادة الحزب في بغداد لاستشارتها عن شرعية هذا العمل فجاء الجواب طالباً حضور هذا الرفيق الى هناك .
في بغداد التقى حسين احمد الرضي بزكي بسيم الذي كان مسؤولاً عن التنظيم الحزبي الذي اصطحبه للقاء مع رجل في الاربعين وطلب زكي بسيم من الرضي ان يتحدث مع هذا الرفيق بحرية كبيرة وان يجيب على تساؤلاته ( 4 )
كان هذا الرفيق الشيوعي هو فهد سكرتير الحزب ولأن طبيعة حسين الرضي كانت الصراحة وعدم المجاملة ولأنه عرف بحدسه ان الرفيق الذي يجلس معه هو فهد سكرتير الحزب فكان لابد له من ان يتكلم معه بصراحه عالية جداً وينتقد امامه مشاكل منظمة الديوانية حيث انها لا تستثمر كل امكانياتها لتطوير العمل الحزبي هناك ، وقد خرج حسين الرضي من هذا الاجتماع وقد أخبره فهد انه اصبح عضواً في الحزب وان اسمه الجديد سيكون مختار ، وهو أول اسم حركي لحسين احمد الرضي .
في محافظة الديوانية كان حسين احمد الرضي معروفاً عند الناس بأنه شيوعياً وعند مجئ بهجت العطية سئ الصيت عام 1946 مديراً لشرطة الديوانية بدأ حملته في تضييق الخناق على الشيوعيين وتحركاتهم ، وبعد أن رفض حسين الرضي طلباً قدمه ناجي يوسف والد ثمينة التي ستصبح زوجة الرضي فيما بعد بأن يقلل من نشاطه الحزبي لأنه العيون بدأت ترصده وحين عجز ناجي يوسف نصح سلام هذه المرة بطريقة تذكّر حسين الرضي بأن لديه عائلة وتنتظر راتبه وهو المعلم في تلك الفترة فكان جواب الرضي كافياً ومقنعاً لناجي يوسف ، حتى ان الأخير تمنى ان لا تكون لديه مسؤولية العائلة ليشارك الرضي ورفاقه ذلك النضال( 5 ) .
وبعد أيام من هذا اللقاء ارسل العطية يطلب الرضي وحاول في بداية حديثه معه أن يبين له ان الكلام بينهما من باب النصح وعليه أن يفكر بالزواج وبناء عائلة له ، ولما لاقى من حسين الرضي جواباً كله اصرار ينم عن وعي المتحدث به ، مفكراً بوضع البلد وتخليصه مما يعيشه ، كشر العطية عن انيابه سائلاً الرضي عن الطريقة التي سيعيش بها اذا ما فصل من وظيفته ؟ وجن جنونه حين اخبره حسين الرضي بأن " لدي يدان وتقول لي ماذا اعمل ، سأبيع لبناً على الجسر " .
بعد ان صدر قرار فصله سافر الرضي الى بغداد ورفض عرض الرفيق فهد عليه بأن يحترف العمل الحزبي مقابل راتب لتمشية حاله ، وقرر ان يحقق ما وعد به العطية في انه سيعمل بيديه ، وبعدها كان لحسين الرضي منقلة في علاوي الحلة يبيع بها الفشافيش ، وبعد فترة عاد للعمل كموظف تفتيش للباصات الخاصة بنقل الركاب . وبعد حملة الاعتقالات التي طالت الشيوعيين والكثير من الشباب الديمقراطيين الذين تم تشخيصهم من خلال نشاطاتهم خلال احداث وثبة كانون عام 1948 فصل حسين احمد الرضي للمرة الثانية نهاية العام المذكور ، وتم اعتقاله في 19/ 1 / 1949 وحكمته المحكمة العسكرية ثلاث سنوات تليها سنتان تحت الاقامة الجبرية . (6)
في السجن اهتم حسين احمد الرضي بالقراءة والكتابة والحديث عنها الى الرفاق اضافة الى بعض المسرحيات وانتهت محكوميته عام 1953 والتحق بحزبه من جديد ثم تم نقله الى الرمادي تحت الاقامة الجبرية ولما هرب منها بعد طلب كريم احمد منه ذلك تم انتدابه للعمل كمسؤولاً للمنطقة الجنوبية .
في الاجتماع الخاص باللجنة المركزية في كانون الثاني عام 1954 والذي عقد بدعوة من كريم احمد سكرتير الحزب وقت ذاك ، تم اضافة حسين احمد الرضي الى اللجنة دون المرور بفترة ترشيح كما كان معمول وذلك لما اثبته من مثابرة على العمل اضافة الى المميزات التي كان الرضي يتمتع بها ، وبعدها بعام تقريباً وحين اطلق حميد عثمان الذي خرج من السجن وتسلم مسؤولية قيادة الحزب وبعد أن نشرت جريدة الحزب المركزية القاعدة اطلاقات آيار وهي الوثيقة التي كتبها حميد عثمان وتم نشرها كبرنامج للحزب دون استشارة اللجنة المركزية ، اوقف الرفيق حسين احمد الرضي توزيع الجريدة في المنطقة الجنوبية باعتباره مسؤولاً عنها وكتب الى حميد عثمان يدعوه الى عقد اجتماع لمناقشة هذه الوثيقة ولماذا تم نشرها بهذه الطريقة .
وبعد أن تمت محاسبة حميد عثمان تم تنحيته من موقعه كسكرتير للجنة المركزية وانتخاب حسين احمد الرضي بدلاً عنه .
ما ان أصبح حسين احمد الرضي سكرتيراً للحزب وهو الذي عانى كثيراً من البيروقراطية الحزبية والتصرفات غير المدروسة اتسم بها بعض من تبوء مسؤولية قيادة الحزب فمثلاً خلال فترة تولي مالك سيف إدارة الحزب تم ابعاد حسين احمد الرضي عام 1948 اثر اعتراضه على الموقف الحزبي من فلسطين وبقي بصلة فردية وسُحبت بعض مهماته ( 7 ) حتى أخذ يفكر بتوحيد الجماعات التي انشقت نتيجة الأسباب المختلفة فيذكر رفيقه عامر عبد الله ما نصه " كان سلام عادل يحمل آمالاً كثيرة وهموماً كبيرة وكان همه الأكبر استعادة وحدة الحزب وتصويب سياسته وتجميع المناضلين القدامى الذي تعاقدوا على العمل تحت طالة ظروف شتى" ( 8 ) وبدأ خطواته لاستعادة لحمة الحزب الشيوعي العراقي وتجميع قواه بعد أن شخص الاخطاء والنواقص وانتهج سياسة جديدة حيث لم تكن متبعة من قبل من سبقوه وهي البحث عن القواسم المشتركة التي تجمع باحثاً عن الايجابيات عند الآخرين لا سلبياتهم مبتعداً كل البعد عن لغة التخوين والاقصاء والتشهير بمن يختلف معه بالرأي ( 9 ) .
كان جمال الحيدري سكرتير كتلة راية الشغيلة قد بعث برسالة الى الحزب الشيوعي عندما كان حميد عثمان هو سكرتير الحزب ، ومضمون الرسالة ان كتلة راية الشغيلة تريد الوحدة مع الحزب الشيوعي ( 10 ) لكن حميد عثمان لم يكلف نفسه عناء الرد على الرسالة او عرضها على اللجنة المركزية ولما وجدها حسين احمد الرضي في اوراق حميد عثمان بعد تنحية الأخير ارسل الى الحيدري رسالة وتم قبول بدء المحادثات وحين ابلغ الحيدري الحزب بان هناك اعضاء في راية الشغيلة لا زالوا متشددين من ناحية الحزب فطلب حسين احمد الرضي أن يلتقيهم ومنهم كاظم فرهود الذي كان يقود راية الشغيلة في كربلاء .
جلس الرضي معهم في بغداد ، وامتدت الجلسة معهم منذ الصباح الباكر وحتى منتصف الليل فوافقوا على الوحدة مع الحزب بعد ان يحلوا تنظيمهم ويعودوا فرادى الى الحزب ونتجت هذه المباحثات عن عودة كل الرفاق الذين عملوا في راية الشغيلة الى صفوف حزبهم الأم ، واصدرت راية الشغيلة بياناً في 13 / 6 / 1956 بياناً تعترف فيه بخطأ اقدامها على الانشقاق وتأسيس منظمة خاصة بهم ، واقروا بأن خطوتهم تلك مخالفة لمبادئ الماركسية – اللينينية التي توصي بالمحافظة على وحدة الحزب وقابلهم الحزب باصدار بيان في 17 / 6 / 1956 رحب فيه بعودة المناضلين ومثلما انتقد البيان الافكار الانشقاقية كذلك انتقد المقاييس البيروقراطية التي عولجت بها مشاكل الرفاق الفكرية ( 11 ) وهذه هي المرة الاولى الذي يصدر فيه عن الحزب بيان من هذا الشكل حيث يعترف ان القيادة السابقة لم تتعامل مع الرفاق ومشاكلهم الفكرية بالطريقة السليمة والصحيحة .
كذلك نجح الحزب وبجهود كبيرة بذلها عامر عبد الله في ارجاع جماعة وحدة الشيوعيين او وحدة النضال التي كان يرأسها عزيز شريف وعبد الرحيم شريف ( 12 ) وبعد ذلك عادوا الى الحزب ايضاً ونتيجة لذلك قررت اللجنة المركزية تبديل اسم الجريدة المركزية للحزب من القاعدة الى اتحاد الشعب في 22/ تموز/ 1956 ( 13 ) . بينما يذكر بطاطو ان جمال الحيدري وجناحه لم يعودوا للحزب الا بعد ان توصل الى اتفاق ينص على تمثيل وحدة الشيوعيين وراية الشغيلة والحزب الشيوعي في اللجنة المركزية ( 14 ) .
وما يذكره زكي خيري في مذكراته عن خطوات حسين احمد الرضي لاعادة المبعدين والمنقطعين عن الحزب يقول " فتش سلام عادل عن الشيوعيين القدامى المهملين واتصل بهم وعزز ثقتهم بالحزب وكان يرى ان فهد كان متشدداً مع الشيوعيين القدامى اكثر مما ينبغي احياناً " . ( 15 ) .
واذا كانت عملية البحث عن وحدة التنظيم الحزبي وضم جميع الكتل المنشقة عنه واعادتها الى الحزب هي من ابرز العلامات التي تؤشر لصالح حسين احمد الرضي كونه القائد للحزب آنذاك فعقد الكونفرنس الثاني للحزب لا يقل اهميةً عنها ، ان لم يكن ابرزها ، فحسين احمد الرضي الذي نجح في توحيد الشيوعيين توحيداً تنظيمياً ان صح القول فقد أخذ يفكر بتوحيده فكرياً عن طريق تبني خطاب سياسي وفكري يتفق عليه الجميع خاصةً وان الحزب اصبح يضم في تنظيمه اشخاص كانوا الى وقت غير بعيد متقاطعين مع ما يطرحه الحزب ، وحسب ما يذكر الرفيق عزيز سباهي في كتابه ( 16 ) فإن ما شجع الشيوعيين الى عقد مؤتمرهم الثاني اضافة الى توحيد انفسهم هي الاجواء الايجابية التي سادت بعد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي الذي انعقد في شباط 1956 خاصة اذا اطلعنا على ملاحظة زكي خيري في مذكراته ( 17 ) التي يقول فيها ان سلام عادل كان متأثراً تأثراً ايجابياً بالمؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي لانه كافح بعض المظاهر الضارة كالمخاشنة والتوتر اضافةً الى تطويره للقيادة الجماعية وعلى مختلف المستويات .
ومنذ ان اصبح حسين احمد الرضي سكرتيراً للحزب شكل لجنة مركزية ، أخذت على عاتقها فيما بعد التحضير لعقد الكونفرنس الثاني حيث عقد الأول في آذار من العام 1944 ، وقد ضمت هذه اللجنة كل من ( حسين احمد الرضي ، كريم احمد ، عامر عبد الله ، فرحان طعمة ، محمد صالح العبلي ، جورج حنا تلو ، ناصر عبود ، عطشان الازيرجاوي ، هادي هاشم الاعظمي ).
انعقد الكونفرنس الثاني في ايلول عام 1956 ، أي بعد ثلاثة أشهر تقريباً من توحيد الشيوعيين وسبعة أشهر بعد المؤتمر العشرين للشيوعي السوفيتي ، عقد في تل محمد في بغداد وقد ضم الكثير من اللجان المحلية والكوادر المتقدمة وللمرة الأولى تم توزيع الوثيقة الرئيسية التي كتبها حسين احمد الرضي وعامر عبد الله وجمال الحيدري والتي كان على المؤتمر ان ينظر فيها ويقرها على جميع الحاضرين قبل ايام من انعقاد الكونفرنس . ( 18 )
في هذا الكونفرنس ناقش المندوبين وثيقة ( في سبيل التحرر الوطني والقومي ) ومن جملة الامور التي ناقشتها الوثيقة هي وضع البلد الاقتصادي حيث اشارت الى ما يعانيه الاقتصاد العراقي من مشاكل ولخصته بما نصه :
( فالعراق بالرغم من وفة موارده يعاني حالة اقتصادية سيئة ، وحصته المالية من نفطه التي ازدادت بفضل نضال الشعب وبسبب الاوضاع الدولية وتطور الحركات الوطنية في الاقطار المجاورة ما زالت اقل بكثير من حصة الاستعمار الفعلية وهي لا تنفق لا في سبيل بناء اقتصاد عراقي صناعي وزراعي متطور ولا في سبيل رفع مستوى العمال والفلاحين وجماهير الشعب الاخرى ، وانما تبدد بالدرجة الاولى في سبل يعود نفعها على المستعمرين الانكليز والامريكان ، وتعترف الجرائد البريطانية ان 75 بالمائة من حصة العراق من النفط يرجع ثانية الى بريطانيا ) ( 19 ) .
وتحدثت الوثيقة ايضاً عن الدور السلبي الذي تلعبه شركات النفط حيث شبهتها باعتبارها حكومة وسط حكومة ، اذ تعفى من الضرائب والرسوم الكمركية ولا تخضع للقيود التجارية ولا تمتلك المحاكم والقضاء العراقي اي حقوق بمقاضاة هذه الشركات ، كما انها لها الحق في استملاك الاراضي والمواصلات والمؤانئ ، وشددت الوثيقة على مخاطر بقاء العراق ضمن الكتلة الاسترلينية حيث يشكل ارتباط الدينار العراقي بالباون الاسترليني خطراً كبيراً على الاقتصاد العراقي لانه يرتبط معه صعوداً وهبوطاً .
وعلى الرغم مما سبق الا ان التقرير السياسي كان متفائلاً ان صح القول حين اعتبر ان المعركة المقبلة يمكن اعتبارها معركة ذات طابع سلمي على الأغلب ، بل هي حددت ان شكل النضال الثوري اليوم وفي المستقبل يمكن ان يتسم بالطابع السلمي ويعتمد نجاح هذا على تعبئة القوى الوطنية في جبهة واسعة .
ويشير الرفيق سباهي ان القاعدة الحزبية آنذاك لم تكن مقتنعة بهذا الاستنتاج مما أثار اعتراضات واسعة داخل الكونفرنس وحتى بين القاعدة الحزبية بعد ذلك ، ومن الملاحظات المهمة التي اكد عليها الرفيق عزيز سباهي ان هذا الاستنتاج لم يأتي استناداً الى دراسة جدية للواقع الاجتماعي العراقي ( 20 ) وانما جاء سيراً على خطوات المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي الخاص بالانتقال السلمي نحو الاشتراكية .
ليس هذا فحسب بل يذكر زكي خيري في مذكراته ان الكونفرنس الثاني للحزب الشيوعي تخلى حتى عن مطلب مشاركة الحزب في الحكومة الائتلافية في الفترة الانتقالية وتعهد الحزب حينها بأنه سيدعم أية حكومة تأتي لتنفيذ البرنامج الانتقالي .
لكن هذا التوجه سرعان ما تم التراجع عنه في تشرين الثاني من نفس العام نفسه بعد انتفاضتي النجف والحي التي كانت تقف الى جانب مصر بوجه العدوان الثلاثي حيث استخدمت قوات البوليس العراقي الرصاص الحي ضد المتظاهرين لذلك عقدت اللجنة المركزية اجتماعاً طارئاً لتصحيح موقفها دون مؤتمر أو كونفرنس حسب ما يذكر الرفيق عامر عبد الله ( 21 ) وبعد هذا الاجتماع صدر بياناً عن الحزب في تشرين الثاني عام 1956 جاء فيه ما نصه ( ان مسألة العنف بالنسبة لنا مسألة يقررها سلوك الخصم عندما لا يريد أن ينزل عند ارادة الشعب ولذلك فان الاسلوب العنفي هو الاسلوب الراجح في كفاح شعبنا وحركته الوطنية من اجل التغلب الحاسم على عدوانية وعنف الاستعمار وحكمه العميل في العراق ) .
كما ناقش التقرير السياسي الجبهة الوطنية الموحدة فقد اعتبرها ( أداة نضالية تعود للجميع وتهم الجميع وتنفي السلوك التخريبي الذي من شأنه اضعاف قوة ما في الجبهة الوطنية ..... كما تبيح في الوقت نفسه بل تستلزم على نحو ضروري تبادل النقد الاخوي البنّاء بين القوى العاملة فيها وبطبيعة الحال ينبغي ان يتجه هذا النقد دوماً الى تقوية الجبهة وتعزيز كفاحيتها وأن ينبعث من روح مخلصة وشعور عميق بالمسؤولية ) ( 22 )
اما قواعد العمل داخل الجبهة الوطنية فيجب ان تراعي حق اي حزب من احزاب وقوى الجبهة الوطنية في الدعاية الحزبية وكسب الانصار او احراز ثقة الشعب هو حق مشروع ما دام لا يخل بعمل الجهة ، اضافة الى ان التصرف يجب ان لا يكون على اساس ( اننا وحدنا بالميدان ) او امتلاك او احتكار القيادة او يترتب على ذلك الغرور والطيش والتعسف اذ انها خطة خاطئة واخلال كبير بحقيقة ان اتحاد القوى الوطنية جميعها في جبهة واحدة هي وحدها طريق النصر .
وشددت وثيقة التقرير السياسي على واحدة من ضرورات التعاون في الجبهة وهي المشاورة وتبادل الرأي والنصيحة لغرض الاتفاق على المسائل المهمة والتدابير الكفيلة بحلها على وجه التحديد في المسائل الكبرى . ( 23 )
اما فيما يتعلق بالجانب القومي فذكرت الوثيقة ان حزبنا الشيوعي العراقي يأخذ بنظر الاعتبار واقع العراق القومي والسياسي ويستوحي في سياسته القومية الحقيقة التالية : وهي ان الارض التي يقطنها الشعب العربي في العراق هي جزء لا يتجزأ من ارض العروبة وان العراق من حيث الوحدة السياسية دولة عربية في اطاره القومي والدولي ولكن العراق بحدوده الجغرافية التي رسمها الاستعمار يضم جزءاً من كردستان ولذا فأن في العراق قوميتين رئيسيتين عربية وكردية ، وان الشعب الكردي في العراق هو جزء لا يتجزأ من الامة الكردية في جميع اجزاء كردستان الممزقة الآن بين تركيا وايران والعراق وان الامة الكردية امة واحدة لها خصائصها القومية كأمة . ( 24 )
ويؤكد التقرير ان حركة الانبعاث العربي والكردي تعزز احدهما الأخرى ، فمن دون مساهمة جماهير الشعب الكردي في العراق في الكفاح ضد الاستعمار وحلف بغداد ومن اجل استقلال العراق وسيادته الوطنية لا يمكن ان يحقق العراق هدفه في اللحاق بركب العروبة المتحررة ، كذلك فليس امام الشعب الكردي من اجل التحرر القومي والوحدة سوى سبيل المشاركة الايجابية الفعالة في حركة الشعب العربي وسائر الاقليات القومية في العراق . ( 25 )
كما ناقش الكونفرنس الآراء والطروحات الخطيرة والخاطئة التي انزلق اليها الحزب أيام قيادة بهاء الدين نوري وحميد عثمان ، وبالأخص وثيقة ( ضوء على القضية الفلسطينية ) .
وربط التقرير السياسي الذي أرقه الكونفرنس الثاني للحزب عام 1956 بين حلف بغداد واسرائيل باعتبارهما رمحين يتجهان نحو قلب القضية العربية ، ويعترف التقرير ان الكثير من الديمقراطيين في العراق ومن بينهم اعضاء في الحزب الشيوعي العراقي لا يفهمون ان الصهيونية هي ربيبة الاستعمار وحصيلتها اسرائيل وهؤلاء تمكنوا من تسريب بعض المفاهيم الخاطئة الى صفوف حزبنا خاصة بعد حرب عام 1948 ، معتبراً التقرير ان وثيقة ضوء على القضية الفلسطينية قد زيف حقائق الوضع في فلسطين حيث تستر على بشاعة الصهيونية وعدوانيتها معتبراً ان تحويل فلسطين الى وطن قومي لليهود على حساب العرب كانت من الاساس خطة استعمارية حيث شردت مليون مواطن عربي واغتصب ممتلكاتهم .
كل هذا كان قراءة واعية ومنطقية من قبل من كتب التقرير وناقشه وأقره ، قضية كانت تحوم حولها الكثير من الأسئلة حول موقف حزبنا منها اثناء قيادة بهاء الدين نوري الذي يذكر في مذكراته ما يلي :
( اتخذت بصفتي سكرتيراً للحزب موقف التأييد لاطلاق حرية اليهود العراقيين بالهجرة الى اسرائيل منطلقاً في ذلك من حقيقة انهم مضطهدون وان هجرتهم من العراق ستكون طريقاً لتحررهم وبعد فترة غيرت موقفي وأدنت القانون الصادر من بغداد باعتباره تواطؤ مع الاستعمار ) ( 26 )
اما على الصعيد الداخلي للحزب فثمة نقاط جوهرية تضمنتها وناقشها الرفاق الذين شاركوا في اعمال الكونفرنس الثاني منها التأكيد على وحدة الحركة الشيوعية في الحزب الشيوعي باعتبارها اهم مصادر القوة للحزب ليتمكن من النهوض بالمهام الملقاة على عاتقه وهي الشرط الاساس والرئيس لبناء جبهة وطنية موحدة وواسعة . ( 27 )
وان هذه الخطوة الكبيرة لم يكتب لها النجاح لولا ان الجميع اتفقوا على نبذ جملة من المفاهيم الضارة خلال سجالات ومعارك فكرية استنتج الفرقاء بعدها بضرورة التوصل الى صيغة توحد الجميع لا تفرقهم .
وتذكر الوثيقة ( لقد نبذ حزبنا بحزم الأساليب اللامبدئية في كفاحه الفكري ، اساليب اطلاق النعوت جزافاً على هؤلاء أو أولئك من المشتغلين بالحركة وجرد سياسته من الشعارات والمفاهيم التي تمجد الاوضاع الانقسامية وتسبغ عليها صفات بلشفية ) .
ويذكر التقرير في هذا الجانب ان الشيوعين العراقين لم ينهجوا في السابق ايدلوجية تعزيز وحدة الحزب كما ان في كثير من الظروف تم اساءة تفسير مقولة ( الحزب يقوى بتطهير نفسه من الانتهازيين ) بصورة أدت الى التفريط بالكثير من الرفاق والمناضلين ، معترفاً في ان الصراع الفكري كان يجري في السابق لا على اساس ان هذا الموقف أو ذاك صحيح من وجهة النظر الماركسية بل على اساس غير مبدئي و ( اتخذ في كثير من الاحيان بشكل مباراة متعسفة ذات طابع مفرط في ادعاء الولاء لتاريخ الحزب ولمؤسسه ولقائده ) ( 28 )
وفي نقطة غاية في الأهمية يذكر التقرير في هذا الجانب ايضاً ان كل تلك الاخطاء السابقة ساهمت باعتبار فترة ما قبل اعتقال فهد هي فترة معصومة وغير صحيح ان تتعرض لنقد الرفاق ودراستهم وهذا ادى الى الجمود الفكري .
من الانعطافات المهمة التي حدثت في تلك الفترة التاريخية هي قيام جبهة الاتحاد الوطني عام 1957 بين الحزب الشيوعي العراقي وحزب الاستقلال الوطني والحزب البعث العربي الاشتراكي ، هذه الجبهة التي وضع الحزب الشيوعي العراقي ومن خلال الكونفرنس الثاني عام 1956 قواعد عمله فيها باعتبارها اداة نضالية تعود للجميع وتهم من يريد الخير لهذا البلد .
فقد تكثفت اللقاءات بين الحزب الشيوعي العراقي والحزب الوطني الديمقراطي بعد اعتقال كامل الجادرجي في تشرين الثاني من العام 1956 وفي شباط من العام 1957 واطلق عليها اسم جبهة الاتحاد الوطني وفي آذار صدر البيان الأول الذي كان قد كتبه محمد ابراهيم كبة عن حزب الاستقلال واتفق عليه الجميع وتضمن البيان ابرز اهداف هذه الجبهة حيث طالبت بتنحية وزارة نوري السعيد بعد ان اجرم بحق المتظاهرين وحل المجلس النيابي وضرورة الخروج من حلف بغداد واقامة علاقات جيدة مع الدول العربية بما يخدم مصلحة العراق والقضية العربية واهمية اطلاق الحريات الديمقراطية والنظر بشأن قضايا السجناء السياسيين وسجناء الرأي .
وبع أن أستثنت الجبهة الحزب الديمقراطي الكردي على اختلاف اسباب الرفض اقام الحزب الشيوعي العراقي علاقات ثنائية تطورت فيما بعد الى عقد جبهة ثنائية بين الحزبين المذكورين.
ادى هذا التطور السياسي حيث انعقاد جبهة الاتحاد الوطني في رفع الهمم والاتجاه نحو اسقاط النظام الملكي ولعبت الجبهة دوراً بارزاً في المستقبل بقيام ثورة تموز عام 1958 .

..........................................................................................................
المصادر :
1. ثمينة ناجي يوسف و نزار خالد / سلام عادل سيرة مناضل ج 1
2. مقالات للدكتور عبد الحسين شعبان متوفرة على موقع الحوار المتمدن على الانترنت .
3. ثمينة ناجي يوسف و نزار خالد / المصدر السابق
4. ثمينة ناجي يوسف و نزار خالد / المصدر السابق
5. ثمينة ناجي يوسف و نزار خالد / المصدر السابق
6. مقالات للدكتور عبد الحسين شعبان متوفرة على موقع الحوار المتمدن على الانترنت .
7. مقالات للدكتور عبد الحسين شعبان متوفرة على موقع الحوار المتمدن على الانترنت .
8. غادة فائق محمد علي / عامر عبد الله ودوره السياسي والفكري في العراق
9. عبد الحسين شعبان / الدال والمدلول وما يمكث وما يزول بانوراما وثائقية للحركة الشيوعية / كتاب صادر عن دار ميزوبوتاميا / 2019
10. عزيز سباهي / عقود من تاريخ الحزب الشيوعي ج 2
11. عزيز سباهي / المصدر السابق
12. عبد الحسين شعبان / الدال والمدلول / المصدر السابق
13. حنا بطاطو / كتاب العراق / ج 3
14. حنا بطاطو / المصدر السابق
15. زكي خيري / صدى السنين في ذاكرة شيوعي عراقي مخضرم
16. عزيز سباهي / المصدر
17. زكي خيري / صدى السنين في ذاكرة شيوعي عراقي مخضرم
18. عزيز سباهي / المصدر السابق
19. عبد الحسين شعبان / الدال والمدلول / المصدر السابق
20. عزيز سباهي / المصدر السابق
21. غادة فائق محمد علي / عامر عبد الله ودوره السياسي والفكري في العراق
22. عزيز سباهي / المصدر السابق
23. عبد الحسين شعبان / الدال والمدلول / المصدر السابق
24. عبد الحسين شعبان / الدال والمدلول / المصدر السابق
25. عزيز سباهي / المصدر السابق
26. مذكرات بهاء الدين نوري
27. عبد الحسين شعبان / الدال والمدلول / المصدر السابق
28. عبد الحسين شعبان / الدال والمدلول / المصدر السابق







#حارث_رسمي_الهيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوطن هو أنتم، الوطن هو أنا
- ملاحظات من عطلة العيد
- القفز من مركب الرئيس !!!
- من حفل التنصيب !!
- فندق حامد المالكي الذي شغلنا !!
- قادةُ مروا بعد فهد ، لهم وعليهم
- كيف خيبت سائرون حلماً كان قريباً ؟
- الذاتي والموضوعي في تشكيل فهد
- وثبة كانون ... فتاةٌ على الجسر وكسر للنهج الطائفي مبكراً
- اليشوف الموت ما يرضى بمجلس مكافحة الفساد
- وزير الثقافة و ورث بابا خرابة
- الموقف من الشيوعيين !!
- قراءة بصوت عال لمقال الرفيق جاسم الحلفي
- الهرمنيوطيقا .. ومحاولة فهم النص الديني
- ثلاث رسائل لمئوية ثورة أكتوبر
- لماذا لا يؤسس النظام الأمريكي دولةً للرفاه ؟!!
- ( المجتمع المدني ... قراءة في المفهوم )
- وثائق CIA وجائزة نوبل
- معالم وخصائص التجربة العراقية في الخصخصة خلال فترة النظام ال ...
- هل هكذا يكتب التاريخ ؟!!


المزيد.....




- طبيب فلسطيني: وفاة -الطفلة المعجزة- بعد 4 أيام من ولادتها وأ ...
- تعرض لحادث سير.. نقل الوزير الإسرائيلي إيتمار بن غفير إلى ال ...
- رئيسي: علاقاتنا مع إفريقيا هدفها التنمية
- زيلينسكي يقيل قائد قوات الدعم الأوكرانية
- جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة الجعف ...
- طفل شبرا الخيمة.. جريمة قتل وانتزاع أحشاء طفل تهز مصر، هل كا ...
- وفد مصري في إسرائيل لمناقشة -طرح جديد- للهدنة في غزة
- هل ينجح الوفد المصري بالتوصل إلى هدنة لوقف النار في غزة؟
- في مؤشر على اجتياح رفح.. إسرائيل تحشد دباباتها ومدرعاتها على ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حارث رسمي الهيتي - سلام عادل .. الاستثناء في تاريخ الحزب الشيوعي العراقي