أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حارث رسمي الهيتي - وثبة كانون ... فتاةٌ على الجسر وكسر للنهج الطائفي مبكراً















المزيد.....


وثبة كانون ... فتاةٌ على الجسر وكسر للنهج الطائفي مبكراً


حارث رسمي الهيتي

الحوار المتمدن-العدد: 6142 - 2019 / 2 / 11 - 10:33
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


بعد نهاية الحرب العالمية الثانية خرجت بريطانيا منهكة إن لم نقل مدمرة نتيجة الخراب الذي لحق بها ، اضافةً الى خشيتها من الاتحاد السوفيتي التي كانت تخشى سيطرته على المنطقة التي تعتبرها بريطانيا من اهم مناطق نفوذها ، في الوقت ذاته تشير بعض المصادر الا ان تقارباً عراقياً – امريكياً قد ظهرت معالمه كان قد سبب قلقاً لبريطانيا ، هذا القلق الذي راقبته بريطانيا بعد زيارة الوصي عبد الاله لامريكا عام 1945 ، ورسالة تشرشل الى روزفلت الرئيس الامريكي جاءت تاكيداً على ذلك والتي يقول فيها " أشكركم شكرا جزيلا على تأكيداتكم الخاصة بعدم التطلع إلى حقولنا في إيران والعراق. ودعني أعاملكم بالمثل فأعطيكم أوفى تأكيد بأن ليس لدينا أي نية في محاولة إقحام أنفسنا في مصالحكم أو ممتلكاتكم في المملكة العربية السعودية ".
داخلياً كانت الطبقة الحاكمة العراقية ترى ان بقاءها على رأس السلطة في العراق محتوم بالحفاظ على ارتباطاتها وتحالفاتها مع بريطانيا بطريقة تؤكد على تشابك مصالحها مع مصالح الرأسمال البريطاني لتضمن دعمها على طول الخط ، لكنها من جانب آخر ان هذه الطبقة الحاكمة اصبحت تخشى تزايد السخط الشعبي عليها جراء استمرار ارتباطها وتبعيتها لبريطانيا.
و ما ان انتهت حكومة ارشد العمري في 16 تشرين الثاني 1946 حتى تولى نوري السعيد تشكيل وزارته الثانية والتي استمرت الى 29 آذار 1947 بعد أن انهى العمري عهداً من الحوادث والممارسات الدامية كان ابرزها حادثة اضراب " كاورباغي " بين عمال النفط العراقيين الذين اضربوا عن العمل والشرطة .
في الوقت ذاته كانت بريطانيا ترى ان تحركات العراقيين ومطالب الجماهير الواسعة بتعديل معاهدة 1930 يجب ان تستغله لصالحها ، خاصة وان المعاهدة المذكورة كانت قد اعطت لبريطانيا من الامتيازات ما يصعب عليها ان تتخلى عنه تحت أي ظرف كان ، ففي المادة الثالثة من المعاهدة تخلت بريطانيا عن العراق في حال وقع نزاع مع دولة ثالثة وكل ما عليه فعله هو ان يوحد جهوده مع بريطانيا لحل ذلك الخلاف سلمياً ، بينما تنص المادة الرابعة منها على الزام العراق في حال وقعت بريطانيا في حالة حرب أو خطر الحرب على تقديم التسهيلات والمساعدات ومن ذلك استخدام السكك الحديدية والانهار والموانئ ووسائل المواصلات !! بريطانيا " العظمى " تقدم لنا حلاً سلمياً في حال وقوع نزاع بيننا وبين دولة ثالثة ، ونحن نقدم لبريطانيا كل تلك المعونات !!
وتم اضافة ملحقان الى المعاهدة ، احدهما عسكري والثاني مالي ، ففي الملحق العسكري ثبتت بريطانيا جملة من النقاط كانت تصب في صالحها مطلقاً ومنها حصول القوات البريطانية على امتيازات في شؤون القضاء والعائدية الأميرية بما في ذلك الاعفاء من الضرائب . اضافة الى شراء العراق لأسلحته من بريطانيا مع استخدام الضباط البريطانين للامور الاستشارية في الجيش العراقي وحق بريطانيا في استعمال طرق العراق وسككه الحديدية وطرقه المائية وموانيه ومطاراته والسماح للسفن البريطانية في زيارة شط العرب .
علاوة على ما تقدم فقد كان الشارع العراقي يعاني من أزمة شديدة عرفت بـ " أزمة الخبز " ، حصلت بعد ان شهد البلد اسوأ موسم زراعي وهو 46 / 1947 ، وعلى الرغم من ذلك الا ان مصالح الطبقة الحاكمة آنذاك والمرتبطة بمصالح كبار الملاكين دفعت بالحكومة الى الموافقة على تصدير القمح والشعير ، تاركةً وراءها تحذيرات غرفة تجارة بغداد التي حذرت من خطورة ترك المسألة دون علاج حقيقي ، وطالبت بعدم تصدير الشعير الى الخارج والحصول على ما متوفر منه لغرض خلطه مع القمح وتقديمه كخبز مخلوط للشعب للحيلولة دون تفاقم المشكلة ، الا ان مصالحهم قد طغت ، فاضطر الناس الى الوقوف بطوابير طويلة امام الافران ومنذ الساعة الرابعة فجراً للحصول على الخبز الذي كان القمح فيه يشكل نسبة ضئيلة جداً فقد كان الخبز خليطاً غريباً على الناس ، حتى انه لا يمكن لاحد ان يأكله ما أن يبرد !!حتى يذكر عبد الرزاق الحسني ان الرجال والنساء كانوا يتدافعون بالمناكب والسكاكين ليحصلوا على قليل من الخبز . وحسب التقرير الخاص بالسفارة البريطانية في بغداد فان قرار التصدير جاء تلبيةً لرغبة ملاكي الاراضي المتنفذين خاصة بعد أن صاهر صالح جبر احدهم وهو من الحلة ( عداي الجريان ) .
وعندما ايقنت بريطانيا ان ضمان مصالحها في العراق والمنطقة سيكون عبر عقد معاهدة جديدة غير تلك التي وقعت في 1930 كانت مقتنعة تماماً خلال عام 1946 ان شخصية ارشد العمري والذي كان رئيساً للوزارة آنذاك لا يعوّل عليها بينما انصب جل اهتمامها ونظرها على نوري السعيد والوصي عبد الاله باعتبارهما القادرين على اداء مثل هكذا مهمات صعبة كما تراها بريطانيا ، وبعد حفل العشاء الذي عقد في السفارة البريطانية في بغداد وحضره كورنواليس السفير البريطاني ونوري السعيد والوصي عبد الاله ، ارسل السفير البريطاني الى وزير خارجيته رسالة بما قد حصل طالباً منه حث الوصي على ابعاد العمري من رئاسة مجلس الوزراء على ان تعهد الى نوري السعيد بذلك !!
بعد ثلاث ايام من العشاء نفذ الوصي عبد الاله ما طلب منه اذ اقصى ارشد العمري وعهد الى السعيد مهمة تشكيل وزارة جديدة ، فشكل نوري السعيد وزارته التاسعة في تشرين الثاني 1946 ، كانت لحكومته هذه المرة عدة اهداف خفية لكن اهمها هو اجراء انتخابات تضمن نجاح مرشحيه لكن انسحاب كل من ( محمد حديد ) الوزير الذي يمثل الحزب الوطني الديمقراطي و( علي ممتاز الدفتري ) الوزير الذي يمثل حزب الاحرار وفضح سياسة السعيد مما اضطره الى تقديم استقالته وشكل صالح جبر وزارته في آذار 1947 بعد ان كانت ترى بريطانيا انه شخصية مناسبة لموضوع المعاهدة وكما وصفه كورنواليس حين قال " ان صالح جبر قائد السفينة بينما سيكون نوري السعيد بمثابة أدميرال البحرية " !!
وافضل من وصف وزارة صالح جبر هذه هو السياسي العراقي ( حسين جميل ) الذي كتب مقالاً في جريدة صوت الاهالي والذي قال فيها :
" ان قيام وزارة جديدة تألفت بالأمس بنفس الاسلوب التي كانت تؤلف بها الوزارات السابقة وفي ظل الوضع الشاذ ، وهي وزارة ضعيفة خالية من كل لون ، مفقود فيها التجانس ، مؤلفة من وزراء استوزروا في مختلف العهود الماضية عاجزة عن مجابهة المشاكل التي تواجه العراق ، فهي لا تمثل آمال الناس ولا رأيهم فيما يواجههم من مشاكل ، وهي اضعف من ان تحقق للعراق أملاً ، وان كان يبدو من رئيسها والكثير من اعضائها انها ستكون قوية في ناحية واحدة هي مكافحة الحريات ومقاومة الاحزاب واضطهاد من منتسبيها والعودة بالعراق في ظل الاوضاع الشاذة ، فهو لون من الوان الضعف مبعثه خشية تمتع الشعب بحقوقه وسيادته " !!!
سار صالح جبر في حكومته على خطى سلفه العمري الذي كان قد صفى الحياة الحزبية وشل الصحافة الوطنية ومارس ابشع انواع القمع ضد الشعب العراقي من مصادرة حقوقه وحرياته العامة حتى انها اطلقت الرصاص الحي على صدور المتظاهرين الذين خرجوا لينددوا بقرار تقسيم فلسطين مما ادى الى استشهاد عدد من المتظاهرين وساقت الكثير من المحتجين على سياستها الى السجون ، اذ قام صالح جبر وفور مباشرته مهام عمله كرئيس للوزراء ، باغلاق بعض الصحف الحزبية المعارضة كما عطل حزبي الشعب والاتحاد الوطني علاوة على ما سنراه من القمع والقسوة التي دشنها كرد فعل ضد المتظاهرين في احداث وثبة كانون .
بعد مجزرة كاور باغي ، وكل تلك النقمة الجماهرية على الانكليز ومعهم الحكومة العراقية اثر اعلان قرار تقسيم فلسطين ، وازمة الخبز الذي اذل العراقيين واهان كرامتهم في ظل مثل هذه الظروف اعلن صالح جبر في المنهاج الوزاري الذي طرحه انه يعمل على :
" تعديل المعاهدة العراقية – البريطانية على اساس ضمان المصالح المتبادلة بين الند والند على ضوء ومبادئ ونصوص ميثاق الامم المتحدة وتعزيزاً للصداقة التقليدية القائمة بين العراق وبريطانيا العظمى " ، فبدات مفاوضات سرية كما اتفق الطرفان الحكومة العراقية والبريطانية استمرت من الثامن مايس 1947 عقدت في قصر الرحاب وتمت باشراف تام وكامل من قبل الوصي ، ولما شعر الأخير بأن تلك المفاوضات سوف لن تسفر عن شيئاً مما كان يتوقعه سافر بنفسه الى لندن في منتصف تموز من السنة نفسها وفاتح وزير خارجية بريطانيا ( بيفن ) في أمر تعديل المعاهدة .
وبعد فترة من اللقاءات والمشاورات دعا عبد الاله ومن قصره الرحاب الى اجتماع يضم رؤساء وزارة سابقين اضافة الى بعض الوجوه السياسية ، وفي الوقت الذي كان انشغال العراقيين بكيفية التخلص من القوات البريطانية المتواجدة على الاراضي العراقية كان حديث في اجتماع الرحاب ينصب على ضرورة ارتباط العراق بدولة اجنبية قوية وان هذه الدولة يجب ان تكون بريطانيا لكي لا يقع العراق تحت التهديد الشيوعي ويصبح بلاداً تابعة لهم على حد قول ( صادق البصام ) وان العراق سيصبح كله مطارات لبريطانيا في حال دخول بريطانيا حرب كما اكد ( عبد المهدي المنتفكي ) .
جريدة القاعدة لسان حال الحزب الشيوعي العراقي آنذاك كانت قد حذرت من المخاطر التي تنتظر العراق في المباحثات النهائية تجري في لندن مطالبة الوطنين الى تكثيف جهودهم من اجل التخلص من معاهدة 1930 واسقاط حكومة جبر والمجئ بحكومة وطنية ديمقراطية .
في الثالث من كانون الثاني عام 1948 نقلت بعض وكالات الانباء تصريحاً ادلى به وزير الخارجية العراقي فاضل الجمالي ، هذا التصريح الذي كان مثالاً للعمالة والبون الشاسع بين الحكومة من جهة والشعب العراقي من جهة اخرى حين اعتبر ان كل تلك الانتقادات التي توجه بالضد من معاهدة 1930 هي تصريحات لا تمت الى الحق بنصيب وان احزاباً سياسية هي التي تقف وراء هذا النقد ، اضافى الى ان بريطانيا قد اقرت بأن الوقت قد حان لتعديل تلك المعاهدة وان السيد رئيس الوزراء سترأس وفداً بشأن تعديلها ، هذا التصريح الذي تلقفته الاحزاب والقوى الوطنية باستنكار شديد ، فتظاهر في اليوم الخامس من كانون الثاني 1948 طلاب الكليات والمعاهد مما دفعهم ذلك الى الاصطدام بالشرطة التي استخدمت العصي والاطلاقات النارية لتفريقهم مما ادى الى اصابة عدداً منهم بجروح واعتقال البعض الآخر .
استنكرت الهيئة التدريسية لكلية الحقوق ما جرى ورفعت الاحزاب صوتها عالي ضد الاجراءات الحكومية ذلك كله جعل من صالح جبر الذي كان موجوداً في بغداد الى عقد اجتماع سريع لمجلس الوزراء ليتخذ قراراً بتعطيل الدراسة في معهد الحقوق لأجل غير معلوم كما وجه باحالة الطلاب المعتقلين الى المحاكم متهماً اياهم بالتحريض على التظاهر من اجل اسقاط الحكومة .
في اليوم التالي اضربت جميع الكليات والمعاهد تضامناً مع طلاب كلية الحقوق فكانت تهمة جمال بابان جاهزة ايضاً هذه المرة حيث خرج ببيان يؤكد فيه ان الطلاب المشاغبين هم اشخاص يحملون افكاراً هدامة .
وفي العاشر من كانون الثاني وبعد وصول الوفد المفاوض الى لندن جرى توقيع معاهدة بالاحرف الاولى ، ووصلت المسودة الى بغداد في الثالث عشر من الشهر نفسه وبعد ايام نشرها جمال بابان في بغداد وما ان اطلع عليها الشعب حتى وجه انتقاداته الشديدة ضدها والحكومة ، واعلن الطلاب الاضاب عن الدراسة لمدة ثلاث ايام وفي اليوم الثالث من هذا الاضاب نظم الطلاب تظاهرة وصلت الى الباب الشرقي وهم يهتفون باسقاط المعاهدة ووزارة صالح جبر ثم ساروا بتظاهرتهم الى مجلس البرلمان مطالبين بسقوط الحكومة وحل المجلس النيابي ورفض المعاهدة وتفرقوا في باب المعظم وبالتأكيد لم تتوان الحكومة عن وصفهم بالجهلة والمخربين وذوي افكار هدامة مشددة على انها تتخذ اقسى الاجراءات الكفيلة بايقافهم عند حدهم لكي لا يعيدوا تظاهراتهم .
حشود الطلاب المتظاهرين الذين لم تردعهم تهديدات الحكومة العراقية ومن وراءها بريطانيا عادت الى الشارع مرة اخرى في العشرين من شهر كانون الثاني الا انها هذه المرة كانت اوسع واشمل حتى انهم حاصروا مبنى مديرية التحقيقات الجنائية مرددة نفس الشعارات السابقة وجوبهت ايضاً بالعنف والرصاص حتى سقط شمران علوان شهيداً ، في اليوم التالي وفي مظارهة تشيعه من قبل المتظاهرين فتحت الشرطة النار عليهم لتفريقهم وكانت الاوامر هذه المرة تقضي بقتلهم حتى سقط شهيداً آخر رفعه زملائه ودخلوا بجثته الى عميد الكلية فقدم استقالته وجميع اساتذة كلية الطب وكلية الصيدلة واطباء المستشفى .
في مساء نفس اليوم اجتمع الوصي عبد الاله مع رؤوساء الوزارات ورئيس مجلس الاعيان وبعض من معارضي السلطة وبعد انتهاء هذا الاجتماع اعلن الوصي بأنه ( سوف لن تبرم اية معاهدة لا تضمن حقوق البلاد وامانيها ) وهذا الموقف وصفه عبد الرزاق الحسني بالمتراجع اذ يذكر ان الوصي كان في بداية الامر يصر على استخدام الشدة والعنف وحصدهم حصداً على حد تعبيره ، بينما اكد السيد عبد المهدي المنتفكي بأن المتظاهرين هم عناصر شيوعية هدامة خرجت بعض الاحزاب والشخصيات ببيانات وهي تعبر للشعب العراقي عن ارتياحها لما قد اعلنه الوصي لكن الحزب الشيوعي العراقي وبعض الاحزاب معه في لجنة التعاون الوطني اصدرت بيان حذرت فيه الشعب العراقي من محاولات الحكومة الرامية الى امتصاص غضب الشارع واضاعة الوقت ومحاولة تسويف مطالبهم داعياً اياهم الاستمرار في النزول الى الشارع حتى تحقيق المطالب كلها من اسقاط معاهدة 1930 ومعاهدة بورتسموث واسقاط وزارة صالح جبر وتأكيداً على وجهة نظر حزبنا آنذاك ما صرح به صالح جبر من لندن بانه سيعود بالسرعة الممكنة الى بغداد ويقضي على مثيري الفتنة من عناص شيوعية ونازية وممن كان قد اعتقلهم بعد اسقاط حكومة الكيلاني .
في 25 من شهر كانون الثاني اعدت الحكومة البريطانية طائرة خاصة قامت بنقل صالح جبر الى مطار الحبانية ومنه ادخلته الى بغداد بسيارات عسكرية مصفحة خلسةً خشيةً من المتظاهرين ، بعد ان حاصر هؤلاء مطار بغداد ، بعدها بيوم اصدر جبر بياناً يحذر فيه المتظاهرين من النزول مرة اخرى الى الشارع ، كما وتوعدهم بانزال اقصى العقوبات الصارمة ضدهم وخول متصرفي الالوية والشرطة باستخدام الرصاص لتفريق اي تجمع كما أمر الشرطة بأن تنزل الى الشوارع باعداد كبيرة وتحتل المراكز الحساسة في العاصمة .
في ليلة 26 كانون الثاني خرج صالح جبر ببيان موجه الى ابناء الشعب العراقي وكان قد حذر فيه من الاستمرار بالتظاهر ومحاولة احراج كرامة الحكومة محذراً اياهم من انزال اقسى العقوبات في حال عدم الالتزام بأوامر الحكومة وخول جميع متصرفي الالوية ومدراء الشرطة فيها باستخدام السلاح حتى لتفريق اي مظاهرة ، واجهت جموع المتظاهرين هذا البيان بتحدٍ كبير ، فقد تواجد المتظاهرون في شوارع بغداد من ساعات الفجر الاولى ولاحظوا كيف حولت الشرطة الشوارع الى ما يشبه ساحات الحرب ، فقد احتلت الشرطة برشاشاتها وعجلاتها العسكرية المصفحة المبان الرسمية والاماكن العالية في بغداد وحتى منارات الجوامع تم استغلالها ايضاً وما حصل في جامع الآصفية في الرصافة وجامع حنان في الكرخ خير مثال .
بعد أن تجمعت كل تلك الحشود من شتى مناطق بغداد في الساحات العامة توجهوا الى ساحة الأمين ما تعرف اليوم بساحة الرصافي الآن بعد أن كانت تلك الجموع قد اشتبكت مع الشرطة وقتل أربعة من المتظاهرين وعلى أثرها حرق المتظاهرون مركز شرطة العبخانة وهجموا على صحيفة التايمس العراقية التي تصدر باللغة الانكليزية ، وحين حاول المتظاهرون العبور الى الكرخ للالتحام مع المتظاهرين هناك منعتهم الشرطة بكل الوسائل المتاحة وقتلت منهم الكثير مما ادى الى توقف المتظاهرين الا ان فتاة شجاعة وقفت في منتصف الجسر وعرفت باعتبارها ( فتاة الجسر ) فيما بعد هتفت وعلى اثرها واصل الحشد تقدمه مما ارهب الشرطو فانهزمت خشية ان تقع بأيدي الغاضبين .
على أثر اشتباكات ذلك اليوم قدم عشرون نائباً من مجلس النواب استقالتهم تبعهم بذلك رئيس المجلس احتجاجاً على ما جرى ، وبعد الحاح السيد محمد الصدر الذي كان مجتمعاً مع الوصي في الرحاب على وجوب تقديم صالح جبر لاستقالته ، قدم الاخير استقالة حكومته .
ما نستطيع استنتاجه من الوثبة ، ذلك الحراك الجماهيري الرائع هي مجموعة من النقاط أرى من الضروري المرور بها للاستفادة وتسليط بعض الضوء عليها :
1. يتحدث بعض الكتاب على ان هناك ايادي او عناصر صهيونية لعبت دوراً في الوثبة وتوسعتها في محاولة منها لاشغال العراق بنفسه بعيداً عن القضية الفلسطينية ، وهذا الامر مرفوض جملةً وتفصيلاً لمن يطلع على تاريخ العراق في تلك الفترة فالامر الذي قامت على اساسه الوثبة هو التخلص من التواجد الانكليزي في العراق والعسكري على وجه التحديد والذي بقى مطلباً وطنياً عالياً وواضحاً منذ معاهدة 1930 .
2. لأول مرة منذ تأسيس الدولة العراقية يتحول المتظاهرين الى الجانب العنفي من الاحتجاج بعد ان استخدمت الحكومة كل ما توفر لديها من قوة لقمعهم حتى ان ارادت استخدام الجيش في ذلك عبر انزاله الى الشارع وحسم الموضوع عسكرياً لولا نصيحة البعض من ان هذا سيجر بحر من الدماء في الشارع .
3. هناك البعض يؤكد على الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء شخصياً الى الوصي عبد الاله لابلاغه رسمياً بأن علماء الدين في النجف يطالبون بابعاد صالح جبر عن الوزارة وايقاف مجازر الدم التي ترتكبها حكومته بحق الشعب . وان صح هذا فهو ممكن ان يسجل اول تدخل يدشنه علماء الدين في النجف في عالم السياسة .
4. فشل المشروع البريطاني القائم على تسليم الوزارة لصالح جبر باعتباره شيعي مما سيدفع زعماء المعارضة باعتبارهم شيعة ايضاً من ان يثوروا عليه حسب رؤية بريطانيا آنذاك ، فالمنشورات التي تم توزيعها على المتظاهرين والتي كان لصالح يد فيها تلقاها المتظاهرون بنوع من الاستهزاء ورفضوا ومزقوها دون ان يعيروها اي اهتمام .
5. نجح المتظاهرون في اسقاط معاهدة بورتسموث ، واسقاط حكومة صالح جبر ، لكن عودتهم الى البيوت دون الاصرار على الاقتصاص من الحكومة السابقة وعلى رأسها جبر جعلت من بريطانيا تبقي على علاقتها مع العراق على اساس معاهدة 1930 ونفوذها لم يتغيير .
6. مجئ شخصية ضعيفة مثل محمد الصدر الى رئاسة الوزارة بعد اسقاط حكومة جبر لا لشئ الا لأنه لا يستخدم العنف وحسب تقرير السفارة البريطانية التي وصفته بالجاهل بالعمل الحكومي جعل الكثير من مطالب المتظاهرين التي تم التركز عليها لم تتحقق ومنها اطلاق الحريات الديمقراطية وحرية العمل والتنظيم النقابي وتوفير الخبز الجيد للناس والاقتصاص من حكومة جبر .



#حارث_رسمي_الهيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليشوف الموت ما يرضى بمجلس مكافحة الفساد
- وزير الثقافة و ورث بابا خرابة
- الموقف من الشيوعيين !!
- قراءة بصوت عال لمقال الرفيق جاسم الحلفي
- الهرمنيوطيقا .. ومحاولة فهم النص الديني
- ثلاث رسائل لمئوية ثورة أكتوبر
- لماذا لا يؤسس النظام الأمريكي دولةً للرفاه ؟!!
- ( المجتمع المدني ... قراءة في المفهوم )
- وثائق CIA وجائزة نوبل
- معالم وخصائص التجربة العراقية في الخصخصة خلال فترة النظام ال ...
- هل هكذا يكتب التاريخ ؟!!
- مئة يوم أخرى
- دين الدولة ... ودولة الدين
- أهمية السؤال
- اعتزال حقيقي ... أم لا ؟!
- متى تنتهي الصيحات الطائفية ؟!
- 14 / تموز ... ثورة أم انقلاب ؟
- راعية الانقلابات تنتقد !!
- 30 - يونيو ... المرحلة الثانية
- تركيا ... درسٌ جديد


المزيد.....




- اخترقت غازاته طبقة الغلاف الجوي.. علماء يراقبون مدى تأثير بر ...
- البنتاغون.. بناء رصيف مؤقت سينفذ قريبا جدا في غزة
- نائب وزير الخارجية الروسي يبحث مع وفد سوري التسوية في البلاد ...
- تونس وليبيا والجزائر في قمة ثلاثية.. لماذا غاب كل من المغرب ...
- بالفيديو.. حصانان طليقان في وسط لندن
- الجيش الإسرائيلي يعلن استعداد لواءي احتياط جديدين للعمل في غ ...
- الخارجية الإيرانية تعلق على أحداث جامعة كولومبيا الأمريكية
- روسيا تخطط لبناء منشآت لإطلاق صواريخ -كورونا- في مطار -فوستو ...
- ما علاقة ضعف البصر بالميول الانتحارية؟
- -صاروخ سري روسي- يدمّر برج التلفزيون في خاركوف الأوكرانية (ف ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حارث رسمي الهيتي - وثبة كانون ... فتاةٌ على الجسر وكسر للنهج الطائفي مبكراً