هالك من ليس له ذاكرة !

سليم نزال

الحوار المتمدن-العدد: 6345 - 2019 / 9 / 8 - 04:52
المحور: سيرة ذاتية
    

كنا فى السيارة التى كانت ستوصلنا الى حيث نقيم بعدما امضينا يومين فى مؤتمر فى مدينة لارناكا فى قبرص.و اظن ان ذلك كان فى العام 2005 اكثر او اقل . اثناء الرحلة طلبت من السائق ان يوقف قليلا لكى التقط بعضا من شجر الطيون الذى كان ينمو على جانب الطريق الساحلى و هو لا يعرف سبب اهتمامى بتلك الشجيرات ..المهم انى التقطت بعضا منها و كانت تفوح منها رائحة عطر .فى الفندق فى منطقة اينابا شرحت لاصدقائى الاوروبيين عن الطيون. قلت لهم هذه كانت عطور المراة الكنعانية فى تلك الازمان القديمة . بعد الظهر جلست امام غرفتى و كانت تواجه كرم زيتون و راحت افكارى تذهب لبعيد .
كانت السماء صافية تماما .و كانت اشعة الشمس لم تزل قوية و انا اجلس فى جولة مع التاريخ!

و كانى كنت فى حالة عبث ارادى مع التاريخ .ففى ذات مساء وصل مركب بحرى يقل اميرة من مملكة صور الفينيقيه الى قبرص الفينيقية حيث اخذت معها الاميرة عليزا و اعتقد انه الاسم الادق من اليسا لان اللفظ اقرب للسامية من اليسا .اخذت معها عشرات النساء و الرجال من اجل رحلتها الى شمالى افريقيا حيث كانت على موعد مع التاريخ . حيث ولدت مدينة قرطاجة التى كانت على موعد مع مجد انتهى بعد حين . و كان عليها فى مراحل لاحقةان تواجه ربما اول هولوكوست فى التاريخ .حيث احرقها الرومان بمن فيها من بشر.انتهى مصير قرطاجة كما انتهى مصير تدمر من قبل .و لم تكتمل دائرة الحضارة المنبعثة من بلادنا .

.انتابتنى مشاعر مختلطه و انا اطوف عبر تاريخ مديد يكاد المرء يسمع فيه اصوات المراكب و اصوات مشاريع البناء الانسانى التى تهدمت .اعتقد ان اسوا ما يمكن للمرء ان يواجهه هو ان يكون شاهدا على دمار حضارة انسانية .رائحة الطيون بعثت اغانى الحنين مثل اغنية ستى يا ستى لفيروز .فهذه الاغنية مقطع من مسرحية ميس الريم حيث تواجه زيون بطلة المسرحية مشكلة ان ميكانيكى الضيعة مشغول فى صراع عائلى مع عائلة اخرى و هو فى الوقت نفسه يحب فتاة من العائلة الاخرى .
رائحة الطيون تنبعث من الاغنية و من الذاكرة بل من التاريخ .هالك من ليس له ذاكرة, قرات ذات مرة لاحدهم . و قد لا يستطيع سائق السيارة فهم الدافع الذى جعلنى اطلب ان اقطف بعضا من شجر الطيون . اذ بين شجيرات الطيون الصغيرة تختبى ذاكرة لم تزل تقاوم فى مكان ما .و ينطلق عالم يشبه بعضا من الذاكرة و بعضا من التاريخ لكنه لا يشبهنا اليوم .

#سليم_نزال (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل