أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يعقوب زامل الربيعي - رجلُ القطارات..















المزيد.....

رجلُ القطارات..


يعقوب زامل الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 6332 - 2019 / 8 / 26 - 02:36
المحور: الادب والفن
    


رجل القطارات..
................
قصة قصيرة
................
قيل أن بوذا لم يكُنْ اسماً،
فمن تراهُ هو؟!
....
لم يجرؤ على الحركة، وخلالَ الصفائحِ الحديديّة، كان فخوراً أن يرى المستطيلَ العُشبيَّ الأصفر. قلبُه على شفتيه بسببِ الحرِّ والحزن. عينُ على الزجاج، وعينٌ على الاستسلامِ الجليديِّ الأبيض.
وكانتِ الأرضُ أمامَه كلُّها أفقٍ لا ينتهي، كما البحار متصلةٍ ببعضِها. ورأسُه مائلٌ على كتفٍ واحدة، يوشِكُ أن يتمزقَ كخُرقةٍ بالية.
قال له رجلُ الخطوطِ الحديدية المتوازية يوماً:
ــ " لحظةَ تكونُ بكلِّ إحساسِك، أنك مع من تحب، وانك غيرُ مُجبَرٍ أن تتبعه، أو أنه، لنفس السبب، لم يتبعُك، إنما أن تكونا متجاوِرَين، ستجدُ الخيرَ والرحمة يتبعانكَ ".
الأزهارُ هي أجملُ ما يقدمه النهرُ للأرض، والزمنُ إشارات، ومن الندى تنمو الشتلات. هكذا منذ البَدءِ رَوَّضَ نفسَه أن لا يترك الإشارات، وأن لا يسمع، على الدوام، غير تكتكةِ النمو.
في غرفةِ تحقيقِ الأمن العام، سأله ضابطُ التحقيق، بصوتٍ مرتفع:
ــ " ما الذي يجعلُكَ موقِناً، بأنك ستعيش التكتكةَ طويلا "؟
أجابه صوتٌ فيك، كان حسبُه أن يرتفعَ مصمماً باسترخاء:
ــ " أنا لستُ مُحِباً للسككِ الحديدية، أحب القطارِات أكثر".
ــ " ومن قال، أن قطارَ الاحتمالِ سيأتيك "؟
وكان رأسُه ما يزالُ مركوناً على تلك الكتف، أجاب:
ــ " في حالةِ الفوضى، لابدَّ ستطرف عيوننا المتعبةُ من طرفٍ خفي، إلى طرفٍ واضحٍ يجمع كلَّ الأطراف ".
في الممَرِّ الضيق، وَسطَ السكونِ وتصلُّبِ الجُدران، أطلقَ أحدُهم صيحةَ استغاثة، شقَّتْ عَنانَ المكان. لم يكنِ الصوتُ قادماً من السماء، لكنه كان على أرضِ الحاجز، بين النورِ والظُلمة، يتشبثُ بالحجر، وبالمصاريع المُغلقة، يحاولُ الالتصاقَ بالحياة:
ــ " إذا لم نستطعِ الدفاعَ عن أنفسِنا، وحمايتها، فما نفْعَنا إذا".
وكان خَشِناً، لاهباً، في السكونِ السحيق، شيء ما يركضُ وحيداً في الكون والعالم، وعلى سطح الخارج لجذور الأشجار، وكأنه محكومٌ على أن يبقى حُرَّاً. أما تلك الحريةُ المضغوطة ، فكانت هي قلب الأشياء.
رجلُ الخطوطِ الحديدية المتوازية، ذو اللحية البيضاءِ الصغيرة المدببة، هو وحدُه سمعَ الصوتَ المريضَ المتحشرِجَ داخل حنجرةِ المحقق، والذي لم يبلغْ سمعَ من كان منشَغِلا بالتكتكة
ــ " إنتهى وقتُك "!
في داخلِ رأس رجل الخطوط الحديدية المتوازية، ضجَّ سؤالٌ:
ـ " إلى متى سنبقى ننتظرُ تَتابُعَ سحَنِ الشهداء "؟!
كان الجوُّ رطِبا، والهواءُ أحمرا، حين حطَّ عُصفورٌ على أحدِ قضبانِ الشباكِ الحديدي، ثم طار خْفِقَ الجناحين والقلب. وفي مكانٍ آخر، عضَّت امرأةٌ إصبعَها الحار، وبأسنانٍ حادة تجمَّدَتْ عليه.
عن أيِّ مقياس تتحدث؟. أعَنْ رجلٍ، عليه عندما ينزع الشوكَ عن جسدِه المدمّى، أن ينتزع قِطعةً من جلده، أم عن ظلٍ له، لحظة يشتلُ فسيلةً في حديقةِ بيته، عليه أن يفكرَ مليّا، " لماذا يزرع "؟!
كانت له آمالٌ بطعمِ التوت الأبيض، وبلون الطماطم، حمراء، كلُّها مليئةٌ بالإشارات، وأن عليه أن يحتفظَ بها في قلبه، عندما يفكّ ألغازَها، لكنما لِطولِ انتظارِه لمجيء القطار، وعدم شعوره بالرضى ، حين يستغرقُه ضلالُ التبرير، وأن الحياةَ ستبقى ملأى بالجنود والأسلحة، كان يهذي أحيانا، مرتعشا، وكأنه في آخرِ ليلة على فراشه.
الخطواتُ تتلاحقُ على بهوِ الغرفة المظلمة. والاستغراقُ في النوم، غدا حلمَ خشبةٍ، محفوفاً بالمسامير. يلتفُ فخذٌ من خشب على فخذٍ مشوَّهةٍ بالحرب.
يمضي الوقت خشباً، فقط ذكرى، عندما كانا طفلين، أخذ بستانيُ الحب، ليُطَعِّمَ شجرةً جديدة لحياتهما، عقدة حية من غصن قلبها، وعقدة حية من غصن قلبه، وربطهما لأعوامِ نضوجِ التلاحُم. وعندما حاول أن يأخذَها بيدين مفتوحتين، جاءت الحرب،وجاء الإهمالُ، إلتفَّ خشبُ السيقان على بعضهما البعض. كانا بحاجة لغِراء يشدُّهما كما ينبغي للِّقاء، حينها حلَّ الظلامُ، قالت له:
ــ " لا تذهب ".
ولأنه كان ينظر إليها من خلال الدوار، همس:
ــ " ولكن أين سأكون "؟
عندها جاء المسمارُ،كان النورُ حزينا، وكانا كما رُزَمِ الحقائب مَلقيّان على أرضٍ مُوحشة، كانا وحيدين.
بقايا نجمة صفراء على الجدار، تومِضُ بلا انتظام، وكلمات غير مؤذية.
لقد تُهنا، عندما غادرنا السفينة. ساعةَ أوحَينا للحوت أن يعبُرَ النفقَ فينا.. ويصعد إلى قفصِ النجاة. وكان الوهمُ يسعِدُنا، أن لنا أيادٍ، تمويها، كالمجاذيفِ تتسلقُ سطحَ الماء. وفي الوهم، كنا نخلطُ لونَ الكرزِ لتوقِ الشفتين أنيسا. وقت كانت الرحلةُ لا تقلُّ أهميةً من الوجهة. الوجهةُ توقٌ آخر، بل أفضل شريك، يجمعك بنفسِك، لحظةَ تشعر بأن أحدَهم يشدُّكَ للخلف، وأنت تنزلِقُ بعِنادٍ للأمام.
هو الزمن وأنا، في المِضمار، كم هو منافسٌ رديء. دائما ألفي نفسي، ماشياً أو مُنسَرباً على قِشرةِ كونٍ ميتة، ببطء أو مسرعيّن، في كل خطوة يسبقني بخطوة، وأنا أحتاجُ لآخرِ الخطى، لبلوغ النهاية.. للوجهة.
ما يبدو رديئاً إلى حدٍّ بعيد، أنه ينتصِبُ أمامَك، كالمِسخ، ذو رأسٍ حليق، يعيش في أفكارك، كلُّ غايتِه، أن يشتُمَك، لأنك مخلوقٌ لا تشبهه. مُغَطىً بورقِ السليفان الامع، وأنت كما خيطٍ وردي، تنبعث منك رائحةُ الأيامِ الطيبة، وطعمُ الزعتر، ومن جهة أخرى تنبعث منك شجيراتُ الصنوبر. كأنك الحلم مستمرٌ.
قال رجلُ السكك الحديدية:
ــ " يلبسُ ثياباً تشبه ثيابَنا، ولم تكن لديه عيون حتى يبكي. وليس ثمة من يقول، أن له وجهٌ. سيان من يأخذ القهوةَ بالحليب على مضض، أو أن يردَّ على الهاتف، دون أن يكن هناك من يتصل، أو ليغلق البابَ لكي لا يتسللَ الضجيجُ، حين يعلو شخيرُه المكان، وكأنه يستمتع به وحدَه "!.
خُلاصةُ الحكاية، أنت معه دائما. إن كان في غرفةٍ مليئةٍ بالأسلحة، وأنت لك وُجهةٌ أخرى، في ضجيجِ صافرات الإنذار.
كلٌّ منا يحمل جسراً لعُبورِ المرِّ المألوف، والصبرِ اللعين. أنت في صميم الحرب،وهو يشوِّهُ الجميع. وأنا آسف، لأني لا أستطيع نِسيانَ ما فات، ولا أنت كذلك. ولا حربُ الكراهيةِ تتوقف، لنستغرقَ في أشياء العالم، ولنأخذَ مكانَينا في قطارِ الرحلة الزرقاء المُذهَّبة.



#يعقوب_زامل_الربيعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الليلةُ العقيم!
- نشوةُ العالم والمجازفة!
- رائحة الحب..
- أزرق.. أزرق!..
- في الحبِّ المبهم
- خُطى، كم يبلغُ عددُها ؟!
- لحظات متطرفة!
- عن أخي...
- وعن التي أحب!..
- الانتظارُ يُتعِبُ الجنودَ!
- يحرقُ المُضيءُ عينيكَ!
- أغطيةٌ رمادية!..
- إطلاق سراح مشروط!..
- إباء !
- الزهايمر..
- يهبطُ من غير تَلَوٍّ!
- حيث الأبد !..
- لإلف سببٍ، لا غير!
- الأرقُ يحتسي النومَ وحده!
- الكائنُ الطازج...


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يعقوب زامل الربيعي - رجلُ القطارات..