|
الطبقة العاملة ..وطموح حزبها السياسي ..!!
هادي فريد التكريتي
الحوار المتمدن-العدد: 1537 - 2006 / 5 / 1 - 10:15
المحور:
ملف بمناسبة الأول من أيار 2006 - التغيرات الجارية على بنية الطبقة العاملة وحركتها النقابية والسياسية
تحتفل البشرية التقدمية ، سنويا في كل أرجاء العالم ، بعيد الطبقة العاملة ، في الأول من أيار ، الذي أسس بداية وحدتها وصمودها أمام استغلال راس المال ، ووحشيته التي تميز بها ، على امتداد تاريخ صراعه الدامي ، بينه وبين الطبقة العاملة ، وبهذه المناسبة نزف للطبقة العاملة في كل مكان ، وللعربية على وجه الخصوص ، التهاني متمنين لها ، ولحلفائها ، وللأحزاب التي تنطق باسمها التوحد والتآخي ، لتحقيق ما تهدف وتطمح له وإليه . ما كان للطبقة العاملة في أي مكان من العالم ، أن تحرز تقدما في نضالاتها ضد سلطة رأس المال المحلي ، ومؤسسات سلطة الدولة القمعية الممثلة له ، لو لم تبادر إلى تأسيس حزبها السياسي الذي يجسد أهدافها ويقود نضالاتها ، ليس من أجل تحقيق شروط افضل في ميدان العمل ، بل من أجل إقامة نظام حكم تتسيده ، وسلطة عمالية واعية بمسؤولياتها أما المجتمع ومؤسساته ، تقضي على كل استغلال تتعرض له . تحقق للطبقة العاملة الروسية هذا الهدف ، بثورة أكتوبر الروسية ، وتسنم الحزب الديموقراطي الاشتراكي الروسي قيادة المجتمع ، بقيادة لينين ، وتأسيس أول دولة عمالية ، تتبنى فكر وأهداف الطبقة العاملة . كانت التجربة رائدة ، ولأول مرة في التاريخ البشري ، يتحقق حلم لطبقة عاملة ، متحالفة مع طبقات المجتمع الفقيرة والمسحوقة ، بإقامة دولة للعمال والفلاحين ، كابدت البشرية قبلها آلام الظلم والقهر المليئة بالأحزان . انتصار ثورة أكتوبر بقيادة حزب عمالي ، يتبنى الفكر الاشتراكي والماركسي ، مناهضا لرأس المال وجبروت دولته الاستعمارية ، وداعما لحركات التحرر العالمية ، من أجل نيل شعوب المستعمرات حريتها واستقلالها ، ساعد هذا الموقف على تأسيس أحزاب شيوعية في بلدان مختلفة ، تبنت أهدافا وطنية ، تنسجم ومرحلة تطورها ، وقدرتها على حسم الصراع مع الاستعمار ، من أجل استقلالها وتحررها الوطني . في بداية العشرينات من القرن الماضي ، وعلى هدى ثورة أكتوبر ، تأسست أحزاب شيوعية ، في المنطقة العربية ، فلسطين ومصر وسورية ، تنطق باسم الطبقة العاملة ، متبنية النظرية الماركسية ، فكرا وأسلوبا ومنهجا ، في نشاطها الفكري والسياسي ، بغض النظر عن حجم وسعة الطبقة العاملة وتأثيرها الفعلي ، التي كانت آنئذ في بدايات تشكلها ونهوضها ، باستثناء مصر التي سبق وأن تأسست فيها مؤسسات صناعية ، وتنظيمات لنقابات عمالية سبقت الدول العربية ، كما تأسس الحزب الشيوعي العراقي في فترة متأخرة بعض الشيء ، عن بدايات تأسيس هذه الأحزاب . الهدف البعيد ، غير المعلن ، من تأسيس أحزاب شيوعية باسم الطبقة العاملة ، هو بناء سلطة باسم الطبقة العاملة وتطبيق برامج حكم اشتراكية ثم شيوعية ، هذه هي الرغبة والطموح ، إلا أن الواقع الفعلي للنضال فكان من أجل إصلاحات ديموقراطية تتمثل ، بجلاء الجيوش الأجنبية عن الوطن ، والتأسيس لحكم وطني ، بإقرار دستور يضمن حقوق المواطن وحريته ، ويقر الحريات الديموقراطية ، بما فيها تشكيل الأحزاب السياسية ، وتحقيق الاستقلال الناجز ، وإلغاء المعاهدات الاستعمارية غير المتكافئة ، وقد صاغ الحزب الشيوعي العراقي شعاره العتيد ، والذي لا يزال يتصدر جريدته المركزية ، " وطن حر وشعب سعيد " ملخصا أهدافه المرحلية التي يناضل من أجلها ، وفق ظروف آمنة ومستقرة ، إلا أن كل الحكومات المتعاقبة على دست الحكم العراقي ، لم يكن يعنيها أمرا من حرية الشعب واستقلال الوطن ، بقدر ما كان يعنيها تحقيق مصالحها الفئوية الضيقة ، المرتبطة بدوام الأجنبي وتحقيق أهدافه ومطامعه الاقتصادية والسياسية . تحقيق الاشتراكية والشيوعية ، لم يكن هو ما يشغل بال هذه الأحزاب في الظروف الحالية ، خصوصا بعد فشل التجربة السوفيتية ، وتفتت الأحزاب الشيوعية ، وظهور الكثرة من المنظمات التي تدعي تمثيلها للطبقة العاملة ، فما يشغل بال الأحزاب الشيوعية العريقة والقديمة ، وما تريد تحقيقه الآن ، هوالعودة على بدء الأيام الأولى لتشكيلها ، بعد الانكسارات والهزائم التي لحقت بالمجتمعات العربية ، جراء أنظمة حكم غير ديموقراطية ، قومية وطائفية ، قادتها ، ولا زالت تقودها ، بإمعان اضطهادها للحركة السياسية الوطنية عامة ، والشيوعية خاصة . فما تناضل من أجله الأحزاب الشيوعية حاليا ، يتمثل بإنجاز الثورة الوطنية والديموقراطية ، وتنفيذ برنامج وطني ، تساهم فيه كل القوى السياسية ، الوطنية والديموقراطية ، يقوم على رسم وتطبيق خطط وطنية طموحة ، كفيلة بتحرر المجتمع اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا من تبعية الأفكار القومية ـ العنصرية والشوفينية ، وغلو أفكار التخلف الدينية ـ الطائفية ، التي أوجدتها برامج تلك الأنظمة المعرقلة لأي تطور أو تقدم . الأحزاب الشيوعية العربية ، وخصوصا الحزب الشيوعي العراقي ، منذ ولادته وظهوره على المسرح الوطني والسياسي ، ناهضته حكومات معادية لكل تقدم وتطور ، وتحالفت ـ هذه الحكومات ـ مع فئات قومية ـ عنصرية ودينية ـ طائفية ، رجعية وعميلة للاستعمار ، سلطت عليه سطوة إرهابها ، فقمعت كل نشاط علني له ، ديموقراطي وسلمي ، وحرمت أعضاءه من كل حرية وحق ، وشوهت إعلاميا أفكاره ومبادءه وأهدافه السياسية والوطنية ، وأقدمت على إعدام مؤسسيه ، وطاردت قياداته وكوادره ، وأوغلت في جرائمها ضده ، بأن هاجمت حتى السجون التي يقبع فيها العزل من أنصاره ومؤيديه ، لذا نشأ حزب شيوعي مقموع ، ملاحق ومضطهد ، يحمل هموم مجتمع متخلف على كل صعيد ، ويتبنى فكرا سياسيا طموحا ، لطبقة عاملة وليدة ، لما تكتمل بعد ملامح نشأتها ونضجها ، لتشكل طبقة عاملة وفق المفهوم الماركسي ، من حيث عدم اتسامها بسمات الوعي الطبقي ونضجه سياسيا ، وعدم تبلور شعورها بالمسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقها ، وضعف تقبلها للتنظيم الواسع والمركز ، ورخاوة انضباطها لحداثة تشكلها ، فظروف نشأتها ، وحزبها الذي يمثلها ، لم يمرا بمراحل طبيعية للولادة والنشوء والتطور ، ولم تتح أمام الكثير من كوادرهما القيادية فرصة لتلقي تعليم عام ، حتى بالمستوى الابتدائي ، ناهيك عن دراسة نظرية متخصصة ، أو ممارسة عملية في العمل والتنظيم ، ولم ينعما طيلة فترة الحكم الوطني والقومي بهبة ريح من رياح الديموقراطية ، ولم تخرج قياداتهما ، الملاحقة والمطاردة من قبل السلطة ، من مخابئهما السرية ، إلا لقيادة فعاليات سياسية أو نقابية معارضة ، أو مقبوضا عليهما ليستقرا في غياهب السجون والمنافي . هكذا كانت هي النشأة الأولى لكليهما ، بعد أن ُسدت دونهما منافذ العمل العلني والقانوني ، والحيلولة دون ممارسة أي نشاط ديموقراطي سلمي وسوي ، وبدلا من هذا كله ، مارست السلطات المتعاقبة ، أساليب قمعية وإرهابية وحشية ، أثرت سلبا على نشوء وتربية الكادر ، النقابي والحزبي ، وتدرجهما السلمي والعلني والديموقراطي ، في القيادة وتحمل المسؤوليات ، مما كرس أوضاعا شاذة في تربية الكادر وتدرج القيادة ، وأساليب اتخاذ القرارات ، يتربع عليها شخص واحد لعشرات السنين ، تؤيده وتحيطه شلة وفق معطيات عنصرية ـ انتهازية وغير مبدئية . هذا الوضع تشترك فيه وتتشابه كل أحزاب دول المنطقة ، مما ألقى بظلاله ، على قراراتها السياسية ، ومواقفها الفكرية التي اتسمت بالانعزالية واليسارية والمتطرفة حينا ، والانتهازية اليمينية والذيلية حينا آخر ، مما أجج صراعات دموية مع أنظمة الحكم المحلية ، ومع القوى القومية والوطنية والديموقراطية الأخرى . هذه الصراعات أثر سلبا على سياسة هذه الأحزاب الشيوعية ، وبنيتها التنظيمية ، بحيث جاءت برامجها وأهدافها المرسومة ، التي تناضل من أجلها ، مرتبكة في توجهاتها ، وغير واقعية في قراراتها ومواقفها ، ولا تعبر عن روح الظرف الذي يمر به البلد المعني أو المنطقة . جاء إعلان الحرب الأمريكية على العراق واحتلاله ، جريمة إنسانية بكل المقاييس ، على الرغم من أنها أودت بسقوط نظام قومي ـ فاشي ، مكروه من قبل كل الشعب العراقي ، وأمريكا بجريمتها هذه أعادت الصورة البشعة في الذاكرة العراقية لاحتلال العراق من قبل القوات العسكرية البريطانية قبل أكثر من تسعين عاما ، إلا أن الاحتلال الأمريكي ، هو الأكثر بشاعة وتخريبا للعراق من سلفه البريطاني ، لذا فالمهام النضالية المطروحة أمام الشعب العراقي بكل فصائله وقواه السياسية ، وبضمنها الحزب الشيوعي العراقي ، تتمثل من جديد بمهام مرحلة تحرر وطني ، إقامة حكومة وحدة وطنية عراقية ، قوية وفاعلة ، من كل الأحزاب الوطنية والديموقراطية ، دون محاصصة طائفية أو قومية عنصرية ، تأخذ على عاتقها إقرار سلم وطني واجتماعي لمكونات الشعب العراقي ، والبدء بتوفير الحد الأدنى من العيش والكرامة والحرية للمواطن ، وبناء وإعادة بناء ما خربه النظام الساقط والاحتلال ، للبنى التحتية ومؤسسات الدولة ، والتعجيل بإنهاء الاحتلال للعراق في اقرب فرصة ممكنة ، وخروج القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معه ، بأسرع وقت ، ومقاومة ضغوط الشركات الأمريكية ، والمتعددة الجنسيات لعقد اتفاقيات جائرة مخصصة لنهب ثروات العراق الطبيعية . الحكم القومي الفاشي الساقط ، نتائجه كانت مدمرة لقوى المجتمع والوطن ، والاحتلال الأمريكي عمق شكل الخراب في الوطن ، وقوى الإرهاب ، من قومية ـ عنصرية ، وتكفيرية دينية إسلامية متشددة ، وإسلام طائفي ، شيعي ـ سني ، يقود ويؤجج ، الصراع القومي ـ الطائفي على السلطة ، كل هذه القوى مجتمعة ، تسببت في تخريب المجتمع وحياة المواطن ، وهددت ولازالت ، تهدد أمنه وسبل عيشه وحياته ، والكثير الكثير من الحقوق ، والمطالب الإنسانية والمعاشية اليومية ، تراجعت نتيجة لهذا الواقع ، مما اضطر الحزب الشيوعي ، لأن يتراجع عن الكثير من منطلقاته الفكرية وبرامجه السياسية التي أقرتها مؤتمراته السابقة ، فحماية المواطن ، حياته وأمنه ، وتوفير لقمة عيشه ، أصبحت مطلبا ملحا ، وشعارا رئيسيا يناضل الشعب و الحزب من أجله ، مطالبين سلطة المحاصصة الطائفية والقومية ، وقوات الاحتلال الأمريكي وحلفاءه ، العمل على إنهاء هذا الواقع اللاإنساني الذي يعيشه المواطن العراقي ، فشعار حياة المواطن وحريته طغت على كل شعار وهدف ..! 29 نيسان 2006
#هادي_فريد_التكريتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشخص المناسب في المكان المناسب ..!
-
الديموقراطية والواقع في العراق ..!
-
الذاكرة العراقية ..!
-
الأئمة من قريش ..!!
-
الدستور هو المشكلة ..!!
-
مصداقية ساستنا ..ووطنيتهم ..!
-
باقة من الورد ..للحزب الشيوعي العراقي في عيده ..!
-
عدوى الديموقراطية ..وعمرو موسى ..!
-
المقاومة ..والدفاع عن الوطن ..! !2 2
-
المقاومة ..والدفاع عن الوطن ...!! 12
-
الدجيل ..وحلبجة ..!
-
المأزق العراقي ..والحل في قراءة التاريخ ..!
-
الحكومة العراقية..متى ..؟!
-
الصب تفضحه عيونه -..! -
-
المرأة العراقية ..والديموقراطية ..!
-
غلطة الشاطر قاصمة..!
-
أين الحقيقة ..ياحكومة !!
-
تفجير المراقد المقدسة ..والقادم أدهى وأمر ..!
-
عمرو موسى ..عذر أقبح من ذنب ..!!
-
صح النوم ..يا سيادة الوزير ..!
المزيد.....
-
إماراتي يرصد أحد أشهر المعالم السياحية بدبي من زاوية ساحرة
-
قيمتها 95 مليار دولار.. كم بلغت حزمة المساعدات لإسرائيل وأوك
...
-
سريلانكا تخطط للانضمام إلى مجموعة -بريكس+-
-
الولايات المتحدة توقف الهجوم الإسرائيلي على إيران لتبدأ تصعي
...
-
الاتحاد الأوروبي يقرر منح مواطني دول الخليج تأشيرة شينغن متع
...
-
شاهد: كاميرات المراقبة ترصد لحظة إنهيار المباني جراء زلازل ه
...
-
بعد تأخير لشهور -الشيوخ الأمريكي- يقر المساعدة العسكرية لإسر
...
-
-حريت-: أنقرة لم تتلق معلومات حول إلغاء محادثات أردوغان مع ب
...
-
زاخاروفا تتهم اليونسكو بالتقاعس المتعمد بعد مقتل المراسل الع
...
-
مجلس الاتحاد الروسي يتوجه للجنة التحقيق بشأن الأطفال الأوكرا
...
المزيد.....
-
خزريات بابل ينشدن الزنج والقرامطة
/ المنصور جعفر
-
حالية نظرية التنظيم اللينينية على ضوء التجربة التاريخية
/ إرنست ماندل
-
العمل النقابي الكفاحي والحزب الثوري
/ أندري هنري
المزيد.....
|