أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف بمناسبة الأول من أيار 2006 - التغيرات الجارية على بنية الطبقة العاملة وحركتها النقابية والسياسية - منير العبيدي - الطبقة العاملة في القرن الواحد والعشرين ...















المزيد.....


الطبقة العاملة في القرن الواحد والعشرين ...


منير العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 1537 - 2006 / 5 / 1 - 12:09
المحور: ملف بمناسبة الأول من أيار 2006 - التغيرات الجارية على بنية الطبقة العاملة وحركتها النقابية والسياسية
    


التغييرات الجارية على بنية الطبقة العاملة
لعل أهم التغييرات التي طرأت على بنية الطبقة العاملة في حالتها الراهنة هو ذاك الذي نتج عن تقلص الفوارق بين العمل الفكري واليدوي في ظل الرأسمالية المعاصرة في مرحلة عولمة رأس المال القائمة على تطوريه ، الأفقي والعمودي : الانغمار بعملية إزاحة الحدود في طريق توسعه أولا . و ثانيا على قاعدة من التطور العاصف في القوى المنتجة و المعلوماتية و إشاعة الروبوتية و التي ترافقت مع قدرة رأس المال على تسريع وتطوير الإنتاج مع الخفض المستمر لعدد العاملين اللازمين في المشروع الواحد مقابل تأهيل العاملين عاليا و ربطهم بأرقى وسائل الإنتاج ، وقد ساعد الفائض المتراكم على تعزيز جيش العاطلين عن العمل من مدفوعي الأجر عن طريق نظام متطور من الإعانات و نظام الرعاية الاجتماعية و الضمان الصحي مما ترتب عليه ازدياد نسبة البطالة وخصوصا في الدول الأوربية مقابل تقلص الصراعات الطبقية وانخفاض حالات الإضراب عن العمل و الأشكال الأخرى من النضالات العمالية التي ازدهرت حتى بعيد منتصف القرن الماضي .
استنادا الى ذلك يبدو من المنطقي طرح السؤال التالي : لماذا لم يربط ماركس إذن تقلص أو زوال الفوارق بين العمل الفكري واليدوي بموضوعة تطور القوى المنتجة ، فيما كان سيبدو منطقيا أكثر بدلا من ربطها بطبيعة النظام الاجتماعي أو علاقات الإنتاج ، و ذلك حين تنبأ بزوال هذه الفوارق في ظل الاشتراكية ؟
لم يكن ماركس ، ضمن المنهج الذي اكتشفه ، يرى أية إمكانية لمزيد من تطور القوى المنتجة في ظل الرأسمالية وفي إطارها إلا بحدوث طفرة نوعية تؤدي إلى تشريك وسائل الإنتاج و دخول علاقات الإنتاج مرحلة نوعية جديدة هي الاشتراكية ، و قيام نظامها السياسي ، وبذا فان ماركس كان مخلصا لمنهجه ، ولم يكن ثمة إمكانية أكثر مما تم التوصل إليه ضمن الملامح التي كانت عليها رأسمالية القرن التاسع ، أما ما حدث بعد ذلك فلم يكن ماركس و لا لينين بعده قادرا على التنبؤ به .
وبذا نعيد ترتيب (الأشياء) حسب المنهج الماركسي نفسه على النحو التالي : تطور القوى المنتجة سوف يؤدي إلى زوال الفوارق بين العمل اليدوي والفكري ، و بما إن تطور القوى المنتجة لن يتم في ظل الرأسمالية ، بأي حال من الأحوال ، بسبب التناقضات المستعصية وأهمها التناقض بين الطابع الاجتماعي للعمل و الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج ، إذن ستحل الاشتراكية هذه المشكلة بالتوافق بين هذين المتناقضَين وتوفر إمكانية التطور العاصف للقوى المنتجة ، مما يترتب عليه زوال الفارق المشار إليه في ظلها ، أي في ظل الاشتراكية .
ما شأن هذا بموضوع التغييرات التي طرأت على طبيعة الطبقة العاملة إذن ؟
الجواب : إن الطبقة العاملة التي تحدث عنها ماركس في ظل الرأسمالية لم تعد موجودة ، بل توجد الآن طبقة عاملة أخرى يقوم عملها ليس على العمل الشاق المرهق في الظروف الشاقة إياها التي أملت على ماركس تحديد ملامح هذه الطبقة و نمط تفكيرها و بالتالي مهماتها حينذاك ، بالرغم أن من الضروري الإقرار بأن طابع الاستغلال من حيث الجوهر قائم .
و كان من أهم التطورات في الفكر الجمعي لهذه الطبقة إنها لم تعد تفكر بضرورة تغيير النظام الرأسمالي بعملية ثورية تؤدي إلى قيام نظام بديل ، و بذلك انحسر تسييس تفكير هذه الطبقة و ممثليها ، وتركز على تحقيق المزيد من المزايا و المكاسب ضمن إطار العلاقات الرأسمالية الجديدة التي طرأت عليها تعديلات أساسية في مجال التوزيع و الحريات العامة وحقوق الإنسان ...الخ . ليس باعتبار إن هذه الأمور قد وصلت حد الكمال ، حيث أن من البديهي أن لا وجود للكمال أمام الطموح البشري ، و إنما بوجود آليات جديدة لتحقيق هذه المكاسب و تحسين أوضاع الطبقة العاملة عن طرق النضال السلمي . كما نشأت أفكار قوية و سائدة في أوساط هذه الطبقة و طبقة المثقفين والمفكرين و هي أن الكثير من الملامح العامة في هذه التركيبة الاجتما ـ اقتصادية القائمة هي نتاج لمجمل النضال البشري و طبقات المجتمع وهي ليست خاصة بالطبقات المالكة وانما هي مزيج وسطي من الإنجازات التي حققها نضال مختلف شرائح المجتمع بالرغم من أن ثمار العمل لا زالت توزع بشكل غير عادل و أنه لا يزال هناك المزيد من العمل والنضال . و أصبح من المستبعد الحديث عن تغيير علاقات الإنتاج الرأسمالية بعملية ثورية تطيح بالبناء الفوقي القائم و تقيم سلطة طبقة العمال و حلفائهم ، هذا الحديث أصبح من كلاسيكيات الماركسية الثورية و قد أصبح على ذمة الماضي . ترافق هذا مع الحرص على الممتلكات العامة ليس بإعتبارها ملكا للحكومة ممثلة رأس المال وإنما بإعتبارها ملكا لجميع الناس بمختلف طبقاتهم : الشوارع ، الحدائق ، وسائط النقل العامة ،المدارس المؤسسات التعليمية والخدمية ... الخ حيث اصبح العمال دافعي ضرائب ويشعرون بعائدية الممتلكات العامة لمجمل المجتمع وليس لطبقة الرأسماليين .
ترتب على ذلك استبعاد العنف في التغيير ، هذا العنف كان ماركس قد وصفه بأنه : " قابلة كل مجتمع قديم عندما يكون حاملا بمجتمع جديد " ، و تم استبعاد المفهوم الكلاسيكي للثورة الذي كان منذ السبعينات موضوعا للتساؤل و التشكيك من قبل الاشتراكية الاوربية مقابل التعميم السوفييتي لنموذج انتصار ثورة اكتوبر . و الإقرار المبدئي بأن الآليات الحالية تحقق المكاسب , ويبدو لي من المنطقي ، أكثر فأكثر ، الحديث عن تقدم حضاري يخص البشرية برمتها و ليست طبقة رأس المال في أنه حتى في حالة التغييرات النوعية و إقامة شكل جديد من علاقات الإنتاج و ما يناسبها من سلطة سياسية ، أصبح ، الآن ، اكثر احتمالا أن يكون بشكل سلمي سلس بعد أرست البشرية قواعد للسلوك السياسي تضمن احترام كل الفرقاء لقواعد اللعبة .
وفر خروج الرأسمالية من أزمتها بدخولها مرحلة الثورة العلمية والتكنيكية ومرحلتها العولمية لاحقا ، ونضال مختلف طبقات المجتمع ، و المثال الذي قدمته دول المنظومة الاشتراكية الرائد في بعض المجالات قبل دخولها مرحلة الركود ، مزيدا من الحيوية و إمكانية اكبر من السابق في توسيع و تعميق الديمقراطية اللبرالية كانعكاس لهذه الحيوية ، مما وفر للعمال ، من خلال كونهم مواطنين و أفراد ، أو من خلال مؤسساتهم المهنية والنقابية المشاركة الأوسع في اتخاذ القرارات و الضغط من أجل توزيع أكثر عدالة للدخل ، و لكن لا عقلانية التوزيع بقيت قائمة بشكل عام ، كما أن نظام الضريبة يوفر إمكانية للتهرب وعدم الدفع من قبل الشركات العملاقة في بعض بلدان أوربا من خلال تشريعات قانونية و يقع عبئ دفع الضرائب على كاهل العاملين و الشغيلة والمشاريع الصغيرة .

تمثيل الطبقة العاملة سياسيا

شهد النصف الثاني من القرن الماضي سقوط الأنظمة الاشتراكية وقد ساعد العمال أنفسهم على إذكاء جذوة المعارضة الواسعة التي تحولت إلى حركة واسعة ـ بولونيا حركة التضامن مثلا ـ ، وترتب على ذلك إن الأحزاب و الأنظمة لا تكون ممثلة للطبقة العاملة بمجرد الادعاء بذلك ، وان هذا التمثيل لا يتحقق أوتوماتيكيا بمجرد وجود مزاعم نظرية و آيديولوجية من هذا الحزب أو ذاك أو هذا النظام أو ذاك ، و إنما تمثيل الطبقة العاملة يتحقق بالعمل على تحديث المجتمع برمته و العمل باستمرار و بمثابرة للبحث عما يخدم مصالح الطبقة العاملة والشغيلة ، أي إن تمثيل طبقة ما ليس صفة أزلية لهذا النظام والحزب أو ذاك . ليس بوسع أي حزب الآن أن يخاطب الطبقة العاملة قائلا : أنا أمثلكم شئتم أم أبيتم ! .
و غدا تمثيل الطبقة العاملة غير ممكن إلا ضمن نظام التداولية السياسية حيث يقرر صندوق الاقتراع فيما إذا كان الحكومة تؤدي واجبها وان الحزب الذي يقف وراءها يرسم طريقا صحيحا و الا فان صناديق الاقتراع سوف تحمل آخرين الى السلطة ، ولم تعد سياسة الحزب الواحد والاعتماد على أجهزة الدولة وسيلة لتثبيت سلطة الطبقة العاملة و إنما القناعة المتولدة لدى الشغيلة من خلال قوة المثال بأحقية التمثيل .
* *
في كتابه " عشرة أيام هزت العالم " يسلط جون ريد الضوء على القوى الاجتماعية التي كانت تدعم ثورة أكتوبر الاشتراكية 1917 ، كانت هذه القوى على مستوى الشارع تتمثل ، بشكل يكاد يكون ، حصريا بالطبقة العاملة في المدن وفقراء الفلاحين في الريف ، والجنود الذين كانوا من إحدى هاتين الطبقتين . كانت الإنحيازات من جانب المثقفين و طبقات الشعب الأخرى محدودة ، وكانت محصورة في قيادة الحزب البلشفي أي في النخبة الثورية التي اعتنقت فكر ماركس واعتقدت إن تحرير المجتمع سيكون فقط عن طريق تحرير الطبقة العاملة و تشريك و سائل الإنتاج .
وفي الفترة اللاحقة من القرن الماضي ، وخصوصا في النصف الأول منه ، كان الوضع مختلفا ، كانت الانحيازات واسعة . لقد قرر خيرة مثقفو القرن العشرين أن ينظموا أو أن يدعموا بهذا القدر أو ذاك أحزاب عمالية و اشتراكية وشيوعية : راجع اسماء ضحايا المكارثية في الولايات المتحدة مثلا ، و تأمل أسماء مثل : شارلي شابلن ، بيكاسو ، فرناند ليجيه ، إيليا كازان ، يرتولد بريشت ، ناظم حكمت ، اراغون ، الجواهري ، السياب ، غائب طعمة فرمان ، سعدي يوسف ، كوران ..الخ و الأغلبية الساحقة من المثقفين العرب والعراقيين .
أما فيما بعد فقد شكلت المرحلة الثالثة انفضاض المثقفين أو اغلبيتهم عن دعم الاحزاب التي قادت السلطة في البلدان الاشتراكية ، وخصوصا بعد النموذج الستاليني ، ودعمت نظام الحزب الواحد في حين بقي كثير منهم على ولائهم للأحزاب الاشتراكية الديمقراطية المعتدلة .
إن هذه الجدلية ذات المراحل الثلاثة ـ إنحيازات محدودة أو عدم اكتراث ـ انحياز واسع ـ ثم انفضاض . والتي تمثل مرحلتها الأخيرة وقتنا الحاضر لا تعني بأن المثقفين اليوم قد انفضوا بالكامل عن فكرة العدالة الاجتماعية و معاداة الاستغلال ولكنهم انفضوا عما أعتبر فكر الطبقة العاملة بشكله الكلاسيكي ، كما انفضوا عن المثل الملموس لما أعتبر سلطة العمال في حكومات الدول الاشتراكية و ما رافقها من تبريرات للقمع .
فما شأن بحث هذا الموضوع بقضية الطبقة العاملة إذن ؟
إن بحث هذه الصلة لذو أهمية فائقة استنادا إلى عوامل عديدة طرأت على طبيعة الطبقة العاملة و فكرها :
1ـ ان مفكري الطبقة العاملة وواضعي نظريتها هم من خارجها ، من المثقفين كما أشار مفكروها أنفسهم
2 ـ ان انحياز المثقفين للطبقة العاملة و فكرها وأحزابها يمثل الإيمان بأن هذا الفكر مرشح لإنقاذ المجتمع ككل وليس الطبقة العاملة وحدها ، ولكن طبعا ليس بصيغته الملموسة التي تحققت . كان أول مكان قصده بيكاسو ، مثلا ، بعد تحرير باريس من الاحتلال الألماني النازي هو مقر الحزب الشيوعي الفرنسي طالبا الانتماء بالرغم من أن بيكاسو كان يحقق مداخيل عالية من فنه ربما أكثر من العديد من أرباب العمل ذوي المعامل الصغيرة
3 ـ يشكل موقف المثقفين بارومترا ذا أهمية كبيرة في تحديد مسارات الفكر البشري .
4 ـ يعكس العلاقة بين العمل اليدوي والفكري

شكل ملموس لتمثيل الطبقة العاملة سياسيا
و كما رأينا فيما سبق فإن لا أحد يحق له تمثيل الطبقة العاملة بقرار يتخذه ، وإنما الطبقة العاملة هي التي تقرر من يمثلها ، هذا إذا افترضنا أن الطبقة العاملة موحدة وتتكلم بصوت واحد ، وهو أمر بعيد جدا عن الواقع كما كان دائما ، ولكنه ، في الوقت الحاضر ، أصبح أكثر استحالة . إن تمثيل الطبقة العاملة هو أمر لا يمكن أن يتحقق أوتوماتيكيا ، وهو ، إضافة إلى ذلك أمر تقرره هي نفسها ومرتبط بالمواقف اليومية و رسم السياسات الصائبة لأي حزب و مراجعتها باستمرار. و في الوقت الحاضر تبدو هذه المهمة شاقة بسبب عدم تجانس الطبقة العاملة وعدم تطابق مصالحها والاختلاف في مستوياتها الاقتصادية و مداخيلها و اختلاف مستوى الوعي لديها ، وفي الوقت الحاضر لا يمكن الحديث عن المصالح المشتركة لهذه الطبقة بسبب مثل هذا التفاوت ، و بالتالي اختلاف الرؤى ، فهناك شرائح من هذه الطبقة تحقق مداخيل أكثر بكثير من في طبقات المجتمع الأخرى و من أصحاب المشاريع الصغيرة والمحلات التجارية الفردية على سبيل المثال والتي تصنف حسب الماركسي الكلاسيكي بـ " برجوازية صغيرة ".
وفي مثال العراق لن نختلف على أن ظروف نشأة الحزب الشيوعي العراقي ، كممثل للطبقة العاملة كما يثبت في برنامجه ، لم يجعل من تكوينه الطبقي العمالي هو الغالب على تركيبته ، ليس بسبب ضعف نمو رأس المال وقلة المشاريع الصناعية ، وضعف نسبة الطبقة العاملة في مجمل تركيبة المجتمع العراقي كسبب موضوعي فحسب ، و إنما بسبب انصراف الطبقة العاملة و الفقراء وفقراء الفلاحين بشكل خاص عن العمل السياسي .
و بالضد من ذلك كانت أعداد من الطبقات الفقيرة والهشة ضحية سهلة للأحزاب الفاشية والدموية وكان من السهل دفع هذه الأوساط لمعاداة الحزب الشيوعي و ارتكاب أعمال دموية بحقه ! في حين كان في صفوف الحزب الكثير من المثقفين الذين ينحدرون من عائلات موسرة و غنية وذات ملكيات كبيرة نسبيا أو موظفين في الدولة ، ممن ضحوا بأنفسهم في سبيل الحزب و عانوا التشريد و المطاردات .
و تعود الجذور الفكرية لنشوء الأغلبية من قادة اليسار العراقي من الجيل الاول الى معاداة الاحتلال و البرنامج الذي اطلق عليه : برنامج التحرر الوطني ، فممثلي الفكر اليساري قد خرجوا من معطف معاداة الانكليز والاحتلال .
لم يكترث ولم يطلع اغلب المنتمين الى الحزب الشيوعي العراقي ناهيك عن الأغلبية الساحقة من انصاره و أصدقائه على التراث الفلسفي والبرنامج الاقتصادي بعيد المدى للفكر الماركسي القاضي بزوال الطبقات أو توزيع الثروات حسب الحاجة والعمل ، كان لديهم في الغالب مفهوم ضبابي غير ملموس بعدالة التوزيع التي يسعى لها الحزب ، كما إنهم لم يطلعوا او يكترثوا لزوال الدولة و ما تحدث عنه ماركس من الانتقال من ملكوت الضرورة الى ملكوت الحرية... الخ كان جاذبية الحزب الشيوعي العراقي تكمن في مجالات اخرى :
1 ـ نضاله الوطني المعادي للاحتلال بما في ذلك فضح مثالب الحكم الوطني و ممثليه ، وزيف الديمقراطية الناشئة كما يرى .
2ـ النضال المطلبي .
3 ـ قوة المثال التي قدمها أفراد شيوعيون في سلوكهم اليومي .
4ـ مفهوم عام عن العدالة الاجتماعية
النقاط المذكورة أعلاه كان من الممكن نظريا أن تتوفر في حزب غير شيوعي ، حزب وطني مثلا , وكان عدم وجود مثل هذا الحزب قد جعل من الحزب الشيوعي ممثلا لطبقات شعبية ذات طيف واسع ، وكثير منها مهتم بمهمات الثورة الوطنية و التحرر الوطني أو المظالم القومية والطائفية ، و ليس بالنضال الطبقي و مستلزماته ، وقد أدى ذلك الى ظاهرتين :
1 ـ حرمان أحزاب أخرى من قواعدها المفترضة .
2 ـ حصر المهمات النضالية في الافق الوطني فقط لبعض القطاعات المنتمية .

كان قد نشأ في الاربعينات والخمسينات جيل من الشباب المتعلم و الذي حظي بمستوى لائق من الدراسة الجامعية قاد حركة التحرر الوطني والنضال ضد الانكليز أو ساهم فيها بنشاط من خلال الحزب الشيوعي ، وكان اغلب هذا الجيل ينحدر من طبقات ذات مستوى اقتصادي جيد من ملاك الاراضي أو من أبناء رجال دين أو حاملي ثقافة دينية ، وهذا بالمناسبة ليس صدفة ، كان الزحاف الفكري يتحقق في الطبقات المطموسة من الوعي متلبسا لبوسا أخرى .
يروي لي طيب الذكر ، المثقف الرائع فاروق العزاوي أنه حين تحادث مع أحد قادة المقاومة الجزائرية عن الدور الذي قاموا في حركة التحرر الوطني المعادية للأمبريالية ،حسب تعبيرات المثقفين اليساريين ذلك الوقت في السبعينات ، استغرب المقاوم الجزائري من هذه التعابير قائلا : " ايش حركة تحرر وطني ؟! انهم كفار ونحن مسلمون ! " كان الامر بمنتهى البساطة .
عززت الستراتيجية السوفييتية في الحقبة الستالينية على وجه الخصوص حركة التحرر بطريقتها الخاصة بدعوتها الى عدم الاكتراث للتناقضات في داخلها وتغليب التناقض الثانوي كما سمي ، ولكن التناقض الحقيقي حين ذاك يكمن في مكان آخر ، اذا ما جردنا حركة التحرر الوطني من المصالح القومية للسوفييت في الصراع العالمي ، وهو الصراع بين التحضر والتحديث و محاولة جر هذه البلدان الخارجة من النير العثماني الى نير معدل ومكيف ، وكان من المفترض أن يصطف المثقفون المتنورون والذين تخرجوا من المدارس والجامعات التي أسستها السلطة الجديدة مع عملية التحديث كما كان يرى الكولونياليون الإنكليز حسب قراءتهم الخاطئة للواقع العراقي الذي سيظل مستعصيا على القراءة . وقد إتضح هذا الأمر في مناسبتين على الأقل : تقييم الأحزاب فيما بعد بمختلف تلاوينها لثورة العشرين بإعتبارها ثورة وطنية تحررية . و كلية الملك فيصل وقصة إغلاقها . أمران يبدوان ، لأول وهلة ، لا علاقة لهما ، البعض بالبعض الآخر.
كان عدم الاكتراث للتناقضات و تلطيفها و حشد التلاوين في الاطار الفضفاض لحركة التحرر الوطني قد صنع ألغام المستقبل القاتلة ، الطائفية والعشائرية و القومية الضيقة و المناطقية ، و التي بدأت الان بالتفجر بكل طاقتها المكبوتة ، إن قصة الكارثة تعيد عرض نفسها كل مرة بعنفوان أكبر و بالمزيد من ألوان المأساة في متوالية الدم .
سيثير التحليل حفيظة الكثيرين وسيشيح العديد بوجوههم عني ، و لكن الحقيقة قوية بشكل لا يصدق .

إدارة الصراع الداخلي
تلعب المواقف الملموسة من القضايا الساخنة دورا مهما في إدارة الصراع والتطهير الذاتي للحزب . إن المواقف المحددة والواضحة تؤدي الى حراك مهم وضروري في الحزب من أجل إعادة تربية المنتمين والكادر ، ويؤدي التمويه و المهادنة من أجل تجنب المواجهة الى تطوير عناصر خفية لتفجير الانسجام ، ولذلك يحتاج الحزب الى مهارات وتوقيتات مدروسة في ادارة التناقضات و الصراعات الداخلية و وضع الناس على مفترق طرق من أجل الاختيار الذي لا مفر منه وخلق اصطفافات جديدة لمواجهة كل مرحلة إن تحديد الموقف بدقة و وضوح يؤدي الى مغادرة قطاعات غير مأسوف عليها ومجئ قطاعات اخرى ، وهذا يجدد الدماء ويوفر القوى الجديدة المعنية بالجديد وليس القوى المهتمة ببقاء القديم و المحكومة بقوة العادة والاستمرار .
أحزاب الطبقة العاملة و مهمات التجديد
غرفة عملياتية تتابع المستجد بدلا من آيديولوجية
يبدو من الجلي الآن إن مهمات التجديد للأحزاب التي تتبنى في برنامجها تمثيل الطبقة العاملة قد أصبحت مهمات ملحة لا تقبل التأجيل ، بعضها إن لم يكن أغلبها يتعلق بمدى الحكمة من الإبقاء على تمثيل طبقة ما بشكل حصري في العمل السياسي ، حيث التداخل الطبقي و الفئوي .. الخ هو الآن من الشدة بحيث أصبح الحديث معه عن التمثيل الطبقي لحزب ما مجرد كلام تجريدي نظري و كما أصبح مدعاة للتساؤل . أضف إن مهمات التحديث الملحة التي تواجهها مجتمعاتنا أصبحت موضع اهتمام قوى متحضرة و واعية ذات طيف واسع و إن البرامج و تحديد المهمات هي المهمة الأكثر حسما مقارنة بالسعي لتمثيل طبقة ما ، ولقد أصبح التمثيل الطبقي الذي يسعى له حزب ما قيدا يحد الى أبعد الحدود من إطار مفترض واسع لأطياف من العمال و الشغيلة والمثقفين و الطلبة و من كافة الانحيازات الفردية والكتلوية والجماعية المحتملة كهدف للخطاب السياسي وحشدها وراء الحزب لتحقيق مهمات عاجلة في الظرف الراهن تفوق بأهميتها مشاكل غير ملحة حاليا حول عدالة التوزيع ، أو لم تعد ممكنة التحقيق وغير ذات جدوى مثل تأميم الملكية الخاصة . و أصبح التعامل مع الواقع اليومي وتحديد أولوياته اليوم الهوية الحقيقية لأي حزب ، وتترتب عليها و تبعا لها بالضرورة الانحيازات اللاحقة . لم يعد هناك أي مبرر للآيديولوجية و انما توجد حاجة ملحة لغرفة عمليات مثابرة للمهمات اليومية .
الملح اليوم أن نضع البرنامج و ندعو الناس الى الالتفاف حوله ، من الممكن أن يوافق على برنامج موضوع من حزب عمالي شخص من المثقفين أو الطلبة أو الموظفين ، في حين يرفضه عامل ! فلماذا نكترث إذن للإنحدار الطبقي لشخص ما ، أكثر من اكتراثنا للدعم السياسي للبرنامج ؟
النظرية والآيديولوجية شيئان كانا مناسبين لحركة الواقع البطيئة التي كانت عليها البشرية منذ قرن و يزيد ، و يؤدي التسارع المطرد في حركة التطور الى صعوبة كبيرة و استحالة في الوصول الى استنتاجات طويلة الامد ناهيك عن النظرية والآيديولوجية .
الاهتمام بالمحلية و الهموم الداخلية والانطلاق من أولوية المحلي
اصبح المجتمع العالمي أكثر تنوعا و اصبح من المتعذر، تبعا لذلك ، الوصول الى خطاب عالمي للمهمات السياسية و يبدو من المنطقي أكثر إهتمام احزاب الطبقة العاملة ـ طالما كانت مصرة على هذه التسمية ـ الاهتمام بالمهمات الداخلية والنظر الى الوضع العالمي على ضوء مصالح الشعب و ليس على حسابها .
حققت الاحزاب الشيوعية السابقة في بلدان شرق أوربا نجاحات في الاندماج بالمجتمع الاوربي و اجتازت اختبار سقوط المنظومة الاشتراكية ارتباطا بالتجديد الذي قامت به وخصوصا علاقات جيدة مع الاشتراكية الدولية ، مع أهمية تغيير الاسماء لإعطاء الانطباع بالجدية في انتهاج نهج جديد .





#منير_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الذكرى الثانية والسبعين لتأسيسه في التحضير لمؤتمره الثامن ...
- حزب مجيد يمثل وحدة الشعب العراقي
- لقطات نسائية
- المثقفون والسّاسَة الشموليون
- عطر امرأة
- حول الديمقراطية والاصلاح السياسي في العالم العربي - رد على ت ...
- الديمقراطية والإصلاح السياسي في العالم العربي
- تسييس الثقافة العربية
- الديمقراطية وإمكانيات التصدير
- الفنان التشكيلي عدنان شينو - الحنين الخلاق
- الماركسية وافق البديل الاشتراكي - كارل ماركس
- دور اللغة في التاريخ
- المرأة ومشاكلها الوجودية , لدى التشكيليات العراقيات
- إتحاد الشعب تسمية ملائمة لحزب ذي إرث نضالي مجيد
- الديمقراطية الليبرالية وتيارات الفكر السياسي العراقي المعاصر


المزيد.....




- غانتس يعلن أن إسرائيل لم تتلق ردا عن موافقة حماس على الصفقة ...
- باكستان تتعرض في أبريل لأعلى منسوب أمطار موسمية منذ عام 1961 ...
- شاهد: دمار مروع يلحق بقرية أوكرانية بعد أسابيع من الغارات ال ...
- خطة ألمانية مبتكرة لتمويل مشاريع الهيدروجين الأخضر!
- بوندسليغا: بايرن يتعثر أمام شتوتغارت ودورتموند يضرب بقوة
- الداخلية الألمانية تحذر من هجوم خطير
- روسيا.. 100 متطوع يشاركون في اختبارات دواء العلاج الجيني للس ...
- ملك المغرب يدعو إلى اليقظة والحزم في مواجهة إحراق نسخ من الق ...
- تأهب مصري.. الدفع بهدنة في غزة رغم تمسك إسرائيل باجتياح رفح ...
- تونس.. وزارة الداخلية تخلي مقر المركب الشبابي بالمرسى بعد ال ...


المزيد.....

- خزريات بابل ينشدن الزنج والقرامطة / المنصور جعفر
- حالية نظرية التنظيم اللينينية على ضوء التجربة التاريخية / إرنست ماندل
- العمل النقابي الكفاحي والحزب الثوري / أندري هنري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ملف بمناسبة الأول من أيار 2006 - التغيرات الجارية على بنية الطبقة العاملة وحركتها النقابية والسياسية - منير العبيدي - الطبقة العاملة في القرن الواحد والعشرين ...