أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يعقوب زامل الربيعي - الهائل، كما قطعةِ ثلجٍ صغيرة!














المزيد.....

الهائل، كما قطعةِ ثلجٍ صغيرة!


يعقوب زامل الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 6216 - 2019 / 4 / 30 - 16:37
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة
................
قد يكون وباءُ الحلمِ السابق، وما له من علاقة بحِلمها اللاحق، ما جعلَها، حين توقفَتْ عند ثمة جدار، تبتسم بهزؤ.
عندما كانت تلامس اطرافَ اصابعِها، كانت كلُ سلاميةٍ فيها، كقلب عصفور يخفقُ في تنهد.
امرأةٌ مبعثرة. أنفُها المحمر المزكومُ بسببِ البكاء، يتنشق الهواءَ بصعوبة. وعينان حمراوان، تحيط بهما هالتين من قفر. وفم بشفتين كما ريشتين طافيتين على مزيجِ نشارة الدموع وبُحيرة الحبر الرطب.
منذ وقفتْ مساءً، غارقةً بحمى جسدها، وكأنها تنتظر خُطى مرتقَبة، كانت تشعرُ بخراب، يأخذها لخواءٍ يمس جسدَها جميعَه.
قصد بها، يوماً ما، لمقهى شتائية، محدودة الطاولات والمقاعد. بين الفينة والفنية، كانت بعض اصوات تقطع الصمتَ بالهمس، وبشغف الوقت المتسارع.
ــ " يا صغيرتي "
هذا السرورُ المطليُّ بالضحك الخفيض، كان مألوفاً، طالما جاء لهذه الطاولة أو تلك، مغمض العينين، كما طفلٍ ساعة ولادته.
ــ " أنت يا حبيبي الرجل ".
أثنان مفرِطان بالحب. هي تشيرُ له بعينيها الطفلين همسا خجولا. وهو، يجهد بالتنفس، حين يقول " طفلتي الحبيبة "،كأنه خرج من

بين حشدٍ كبير خانق، بعد ان قطعَ تذكرتين له ولحبيبته في قطارِ الساعة العاشرة ليلا.
وحين يتوهان في ممر التأكيدات، منتعشيّن، وينفذان لأبعد مدى، كانا يأخذان يدي بعضهما. تنزرع عيناهما ببعض، دون أن يقولا شيئا. وتحت ضوء أحمر خافت، يتعامل جسديهما برفاهية متقلصة، وتحت بقعة ضوء مصحوبة بغناء أرضي، يحسان بالعزاء الصغير الشفاف، ذاك الذي يجعلهما ثنائيين غير محتشمين، يضعان قلبيهما تحت حمام شمسي من ومضات حسية، لا أحد من المارة له الحق في مراقبتهما. ويندهشان بكل الاستثناء. إذ لا وقت لديهما سوى للحب.
احيانا تسمعه يجيبها: " نعم " وغالبا تحت إلحاح اسئلته، تقول "نعم". وفي كل مرة كانت كلمة " نعم " قابلة لتجديد لا حصر له.
وحين أنغلق باب صالة المقهى الصغيرة، خلف ظهريهما، شعرا بأن كثيرا من الأبواب ستنغلق في نفس الوقت بعدهما. وأن ليس من فرد معيّن يستطيع أن يذهب إلى أبعد منهما، ولا أن يكون، كما كانا، عددا غير محدود.
في كل مكان، تركاه ذلك المساء، كانت الاضواء تتابع طريقها، على الملاعق والشوكات، وعلى سطوح الاشياء، وعلى العديد من الفتيان والفتيات، اللذين يضحكون بمرح، أو يتأملون ملامح بعضهما، كعشاق هواة، وأيضا على دور السينما والبيوت والمدن والاقداح، أضواء كما مذنبات ليلية تمتد على طول وعرض ساحات القتال. أضواء لخطئٍ فاضح، يعامل كل شيء بشكل سيء.
سوف يذهب سيرا، دون ان يضطرَ لأن يكون داخل حافلة، وقت كانت هي، وتحت كتفيها المهمومتين، تدفع خطاها فاترة واحادية على اخاديد الطريق ، كما غناء غير سار.
على سريرها، اسقطت جسدها. تركت الظلام يحتل غرفتها. صامتة كما ربوة حرب متروكة. عارية تماما، تراقب سقفا مظلما. حين كفت عن أي سؤال، غدت كما سحابة ثقيلة.. مستقبلٌ صخري عارٍ، تتساقط عليها استسلامات زرقاء، ورنات جرس مخنوق. كأن لا ثمة مستقبل قديم، لم تعد تلحظ وجوده.
في مساء اليوم التالي، أنسلَّتْ تحت سماء غير مبالية، مهمومة، ميتة، خلف حياة غير حماسية. تُلقي خصلة سوداء على منبت وراء كتفيها.
لم يتبق منها إلّا نظر، يفترسه مستقبل صغير، يتشبث بالكاد في لحظة الحاضر. في الاستثناء المريض. وتحت هذا الفقدان ليس من معنى لما تراه اللحظة، من الاشجار والرصيف والبيوت.
ــ " أنا جندي ذاهب للحرب "!
سمِعَتْ أحدهم يقولها. وللمرة الألف، كان هناك من يخوضون الحرب على مسامع مودِّعيهم. يتسرَّبون بعيدا لشقوق، تُغلق مصاريعها خلفهم. وكانت للحرب عيونٌ، تندس مع الناس في اسِرَّتهم ليلا. تجسهم حين يكونون عميانا.
الحرب حظيرة لسلخ الجلود البشرية، كما تُسلخ جلود الحيوانات، كانت تنام غير محسوسة أحيانا، إلّا حين يدوس على ذيلها الخشنِ من به لوثة.
هذه الحظيرةُ البذيئة، هي من جعلتْ جسدها في هذه اللحظة مشحونا بالاضطهاد العسكري المتفاقِم. ويتخبط في الاشياء غير المرئية. وكانت الحربُ حين تفكر هي فيها، ولأنها مشبعةٌ بغبار الحكايات المحزنة، تجعل تنفسَّها للهواء مَهَمة شاقة.
حين أضاءت نورَ المصباح في غرفتها. كان هو داخلَ برواز فضي، مركونا على خشب طاولة صغيرة قرب وسادتها، وكما رسالة لم تفضّها بعد.
وحين مسدت مكان حضور اصابعه على بطنها، شهقت. كانت كما قطعةِ ثلج صغيرة، تدمدم مذعورةً، يكاد الظلام يبتلعها. امرأةٌ في المكان الذي لم يعد له معنى، استسلمت لبكاء، كان يتشبث بها، بكل قواه.
ثمة سحن، كانت تسبح في التعب. تستغرق فيه. وأخرون تطرف عيونَهم شمسٌ صافنة، وهي تذهب للواجهات الخَرِبة.
يحاصر الجميع، دخانٌ من العوادم والسجائر والبلاهات.
ورجل يقول لزوجته في محطة القطار جاءت لوداعه:
ــ " آه.. لو أن القطارَ لا يصلُ أبدا "!



#يعقوب_زامل_الربيعي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من يتلف المفاجأة، الحوار أو الصوت؟!
- المُستَنسَخون! قصة قصيرة
- البحث عن البطل والشيء الأروع!..
- الإدانة!.. قصة قصيرة
- وَحْمة..
- لا حداً للصوت!..
- لا توقظ بئر الشم!
- دبيب المخمل!..
- لماذا الحبُ بالحواس؟..
- فك الخط !..
- ... وماذا بعد؟!
- للحياء، قدمين عاريين..
- ما لا يمنعُ الضَحكَ، أيضاً!..
- من فرطِ الأرقِ، أحياناً!
- لأشدّ ما يكونُ غزيراً..
- النهارُ مستديرٌ دائماً..
- ما ينفرط!..
- في العالمِ الدقيقِ جدا!..
- نبعٌ من عينين!..
- لسماءٍ باقية!..


المزيد.....




- -الزمن المفقود-.. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني
- عبور الجغرافيا وتحولات الهوية.. علماء حديث حملوا صنعاء وازده ...
- -بين اللعب والذاكرة- في معرض تشكيلي بالصويرة المغربية
- مفاجأة علمية.. الببغاوات لا تقلدنا فقط بل تنتج اللغة مثلنا
- بيت المدى يستذكر -راهب المسرح- منذر حلمي
- وزير خارجية إيران: من الواضح أن الرئيس الأمريكي هو من يقود ه ...
- غزة تودع الفنان والناشط محمود خميس شراب بعدما رسم البسمة وسط ...
- شاهد.. بطل في الفنون القتالية المختلطة يتدرب في فرن لأكثر من ...
- فيلم -ريستارت-.. رؤية طبقية عن الهلع من الفقراء
- حين يتحول التاريخ إلى دراما قومية.. كيف تصور السينما الصراع ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يعقوب زامل الربيعي - الهائل، كما قطعةِ ثلجٍ صغيرة!