أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الغني سهاد - الحبل....














المزيد.....

الحبل....


عبد الغني سهاد

الحوار المتمدن-العدد: 6215 - 2019 / 4 / 29 - 20:14
المحور: الادب والفن
    


الحبل...


في كل صباح كانت ارملة من المدينة.تجوب الساحة..تسوق طفلها المتوحد تجره بحبل غليظ..قصير جدا..تعامله بمودة ناذرة..كلما كانت الساحة مليئة بالرواد كانت تلصقه ببدنها..وتظله من حرارة الشمس..وصهد الاجساد..وكان الطفل جميلا..وصامتا..ترتدي على الدوام جلبابها الابيض..وخرقتها البيضاء..وكيس تجمع فيه ما جادت به قلوب المحسنين من الفقراء..لون سحنتها اصفر شاحب..وهي لا تزال في مقتبل العمر..ولا تمل ولا تضجر من التسكع والترحال في جنبات الساحة..يجود عليها الفقراء..بمافاض الله عليهم من رزق..وكانت كلما شعرت بالام،،والملل من ضجيج الساحة تولج قبة الولي الشهير..بالجود والاحسان..تقرفص على الحصير..جنبه..ورفقتها للطفل الجميل الصامت على الدوام..وكانت تجول في نفسها الخواطر والادعية..وتتمسح من حين لاخر جبين الطفل..وتجذبه اليها من الحبل..في بعض الاوقات كان الطفل منغمسا في التهام شذق خبز اسود يابس..او نهم نصف تفاحة نضجة منحه له احد الاشقياء..وسواء كان بيده الطعام او لم يكن كان اللعاب يسيل من شذقيه..كصنبور الساقية المزركشة التي تتوسط الضريح..وبشعره الاشقر تلتصق الاتربة..والغبار..والقش..وعيناه الضيقتان تزم دموعه المتحجرة..في جفونه..وهو لا يستطيع الابتسام..ولا الصراخ..كما يفعل اطفال الساحة.. لا يقوى على النطق ولا اللعب..!..الام والطفل لا يتفارقان..ولا يفارقان الساحة..واصبحا من مؤتتاتها..مع حلقات صغيرة من العميان..من كل الاعمار.تحمل طستات..من خشب مربوطة بسلسلة رقيقة بالمعصم..فيها ترمى دراهم الزوار..احيانا كثيرة يقرؤن سورا من القران..وبعد حين..كلما رن صوت الدرهم على الخشب..ترتفع حناجرهم بالدعاء..والمناجات..ففي كل يوم اربعاء..كانت تنظم سوق تحمل اسم الولي الراقد في الضريح..تمتلا جنبات الضريح بالزوار والمريدين والدراويش والفقراء..وكانوا يتاجرون في سلعهم البسيطة..المفروشة على الارض..اسمال..وسخة..سكاكين وخناجر..قديمة..براغي صدئة..طاقيات مزركشة..دراعيات..اطارات نظرات قديمة..اكياس من الجلد المثقوب..اطقام اسنان..لمجهول..وحصير قديم..وخبز اسود يابس..ولحم قديد نتن..وحمص..وفول مصلوقان بالماء..وتمر..وحلوى بالوان الطيف..وحينها كان الطفل يشعر ببعض السعادة..ويرغب في الصياح..كما يفعل كل الناس..والافلات من ربقة الحبل..لكنه لا يستطيع..كانت امه تجدبه اليها..وتملا فمه بلقمات من طعام الكسكس..الذي جادت به سيارات المخزن...!...تمر السنون..ولم يخبرني احد بما كان يحدث هنا بالساحة..الان الحبل..تشقق وتلاشى..ولم تظهر بجانبه العجوز..بقي الشاب المتوحد يلهت وحده وهو يجر الحبل..ويحوب الساحة..يطارده الصبيان..يرمونه بالحجارة..والتراب..وقليل من الناس من يمده بقطعة خبز جاف..وهو صامد امام الحبل المتلاشي ويمشي .ولايبالي بصراخ الاطفال...كان فكره كله ينصب في البحث عن رغيف..جيد..!ولقمات من طعام الكسكس المخزني..الذي لم تنقطع سياراته العسكرية على رمي قصعاته الى فقراء الضريح....فكان يغمى عليه من شدة الجوع..والعطش..وملاحقة الصبيان له بالتنكيل..والقهر..فيجدب بشدة الحبل على عنقه....وهم يصيحون في وجهه هاربين مرهوبين..يصيحون...(..ابو الحيات..!!...ابو الحيات...)..!!..ولم يكن يرى شيئا مما يرون..وهو يتلمس الحبل لا يزال مشدودا الى عنقه..!..

من حماقات مراكش..عدد12
عبد الغني سهاد



#عبد_الغني_سهاد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حتى العصافير فاسدة..
- ليلة الصعود الى القمر....
- البحر لا يهدأ له مراس..
- كلاب الشاطئ....
- المبتلي..في سوق الذباب..!
- قرود الساحات....(ح.م.8)
- حلاقو الزمن الميت...
- المعلم في دولة من قش
- حكاية نصف رجل...
- عبور النهر...
- انحطاط..
- حكاية المدعو كلخ شلخ....
- ثورة علال الخراز..
- حماقات مراكش..(4)..
- الطاحونة..
- النورسة البيضاء..
- القط الاسود .(.ح.م.3)
- حماقات مراكش....2
- حماقات مراكش..1
- الشريف....!


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الغني سهاد - الحبل....