أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - زهير سوكاح - الأندلس، المغرب والصحراء: هل تمت ذاكرة حضارية جامعة؟














المزيد.....

الأندلس، المغرب والصحراء: هل تمت ذاكرة حضارية جامعة؟


زهير سوكاح

الحوار المتمدن-العدد: 6209 - 2019 / 4 / 23 - 02:42
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


قد يبدو ذلك الارتباط الخصوصي للمغرب الأقصى بالأندلس من جهة وبالصحراء من جهة أخرى أمرًا غير مألوف بل وغير مفهوم لدى غير المغاربة، لكن يمكن فهم هذا الارتباط الرمزي الوثيق من كونه في المقام الأول نتيجة لدينامية تاريخية وثقافية متدفقة منذ قرون طويلة، لا نجدها في بلدان مجاورة أخرى. بلغة أخرى: قُرب المغرب الأقصى من هاتين المنطقتين هو قرب حضاري وثقافي أكثر من كونه قربا جغرافيا، وهذا ما تجسده على سبيل المثال عبارة "العدوة العليا والعدوة السفلى"، حيث يقصد من العدوة العليا الأندلس، ومن العدوة السفلى المغرب الأقصى تحديدا وحصرا ودون غيره، أو على الأقل شماله الذي يتمظهر فيه التراث الأندلسي بشكل بارز، وكأنهما وحدة ثقافية موحدة ولو تخيُليا، في هذا السياق تبدو أماكن بعيدة حاليا عن الجغرافيا الحالية للمغرب الأقصى، مثل "الرندة" و"غرناطة" بل وحتى "جبل طارق" ذاته وكأنها قريبة على الأقل تخيليا بوصفها أماكن من ذاكرة المغرب الحضارية. نفس القرب المجازي نجده طاغيا في تمثلات هاته الذاكرة لأماكن مثل شنقيط بل وحتى تمبكتو وغيرها من حواضر الصحراء وجنوبها كما لو أن هاته الذاكرة تُصر على حضرنة الزمن المرابطي في حاضرنا، والذي وصل، في فترة من الفترات التاريخية، بين المغرب الأقصى وموريتانيا، ويبدو أن هذا الوصل الحضاري، إن جاز لنا التعبير، لايزال حيا في الذاكرة الحضارية المغربية، ولاربما أيضا في الذاكرة الموريتانية، بمعنى أن هذا الارتباط الذاكري لا يزال ينتقل من جيل إلى جيل ويبدو أنه سيظل كذلك.
لهذا فمصطلحات من العلوم السياسية من قبيل: "صراع قوى" أو "توازنات" أو "ثوابت استراتيجية" أو "مصالح جيوسياسية"، لا يمكنها أن تسعفنا في تقديم تفسيرات لهذا الارتباط الوثيق، الذي يبدو مجازيا بل أسطوريا أكثر من كونه حقيقة ملموسة على أرض الواقع اليومي، لكن مع ذلك لا يمكن إغفال سطوته المستمرة مند قرون. فهل تنبهت له إسبانيا كقوة استعمارية حينما ركزت احتلالها للمغرب الأقصى على شماله وجنوبه تحديدا؟ وهنا يطرح التساؤل التالي نفسه: لما لم تهتم إسبانيا الاستعمارية باحتلال دول مغاربية مجاورة عدا المغرب؟ هل كان دافعها ذلك الصراع الذاكري مع هذا الجار "اللدود" من أيام المرابطين؟
من المحتمل أيضا أن هذا الوصل الحضاري في الذاكرة المغربية تقابله ذاكرات معكوسة أو مضادة، إن صح التعبير، ليس فقط في "العدوة العليا" التي قدم منها الاستعمار الإسباني، بل أيضا ذاكرة مضادة من الصحراء تصر على جهويتها الثقافية المُشكلة لهويتها الخاصة بها في تمثلها لذاتها وللآخر. وهذا تحديدا ما يمكن أن نسميه بـ "صراع الذاكرات"، وهو أمر وارد ليس في هاته المنطقة، بل أيضا في بقاع أخرى من العالم نجد فيها تداخلاً للتاريخ الحضاري، وذلك أن الذاكرة ذاتها وحتى في بعدها الحضاري تظل ذاتية وانتقائية وإن شئنا أيضا اقصائية ولو عن غير وعي، وهذا ما يمكن أن نلاحظه أيضا في تمثلات المغرب الأقصى في الذاكرة الحضارية الإسبانية، وهذه من خصائص الذاكرة حتى في بعديها الجمعي والحضاري بسبب تمركزها على الذات في بنائها المستمر لهويتها.
عدم إدراك هاته الطبيعة الذاكرية القارة وبخاصة في شقها المتعلق بتلك العلاقة الوصالية: "المغرب/الصحراء"، يترك المجال مفتوحا أمام تفسيرات قاصرة لها من كونها "علاقة هيمنة" بل وهناك من يوصمها من كونها "رغبة في التوسع"! متجاهلا كل التجاهل هذا الترابط الذاكري الضارب جذوره في التاريخ المشترك بل والمتدخل للمنطقة. من هنا فإن الحل الأمثل هو الفهم التاريخي والثقافي لهذه الذاكرة الحضارية التي ترى في هذا الرباط: "الأندلس-المغرب-الصحراء" جسدا واحدا ولو رمزيا. فهذه هي الذاكرة الحضارية، ذلك المخزون الدينامي للتجارب السحيقة لحضارة ما بحسب تعبير يان أسمان، والتي لا تأبه بالجغرافيا، ولهذا يساء غالبا فهمها، ولكيلا يظل هذا الرباط ذاتيا وانغلاقيا، تعين معالجته في ثقافات التذكر بهاته المنطقة من كونها رباطا مشتركا بل ومنفتحا، يتعين الوعي به، بحيث يقف فيه كل طرف على قدم المساواة مع باقي الأطراف في حوار ذاكري تظهر فيه الاختلافات الثقافية الراهنة مصدرا مُلهما في هاته العلاقة الثلاثية في جميع الميادين على اختلافها، ينعكس وقعها بشكل إيجابي على حاضر ومستقبل هاته المنطقة ذات الخصوصية الحضارية الفريدة.



#زهير_سوكاح (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرية أماكن الذاكرة لبيير نورا: التاريخ الجديد والذاكرة
- نظرية الذاكرة الجمعية لموريس هالبفاكس: التذكر بوصفه ظاهرة مج ...
- قصيدة -توم المسكين- لشاعر البروليتاريا الألمانية غيورغ فيرت
- أقوال هاينية خالدة
- جرائم منسية: ألمانيا وماضيها الاستعماري في إفريقيا
- بنات الرياض في الصحافة الألمانية
- يواخيم كامبه..نضال من أجل -ألمنة- الألمانية!
- قراءة في إصدار ألماني حول الذاكرة والتاريخ في الإسلام
- توم المسكين للشاعر الألماني غيورغ فيرت
- إلى ديوتيما فريدريش هولدرلين
- أماكن الذاكرة
- مفهوم الذاكرة الجمعية عند موريس هالبواكس
- حول أحادية كتابة التاريخ العربي والإسلامي


المزيد.....




- لأول مرة.. لبنان يحذر -حماس- من استخدام أراضيه لشن هجمات على ...
- انتشار قوات الأمن السورية في جرمانا بعد اتفاق مع وجهاء الدرو ...
- الجيش الأمريكي يتجه لتحديث أسلحته لأول مرة منذ الحرب الباردة ...
- العراق.. هروب نزلاء من سجن الحلة الإصلاحي في محافظة بابل وال ...
- مشروبات طبيعية تقلل التوتر والقلق
- هل تقبل إيران بإدمان استيراد اليورانيوم؟
- وقوع زلزال بقوة 7,5 درجة قبالة سواحل تشيلي وتحذير من تسونامي ...
- المجلس الأعلى للدفاع في لبنان يحذر حماس من تنفيذ -أعمال تمس ...
- غارة إسرائيلية على منطقة مجاورة للقصر الرئاسي بدمشق.. ما الذ ...
- من السجن إلى المنفى : قصة صحفية مصرية ناضلت من أجل الحرية


المزيد.....

- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - زهير سوكاح - الأندلس، المغرب والصحراء: هل تمت ذاكرة حضارية جامعة؟