أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - زهير سوكاح - يواخيم كامبه..نضال من أجل -ألمنة- الألمانية!















المزيد.....

يواخيم كامبه..نضال من أجل -ألمنة- الألمانية!


زهير سوكاح

الحوار المتمدن-العدد: 1952 - 2007 / 6 / 20 - 07:08
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


شكل الإصلاح اللغوي علامة فارقة في تاريخ اللغة الألمانية، حيث كان دائماً بمثابة ردة فعل مباشرة لكل تهديد لغوي محدق أو محتمل ضد اللغة الألمانية، كما كان وسيلة للانعتاق من التأثير اللغوي الأجنبي, الذي كان يُنظر إليه بالأساس كمؤشر على تبعية محتملة لأخر.
لم يكن الإصلاح اللغوي في ألمانيا قبل القرن العشرين ذو طابع مؤسساتي محكم التنظيم كما هو عليه الآن، بل كان حصيلة لمجموعة من المبادرات والجهود الفردية المضنية، لكنها كانت جدُ حاسمة ومؤثرة في المسار التاريخي لتطور اللغة الألمانية.
ارتبطت عدة شخصيات ألمانية بحركة الإصلاح اللغوي الألمانية، والتي تعود جذورها الأولى إلى القرن السابع عشر ميلادي، لكن ذاكرة اللغة الألمانية لا تزال تحتفظ على مر العصور بجهود أحد أعلام اللغة في ألمانيا، وهو المربي و الأديب و الناشر و اللغوي:"يواخيم هاينرش كامبه" Joachim Heinrich Campe 1881 -1746)).

مرت اللغة الألمانية في عصره بمرحلة صعبة، فقد ارتبطت الطبقة الغنية والمؤثرة في المجتمع الألماني بكل ما هو "فرنسي" وأضحت اللغة الفرنسية لغة التدريس والكتابة العلمية والإدارة، ووجد عدد هائل من الكلمات والتعابير اللغوية الفرنسية طريقه بيسر إلى معجم اللغة الألمانية.
كانت البدايات الأولى لاهتمام يواخيم هاينرش كامبه بالوضعية الحرجة للغته الأم في فرنسا الثورية: عندما زار كامبه فرنسا في عام الثورة 1789، انبهر أيما انبهار بما أسماه بوضوح اللغة الفرنسية وقوتها التعبيرية، ففي العاصمة باريس تفاجأ بالمستوى اللغوي و الثقافي المتين للطبقة الفقيرة من المجتمع الفرنسي، و التي ساهمت بقوة في إنجاح الثورة الفرنسية.
كانت لغة الطبقة الفقيرة والمهمشة لا تختلف البتة عن لغة الطبقة المتعلمة والغنية من المجتمع الفرنسي، وهذا ما دفعه إلى التدبر ملياً في الأوضاع الاجتماعية والسياسية المتدهورة السائدة في بلده وانعكاساتها السلبية على اللغة الألمانية.
في تلك الفترة كانت ألمانيا منقسمة على نفسها سياسياً ولغوياً. ورغم أن اللغة الألمانية كانت حاملة لأدب معترف به في القارة الأوربية، إلا أنها كانت مثقلة بمفردات دخيلة، دون أن نغفل أيضا التعدد اللغوي واختلاف اللهجات وكثرتها، الذي كان طاغيا آنذاك في المناطق الألمانية.
كان معظم المعجم السياسي الألماني مكوناً في معظمه من مصطلحات ومفردات فرنسية وأخرى إغريقية ولاتينية لا تتداولها إلا الطبقة الغنية المتعلمة فقط، أما الأغلبية الساحقة من المجتمع الألماني فكانت لا تستطيع التعبير عن نفسها سياسياً بسبب جهلها التام بالمفردات الأجنبية و فقر المعجم الألماني من المصطلحات والمفردات السياسية من اللغة المحلية.
أدرك كامبه الذي كان متأثراً بأفكار الثورة الفرنسية (حيث سعى جاهدا طيلة حياته إلى نقلها إلى المجتمع الألماني) أنَّ أي تغيير داخل المجتمع الألماني هو رهين لإصلاحات عميقة في مختلف مناحي الحياة في ألمانيا وأولى هذه الإصلاحات، حسب كامبه، كان هو إصلاح المشهد اللغوي في البلد، حيث أعتبر كامبه أن إصلاح الوضع اللغوي هو شرط لا محيد عنه من أجل إنجاح حركة التغيير في المجتمع الألماني.
كان كامبه يهدف عن طريق الإصلاح اللغوي إلى إيجاد لغة ألمانية ميسرة ومفهومة لجميع متكلميها، و إيجاد هذه "اللغة الميسرة" كان يقتضي في نظره "تنقية" اللغة الألمانية من كل الكلمات و المصطلحات الأجنبية والدخيلة وتعويضها بمقابلات مفهومة ومن صميم اللغة الألمانية، بعبارة أخرى سعى كامبه إلى محاولة "ألمنة" اللغة الألمانية.
لهذا الغرض شرع بحمية وحماس منقطعي النظير ولسنوات طويلة في إيجاد مقابل ألماني لكل كلمة دخيلة في اللغة الألمانية، وبخاصة في الميدان السياسي، حتى يتسنى للطبقة الدنيا من المجتمع الألماني - حسب كامبه - إدراك هويتها والتعبير عن واقعها و تطلعاتها لغوياً و سياسياً كخطوة أولى وحاسمة من أجل الإصلاح والتغيير المنشود.
فى سنة 1801 أصدر كامبه معجماً يضم مقترحات و مفردات ألمانية بديلة عن المفردات الأجنبية, بلغ عددها آنذاك 94 مفردة بديلة فقط، وبعد مرور 23 سنة ظهر المعجم في طبعته الثانية سنة 1813 حيث أصبح يحتوى على 11000مفردة ألمانية بديلة في مختلف المجالات وبخاصة في المجالين السياسي والعلمي.

رغم أن هذا المعجم قد لقي في ما بعد نجاحاً منقطع النظير، إلا أن كامبه كان قد تعرض في بادئ الأمر لنقد شديد من طرف العديد من القائمين والمهتمين بالشأن اللغوي والثقافي في ألمانيا آنذاك بل ولسخرية لاذعة من مفكرين وأدباء معاصرين له، أمثال غوته و شيلر و الأخوين جريم.
كان كامبه مسكوناً بهاجس إيجاد مقابل ألماني لكل مفردة دخيلة وهذا ما أوقعه في إشكالات منهجية عديدة، حيث أن بعض المفردات المقترحة كانت عبارة عن كلمات مركبة وطويلة يصعب تلفظها، وبعضها الأخر كان لا يتطابق بالكلية مع المعاني التي تحملها المفردات والمصطلحات العلمية الدخيلة، أما البعض أخر فقد كان ببساطة مدعاة للسخرية و الاستهزاء بسبب غرابتها أو طرافتها.

لم يحقق كامبه هدفه المنشود، الذي كرَّس له سنوات طويلة من العمل الدؤوب والجهد المتواصل، أي تنقية اللغة الألمانية من التأثير اللغوي الأجنبي وألمنة الاستعمال اللغوي و خلق لغة ألمانية موحدة ميسرة ومفهومة لجميع ناطقيها في جميع المناطق الألمانية، فقد ظلت الكلمات الدخيلة حاضرة في معجم اللغة الألمانية بقوة، أما التعدد اللغوي فقد ظل سائداً في ألمانيا بعد ذلك لفترة طويلة.
لم يستطع كامبه "تنقية" اللغة الالمانية من المفردات الاجنبية كما أراد, لكنه ساهم إلى حد بعيد في زيادة الوعي باللغة الألمانية كمكون من مكونات الهوية الجمعية للمجتمع الألماني والمُعَبِر عنها. أيضا قام كامبه بإثراء المعجم الألماني بعدد كبير من المصطلحات المفردات الجديدة، والتي لا يزال الكثير منها مستعملاً إلى يومنا هذا في الحياة اليومية لناطقي اللغة الألمانية بشكل كثيف، و دونما إدراك أن تلك المفردات ما هي إلا نتاج فردي لمثقف ملتزم بقضايا وطنه أراد تصحيح وضعية الواقع السياسي و الإجتماعي الذي عاصره عن طريق تصحيح المشهد اللغوي لذلك الواقع المتردي.

المراجع:
(باللغة الألمانية)


- Polenz, Peter von: Deutsche Sprachgeschichte vom Spätmittelalter bis zur Gegenwart. Band III: 19. und 20. Jahrhundert. (1999)

- Schiewe, Jürgen: Sprachpurismus als Aufklärung. In: Strocka Volker Michael (Hg.):Die Deutschen und ihre Sprache.(2000)



#زهير_سوكاح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في إصدار ألماني حول الذاكرة والتاريخ في الإسلام
- توم المسكين للشاعر الألماني غيورغ فيرت
- إلى ديوتيما فريدريش هولدرلين
- أماكن الذاكرة
- مفهوم الذاكرة الجمعية عند موريس هالبواكس
- حول أحادية كتابة التاريخ العربي والإسلامي


المزيد.....




- فيديو غريب يظهر جنوح 160 حوتا على شواطىء أستراليا.. شاهد رد ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1000 عسكري أوكراني خلال 24 سا ...
- أطعمة تجعلك أكثر ذكاء!
- مصر.. ذعر كبير وغموض بعد عثور المارّة على جثة
- المصريون يوجهون ضربة قوية للتجار بعد حملة مقاطعة
- زاخاروفا: اتهام روسيا بـ-اختطاف أطفال أوكرانيين- هدفه تشويه ...
- تحذيرات من أمراض -مهددة للحياة- قد تطال نصف سكان العالم بحلو ...
- -نيويورك تايمز-: واشنطن سلمت كييف سرّا أكثر من 100 صاروخ ATA ...
- مواد في متناول اليد تهدد حياتنا بسموم قاتلة!
- الجيش الأمريكي لا يستطيع مواجهة الطائرات دون طيار


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - زهير سوكاح - يواخيم كامبه..نضال من أجل -ألمنة- الألمانية!