أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميرغنى ابشر - آخر ما قال - فارس-!















المزيد.....

آخر ما قال - فارس-!


ميرغنى ابشر

الحوار المتمدن-العدد: 6147 - 2019 / 2 / 16 - 20:56
المحور: الادب والفن
    


صديقي القارئ اذهب بك اليوم الى بعضٍ من جوانيةِ واحد من المعِ فحول القصيدة العربية الحديثة،وأديب وناقد من الصف الأول العربي. تعرفت اليه بمنحى نقدي وانا في صفوف الدراسة الثانوية ،كنا وقتها كوادر متقدمة في صفوف حزب عروبي،نقيم الدنيا ولا نُقْعدها في سبيل بعثٍ حضاري اماتتهُ ريح رأس المال العالمي وعولمته التي كرّثت لوحدة الموجود، الصيغة الغربية للحياة، بدلاً عن وحدة الوجود الصيغة العربية الصوفية والإنسانية لتفسير الحياة. شاركني هذا الحلم رفيقي وصديقي الثوري الملتزم و المثقف الرفيع "حسن الرشيد الغبشاوي"،كان ذلك في خواتيم الثمانينات من القرن المنصرم،ليأتي "فارس" وقتها، اعني "محي الدين فارس" ومن ثنايا المقرر الدراسي للصف الثالث لياخُذنا لتخومٍ وجدانية هابشت فينا وتراً كليماً من خلال نصه الشعري الماتع" ليل ولاجئة":
لا تنامي
الليلُ أوْغَلَ لا تنامي
الرِّيحُ أطْفَأَتِ السِّراجَ وقَهْقَهَتْ خَلْفَ الخِيَامِ
وهناك في قبو الحياة هناك في دنيا الخيام
تمضي الحياة بلا ابتسام تمضي كزفرة مومس
ضاعت بأطواء الظلام نام الوجود ولم تنامي
وماعادت فلسطين وحدها لاجئة سيدي فارس، لقد إتسعت خيام القهر والمسغبة لتمتد من المحيط الي الخليج، الخارطة التي كنا نريدها أنا وصديقي "الرشيد" إمبراطورية واحدة لرسالة خالدة أنتهت اخيراً لأمة خاسرة ذات حسرة دائمة.ولتصبح عندي التصورات والمرجعيات الفكرية مائعة جداً ،ليبتدع لي صديقي القاص "مريود"،عبد الحفيظ مريود معبراً عن حالي وبإبتسامة غامزة مسمى "الكوشي التائه"، مستعيراً عنوان كتابي الأخير.عذراً لهذه الخاطرة .اقول كم كنت فرحاً يا اصدقائي وانا أُجالس هكذا إنسان عينا بعين في منزله بحي الثورة بمدينة ام درمان، لصالح مجلة الاذاعة السودانية "هنا امدرمان"، التي كنت سكرتيراً لتحريرها في العام 1999م. وليس من السهل أن تتاح لك محاورة "محي الدين فارس" فاللرجل شروطه،طلب لي الشاي فقلت له:" لا اشْربهُ "،ثم قال: "اذن القهوة"،فأجبته قائلاً:"نحن أُناس قهوتنا الكلام" ،نظر لي مبتسماً ثم اردف قائلاً: "اتكتب الشعر ياولدي" ،فدسست عليه خوفاً من إمتحان اتحرج فيه،فقال :"ستكتبه ويكون لك شأن عظيم،الأن هات اسئلتك ".فطرت فرحاً اخيراً سأخرج بحوار مع الفارس،وكم كان الرجل بصيرا شفيف وكانه "ينظر الي الغيب من ستراً رقيق" كماقال الإمام علي بن أبي طالب في بن عباس: "لله در ابن عباس إنه لينظر إلى الغيب من ستر رقيق " .كان فارس ، محي الدين فارس وقتها على صحة، يغظ الدماغ هزم مرض السكر بصداقة معه،سألته في خاتمة الحوار قائلاً :الكلمة عند شعراء التصوف تمتاز بحالة لا تشابه كل ضروب الشعر هل يرجع ذلك الى أن هناك مناطق في الدماغ لا تفتح مغاليقها إلا للاستغراق الروحي؟ اجابني وهو يحدق في مخياله :اللغة الصوفية خرجت من القاموسية اللغوية الى قاموسية نفسية وروحية أخرى.فالكلمة في التصوف تأخذ معاني كثيرة لأنها تعبر عن عالم آخر بعيد عن الماديات ومن خلال منظار يرى الحياة مؤقتة وكل نفس ذائقة الموت . هذا المصطلح ولو سميناه مصطلحاً مجازا يعيشه بعمق الصوفيون . والموت عند الصوفي جمال لابد منه لمعادلة الحياة.والحياة المعنية هي الحياة الأخرى التي عبّر عنها القرآن بكلمة "الساهرة". لذلك تأتي الكلمة عند المتصوفة متفردة. والشاعر "إقبال" وهو على فراش الموت كان يبتسم ويضحك مع كائنات لا مرئية بعيدة. وكان سعيداً لأنه ينتقل من عالم المادة ومن لوعاء الطيني الذي نلبسه الى الوعاء الذي لا نراه. وابن سينأ عنده قصيدة جميلة يقول فيها:
هَبَطَتْ إِلَيْكَ مِنَ المَحَلِّ الأَرْفَعِ وَرْقَاءُ ذَاتُ تَعَزُّزٍ وَتَمَنُّـــعِ
وَصَلَتْ عَلَى كُرْهٍ إِلَيْكَ وَرُبَّمَا كَرِهَتْ فِرَاقَكَ وَهْيَ ذَاتُ تَفَجُّعِ
أَنِفَتْ وَمَا أَلِفَتْ فَلَمَّا وَاصَلَتْ أَنِسَتْ مُجَاوَرَةَ الخَرَابِ البَلْقَـع
سَجَعَتْ وَقَدْ كُشِفَ الغِطَاءُ فَأَبْصَرَتْ مَا لَيْسَ يُدْرَكُ بِالعُيُونِ الهُجَّع

لأن النفس تظن أن افضل الحياة هي التي تعيشها على ظهر الدنيا .لذلك يخاطب الله رسوله "وللآخرة خيّر لك من الاولى" والناس تخاف من الموت. والموت دقيقة واحدة فلا تخافوا. تلك كانت اخر كلماته في اخر حوار لي معه وبعدها أنتقل استاذنا الأديب لعالم "الساهرة".
قلت لك كان كإبن عباس ينظر للغيب من ستر رقيق. وها هو ذا يشرع سفنه للغياب الطويل، وقد نعى نفسه بعد أن بصّر بمدينته الوحشية في نصه الشعرِي الماتع "الجواد والريح":
دعيني
فللبحر.. رائحة منعشه
وقد حمحمت سفني للرحيل
وصفقت الريح في الأشرعه
فهذي المدينة تأكل أبناءها
ثم تنسَلُّ..
تقبع في الظلمة الموحشه
وللريح حضور لافت في النص الشعري عند "فارس القصيد" لاتتسع هذه المساحة للحكي عنها أعني الريح. سألت فارس يومها عن قصيدة النثر هل ثمة علاقة بينها والشعر العربي؟أجابني وبسرعة من يقرأ في لوحٍ محفوظ:أنا كأحد الشعراء أرفضها حتي لو تحدثت عنها حديثاً طيباً في بعض اللقاءات التي أجريت معي في مجلات العالم وأرفض كثيراً من الهرطقات. والشعر يمكن أن يكون قصيدة في بيت، الحلاج يقول:
ألْقَاهُ فِي اليَمِّ مَكْتُوفًا وَقَالَ لَهُ إ يَاكَ إِيَّاكَ أَنْ تَبْتَلَّ بِالمَاءِ
واليم هي الدنيا ومكتوفا بالغرائز وأشياء كثيرة وقال له لاتقع في الخطيئة." صاحب البيت هو الحسين بن منصور، المعروف بالحلاج، الزاهد الصوفي المشهور، المتوفى قتيلاً سنة تسع وثلاثمائة من الهجرة" مايسمى بقصيدة النثر كلام فارغ إلا أن هناك نثرا أقرب الى الشعر ،مثل ما يكتبه جمال الغيطاني والقصيدة يمكن أن تكون بلغة نثرية وتكون أعمق بكثير من قصيدة تكون مكتوبة باللغة العربية الموغلة في القاموسية وقصائد نزار قباني من السهل الممتنع ، قد يخيل للكثيرين أنها نثرية .إلا أن اللغة الشعبية يفرضها نزار ويعطيها قوة الشعر. وقد يلجأ الشاعر الى اللغة الغامضة ليواري ضعف ملكته الشعرية. ولكن هناك أعمالا كبيرة لا يمكن الا أن تكون غامضة ويكمن سر خلودها في الغموض. وهذه تكون على أيدي شعراء كبار جدا من أمثال جلال الدين الرومي وعمر الخيام ومحمود حسن إسماعيل أول من دخل العقل الباطن بعصى اللاوعي.قبل كل الشعراء فالقصيدة عنده غابة مليئة بالاسرار يدخلها مغامر، وهو شاعر من قمة رأسه إلى أخمصيه. ومضيت في حواري مع "فارس القصيد" أساله عن كيف تولد القصيدة عنده؟ أجابني من فوره وقد طرف ببصره الى جنبٍ أيمن لعله كتاب غيب يمتح منه:القصيدة تلد نفسها بنفسها والقصيدة عندي تكتب نفسها من خلال"استديو" داخل نفس الشاعر مستخدما كل ادوات ثقافته الجمالية بتوالد يكسو جسد التجربة كجينات مكونة للبنية الأساسية للتجربة. والتوالد العشوائي في بناء القصيدة هو زخرف لفظي. وأذكر أنني تناقشت مع صديقي "بلند الحيدري" أن القصيدة قبل أن تخرج لابد أن يراجعها الشاعر وحده ليحذف الزوائد ويبقي على الموسيقى النفسية، بمعنى الا يجرف الشاعر الترف اللغوي الذي يهلكه. وسألته قبل سؤال إجابة جمال الموت ذاك الأخير عن كيف يرى حالة الشعر والشعراء السودانيين؟ نكس رأسه ونظر لخيط وحيد في طرف "العراقي" يُرقصه هواء لا نحسه، وادار طاقيته القماش البيضاء بيمناه قليلا الى جهة اليسار، واجاب ببط: موات مطلق وجفاف عريض، لا لأنهم غير مبدعين ، بل لأن الحياة تعصرهم عصرا ، وتأخذ أجمل أيامهم في صراع من أجل العيش. وانا حزين جدا لأن الشعراء الشباب حتى الموهوبين منهم والواعدين تجثم على آفاقهم ظلمات السحب. مع ذلك فأنا أحس أنهم سيجدون الوضع الطبيعي في قابل الأيام. ولكننا اليوم نعيش في أسوأ العصور ،عصر يقتل مواهب المبدعين.
واخيراً صديقي القارئ أنظر لقوة الحياة والعطاء بلا حدود عند "فارس القصيد"، أعني محي الدين فارس في قصيدته" أذرع الصفصاف":
من نحن؟
نحن كنخلة خضراء في الوادي تزف
تعطي... ومابخلت
وكل عطائها للناس وقف
ستظل واقفة
الي ان تسقط الأوراق منا.. أو تجف
ولد محي الدين فارس في العام 1936 في جزيرة أرقو شمال السودان.أتم دراسته الابتدائية والمتوسطة والثانوية في مصر، عمل محاضراً بكلية بخت الرضا, ومفتشاً فنيّاً في التعليم ، ثم تفرغ لإنتاجه. نشر له في العديد من الصحف والمجلات على امتداد الوطن العربي وشارك في العديد من المهرجانات المحلية والعربية. دواوينه الشعرية: الطين والأظافر 1956،نقوش على وجه المفازة 1978، صهيل النهر،قصائد من الخمسينيات،القنديل المكسور 1997.و توفي يوم الخميس 15 مايو 2008م.



#ميرغنى_ابشر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن ماذا أكتب؟
- الاخطاء التاريخية في القرآن
- دونجوانية محمد الرسول
- حوارية الياسمين والابنوس
- الأخطاء النحوية والبلاغية في القرآن
- ربى ورسولي في خمر المعاني
- النَّصُّ الإدانة.. رفع الْقُرْآن وَجَنَّة - ميركل -
- بكاء أرميا
- الجنون في تاريخه المقدس -اطروحة في منشأ التمدن والعمران-
- عودة المسيح
- التأريخ المنسى للحريم أو انتقام -الاله الام-
- أنتيجونى حِيرة الإنسانيات ! توليفات فرويد وهيغل نموذج
- دعاء اخر الاولياء
- بريخت محتالاًَََََََِِ!!.. الجزر الدينى لديالكتيك -التغريب-*
- أبان يولد من جديد
- حواشي نقدية على مهرجان البقع الأرجوانية
- أبان يولد من جديد
- حواشي نقدية على مهرجان البقع الأرجوانية
- مؤانسة على النقد المسرحي .. السيماتوراغيا*
- سفرجلة الأشياء


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميرغنى ابشر - آخر ما قال - فارس-!