أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميرغنى ابشر - الجنون في تاريخه المقدس -اطروحة في منشأ التمدن والعمران-















المزيد.....

الجنون في تاريخه المقدس -اطروحة في منشأ التمدن والعمران-


ميرغنى ابشر

الحوار المتمدن-العدد: 4862 - 2015 / 7 / 10 - 20:28
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


بدء دعونا نقرر أن هذا السرد لايدعي تأولية للمقدس تخرجه من دائرة استحاء المعني الي "تخوينة" بناء فرض معرفي لا يقر بأصله السماوي او حتمية مآلاته مقاربة باعادة قراءته تأسيسا علي اطروحات الفكر المعاصر ، بقدر ما يدعي وبلا تواضع زائف، تبني تأويلية جديدة وغير مسبوقة -علي حد علمنا- لتفسير منشأ العمران البشري والتحضر وميلاد المدنيات تتأسس علي المقدس وبدع الفكر الانساني المحدثة ، مغالطا بذلك ووفق منهجه الخاص فرضية الفرويدية وتأويليتها في أصل الحضارة ودوافع منشأها. متوسلا بميراث ميشال فوكو (1926 - 1984) حاملا معرفيا لتبليغ مقاصده.

***

في العام (2006) خرج لقراء العربية السفر الماتع لميشل فيكو "تاريخ الجنون المعاصر الكلاسيكي" بجهد ميَز لمترجمه المغربي "سعيد بنكراد" وعده النقاد غبَ صدوره في لغته ألام العام(1961) التأليف العمدة التي أنسالت منه مطاريح "فوكو" النظرية لاحقا: ولادة العيادة (1963)، الكلمات والأشياء (1966)، حفريات المعرفة (1969)، نظام الخطاب (1971)، المراقبة والمعاقبة (1975) تاريخ الجنسانية (1984).وأن لم يكن المبتدِع في موضوعته الاساس التي سبقه في تناولهاwimpfling في"مونوبول التفلسف" (1480) و"judocus gallus في"المونوبول والمجتمع" (1489) و"بوني" في كتابه "المقبرة"(1679) وديقور: "دراسة في الادراك الانساني". ولكنه الاوحد في شمولية تناوله لموضوعة الجنون اذ وفر مادة علمية خصيبة في تاريخ الجنون السوسولوجي والباثولوجي ما كانت لتجتمع في مكان واحد لو لا رهق بحثه المتوج، بدء من شاردة في القرن الثالث عشر الميلادي وحتي خواتيم القرن التاسع عشر.ولكن كان في امكانه أن يزين سفره الماتع بغوصاَ وتمدد أوغل من كيف تناوله للمقدس الذي نحي فيه أوقاتا لغير المباشرة من خلال عرضه لجنون المصير الماسوي الذي ينتظر الجنس البشري من خلال تصاوير الادب والفنون لهكذا مآل في فصله المسمي "سفينة الحمقي" وهو ذات عنوان قصيدة "برنات" التي يستدعيها شاهدا علي ماسوية المصير الانساني وجنونه، وهي القصيدة التي اعاد انتاجها نحتا المثال "جوسي باد" ورسما "هيرونيموش بوش" (1450-1518م)،كما نجد اعمال "فرانثيسكو دي غويا"(1746- 1828) الرسام والنقاش الاسباني تتسيد شواهده . فمن خلال هذا الاعمال الادبية والفنية يتناص "فكو" مع سرد المقدس مستعرضا لجنونه من غير أن يتورط في مباشرة نصوصه بالمعالجة او الاستلهام وينتهي من خلال النظر في هذه الاعمال لحتمية الجنون "أن الانسان في رحلته نحو الله معرض لكل اخطار الجنون، وماذا سيكون مرفا الحقيقة الذي تدفعه اليه العناية أن لم يكن لاعقل"(1).وتتبع "فوكو" في صفحات محدودة الاثر الفكري والاجتماعي للمقدس مكتفيا بتناول اثر التدين المسيحي نموذجا "لجنون العالم في نظر الله "(2) مع توافر بئيته الثقافية علي تراجم غنية ومنوعة للاصول التوراتية والاسلامية ،ونعي جيد الحيز المكاني الذي يشتغل عليه سفره الا أن هذا لم يمنعه مرات عن مبدأ التاثير والتأثر(3)علي الاقل فليكن علي مستوي البعد المفاهيمي، لتقف بنا مقاربته للمقدس عند تخوم التعريف، من غير اشراك نصوص ومقولات هذا الميراث المسيحي حتي لابعد من حدود التعريف. دونما تدوير لمفاهيم هذا الميراث في مباحث دراسته الاخري المعمقمة للتاريخ الاجتماعي والعيادي والفلسفي للجنون.

***
يعد المقدس ذاكرة تاريخية تختزن التجربة والخبرة الانسانية بوصفه فقط الخبرة الوحيدة التي تدعي الشمول والرمزية والكمال وهو الرصد غير المنقوص للاحفوري والتاريخي المتمكن من دراسته أوالغائب عن مدونات الانسان ، ومن هنا تكمن أهمية المقدس وسعته واسبقية يقينياته ونتائجه علي التجربة والخبرة العيادية في حقل البحوث والدراسات الاوناسية . فكل التاريخ الانسانى وكل قواعد تنظيم الحياة البشرية من اللازم تواجدها فى محتوى الظواهر الدينية، حيث يتعذر فصل دراسة الدينى عن الاجتماعي كون الواحد يتواجد فى حضن الأخر على حد تعبير كونت،هذه التقدمة اقتضتها المقاربة بين أسبقية المقدس في التعاطي مع الجنون واعتباره صورة من صور العقل في تطرفه عن الاتزان المجتمعي المتواطأ عليه ،لذا فهو حال وصورة اخري للعقل تستدعي مخاطبتها بعقلانية وأعية وبين البحوث الاوناسية المعاصرة والتي انتهت لذات النتيجة وبالاخص دراسة "فوكو" الموسوعية محل اشتغالنا "تاريخ الجنون المعاصر الكلاسيكي" حين رأحت تحدثنا:"أن الجنون بالنسبة للعقل ليس سوي قوته الحية والسرية..لقد اكتشف العقل الجنون احد صوره الخاصة"(4)وسرد "فوكو" اكثر من واقعة تمت في دور الحجز والمارستان تم فيها مخاطبة المجانين بعقلانية واسلوب محدد انتقل بهم من خانة المرض الي دور الحراس (5)،أن تحقق استجابات عاقلة برهانا علي "أن حكمة الطبيعة هي من العمق لدرجة أنها تستعمل الجنون باعتباره دربا أخر يقود للعقل"(6)"...أن الجنون ليس فقدانا مجرد للعقل بل تناقض دائم في العقل"(7)، وهي استنتاجات وخبرات عيادية يعضدها التصور القرآني للجنون في أكثر من واقعة نجده يخاطب فيها الجنون وهو في اقصي صور تطرف العقل برشاد لافت يدلل علي وعي المقدس بالامكان العاقل المتحققق بدرجة في الجنون يسمح بالافهام والاستجابة، اذ يصنف علم النفس المعاصر حالات "فرعون" و"النمرود" و"قارون" الذي ادعي امتلاكه لعلم استثنائي اصطنع به ثراه الفاحش في خانة "جنون العظمة "بدعائهم الالوهية " فاتجه المقدس لمخاطبتهم عقلانيا من غير توصيف حالتهم بفقدان العقل ليردهم من من ضلالة ووهم الاعتقاد المرضي الذي تعدي الحدود بتخطي الذات للاضرار بالاخر مما يستدعي العلاجي أي خطاب موسي العقل ترياق فرعون الجنون وابراهيم النبي العقل ترياق النمرود الجنون ، فالنص المقدس بمجمله هو ذاكرة موغلة في القدم لتاريخ المرض الترياق اي لتاريخ الكفر باصطلاحه اللغوي الذي يعني تغطية العقل(8).

***
بالقراءة الموضوعية للنص المقدس نجد انفسنا امام اربعة مستويات من الجنون ينماز بها السرد القرآني علي جهة التحديد:
المستوي الاول تتمحور تفريعاته حول مبدأ الضرورة وارتباطها بانتهاك التابو –المحرم- أوارتكاب المعصية/ الخطيئة وهو المبدأ الذي يجيز في اوقات ومواقف محددة تتمدد بسعة الفقه تخطي القيمي والمعياري الاجتماعي وهو جنون لجهة العقل اختيار للخير والضرورة اقتراف للشر لأن الضرورة تعني المسؤلية وبالتالي تنفي العقل لتصبح الضرورة عقلا في ذاتها" وهذا ما قصده الاغريق عندما قالوا:ان الضرورة أقوي من الألهة أنفسهم"(9)فالضرورة تخلص الفعل من تباعات الأثمية في عرف المقدس وبالذات حين تنتصب الضرورة قبالة الموت وهنا يأتي المستوي الثاني للجنون في المقدس اذ يستمد المقدس سطوته وهيمنته من سايكولوجية الموت باب للحياة الابدية فهذه الثيمة الاقوي لتنظيم الحياة الاجتماعية للناس واذعانهم للتراتبية الطبقية والقدر والاقتصاص الاخروي والقوانين. وهوالمبدأ الغير عاقل وفق أقيسة العقل التجريبي المعاصر الذي يتبني الحتمية البايولوجية للموت بوصفه الفناء الاخير. وتتعدد تفريعات ومشاهد الحياة من الموت أو من اللاكائن واللاعقل لتشمل الخطاب العقلاني للاله مع الارض والسماء واستنطاقهما ، وخروج ناقة صالح من الصخرة، وحديث الهدهد والنمل في المملكة السليمانية، أي البنية المثيِِِِِّة للمقدس.
والمستوي الثالث وهو الذي عرضنا له سابقا والمتمثل في جنون العظمة الذي يبدأ من عند ابليس مروراً بفرعون والنمرود وقارون.أما المستوي الرابع والأخير ينمذجه الحضور الكثيف لكائنات غير مرئية فاعلة في الوجود تشمل الملائكة والجن والمردة والشياطين والحور العين والولدان المخلدون وما لانعلم بحسب خطاب المقدس.

***

عوداً للمستوي الأول اي مبدأ الضرورة نجده ينهض علي تفرعتين الأولي ضرورة موضوعية والاخري ذاتية ،وغرض هذا المقال الاشتغال علي الضرورة الذاتية باعتبار أن الضرورة الموضوعية يتحررفيها العقل من تبعة الاثام وتعد جنونا مغفورا افترضه ظرف موضوعي يفاضل فيه بين خيار الحياة وخيارالموت، اذ يعد الجنون هنا "لعق الدم،أكل الميت،الكفر،وما أهل لغير الله" صورة من صور العقل الاخري تقتضي ممارسته منح الحياة للانسان.وفي المنطقة القصوي لحدود الموضوعي يقع مشهد ذبح النبي اسماعيل علي يد أبيه أبراهيم امتثالا للرؤيا، للجنون ليسجل ميلاد الفداء والقربان كمعلم اجتماعي من معالم المدنيات الدينية القديمة. أما مُمارسة الضرورة الذاتية وهي صور من صور الجنون اي عقلانية متطرفة تنشد مضاهات الالهي ، فهي تستوجب العقاب والطرد والنفي ومن عندها خرج ابليس عن المعياري والطاعة وهتك فيها أدم شرعته ووقع اسيراً لغواية الخلود والمعرفة اللامتناهية ومحاولة محاكاة الابدي،وهي تستدعي بتطرفها خبرة ومعرفة غير مسبوقة نمذجها قابيل في اكتشافه لطقس الدفن الذي اعلن به ميلاد مدنية ما قبل التاريخ، ومن ذات المبدأ كان ميلاد السحر والتقانة البابلية من عند فتنة هاروت وماروت الملاكين الطردين اللذين انشاء المدنية الثانية بعد خمول رعوي طويل راح فيه الانسان. لتنبثق الحضارة البابلية من العدم.ومن التنوعات علي ذات المبدأ كان التمدن والعمران الارمي بمدنه وصروحه ذات العماد والهندسة البنائية الثمودية وعجل السامري الفتنة المصنوعة من التأمل وخبرة النحت وبحسب "فوكو" "لا وجود لذهن كبير لا يمتذج معه الجنون"(10)،لتقترن المعرفة والتمدن بالخطيئة والجنون.كما انتهي بيكون الي ذات النتيجة اذ كتب:"تدلنا التجربة علي أن العلماء كانوا هراطقة والعصور التي انتشر فيها العلم تحولت للكفر"(11) وما الهرطقة والكفر الا صورا من صور تعدي المعياري المجتمعي، وبالتالي الانغماس في لب الجنون.
وفي الاجابة الصادمة التي قدمها "رسو"(1712-1778) لسؤال أكاديمية ديجون عن أصل عدم المساوأة بين الناس، يتوضح وبصورة حاسمة الجزر الجنوني لأصل العمران، يقول "رسو" في الجزء الثاني من كتابه "مقال في أصل عدم المساوأة بين البشر":"أول من سيج بستانا وفكر في أن يقول هذا ملكي، ووجد من الناس البسطاء السذج من يصدقه ،هو المؤسس الحقيقي للمجتمع المدني"أن مبدأ وضع اليد وبالتالي ممارسة القوة والتوحش والاستيثار سوى كان منشأه قوة الفكر او قوة الجسد، واذعان الأخر واستجابته لهذا المبدأ دون مسوق موضوعي لهكذا استجابة ،ينمذج وبمثالية متقدمة تطرف العقل وابتعاده عن حد السواء والمشاعية الاولي وجنحه نحو مبدأ القوة في تحقيق الملكية.أن حالة اللاسواء التي يمثلها التوحش من طرف والاذعان والاستجابة في الطرف الأخر والخاضعة فقط لمبدأ القوة يرشدنا من خلالها "رسو" لبوابة أخري للجنون أو لصورة من صور العقل في تطرفه نهض عليها التمدن والعمران الانساني.

***
تأسيسا علي السرد الآنف يمكننا أن ننتهي الي أن الجنون هو آخر حيل العقل للبقاء علي صورة من صوره من أجل أستدامة الحياة في انتظار امكان دائم للعودة للصورة الأولي المعيارية وفقا للاشتراط العلاجي المناسب لمقدار تطرف الحالة عن السواء المعياري ، ولذلك تتعدد مستويات العلاج ابتداَ من الفيزيائي وحتي الايهامي الذي يعمل علي تحقق تصوارات المريض مدرج له لحد السواء.
وحيل العقل في البقاء تبدأ من عند بطل باربوس رجل ثقب الحائط الي فرضيات "نيوتن" وقوانينه وابدعات "بتهوفن" الموسيقية و"فان جوخ" التصويرية ومسطورات "نيتشه" "وارنست همنجواي" ورعب "ادغار الان بو" القصصي ولوحات "غويا" ونظريات "جون فوربس ناش" الرياضية وسطوة ملك فرنسا "تشارلز السادس" وارادة "أبراهام لينكولن"ويمكننا ايضا أن نضيف لهم "ميشيل فوكو" فلقد انتهي به المطاف مريض بتأثير اختبار المثلية الجنسية والسادية والخضوعية، كل هولاء وغيرهم كثر ممن صنعوا حداثتنا المعاصرة، كانو فى عداد المرضي العقليين .فالعقل دوما ينزع الي تحقيق نزوات الذات متنقلا بين المتخيل والمجسد علي شريط نقاط الاتزان الذي يبدأ من التطرف الصفري الذي يتزاحم عنده جنون العته والبله والحمق لينتهي عند تطرف تمام الدائرة الذي تتزاحم عنده العبقرية وجنون العظمة والكشف والوجد الصوفي ، هذا الانتقال بين نقاط شريط الاتزان في دائرة العقل هو المسؤل وحده عن ميلاد الافكار والكشوفات في حقول المعرفة المتعددة، وبمعني اخر فالحضارة والمدنية الانسانية وعمرانها هي التمظهر المادي المحسوس لصور العقل علي خط الاختلال ومحاولة اعادة الاتزان ، اي هي مظهر من مظاهر الجنون الانساني.
***
ويبقي السؤال الاكثر الحاحا من أين تشتعل جذوة الجنون؟ ، اي من اين تنشأ دافعية الخلق لدي الانسان ؟ وبحسب منهجنا الذي يستمد فرضياته من عند المقدس نجد الاجابة في الميل الفطري والطبيعي للهث الانسان، ومحاولته تجسيد الالهي وفق منظومة العقل الرياضي، الذي يؤمن بالابعاد ولا يتقبل الا تخيل المطلق اللامتناهي وفق لاقيسة العقل المادية، الدائرة التي تورط فيها الانبياء:" وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ-;- لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ۚ-;- قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَٰ-;-كِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ-;- فَلَمَّا تَجَلَّىٰ-;- رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ-;- صَعِقًا ۚ-;- فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ"(الاعراف:143)، والناس ايضا:" وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ-;- قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ-;- أَصْنَامٍ لَّهُمْ ۚ-;- قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَٰ-;-هًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ۚ-;- قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ"(الاعراف:138) هذا هو المبدأ الاساس الذي دفع العقول في احيانا كثر لمحاكاة الالهة ومحاولة اكتشاف قوانين الطبيعة وتصميمها رياضيا وهندسيا وتجسيدها فنيا واستخدامها في الطبابة والسحر.وهو ذات المبدأ الذي نهض عليه علم التقسيم والتصنيف(Taxinomia) في محاولة موضوعية من العقل الانساني لاستعاب الكم الهائل-المطلق وتجسيده عقليا- من الظواهر الطبيعية والاحيائية والاوناسية.وهي محاكاة انتقلت لحقل الآدب والفنون لتخرج في الناس المدارس والاطر المعرفية والفنية نحو المدرسة الكلاسيكية والرومانسية والرمزية والبنيوية والحداثة...الخ.

***

مستأنسين بالمستوي الثاني للجنون في المقدس نجده حين يتنبأ بالنهاية القصوي للانسان ينتهي به للجنون، فالجنة اصطلاح مكاني وووصفي للجنون اذ هي حالة اللاتكليف وفقا للمعاير الفقهية واللامسؤلية وفقا للمعاير الوضعية وفيها يتحقق الاشباع المطلق بمؤانسة الاله ورؤيته(12)،وهو ذات التوصيف النفسي والعلمي ايضا للجنون الذي يمثل الدمار المطلق للذات حين يتحدث عن الجحيم فالمقدس هو تاريخ الجنون الكوني بامتياز وهو يمثل سيرة العاقلة واستقرارها في الجنون الابدي ،الصورة القصوي للعقل الفاعل في مستوي الوهم المطلق وتجسيده.

***
ما اجترحناه آنفا لم يقف في حدود تقديم تفسير مقابل للفرويدية في منشأ التمدن والعمران فحسب، بل تعداه الي مسببب الدافعية للجنون، او الانفطار الطبيعيي المجبولة عليه النفس الانسانية في ميلها لتجسيد الاله. في الوقت الذي راحت تحدثنا فيه الفرويدية عن الجنس المصعد،وهو المبدأ الذي سايره "فوكو" بالرغم من اقترابه بخطوة لتخطي اللبيدوالفرويدي ، ولكنه لن يجرو علي التحرر من ورطة الذاتية التي استسلمت للغواية الجنسانية. ويري "ثيودر رايك " أن :"ليس ثمة جنس مصعد ولا من اجراء في العالم يمكنه أن يقلب التهيج الجنسي طاقة ابداعية ثقافية ويحوله الي مساع سامية، ورغبات الجسد الجنسية لايمكن لها أن تنقلب حكمة وفنون وقيادة"(13).
أن" المستقبل الوهم"، للجنس البشري لا يصنعه البتة العصاب الفرويدي ذو المنشأ الجنسي ،انما يجترح هناك من عند الرغبة في تجسيد الآله، فقط من عند الجنون في تاريخه المقدس.










1-ميشيل فوكو،تاريخ الجنون المعاصر الكلاسيكي،المركز الثقافي العربي،ط1،ص53
2-المصدر السابق ص51
3-تناول في سفره الاستهداء بالطبابة العربية في اوربا في معالجة بعض الامراض التناسلية.
4-المصدر السابق ص56
5- أنظرالمصدر السابق ص510/511
6-المصدر السابق 198
7- المصدر السابق ص523
8-معنى كفر في معجم المعاني الجامع
كَفَرَ الشَّيْءَ : سَتَرَهُ ، غَطَّاهُ كَفَرَ عَلَيْهِ
كَفَرَ اللَّيْلُ الْحُقُولَ : غَطَّاهَا بِظُلْمَتِهِ وَسَوَادِهِ
كَفَرَ الْجَهْلُ عَلَى عِلْمِهِ : غَطَّاهُ
كَفَرَ الرَّجُلُ : لم يؤمن بالوحدانيّة ، أَو النبوَّة ، أَو الشريعة ، أَو بثلاثتها
9-لويس عوض،بروميثيوس في الادبين الانجليزي والفرنسي،ص25
10-ميشل فوكو، تاريخ الجنون المعاصر الكلاسيكي،ص56
11--مصدر سابق، لويس عوض،المجلس الاعلي للثقافة 2001،ص86
12- قال الإمام ابن كثير: { إلى ربها ناظرة } أي: تراه عيانا، كما رواه البخاري، رحمه الله، في صحيحه: "إنكم سترون ربكم عيانا".
13-أنظر كتاب ثيودر رايك، علم نفس العلاقات الجنسية



#ميرغنى_ابشر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عودة المسيح
- التأريخ المنسى للحريم أو انتقام -الاله الام-
- أنتيجونى حِيرة الإنسانيات ! توليفات فرويد وهيغل نموذج
- دعاء اخر الاولياء
- بريخت محتالاًَََََََِِ!!.. الجزر الدينى لديالكتيك -التغريب-*
- أبان يولد من جديد
- حواشي نقدية على مهرجان البقع الأرجوانية
- أبان يولد من جديد
- حواشي نقدية على مهرجان البقع الأرجوانية
- مؤانسة على النقد المسرحي .. السيماتوراغيا*
- سفرجلة الأشياء
- ألانتظار
- الأسطورة و النبؤة فى سنِّار .. قراءة تبعيْضيِّة لعَصْرِ البُ ...
- رِدَّة الربيع: قصة أشواق (حنظله) للفراديس
- مسرحة (رؤيا فوكاى) أوتشظى الذات قراءة نقدية فى مسرحية ((وطن ...
- التحالف السري الجديد النظام العالمى فى مواجهة النظام العالمى ...


المزيد.....




- فرنسا: الجمعية الوطنية تصادق على قانون يمنع التمييز على أساس ...
- مقتل 45 شخصا على الأقل في سقوط حافلة من على جسر في جنوب إفري ...
- جنرال أمريكي يوضح سبب عدم تزويد إسرائيل بكل الأسلحة التي طلب ...
- شاهد: إفطار مجاني للصائمين في طهران خلال شهر رمضان
- لافروف عن سيناريو -بوليتيكو- لعزل روسيا.. -ليحلموا.. ليس في ...
- روسيا تصنع غواصات نووية من جيل جديد
- الدفاع الأمريكية تكشف عن محادثات أولية بشأن تمويل -قوة لحفظ ...
- الجزائر تعلن إجلاء 45 طفلا فلسطينيا و6 جزائريين جرحى عبر مطا ...
- لافروف: الغرب يحاول إقناعنا بعدم ضلوع أوكرانيا في هجوم -كروك ...
- Vivo تكشف عن أحد أفضل الهواتف القابلة للطي (فيديو)


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميرغنى ابشر - الجنون في تاريخه المقدس -اطروحة في منشأ التمدن والعمران-