|
تونس التي تستيقظ .
فريد العليبي
الحوار المتمدن-العدد: 6142 - 2019 / 2 / 11 - 18:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
شهدت الرقاب مبكرا غزوا المال الديني ، وحلت بها وشقيقتها المكناسي سنة 2011 قافلة بطول حوالي عشر كيلومترات ، بلحي وجلابيب ، ومواد غذائية ، وهبات مالية . واشتبك معها الأهالي رافضين تلك " الهدايا " ، قائلين : لقد ثرنا ضد الجوع والحرمان ولكننا لسنا متسولين !! وبعد قطع الاسلام السياسي خطوة نحو التمكين ، مع حكم الترويكا ، نزع علم الدولة من على نصب الشهداء فيها ، وأستبدل بالراية السوداء ، وظلت هناك ما يزيد عن النصف شهر، وفي تلك الأثناء تم تركيز تلك "المدرسة القرآنية " موضوع الجدل هذه الأيام في تونس . وبدا كما لو أن الأمر يتعلق بمعاقبة الجهات التي انطلقت منها الانتفاضة التونسية ، فقد عانت سيدي بوزيد و القصرين بشكل خاص من انغراس الارهاب التكفيري فيهما ، واليوم هناك جراح غائرة تتطلب وقتا لكى يشفي الضحايا من آلامها ، ومن بين هؤلاء أطفال تلك المدرسة ، وما تعرضوا اليه من معاناة قاسية . إن التكفير مصنع أولا وثكنة ثانيا ، فالمصنع ينتج البضاعة بعد قولبة مادتها ، والثكنة تستقبلها وتستهلكها وقودا في معاركها ، ومدرسة الرقاب كانت مصنعا ، وقد صدرت بضاعتها الى الثكنة السورية ، وربما الى غيرها . وفي ردود الفعل عما حصل تكلم ايديولوجيا شيخ كفر سابقا من يعارض حكم الاسلام السياسي ، وقد ارتدى ربطة عنق وبذلة افرنجية ، وشذب لحيته حتى كادت تختفي هذه المرة ، وكان في زيارة باريسية ، ليقول كان على تلك المدرسة احترام النظم الادارية ، ونحن في دولة مدنية ، وحفظ القرآن فرض كفاية لا فرض عين ، ومن يحفظه دون فهم شبيه بالحمار حمال الأسفار ، وأنه آن الأوان لإنهاء المزايدة بحفظ القرآن ، وتونس اسلامية منذ وقت طويل ، وفيها الرابطة الوطنية للقرآن بفروعها الستمائة ، فضلا عن ألف وستمائة من الكتاتيب ، المنتشرة في طولها وعرضها . وسياسيا ، قال برلماني اسلامي إن ما حدث يمس أمن أولادنا وبلادنا . بينما اختفى آخرون ينتمون لنفس كتلته ، فقد خيروا عدم حضور الجلسة البرلمانية ، المخصصة لمناقشة أمر تلك المدرسة ، صونا لألسنتهم من زلاتها . والواضح أن الاسلام السياسي والإيديولوجي في حرج شديد ، ليس أمام الداخل فقط وإنما أمام الخارج أيضا ، لذلك نأى جزء منه بنفسه عن تلك المدرسة ، بينما اختفي الجزء الآخر، مدركا أن العاصفة التى تهب عليه الآن تتطلب انحناءة مؤقتة . هل يتعلق الأمر بدولة قادمة تتحرك في أحشاء الدولة القائمة ، بتنشئة تابعين خاضعين ينفذون الأوامر ويرددون مواعظ وفتاوى شيوخها ، مستغلة الأزمة في اتجاه السيطرة الشاملة ؟ إذ لا تخفى اليوم ازدواجية أجهزة الدولة ، حتى أن قرارات غلق تلك المدرسة بقيت دون تنفيذ ، فقد كانت هناك حماية من طرف ما ، وهو المتواري عن الأنظار حتى الآن ، وربما كان معلوما ، ولكن الظرف غير موات لمساءلته . .في تونس اليوم هناك متناقضات ، معرفة وجهل ، يقظة وتهويم ، تفكير وتكفير ، تنوير واظلام ، تحرر واستعمار ، عدل واستغلال ، وتعبر فاجعة الرقاب عن الجانب المظلم في لوحة التناقضات تلك حيث توحش البشرية الذي يجعل أطفالا يدفعون الثمن من براءتهم ، كاشفا عن الحياة الانسانية التي تتحول الى قبح ومسخ ، في استثمار بشع للدين والمال والسياسة ، وفي علاقة بذلك ترتسم ملامح الكارثة التونسية القادمة ، على وجوه الأطفال الضحايا ، فهم يختصرون ما سيكون الحال غدا ، إذا ما أسدل الظلام ستائره على البلد . وبرغم بشاعة الفاجعة ، هناك جانب مضيء في تلك اللوحة تمثله تونس التي تستيقظ ، متسائلة بخصوص ما حصل ، مفكرة ، متدبرة ، ملتفة يمنة ويسرة ، متطلعة الى المستقبل . ما جرى في الرقاب ليس حادثة منعزلة ، إنه جزء من ظاهرة ، لا ينبغي التسلي بروايتها و الاكتفاء بإدانتها والتشهير بفظاعتها ، وإنما البحث عميقا في مضامينها ودلالتها ، والإشارة والتنبيه الى مخاطرها ومن ثمة مقاومتها ، وهذا ما ينبغي أن تتضافر من أجله جهود حقوقيين وساسة ونقابيين و علماء نفس واجتماع ومثقفين ، بل جهود الشعب بأكمله ، بما يعنيه ذلك من ضرورة المرور من سرد حكايات الفظاعة الى مقاومتها ، حتى لا تتحول الى مشاهد روتينية تجلب التسلية المشهدية في قنوات التلفزيون ، فقد كانت الفظاعة موجودة دوما ، غير أنه كان هناك من يقاومها ، ومن يكتفي برواية حكاياتها .
#فريد_العليبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تونس : حزب الرئيس القادم .
-
السياسة ... خساسة !
-
صراع على صالح بن يوسف في تونس
-
الاضراب والحرب الأهلية والانقلاب.
-
ماذا حدث يوم 14 جانفي2011 في تونس ؟
-
عرب عارية
-
الانقلاب التونسي
-
تونس المتسولة !
-
الاحتجاج بالموت حرقا.
-
خطاب منتحر .
-
تونس : رئيس تحت التهديد.
-
راعية المواشي ،المجازة في الانكليزية ،مفجرة جسدها !
-
خاشقجي وثروة السعودية.
-
أسئلة خاشقجي وأجوبة أمريكا المعلقة .
-
عودة كارل ماركس .
-
مملكة الأغبياء .
-
مارسال خليفة وجوائز المستعمرين .
-
الشعبوية
-
تونس : لقاء الشاهد والطبوبي وخطة الإغتيال .
-
موريس أودان : الدم يفور في العروق .
المزيد.....
-
سقطت من طائرة!.. كتلة جليدية ضخمة تخترق منزلًا على بعد أقدام
...
-
وزارة الصحة في غزة: ارتفاع حصيلة القتلى في القطاع واستمرار ا
...
-
-ترمي لهدم النظم الأساسية في البلاد-.. أمن الدولة الكويتي يق
...
-
الحوثيون يعلنون تنفيذ 3 عمليات ضد مدمرة أمريكية وسفينتين في
...
-
نهاية مأساوية لشاب قتل والدته بطريقة وحشية في محافظة المنيا
...
-
وفاة 14 حاجا أردنيا أثناء أداء مناسك الحج بسبب الحر الشديد و
...
-
إعلان مؤتمر سويسرا: 80 دولة تتفق على وحدة أراضي أوكرانيا كأس
...
-
حزن تجاوز المدى.. غزة تستقبل العيد بأسى وفقد في كل بيت وصلاة
...
-
كعك العيد على نار الحرب في غزة: نساء نازحات في دير البلح يبد
...
-
السلطة والسياسة
المزيد.....
-
الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت
...
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
هواجس ثقافية 188
/ آرام كربيت
-
قبو الثلاثين
/ السماح عبد الله
-
والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور
/ وليد الخشاب
-
ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
المزيد.....
|