أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري يوسف - [68]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب حول تجربتها الأدبيّة والنّقديّة والتّرجمة والتَّشكيل الفنّي















المزيد.....

[68]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب حول تجربتها الأدبيّة والنّقديّة والتّرجمة والتَّشكيل الفنّي


صبري يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 6125 - 2019 / 1 / 25 - 02:15
المحور: الادب والفن
    


صبري يوسف

68. عندك تجلِّيات عرفانيّة في عالم التَّصوّف والعرفان، ما رأيك بتصوُّف ابن عربي والحلّاج؟!

د. أسماء غريب

هذا سؤال بحجم الوجع الَّذي يحمله كلّ "عارف" حقٍّ بداخله، بل سؤال يحتاج للجواب عنه إلى أسئلة أخرى طُرحت قبلي وظلّتْ لليوم بدون جواب.
لماذا يُعاني العرفاء؟ لماذا صُلب الحلّاج بذلك الشّكل المُفجع والشّنيع، وقُطّعت رأسه وأطرافه وأُحْرقَ جثمانه ونُثر رماده في نهر دجلة؟ ولماذا سُمِّمَ آخرون من قبله وبعده، ولماذا يُمزّقُونَ لليوم كلّ ممزّقٍ ويُشَتّتُون في كلّ الأرض والبلاد: هل لأنّ السرَّ يظهرُ عليهم، أو لأنّهم باحوا بهِ كما فعلَ الحلّاج من قبلهم؟

لا أعتقدُ أنّ هذا هو السّبب الحقيقيّ، لأنّه لا يوجدُ فعلاً أيُّ سرٍّ يمكنُ البوحُ به أو التَّكتّم عليه. واللهُ شمسٌ ساطعة ظاهرة بادية لكلّ العيان شاء من شاء وأبى من أبى، وما هو بسرٍّ حتَّى يستحقَّ من يعشقُه أو يعتنقُه، أو يذوبُ فيه كلَّ هذا العذاب أو العناء والشّقاء.
مأساة الحلّاج أنّه جاء في زمن الفتن والقلاقل، وسَيَّسَ طريقتَه الصّوفيّة، وكلّ ما يُسَيَّسُ يكونُ مصيرهُ الهلاك، ويفرُغُ في الختامِ من محتواه. وقد يُسيَّسُ كلّ شيءٍ في الحياة، لكنّ قلبَ العارفِ الحقِّ لا يقبلُ أبداً أنْ يُسيَّسَ اسمُ الله وحضوره فيه. وهذه الحقيقة ستقودني إلى أسئلةٍ أخرى: لماذا لمْ يتَّعظْ بعدُ العديدُ من العرفاء؟ لماذا مازالَ بعضُهُم يُشْرِكُ بالله؟ لماذا الحُلم بالمشيْخَة والكرسيّ والأتباع والمريدين في كلّ قطر منْ أقطار العالم؟ أوَلمْ يعرفِ العارفُ بعدُ أنَّ الشّيخَ لا يقتلُه إلّا مريدوه؟ وأنّه لا يظهر الخائنُ إلَّا في الأتباع والمحبّين؟ وهل مازال لليوم من العرفاء من يحلمُ بتغيير الكون؟!
الكونُ الإلهيّ بمفهومه العلميّ والفيزيائيّ أيّها السّادة صالحٌ وكامل كما هُو، وكما أراد لهُ خالقُه أن يكون وليسَ في حاجة إلى من يُصلحُه، إنّما الكونُ الَّذي في حاجة إلى الإصلاح الحقيقيّ هو الكونُ الدّاخليّ لكلّ إنسان، وهذا الكونُ لا يحتاج لا إلى شيوخ، ولا إلى أتباع ومريدين، ولا إلى أيّ شيء آخر من هذا القبيل، وإن مازالَ في كثير من الأحيان العديدُ من عرفاء اليوم يجنحونَ إلى تغيير مفهوم المَشْيَخَة القديم وتعويضه بمسمّيات أخرى غالباً ما تتخذُ من الشِّعر والأدبِ غطاءً، فيفسدُ بذلك الاثنان: شعرهُم وكذا تصوّفُهم، لأنّه بدلَ أن يكونَ هدفهُم الرّقيّ بالذَّائقة الأدبيَّة، والوجدانيّة لدى المتلقّي، يصبحُ هدفهم الرّئيس، جذبُ المتلقِّي إليهم ليكونَ من أتباعهم بطريقة أو بأخرى. إنّه شيء يشبه لعبةَ السِّياسيّ مع أصوات المواطنين في فترة الانتخابات.

الكونُ الدّاخليّ للإنسان بحاجة اليوم وأكثر من أيّ وقتٍ مضى، إلى الاهتمام بالإنسانِ نفسه، وبمتطلّبات حياته اليوميّة: كرامتُه، صحّتهُ، سلامتُهُ، أمنُهُ، ثمّ حقّهُ في التّعليم، وفي السّكن وفي السّفر طلباً للعلم، أو للمتعة الرُّوحيّة، إلى غير ذلك من الحقوق الَّتي لا تعدُّ ولا تُحصى. باختصار شديدٍ؛ الكونُ الدّاخليّ للإنسان بحاجة إلى المحبّة والعشق والحبّ، حتّى يتحررَ من أوزاره، وأثقاله، وهمومه، ويصعدَ بطِينه إلى شجرة النّار والنّور.

مرحلةُ الحلّاج والحلّاجيين كان لا بدّ منها، وقد تعلّم منها العديدُ منَ العرفاء درسَ العشق الأهمّ: لا تُثِرْ حسدَ النَّاسِ وغلّهم وحقدَهم. لأنّ النَّاسَ عبر كلّ هذه العصور، ما حاربوا وليّاً، ولا نبيّاً إلَّا بدافع من الحقد والحسد والغلّ، وهُم في هذا معذورون. لأنّ مَنْ يطّلعُ على نفسيّة الحاقد والحاسد، سيرى الكثيرَ من الحنق والغضب والألم، لا لشيء سوى لأنّه يرى نفسَه مُهمّشاً ومعزولاً عن النّور.

لا أحدَ يغارُ منَ الله، إنمّا يغارُ الإنسانُ من أخيه الإنسان ويحقدُ عليهِ إذا ما سمعَه يقولُ إنّهُ هو الله، وهو بهذا يشبهُ في ألمهِ ألمَ إبليس؛ لأنّ إبليس كانّ أوّل من عرفَ أنّ اللهَ كمُنَ وسكنَ في آدم وذرِّيّته!
علينا أنْ نتعلّم إذن مِنْ محَن العرفاء القدماء، علينا أن ننتبهَ جيّداً لمَنْ حولنا، وأن نستوعبَ أنّنا لسنا أفضل من أحد، ولا أقلّ من أحد، وكلّ إنسانٍ يمكنه أن يصبح إنساناً صالحاً، ولا داعيَ لإقصاء أحدٍ مهما كان عمره، ولونه وجنسه ومعتقده.
كلّ عارف يُفصحُ عن عرفانه وتصوّفه، يُقصي الآخرَ بشكل آليٍّ، وكأنّهُ يقولُ بشكل غير مباشر؛ إنّني أفضل من غيري، وهذا ليس بالشّيء الجيّد أبداً. نعم، ليس بالشّيء الجيّد أن ترى نفسكَ أفضلَ من غيرك، وتنعتَ الآخرين بالجهل وبالاحتجاب عن الحرف. لأنّ اللهَ كما خلقكَ وركّبكَ في أحسن صورةٍ ظاهرة وباطنة، خلقَ غيركَ على نفس الصّفة والشّكل، وما الفرق إلّا في الهمّة، والجهد المبذول في الطّريق إلى الخالق.

علينا اليوم أن نقرّ جميعاً بأحقّية النّاس كلّهم في خالقهم، لقد تجاوزْنا زمن الأنبياء والأولياء والقدِّيسين، وأصبح اليوم من حقّ أيّ إنسان أن يرقى ويسمو، لأنّه خُلِقَ لهذا الشّأن، وبدل أن ينشغلَ بالمريدين والأتباع، عليه أن ينشغلَ بنفسه ليعرفَها، حتّى يستطيعَ أن يعرفَ بعد ذلك خالقَه، وهذا أمر يتطلّب كلّ العمر وما بعدُه أيضاً، لأنّ الرّحلة لا تنتهي أبداً، ولا حتّى بعد الموت.

ثمّة دائماً شيءٌ جديد تكتشفه في مدينة الجسد: عقلكَ، قلبُك، نفسكَ، بل كلّ خليّة وذرّة فيكَ: هذا هو كتابكَ أيُّها الإنسانُ الَّذي يجبُ أن تنهل من خزائنه. وبهذا اختلفَ ابن عربي عن الحلّاج، لقد دخل هذا العارفُ الأندلسيّ مدينة جسده، ولمْ يخرج منها إلّا وقد أحاط ببعضٍ من كنوزها، فكتبَها وتركها إرثاً ينتفع بهِ غيره، وقد ساعده في هذا طبعاً أنّه أفاد من خبرة من سبقوه بمن فيهم الحلّاج، ومن تجاربهم، ودروسِ حيواتهم، وهذه هي سنّة تطوُّر الحياة والفكر عبر الأجيال.

والرّحلة لم تنتهِ بعدُ، ومازالت مدينة الجسد حبلى بالعديد من الخزائن، ومازال اللهُ ينادي خلقَه ليأتوا للقائه فيها، ولقراءة وسماع ما تحويهِ من كتب بصريّة ومسموعة، بل للسّفر بين مفاوزها، وجبالها وبحارها، وسماواتها، لأنّ الجسدَ هو ملكوت الله، والقلبُ فيه هو عرشُه، والعقل والرُّوح والنّفس من جنوده، فاخترْ أيّها الإنسانُ أيّ جنديٍّ تريدهُ أن يكونَ رفيقك في رحلة الحياة، واعلم أنّكَ أنتَ أيضاً، يمكنكَ أن تكون ملاكاً، قدِّيساً، وليّاً أو نبيّاً، إذا شئت ذلك واستوعبت أنَّ كلّ ما حكاه الله في كتبه السّماويّة عن أنبيائه وأحبّته السَّابقين، إنّما جاء لتحتذي بهم، وتتعلّم منهم لتكون مثلهم، أو أفضل منهم. اشحذ همّتكَ إذن، وتوكّل على الحيّ الّذي لا يموت، ولا تنسَ أنّ طريق الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة.



#صبري_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- [67]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب ...
- [66]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب ...
- [65]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب ...
- [64]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب ...
- [63]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب ...
- [62]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب ...
- [61]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب ...
- [60]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب ...
- [59]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب ...
- [58]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب ...
- [57]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب ...
- [56]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب ...
- [55]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب ...
- [54]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب ...
- [53]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب ...
- [52]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب ...
- [51]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب ...
- الجزء الثاني: كلمة صبري يوسف، رحلة المئة سؤال وجواب رحلة فسي ...
- مقدّمة الأديب والتَّشكيليّ صبري يوسف والخاصّة بالكتاب النّقد ...
- مقدّمة الأديب والتَّشكيلي صبري يوسف والخاصّة بديوان (99 قصيد ...


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري يوسف - [68]. رحلة المئة سؤال وجواب، حوار صبري يوسف مع د. أسماء غريب حول تجربتها الأدبيّة والنّقديّة والتّرجمة والتَّشكيل الفنّي