محمد سيد رصاص
الحوار المتمدن-العدد: 1525 - 2006 / 4 / 19 - 11:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
سادت أربعة تيارات فكرية - سياسية الحياة العربية في القرن العشرين : الإسلامي ، القومي ، الليبرالي ، و الماركسي .
لم يصل الماركسيون و الإسلاميون إلى الحكم إلا في بلد واحد لكل منهما : الماركسيون ) اليمن الجنوبي بين عامي 1969 - 1990 (، فيما مارسوا نفوذاً ملحوظاً في فترة حكم عبد الكريم قاسم ، و خاصة بين صيفي عامي 1958 - 1959 ؛ الإسلاميون )السودان : 1989 - 1999)
فيما وصل الليبراليون إلى السلطة في مصر من خلال حزبي الوفد والأحرار الدستوريون ) و سادوا لفترة الثلاثة عقود الفاصلة عن شهر تموز 1952 ، و في سوريا من خلال )الكتلة الوطنية ,(الحزب الوطني ,حزب الشعب ) ، بينما سادوا الحياة السياسية السودانية لثلاثة فترات (( 1956 - 1958 ، 1964 - 1969 ، 1985 - 1989 ) من خلال حزبي الأمة ) و ( الوطني الاتحادي { تحول اسم الأخير ، في عام 1967 ، إلى الاتحادي الديمقراطي {ثم وصل القوميون إلى السلطة في مصر ( 1952 ) و العراق (1963-1968 و سوريا ( 1963
لم يكن نفوذ القوميين الفكري و الثقافي موازياً لنفوذهم السياسي و التنظيمي و استلامهم السلطة في بلدان عربية رئيسية ، فيما توازنت الناحيتين عند الليبراليين و الإسلاميين ، و تفوق النفوذ الفكري و الثقافي عند الماركسيين على وزنهم السياسي - التنظيمي .
كان استلام القوميين للسلطة تعبيراً عن فشل الليبراليين في حرب 1948 و في حل المسألة الزراعية ، و في إنجاز مهام التحديث ، و عن انزياح الحكم من طبقات قديمة لصالح فئات جديدة ، فيما أتى صعود التيار الإسلامي بعد حرب حزيران ، و بالذات منذ السبعينيات ، على خلفية فشل التيار القومي في موضوع فلسطين ، و على خلفية تضرر الفئات المدينية الوسطى في سوريا من التمفصلات الاقتصادية - السياسية الجديدة ، و تضرر الفئات الوسطى المدينية ، و تلك النازحة من الريف إلى أطراف المدن في مصر ، الجزائر ، تونس , من الوضع القائم و بحثها عن وضع جديد , و لو أنها لم تستطع ترجمة مجابهاتها مع الأنظمة القائمة في البلدان المذكورة إلى حقائق جديدة على صعيد السلطة السياسية .
كان ذلك ، أيضاً ، تعبيراً عن فشل التحديث الذي قادته أنظمة الخمسينيات و الستينيات ، مادام أنه أدى إلى مجابهة الفئات الحاكمة لفئات اجتماعية تمثل شرائح واسعة من المجتمع ، هي الأكثر تعليماً ، و الأكثر احتكاكاً بالعلم و التقنية ، و الأكثر ديناميكية في العملية الاقتصادية ، بعد أن رأت هذه الفئات بأن ما يجري في أعلى السلطة السياسية لا يعبر عن القوة الاقتصادية في المجتمع ، إضافة إلى إحساسها بأن من هو في السلطة يريد تجيير الأخيرة لإنشاء خريطة اقتصادية - طبقية جديدة تعبر عن مصالح من هو قابض على السلطة السياسية و الفئات الاجتماعية التي هي وراءه .
دخل التيار الإسلامي ، في مصر و تونس و الجزائر ، في مجابهات مع الأنظمة الموالية للغرب بعد انفكاك تحالفه مع الولايات المتحدة عقب سقوط السوفييت ، ثم أُدخل ، عبر (( 11 أيلول ) و ابن لادن )في مجابهة مباشرة ، بهذا الشكل أو ذاك ، مع واشنطن : يلاحظ ، عبر هذين المستويين للمجابهة ، أن الإسلاميون قد فقدوا ديناميكيتهم الهجومية التي كانت في فترة صعودهم بالسبعينيات و الثمانينيات ، و أن خصومهم قد وضعوهم في موقع دفاعي ، فكرياً و سياسياً ، فيما لم يستطيع الإسلاميون أن يحولوا قوتهم التنظيمية و السياسية بالمجتمع إلى وقائع جديدة على صعيد السلطة السياسية ( /الجزائر مثلاً/ .
دخل الإسلاميون ، بالنصف الثاني من العقد الأخير من القرن العشرين ، في حالة تراجع على الصعيدين التنظيمي والسياسي ، و لو أنهم مازالوا محتفظين بالتفوق على صعيد النفوذ ضمن الساحة الثقافية بالمجتمع ، و قد انضافوا بذلك إلى التيارين القومي /الذي لم يستطع أن يعوض فشله السياسي عبر الثقافة أو أن يقدم مراجعه توازي مسؤولياته عن ما جرى في البلدان العربية التي حكمها و على صعيد ما سببه للعرب من هزائم و تراجعات و اخفاقات / و الماركسي ، الذي لم يستطع أن يقف على رجليه بعد سقوط موسكو و لو أنه يحاول الدخول في مراجعات لم تأخذ حتى الآن منحى الجدية و الإنتاجية الفكرية ، فيما يبقى التيار الليبرالي هو الوحيد الذي يشهد الآن صعوداً ، منذ عام 1989 ، بعد أن رفده الكثير من ماركسيي موسكو السابقين ، و بعض القوميين ، إضافة إلى ما يجده من قاعدة اجتماعية بين الفئات الصناعية ، و التجارية ، و رجال الأعمال ، ومن هو على احتكاك إنتاجي بالتقنية و الأتمتة ، و لو أن ذلك لم يتبلور بعد في تيار واضح المعالم فكرياً و سياسياً .
لم يؤد ذلك ، بعد ، إلى تمفصلات واضحة على صعيد اليمين و اليسار : فعلى صعيد الموقف من الولايات المتحدة و هيمنتها و صولاً إلى احتلالها للعراق ، و كذلك على صعيد فلسطين و التسوية ، نجد الإسلاميين و القوميين و المحتفظين بماركسيتهم على يسار الليبراليين و الماركسيين المتحولين لليبرالية الذين يميلون إلى موقف " معتدل " و غير صدامي مع الولايات المتحدة /مع ميل إلى قبول " التسوية " في موضوع الصراع العربي- الاسرائيلي / بينما نجد الإسلاميين في افتراق معها ) الجزائر ، مصر ، تونس ( و صدام و مجابهة ، فيما يُغَلِّب الليبراليون مسألة الموقف من " الظلاميين " و يُسَبِّقوها على ذلك ) تشكل سوريا ، بسبب اللوحة السياسية التي كانت قائمة في عام 1980 و مستتبعاتها ، حالة مختلفة عن تلك البلدان ( ، ويشاركهم في ذلك قسم واسع من اليسار القومي و الماركسي ) مصر ، الجزائر ، تونس (
فيما نجد على صعيد مواضيع اجتماعية و حداثية و تشريعية ) المرأة ، الرقابة ، الفن ، قانون الأحوال الشخصية ( أن الجميع على يسار الإسلاميين ، بينما على صعيد الاقتصاد يبقى الليبراليون و الإسلاميون في جبهة واحدة تجاه )اقتصاد السوق ( ، مع بعض الماركسيين المتابعين لتقاليد كارل ماركس تجاه المرحلة الرأسمالية و استكمال مستتبعاتها ، فيما يقف في الجهة الأخرى كثير من الماركسيين و بقايا الاتجاه القومي ، وصولاً إلى موضوع ) الديمقراطية (عندما يقف الإسلاميون في الجزائر و مصر و تونس ) بخلاف سوريا ( و حيدين في موضوع جعلها مفتوحة للجميع ، بينما يقف الآخرون في موقع اسئصالي أو في موقع من يريد ديمقراطية محدودة من دون " الظلاميين " .
كانت مواضيع )السلطات القائمة ( و(القطب الواحد ( محددات رئيسية لاصطفافات التيارات السياسية العربية بعد عام 1989 ، فيما كان موضوعا ) الوحدة العربية ( و ) فلسطين (أساسيان بالفترة السابقة في عملية تشكيل الاصطفافات ، و قد اتخذ الموضوع الأول أشكالاً مباشرة ، مثل انقسام العلمانيين و الإسلاميين تجاه الموقف من انقلاب عسكر الجزائر في عام 1992 ، و أشكالاً غير مباشرة مثل الموقف من ) الأصوليين) أو "الظلاميين " ، مما أخفى أو قاد إلى اصطفاف للمعادين للإسلاميين مع السلطات القائمة ، فيما أخذ الموضوع الثاني أشكالاً غير مباشرة ، مثل إنشاء ثنائية )الاستبداد - الاستعمار (و تفضيل الثاني على الأول ، أو شكل " تشريع " الاستعانة بالخارج من أجل التغيير الداخلي تحت " ذريعة " أن " الديكتاتور قد قضى " على العوامل الداخلية للتغيير ، ومن المحتمل أن تكون اصطفافات الموضوع الثاني مؤشراً إلى اصطفافات موضوع )التسوية (القادم .
لم تتجاوز السياسة العربية ، حتى الآن ، منطق الخنادق ، أو الأبيض و الأسود ، في اصطفافاتها ، و لم تصل بعد إلى (اللون البني ( و هو ما يميز السياسة الحديثة ) ، إضافة إلى أن منطق الشعارات غالب على خطابها السياسي ، و كذلك الألوان ، و التقسيمات الثنائية المتضادة ) رجعي - تقدمي ، العولمة - الاستقلال ، تقليدي - حديث ، ظلامي - تنويري ، استبداد - استعمار (، فيما لم تصل السياسة العربية ، بعد ، إلى الحكم على السياسي و برنامجه من خلال الممارسة و النتائج المتولدة عنها ، و إلى أيضاً الحكم على هذا البرنامج من خلال حامليه الاجتماعيين و مدى تقاطعات المصالح ، أو اختلافها ، في لحظة سياسية محددة ، أو مرحلة بكاملها ، مع هذا البرنامج و حامليه ، مما يجعل )المصلحة ( ، ومن خلال علاقتها بالمبادئ و الاتجاهات و الميول الأيديولوجية ، عنصراً أساسياً في العمل السياسي ,كما نجده في الحضارة الغربية الحديثة.
#محمد_سيد_رصاص (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟