أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - جريمة في ستراسبورغ - 9 - النهاية















المزيد.....

جريمة في ستراسبورغ - 9 - النهاية


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 6117 - 2019 / 1 / 17 - 23:33
المحور: الادب والفن
    


جريمة في ستراسبورغ - 9 – الحلقة الأخيرة
***

لن أُتعب رؤوسكم المرهقة سلفاً بتفاصيل الدعوى الجنائية التي نفذتها أزيتا برعاية إثنين من المحامين المخضرمين ضدي، أحدهما فرنسي الجنسية من أصول إيرانية والآخر ألماني، ولا بسيرورة دفاعي عن التهمة التي كادت تكلفني مستقبلي الجامعي بإشراف محاميتي الألمانية الراقية ومساندة صديقتي هايدرون وشهادتها التاريخية بأنني كنت معها خارج البيت حين وقع الاعتداء على زوجتي الهبلاء أزيتا وبأنها ربما كانت تحت تأثير الحشيش الذي شرعت بتعاطيه مع عشيقها المغربي.

لن أخبركم كم كلفتني تلك الدعوى من نقود وحزن ومزاج سيء وضياع للوقت ولن أخوض هنا قطعاً في الحديث عن محاولات عائلة بختيار النيل من كرامتي والإضرار بي والثأر لابنتهم، خاصة بعد أن قويت شوكتهم بوصول أهم رجل في عائلتهم شابور بختيار إلى باريس، الرجل الذي شغل منصب رئيس وزراء إيران تحت حكم الشاه المخلوع محمد رضا بهلوي.

لن أحكي لكم حرفياً كل ما فعلته أزيتا بي وإلا سأضطر لكتابة رواية، إليكم هذه الحادثة على سبيل المثال لا أكثر: كنت قد أقمت حفلة صغيرة في جامعة فرانكفورت بمناسبة توقيع كتابي "قاموس الجرائم الاقتصادية" الذي كان له صداه الطيب في المؤتمرات والأوساط العلمية في حقل الاختصاص، بينما وأنا أُلقي كلمة الترحيب بالقاعة التي تطل بنوافذه الواسعة على حديقة الجامعة والتي اكتظت بالحضور المختلط لشخصيات أكاديمية واقتصادية وقانونية، ظهرت في الخارج مجموعة من النساء بأعمار وأشكال وملامح متباينة وعلى رأسهم تقف زوجتي المحترمة أزيتا وقد رفعن لافتات كُتب عليها "ياكوب قاتل النساء"، "مكافحة جرائم النساء قبل جرائم الاقتصاد"، "لا مكان للساديين في الجامعات"، "من لا يحترم زوجته لن يحترم طالباته". يومها أبلغ رئيس الجامعة مدير الشرطة شخصياً للتدُّخل وحمايتي قبل وقوع كارثة غير متوقعة، في اليوم التالي رفعت رئاسة الجامعة قضية ضد زوجتي بسبب اعتدائها على الحرم الجامعي وتشهيرها الباطل بأحد أساتذتها. لكن القضية بقيت معلقة ولم تحسم لصالح أي من الطرفين.

لن أُرهق رؤوسكم بتفاصيل القضايا القانونية التي رفعتها أزيتا ضدي حين اقتربت نهاية الفترة الزمنية المحدَّدة بمدة سنة، ينفصل خلالها المتزوجان عن بعضهما البعض بكل شيء كما يشترط قانون الأحوال الشخصية الألماني، عملياً وبعد انقضاء مهلة السنة يحق لي التقدُّم بدعوى الطلاق منها بشكلٍ رسمي. ما أن رفعتُ الدعوى ووصلتها نسخة من المحكمة حتى فقدت صوابها، راحت ترتكب بحقي الإساءة تلو الأخرى عن طريق مماطلات ومزيد من الادعاءات الكاذبة. ولأنها لم تكن تعمل فقد كنت مجبراً قانونياً على دفع حتى تكاليف محامييها اللذان يدافعان عنها ويتبنيان كل ما تقوله حتى لو كان زائفاً. تخيلوا يا أصدقائي أنني مجبر على دفع المال كي أسمح للآخر بمحاربتي قانونياً تحت ما يسمى "ديمقراطية غربية".

سأقول لكم باختصار أني اضطررت لبيع شقتي التي أحب بالمزاد العلني كي أتمكن من تسديد مصاريف المحامين ودفع مستحقات العاهرة أزيتا دون أن أفلح بتطليقها بالسرعة التي كنت أتمناها. بقيت بعد خسارتي في شقتي الصغيرة في فرانكفورت، كنت في العطل الأسبوعية أسافر إلى كارلسروه لأمضي الوقت مع هايدرون.

في يوم الجمعة، الثامن عشر من شهر كانون الأول لعام 1981، أي بعد حوالي السنة والنصف من تهرب أزيتا ورفضها المثول أمام المحكمة لوضع النقط على الحروف بقضية طلاقنا، وبينما الناس منهمكة في التحضيرات لاحتفالات عيد الميلاد ورأس السنة وأنا بدوري أستعد للسفر إلى شقة هايدرون لقضاء عطلة الميلاد الطويلة معها، وصلتني رسالة من محكمة كارلسروه عن طريق محاميتي، جاء فيها ما معناه أن أزيتا إيهامي بختيار قد اختفت فجأة منذ أكثر من شهر دون أن يعثر محامياها على أثر لها، كما أن تحريات الشرطة عنها واستجواب والديها وبعض المقربين ضمن وسطها الاجتماعي والصداقي لم تجلب أية نتيجة.

مؤجِّرتي اللئيمة إنغيبورغ، كما جاء في تقرير الشرطة كانت آخر شخص شاهدها في محطة قطارات ستراسبورغ، كانت أزيتا قد وصلت لتوّها قادمة من كارلسروه، تبادلا التحية والعناق، ولأن قطار إنغيبورغ المسافر إلى باريس كان قد دخل المحطة فلم يكن بوسعهما تطوير الحديث، اعتذرت أزيتا منها إذ كانت بدورها أيضاً على عجلة من أمرها ومشت باتجاه باب الخروج الرئيسي من المحطة.

لم يغمض لي جفن في ذلك المساء فأنا لم ألتقيها وجهاً لوجه منذ أكثر من سنة ونصف على الأقل. سألت نفسي مراراً: هل تعني هذه الرسالة أن هناك من يُحمّلني ضمنياً مسؤولية إختفائها!؟ ولولا مواساة هايدرون لي ووقوفها إلى جانبي لحظة بلحظة وتخفيفها لهمومي، لكنت قد أمضيت الليل حتماً في قسم الإسعافات.

حين انبلج الصّبح وتعب الجسد والعقل سقطت في النوم، حلمت بأشياء كابوسية مرعبة، سمعت أزيتا في الحلم تصرخ مستجدية: أرجوكم بلا أذية، بلا دماء، دعوني أحيّا، ماذا ستفعلون بعد أن يتصَدَّع حائط الإنسانية في قلوبكم؟ وسمعت أصوات وهمهمات بعيدة تقول: لا تخافي يا صغيرتي، سنتبرَّع ببعض أعضاء جسدك الجميل للفقراء المحتاجين في إيران. أزيتا تستغيث بي وتقول: حبيبي ياكوب، قل لهم أن يبعدوا المثقب اليدوي عن صدغي، رأسي يتفجَّر. كنزي الوحيد ياكوب، ألا تراهم كيف يهشِّمون بمطارقهم الحديدية فقراتي القطنية كأنها حطب يابس؟ ياكوب، المنشار ينهش من ظهري وأطرافي، قل لهم أن يبعدوه عن لحمي وعظامي، أنا متعبة، إني أموت، أريد أن أعيش كغيري، ما الذي جنيته عليكم كي تعاقبونني بالقتل تقطيعاً؟ سمعتُ من جديد تلك الأصوات الغرائبية تجيبها بكرهٍ وتشفٍ: دروليري ملعونة، توقفي عن الصراخ في آخر الليل يا قبيحة، إذا دُفِنت روحك الآثمة مع بقايا جسدك في مقبرة الخائنين ولم تر أحداً حقَّت لك العودة.

حلمت أني اشتريت شقة صغيرة في بناية طابقية حديثة، جاءني الدور لأدعو زملاء العمل إلى بيتي، ولأن عددهم قد فاق الأربعين، قسّمتهم في مخيلتي إلى مجموعات، ودعوتهم مجموعة تلو الأخرى. حين بدأوا بالتوافد إليّ اكتشفت أن تجهيزات مطبخي وحمّامي ومرحاضي غير جاهزة بعد، ما زال الرمل والحصى وأدوات العمل في كل مكان، مازالت الأرضية دون بلاط والجدران دون طلاء. جلست مجموعة منهم في الحمّام، مجموعتان في المطبخ، مجموعة رابعة في المرحاض والمجموعة الأخيرة على البلكون الضيق المطل على المطبخ والزقاق. جلس الزملاء يتسامرون بينما أنا وأزيتا نقوم على خدمتهم.

مع مرور الدقائق راح الضيوف يستخدمون المياه في الحمّام لغسل أياديهم والمرحاض لقضاء حاجتهم، مع مرور الدقائق صرت أكتشف أن ثمة سائل أسود اللون بدأ يطفو في أرضية الحمّام والمرحاض، احترت في أمره، علامات الانزعاج بدت واضحة على وجوه الضيوف، الرائحة لا تطاق، شرع بعض الضيوف بالتهرُّب من البقاء بذرائع مختلفة للمغادرة، مع رحيل الضيف الأخير دأبت أبحث عن حل للمعضلة الكبيرة، كنت قد دفعت كل ما أملكه ثمناً لهذه الشقة غير الجاهزة بعد، لا مال لديّ لإكمالها، خاطبت نفسي: أينبغي عليّ إعادة تركيب التمديدات الصحية؟

ها هو وجه أخي المتوفي منذ زمن بعيد ينبثق فجأة في المشهد الحزين، يجلس في الحمّام والماء القذر يختلط مع الرمل والحصى، البراز يطفو بقطع يابسة تشبه قطع الكعك القديم أو الخبز اليابس، ها هو أخي يتكرَّم ويمدّ يده إلى المصفاة، يمسك براحة كفه القوية القطعة تلو الأخرى، يضعها جانباً آملاً أن ينفتح الأنبوب الهابط إلى المجرور الصحي في الزقاق، بعد عناء قطعنا الأمل بتصليح الخلل، ها نحن، أزيتا وأخي وأنا، نفك الأنابيب البلاستيكية ونبعدها عن بعض، ثمة أوساخ فيها لكنها ليست بالكثيفة كي تتسبّب في تسكير الدرب أمام مرور الفضلات، وقفت على البلكون ونظرت إلى الجهة الأخرى، ثمة مقهى متواضع جلس أمامه أربعة رجال من بلدان المغرب العربي، يشربون الشاي ويأكلون اللبن من علب صغيرة، أنزل إلى الشارع ممسكاً أحد الأنابيب بيدي، أحدهم يخاطبني بودّ: هل أستطيع مساعدتك يا جاري؟ لقد عملت في هذا المجال لفترة من الزمن. أجيبه من غير استحياء: لا مال لدي يا أخي كي أشتري قطع الغيار أو لأدفع لك أتعابك.

أستيقظ من تعبي وحلمي وسرابي، أستيقظ مع هايدرون في الفراش نفسه، دون أطفال أو ضوضاء أو مفاجآت، كما لم يحدث معي يوم تمنيت أن أستيقظ مع أزيتا في الفراش نفسه بمناسبة عيد زواجنا الثالث دون أن أفعل، بعد أن فاجأني عشيقها مازيغ، الرجل الحر.

عزيزتي هايدرون، هل قُتِلَت أزيتا حقاً؟
هل أنا من قتلها؟
لا أذكر أني قتلتها إلا في قلبي ورأسي.
هل يحاسب القانون على هذا النوع من القتل؟
هايدرون، هل تعلمين شيئاً عن مصيرها؟
هل اغتالها حرَّاس الثورة الإسلامية لانحرافها الأخلاقي؟
من منكم يعلم شيئاً عن مصير أزيتا بختيار؟
إن كانت قد قُتِلَت فعلاً، من هو الجاني؟ كيف قتلها وأين؟

***
النهاية



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جريمة في ستراسبورغ - 8 -
- جريمة في ستراسبورغ - 7 -
- جريمة في ستراسبورغ - 6 -
- جريمة في ستراسبورغ - 5 -
- جريمة في ستراسبورغ - 4 -
- جريمة في ستراسبورغ -3-
- جريمة في ستراسبورغ -2-
- جريمة في ستراسبورغ -1-
- والعالم يتغير من حولي
- والفوضى نصفها الآخر
- بئر حسن
- بستان الريحان
- دواليب
- خمرة معتّقة في قوارير جديدة
- رحلة إبداع بالعلم والأدب
- أوس أسعد يكتب عن: من الرّفش إلى العرشِ
- أوس أسعد يكتب عن: اعتقال الفصول الأربعة
- سأشتري شقتها قريباً
- مركز البحوث العلمية -9- المقطع الأخير
- مركز البحوث العلمية -8-


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - جريمة في ستراسبورغ - 9 - النهاية