|
رسالة الرئيس الامريكي دونالد ترامب -- الانسحاب من سورية الأبية -- وكف واشنطن عن لعب دور الجدرمة في العالم .
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 6098 - 2018 / 12 / 29 - 15:27
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ما هي الرسالة التي أراد رئيس اكبر دولة في العالم ، توجيهها الى من يهمهم الامر ، حين قال : ان أمريكا لم تعد ستلعب دور الدركي ، او الشرطي في العام ؟ تصريح الرئيس الأمريكي هذا ، تزامن مع قراراه بالانسحاب من سورية بدون مقدمات ، وبدون اخبار او استشارة احد ، حتى مِنْ مَنْ مِنَ المفروض انهم حلفائه . لقد اعتبر العديد من المتدخلين ، ان الانسحاب هو دليل على هزيمة أمريكا في سورية ، واعتبروا ان الانسحاب المفاجئ ، هو شبيه بانسحابها من حرب الفيتنام . لكن من خلال تحليل المعطيات التي توفرت ، قبل واثناء دخول أمريكا الى سورية ، سنكتشف ان القرار الأمريكي بالانسحاب ، لا يعني الهزيمة ، لكنه يعني خلط الأوراق وبعثرتها ، وتضبيب البوصلة لِما يسمى بالحلفاء ، وعلى راسهم النظام الفرنسي الذي تلقى رئيسه ماكرون ، اهانات عديدة من قبل ترامب . ان الانسحاب الأمريكي من سورية ، ودون اخبار او التنسيق مع النظام الفرنسي ، يعني اعتبار امريكا بالمنطقة هي حامية فرنسا ، وليس اعتبارها كحليف ، كما يعني انتقاما مدروسا من تصريحات فرنسا ورئيسها ، من الموقف المعلن للرئيس الأمريكي من حراك السترات الصفراء . جيش فرنسا المرابط الآن في سورية ، والمحتل له ، والداعم لتمزيق وحدتها بتدعيمه ل ( ق س د ) ، قوات سورية الديمقراطية الكردية ، اضحى بين فكي كماشة ، كماشة المقاومة والجيش السوري ، وكماشة تركيا التي تتربص ب (ق س د ) ، كما انه اضحى عاريا امام هجمات داعيش الانتحارية . فأي هجوم سيتعرض له الجيش الفرنسي المحتل لسورية ، سيكون مشروعا ، ومتناسبا مع حق الشعوب في تحرير أراضيها وأوطانها ، خاصة وان المحتل دخل كمحتل غازي ، ومن دون موافقة الحكومة السورية . ان هذه الورطة التي توجد فيها فرنسا اليوم في سورية ، وهي لتفادي المفاجئات التي ستمرغ انفها في التراب ، عليها بالانسحاب المبكر ومن دون شروط ، هي ما فطن له الرئيس دونالد ترامب . فأمريكا دخلت الى سورية دون موافقة الحكومة السورية ، فكان عليها ان تخرج وتغادر ، بدون شروط مسبقة . الرسالة الثانية من تصريح الرئيس الأمريكي ، هي موجهة للأنظمة العربية ، خاصة تلك التي تستظل بالمظلة الامريكية . فقبل النجاح في الانتخابات الرئاسية ، كم مرة ردد الرئيس ترامب عبارة : " من أراد الحماية الامريكية ، عليه ان يدفع " ، والخطاب كان موجها الى اليابان ، والى المانيا ، وكوريا الجنوبية ، لكنه كان موجها اكثر الى أنظمة الخليج ، وعلى رأسها السعودية التي نجح في حلبها خمسمائة مليار دولار ، مقابل هذه الحماية التي لم تتعدى التعتيم على تورط الأمير محمد بن سلمان في جريمة مقتل جمال الخشقاجي . اليوم وبعد ان حقق الرئيس ترامب المراد من استنزاف أموال الشعب السعودي ، يعلن بشكل مفاجئ الانسحاب من سورية ، ويقرنه بتصريحه التاريخي " أمريكا لن تعود تلعب دور الدركي في العالم " . الأنظمة السياسية الخليجية والعربية ، تلقفت الإشارة مسرعا ، ومن دون مقدمات ، اصبح الجميع يتحدث عن عروبة سورية ، وضرورة عودتها الى اصطبل الجامعة العربية . الدكتاتور البشير طار لزيارة سورية ، والامارات اعادت العلاقات معها وكأن شيئا لم يكن ، والسعودية تردد انها ليست ضد عودة سورية الى الجامعة العربية ، واردوغان يصرح انه لا مانع عنده من اعادت العلاقات مع الرئيس بشار الأسد . اما وزير خارجية البحرين فقد التقى وزير خارجية سورية وليد المعلم ، وصرحت البحرين بعد تغردة الرئيس ترامب ، ان العلاقات بين المنامة ودمشق لم تكن مقطوعة ، كما صرحت مصر بان السفارة السورية بالقاهرة كانت تشتغل كسفارة ، ولأول مرة منذ ثماني سنوات ، ستنزل طائرة سورية مدنية بتونس ، ناهيك ان الجزائر ظلت علاقاتها مع سورية ، كما كانت قبل مخطط التخريب الذي تعرضت له بتزكية عربية . إذن ما هو السيناريو المقبل للمنطقة العربية ؟ نعم لقد نجح ترامب بقراره الانسحاب من سوريا وبدون شروط ، وبدون اخبار مِنْ مَنَ المفروض انهم حلفائه ، وخاصة فرنسا التي كانت لها قاعدة بالقراب من القاعدة الامريكية للاحتماء بها ، في خلط الأوراق وبعثرتها . المخطط الأمريكي اليوم ، يذهب الى ابعد من مجرد إعادة النظر في أوضاع لم تعد تستجيب مع التحولات المفروضة بالمنطقة ، بل ان المخطط الخطير ، والذي استشعره آل سعود والخليج ، فهبّوا كالنعاج مسرعين الى دمشق الأبية ، هو الورقة الإيرانية التركية ، كسيف دمقليس مسلط ، يهدد به رقاب الأنظمة العربية . فالصراع ، وبقدرة قادر ، وفي رمشة عين ، تحول من صراع من اجل ( الديمقراطية ) مع النظام السوري ، والدفاع عن ( الشعب السوري ) ، الى صراع بدأت ملامحه تلوح في الأفق مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية ، وتركيا السنية . ان المدخل لهذا الخلط الذي فرضه ترامب ÷ سيكون من الآن البوابة السورية ، بدعوى تصارع المصالح الإيرانية التركية ، والمصالح السعودية الإماراتية التي ستصبح مهددة بلبنان كذلك . المعنى الرئيس من تغردة الرئيس الأمريكي ، وهي رسالة واضحة ستعمل على أساسها دوائر القرار الكبرى ، هي تحويل الصراع من صراع مع إسرائيل ، الى صراع بين الأنظمة الخليجية وخاصة السعودية ، وبين ايران كمد شيعي مهدد لتلك الأنظمة . فأي حرب قد تندلع بالمنطقة ، وهي قادمة وبتخطيط امريكي إسرائيلي ، سوف لن تدخلها أمريكا ، ليس فقط بسبب عدم دفع الدولار الذي يلح عليه الرئيس الأمريكي دائما ، بل لتخريب المنطقة ، بتدمير الأنظمة الخليجية ، ومصر ، وايران في نفس الوقت . انه نفس سيناريو الحرب الإيرانية العراقية التي دامت ثاني سنوات ، ولم ينتصر فيها احد ، كما انه نفس سيناريو حرب الخليج الثانية والثالثة . فكيف ستتعامل القيادة السورية التي تعرضت لغدر العرب ، مع الهرولة العربية ، التي هي هرولة لانقاد الأنظمة من ( غزو إيراني )، وليس هرولة من اجل استيعاد سورية الى اصطبل الجامعة العربية ؟ فإذا كانت أي حرب تبدأ بضرب الروافد ، فهل ستنجح أنظمة الخليج ، من عزل النظام السوري عن محيطه التي تضامن معه ، وعلى رأسه ايران ، وحزب الله ، والحشد الشعبي العراقي ؟ ان مخطط تدمير المنطقة ، والذي يزيد فيه تهور الأنظمة الخليجية وموقفها الفوبي من ايران ، وهو موقف تدعمه القوى التي تتربص شرا بالمنطقة ، سيكون رصاصة الرحمة لإقبار القضية الفلسطينية الى الابد ، وسيكون عمل مشجع ، وامام الضعف الذي سيصيب كل المنطقة العربية ، من اعتراف اوربة بالقدس عاصمة لإسرائيل ، والاعتراف بالدولة العبرية على كل الأراضي المتنازع عليها من 1948 والى الآن . ان صفقة القرن التي يتباكى عليها عملاء مؤتمر مدريد وأوسلو ، ستكون ارحم بكثير من المشروع الحقيقي المنتظر بعد تدمير وتخريب المنطقة . ان قرار الرئيس الأمريكي بالانسحاب من سورية الأبية نبظ العروبة ، وتزامن القرار هذا ، بتصريح الرئيس دونلد ترامب من ان أمريكا لم تعد تلعب دور الشرطي ، او الدركي في العالم ، لم يأت صدفة ، ولم يأت من فراغ ، بل هو نتيجة منطقية للدراسات التحليلية التي يقوم بها كبار أساتذة الجامعات الامريكية الذي يخططون لمستقبل أمريكا خلال الأربعين سنة قادمة . فماذا يُنتظر أمريكيا من نزاع الصحراء الغربية الذي عمر لأكثر من ثلاثة وأربعين سنة خلت ، حيث يعتبر اقدم صراع في العالم ؟ مخطط نهاية أنظمة ، وخلق نُظم ، وتفتيت دول ، وخلق كانتونات بحكام جدد ، يجري تطبيقه بتأني ، وهدوء ، وبمراحل ، وكل مرحلة نضجت فاكهتها ، تقتطف بدون رحمة .
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النعرة المذهبية الدينية في تشتيت الوحدة الشعبية ( 4 )
-
الاحتفال باعياد المسيح .
-
أسباب نفخ الاسلام في النعرة القبلية والمذهبية ( 3 )
-
تطور القبيلة في الاسلام ( 2 )
-
النظام القبائلي في الدولة الثيوقراطية ( 1 )
-
بخصوص تقادم جريمة ( حامي ) الدين .
-
الحاكم العربي
-
هل اقترب انهاء مدة بعثة الامم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في ال
...
-
زمن العهْر ، زمن الذّل ، زمن القهْر ، زمن الإنكسار .
-
الطاغية العربي
-
لقاء جنيف : أي مخرج .. أي نتيجة ؟
-
ملكية برلمانية ام جمهورية برلمانية .. اي تغيير جذري سيكون با
...
-
كل شيء للفقراء .
-
أيّ بلاد هذه ........ بلادي ليست قابلة للنسيان ( 9/9 )
-
هل عدد الصلوات وعدد الركعات ممارسات شرعية ؟
-
دولة السحل ..... تسحل مواطنيها
-
أيُّ بلاد هذه ......... ( 8/9 )
-
يمامة أطلسية طارت تنشد الحرية
-
اي بلاد هذه .... بلاد قابلة للنسيان ( 7/9 )
-
الزمن العفن ..... الزمن الرديء
المزيد.....
-
-صور الحرب تثير هتافاتهم-.. مؤيدون للفلسطينيين يخيمون خارج ح
...
-
فرنسا.. شرطة باريس تفض احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين في جامعة ا
...
-
مصر تسابق الزمن لمنع اجتياح رفح وتستضيف حماس وإسرائيل للتفاو
...
-
استقالة رئيس وزراء اسكتلندا حمزة يوسف من منصبه
-
قتلى وجرحى في هجوم مسلح على نقطة تفتيش في شمال القوقاز بروسي
...
-
مصر.. هل تراجع حلم المركز الإقليمي للطاقة؟
-
ما هي ردود الفعل في الداخل الإسرائيلي بشأن مقترح الهدنة المق
...
-
بعد عام من تحقيق الجزيرة.. دعوى في النمسا ضد شات جي بي تي -ا
...
-
وجبة إفطار طفلك تحدد مستواه الدراسي.. وأنواع الطعام ليست سوا
...
-
صحيح أم خطأ: هل الإفراط في غسل شعرك يؤدي إلى تساقطه؟
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|