أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - سلطان الرفاعي - هم أيضا ضحايا العنف------















المزيد.....

هم أيضا ضحايا العنف------


سلطان الرفاعي

الحوار المتمدن-العدد: 1520 - 2006 / 4 / 14 - 07:24
المحور: حقوق الانسان
    


مر أكثر من عام على رؤيتي له، المرة الأخيرة، أخبرني فيها، كيف أنه سيُقدم استقالته من فرع الأمن السياسي، هو برتبة مساعد، أمضى سنين حياته، في خدمة الأمن. دخل إلى مكان عملي بالأمس، ملامح الذهول تبدو عليه، لم أر إلا حطام رجل، يتلعثم في الكلام، يرتجف، يكاد يتمزق مع كل كلمة تخرج من فمه. قال: أنا لم أسرق ولم أرتش، ولم أضرب أحد، وخرجت بمعاش خمسة ألاف ليرة، ماذا ستفعل معي؟ أصبحت منبوذا في قريتي، الجميع يتحاشاني، ويبتعد عني، رغم أنني في كل حياتي، لم أتسبب في أذية أحد. هذا ما يقوله المساعد، ولكن الحقيقة لا يعرفها إلا الله.

ضحية أخرى من ضحايا العنف، هو أيضا، أنا أُصدقه، ولكن غيري لا يُصدقه، وينظر إلى يديه، كم من الضربات، سدد إلى وجوه من اعتقلهم، ومن استجوبهم، صحيح أن كان عبد مأمور، لعبد مأمور، ولكن ذكريات الصرخات، ستبقى ترن في أذنه، وأين منها صوت ناقوس كنيسة نوتردام في فرنسا. سيذكر دائما تلك العصي، التي أدمى بها أقدام الكثيرين، سيذكر صراخهم وألمهم أبد الأيام.

ضحية أخرى من ضحايا العنف، ذلك الضابط، الذي أصدر الأوامر، وحضر مجالس العنف، واستجوب المعتقلين، وغادر الزنزانة، تاركا خلفه حطام رجال، وأشلاء شباب. هذا الضابط، أيضا من أكبر ضحايا العنف، فهو ينتظر كيف سيكبر ابنه، وكيف سيُعلمه، وسيُربيه، في أفضل المدارس، ومن ثم يخطب له ابنة ضابط آخر مارس أيضا العنف تجاه إنسان آخر، وستكون حفلة الزفاف، في أفخم الفنادق، تقدمة وهدية من شخص آخر، يخاف عنف والد العريس والعروس، وسيذهب العروسان إلى إحدى الدول الأجنبية والتي لا تُمارس العنف على مواطنيها، ومن ثم يعودان إلى وطنهم، وفي حادث أليم يذهب الاثنان ضحية لعنف السرعة الزائدة من قبل ابن ضابط آخر يُمارس العنف بطريقة السرعة المتهورة. ويجلس كل ضابط أمن على حدة، ويتذكر، يتذكر، كم من الضحايا، مارس عليهم العنف، كم من الضحايا، وبكلمة منه، أو إيعاز، تعرضوا للعنف والبطش والقمع؟ مسكين هذا الضابط، سيُمضي حياته الباقية، خائفا، مرتعدا، يتذكر كل ضحاياه، هذا بكى، وذاك صرخ، وآخر أغمي عليه، ورابع بال في بنطا له، وخامس وسادس--- ويلتفت إلى أولاده، ويبدأ كابوسه اليومي، من الصباح إلى آخر الليل، متسائلا: ماذا أفعل ليغفر لي ربي، هذا إذا كان مؤمنا بوجود رب، وإذا لم يكن مؤمنا بوجود اله، فهو يعرف أكيدا أن هناك من سينتقم منه، في حياته هذا، ولن ينتظره حتى يُحاسبه، بل سيكون حسابه، مرتبطا، بشخص عزيز عليه، قد يفقده، ويذوق لوعة الفراق، التي أذاقها لغيره.

لا أعتقد أن هؤلاء الضباط، الذين يُحالون على التقاعد، أو أولئك المساعدين والعناصر، الذين أمضوا حياتهم، في ممارسة العنف ضد الغير، وأصبحوا اليوم ضحاياه، لا أعتقد أنهم ينعمون بلحظة سكينة واحدة في حياتهم الباقية، أو بنظرة احترام واحدة من الآخرين، إنهم كما قلت لكم أيضا ضحايا للعنف.



لبضع سنين خلت، قرر عدد من الباحثين أن يدرسوا بطريقة علمية أسباب انتحار عدد من ضباط الأمن. فتتبعوا مسار مئة ضابط بعد إحالتهم إلى التقاعد، وأجروا المقابلات مع ذويهم وحللوا بكل دقة ما استحصلوا عليه من معلومات، آملين أن يكتشفوا ما يجمع بين هؤلاء الأشخاص وأن يجددوا العامل المشترك في سبب انتحارهم. أتت نتائج هذا البحث للوهلة الأولى، مخيبة للآمال، إذ أن الباحثين أخفقوا في إيجاد عامل يجمع بين هؤلاء الأشخاص، لا في تربيتهم ولا في النواحي الأخرى من أنماط حياتهم. بعضهم ما تخطى المرحلة الابتدائية بينما بعضهم الآخر استحصل على شهادة أعلى. العامل الوحيد الذي بدا وكأنه يجمع في ما بينهم هو كون سبعين بالمئة منهم أتوا من بلدات عدد سكانها لم يبلغ الخمسة عشر ألفا. ولكنهم بعد أن أعادوا التدقيق في المعلومات مرة أخرى عثروا على عامل واحد مهم وجامع، آلا وهو أن كلا من هؤلاء الضباط كان يجهد في كل ظروف عمله ممارسا العنف تجاه ضحاياه، من المعتقلين.



يقول شيشرون: ماذا يمكن العمل ضد العنف من دون عنف؟

العهد الجديد يسعى إلى التخلي عن العنف، ورموز العهد القديم وللضرورة السياسية يسعون للجوء إلى العنف. فالدولة يبدو أنها لا تستطيع التخلي عن العنف. ولكن عليها أن تستخدم أقل عنف ممكن. فان مرافق الدولة تميل دوما إلى اللجوء إلى العنف أكثر مما هو ضروري، لذلك هي بحاجة إلى أصوات تنتقد تصرفها. وهذه الأصوات هي بنوع خاص جمعيات حقوق الإنسان، وجمعيات دعم ضحايا العنف. ولكن لتستطيع الاضطلاع بهذه المهمة لا يجوز لها أن تكون مرتبطة ارتباطا وثيقا بسلطة الدولة.

السؤال الأساسي: بحسب أية معايير أخلاقية وقانونية يجب الحكم على الوضع الذي يُبرر اللجوء إلى العنف؟

إن مهمة الجمعيات الإنسانية الداعمة لضحايا العنف. تقوم على أن تتخذ في مختلف الأوضاع الواقعية مواقف من شأنها تخفيف العنف أو حتى إيقافه. ماذا يعني هذا بالتفصيل، هذا أمر يتعلق بصورة أساسية بتقدير الوضع السياسي. وهذا قد يؤدي إلى آراء مختلفة بين تلك الجمعيات.



الدولة تحتج دائما، بعدم رغبتها بأي تدخل أجنبي، وحتى لو كان في الشأن الإنساني، ولسان حالها: هؤلاء هم مواطني، وما أفعله معهم لا شأن للآخرين به. فمع هذا التصور لدى الدولة للتدخل لدواعي إنسانية نكون قد تجاوزنا بصورة حاسمة التصور التقليدي لاحتكار العنف من قبل الدولة. وهذا يبدو اليوم الطريق الوحيد الممكن. ولكن السؤال هو كيف يمكن القيام بهذا التدخل بأسرع ما يمكن وبطريقة يقبلها الجميع.



نتساءل في الوقت نفسه كيف يجب أن نحدد العنف بالضبط؟

هل هو صفة للأعمال نفسها، أم هو نتيجة لتحديد الوضع كما يقول علم الاجتماع ؟ وهذا يعني أن ممارسة العنف هو في حالة معينة عمل إجرامي، وفي حالة أخرى يمكن أن يُعد عملا يُعيد استتباب العدل.



يمكن القول على وجه العموم إن الأعمال تكون أعمال عنف متى دمرت حياة الناس أو ألحقت بها أضرارا جسيمة، والمثل الصارخ بيننا اليوم، هو العنف الذي لحق بالشعب الكردي في حلبجة، حيث ألحق أضرارا جسيمة بالشعب والممتلكات، ودمر الكرامة الإنسانية تدميرا كاملا. هذه أعمال عنف واضحة لا يمكن تبريرها، أما ما يمكن تبريره مثل الدفاع عن النفس. في هذه الحالة أمارس العنف تجاه الآخر لأنه تعدى علي. فإذا ألحقت أضرارا بالمعتدي وربما قتلته، فهذا العمل في هذه الحالة هو عنف، غير أنه عنف شرعي (حالة الرد على عصابات الأخوان المسلمين). وهذا يؤدي إلى السؤال عن المعايير الأخلاقية التي تحدد في أية ظروف وبأي قدر يصير اللجوء الشخصي(السياسي) إلى العنف شرعيا.



#سلطان_الرفاعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شكرا الحوار المتمدن-----
- يا أمة ضحكت من جهلها--------
- دعم ومساعدة ضحايا العنف--آلفة--
- الكرامة السورية المهدورة-----------
- مركز الشرق للدراسات الليبرالية--الآخر في كل الأديان---المسيح ...
- مركز الشرق للدراسات الليبرالية --الآخر في كل الآديان--الماكر ...
- مركز الشرق للدراسات الليبرالية--الآخر في كل الآديان-4- يهوه ...
- مركز الشرق للدراسات الليبرالية ----الآخر في كل الديانات---بو ...
- الآخر في كل الأديان--2من 20---المنبوذين
- الآخر في كل الأديان---1من 20--مركز الشرق للدراسات الليبرالية
- صديقي الكردي---تهمتك العلمانية
- أصحاب الفخامة والجلالة والسموم---
- من يستطيع توحيد المعارضة اليوم؟؟؟؟؟
- نسبية اينشتاين والنظرية البعثية --
- القومية العربية + الارهاب الاصولي =العولمة السلبية!!!!!!!!
- بروكسل---والبقية تأتي
- الحركة الشعبية الوطنية --والببغاء---والحمار--
- الى متى يستطيع المواطن السوري أن يتحمل كل هذا النصب؟
- وظيفة الاعلام ابراز حقيقة سوريا---تصريح للسيد الوزير
- ما الذي حدث في بينين ويهمنا ؟؟؟؟؟؟


المزيد.....




- اليونيسف تعلن استشهاد أكثر من 14 ألف طفل فلسطيني في العدوان ...
- اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط ...
- الأمم المتحدة تستنكر -تعمد- تحطيم الأجهزة الطبية المعقدة بمس ...
- يديعوت أحرونوت: حكومة إسرائيل رفضت صفقة لتبادل الأسرى مرتين ...
- اعتقال رجل في القنصلية الإيرانية في باريس بعد بلاغ عن وجود ق ...
- ميقاتي يدعو ماكرون لتبني إعلان مناطق آمنة في سوريا لتسهيل إع ...
- شركات الشحن العالمية تحث الأمم المتحدة على حماية السفن
- اعتقال رجل هدد بتفجير نفسه في القنصلية الإيرانية بباريس
- طهران تدين الفيتو الأمريکي ضد عضوية فلسطين بالأمم المتحدة
- عشية اتفاق جديد مع إيطاليا.. السلطات التونسية تفكك مخيما للم ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - سلطان الرفاعي - هم أيضا ضحايا العنف------