أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محمود كرم - الأنسنة في الفعل الأخلاقي















المزيد.....

الأنسنة في الفعل الأخلاقي


محمود كرم

الحوار المتمدن-العدد: 1519 - 2006 / 4 / 13 - 11:31
المحور: المجتمع المدني
    


لا يتكامل الوجود الإنساني إلا من خلال الفعل الإخلاقي على كافة مستوياته ، تلك حقيقة لا يمكن لنا أن نتجاهلها أو ننكرها، ولكن ما يجعلنا نتساءل أمام هذه الحقيقة الخلاصة هو هل تعتبر الأخلاق طاقة كامنة في الذات الإنسانية ومنسجمة معها وبالتالي فهي من النواميس الإنسانية التي لم تختلف عليها البشرية في أي زمان أو مكان ، أم هي نتيجة تشريعات معينة تبنتها رسالات ذات طابع سماوي ، أم هي تشريعات فرضتها القوانين التي تعاقب الإنسان على إيجادها وتفعيلها عبر مراحل تطوره ومن ثمَ تداولها كأنماط سلوكية في الحياة الخاصة والعامة ..

أعتقد أن الأخلاق كفعل يتجسّد في السلوك الشخصي أو كفعل يتخذ طابعاً تداولياً بين الناس عامةً تبقى له معايير تباينية من بيئة إلى أخرى ، ونظرة الناس للأخلاق بصورة عامة تختلف من واحد إلى آخر وتؤثر في اختلاف المعايير جملة من الخلفيات الثقافية والبيئية والأنماط المعرفية وكذلك طبيعة اختلاف التشريعات ..

فهناك مَن يرى أن الأخلاق مسألة لها علاقة مباشرة ووثيقة بالمصلحة الشخصية ، فهي الطريق إلى تحقيق المنفعة المصلحية على مستوى الذات بعيداً عن مثاليات قيم الأخلاق الإنسانية ذات المضامين الوجدانية ، وتبقى الأخلاق في هذه الحالة عمل يختص بفعل الإنسان وقدرته على تفعيلها في مرحلة زمنية معينة أو في مكان معين وهي في النهاية تعتبر بالنسبة لصاحبها مجرد وسيلة مرحلية لتحقيق غاية ما ، وربما تستمد هذه النظرية امتداداتها المسلكية عند بعض الناس من النظرية المكيافيلية ( الغاية تبرر الوسيلة ) فهذه النظرية وإن كانت تمثل بالنسبة للكثيرين طريقة مثلى في النظر للأخلاق ، إلا إنها من وجهة النظر الأخرى تعتبر لا أخلاقية لأنها لا تتمدد في الزمان والمكان ولا معنية بتداخلها المباشر بالسلوك أو الفعل الإنساني وهي في نهاية الأمر تتجه نحو تفعيل غايات النفعية الشخصية التي تخلو بدرجة أو بأخرى من تبني الفعل الإنساني ذي المضامين الحقيقية الرفيعة والتي تتمثل في مسلكيات الخير والمحبة والمشاركة الإنسانية وقيم الأنسنة ..

وكيف سيصير عليه الوجود الإنساني من غير الأخلاق ، قد يأخذنا هذا التساؤل إلى حقيقة تتلخص في مدى تأثير الأخلاق على تجذير نزعة الأنسنة في الفعل الأخلاقي ومدى تأثيره في نهاية المطاف على إنسانية الإنسان ، هذا إذا كنا مؤمنين بأن الأخلاق يجب أن تكون لغة التواصل المثلى بين الإنسان والمجتمع وبين الإنسان وأي محيط يتحرك فيه ، لأنه ببساطة لا يمكن أن يتواصل البشر تواصلاً حقيقياً بعيداً عن منطق الأخلاق ..

وفي جانب آخر نكون مخطئين إذا اعتقدنا أن الأخلاق يمكن فرضها على المجتمع عبر جملة من التوجيهات والارشادات الدينية والتي تتخذ في معظم الأحايين مساراً تعنيفياً وتوجيهياً مباشراً وتهويلاً تخويفياً في أساليب الإرشاد ، كما نرى ذلك في المجتمعات الدينية المحافظة التي تعتقد أن فرض الأخلاق عبر الخطاب الديني التوجيهي والالزامي يحصن الأفراد من الانزلاق في الرذيلة ويتناسون حقيقة واضحة وهي أن الأخلاق تنمو مع الفطرة الإنسانية وإذا لم يتمتع الفرد بالحس الأخلاقي فلا يمكن فرض الأخلاق بالقوة عليه ولا يمكن فرضها أيضاً بالتوجيه الديني ذات الدلالات الشكلية التدينية المظهرية ، فالإنسان بطبيعته ومكنوناته الفطرية مسكون بطاقة أخلاقية تتجسد في مساعيه الوجدانية للتشارك مع الآخرين في معاني الحياة الإنسانية ، وهي في النهاية فعل واع ٍ له علاقة مباشرة بوعي الإنسان وإدراكه العميق لحقيقة وجوده وماهية ممارساته ويجد أن الأخلاق تعبير داخلي عن كيانه الإنساني الخلاق ، وليست تعلميات ارشادية توجيهية مفروضة عليه من أحد ، ولذلك عندما يجد الإنسان نفسه قد ابتعد عن قيم الأخلاق فأن إرادة داخلية ونداء داخلي يحسسه بضرورة العودة إلى حقيقة وجوده الإنساني ويضعه أمام مسئوليته العقلية والمعرفية والوجدانية ..

وهنا علينا أن نتساءل هل الدين ، أي دين له علاقة مباشرة بالأخلاق ، بمعنى آخر هل يجب أن أكون متديناً ومتمسكاً بالطقوس الدينية المتعارف عليها لكي أتحلى بأخلاق رفيعة وسوية ..؟؟

أعتقد أن مظاهر التدين الشكلي لا علاقة لها بالأخلاق وليس بالضرورة هي الأساس الذي تقوم عليه القيم الأخلاقية ، ففي بعض الأحيان يكون التمسك بالمظاهر الدينية طريقاً نحو النفاق الاجتماعي والمرواغة النفعية المصلحية وخداع الذات ، وفي الوقت نفسه لا يمكن أن ننفي عن الأديان صفة الأخلاق ، لأنها حضت الناس على التمسك بالأخلاق ، ودعت إلى ذلك ، ولكن المشكلة تكمن في تحويل الدين إلى مجرد طقوس مظهرية منزوعة الروح وافراغه من طبيعته الفردانية الخاصة التي تتأسس فطرياً كعلاقة وجدانية خالصة بين الإنسان وخالقه ، وجرّهِ قسراً إلى مسرح الشكليات والاستعراض الطقوسي ، ويعتقد البعض وربما الكثيرون أن التمسك بهذه الطقوس في ظاهرها الشكلي والتأكيد والتشديد عليها هو الطريق نحو الاهتداء إلى تلمس طريق الأخلاق ، فالدين عندما يستطيع أن يدفع الإنسان إلى تحقيق التوازن الروحي بعيداً عن شكلية الممارسة الطقوسية فأنه قد يكون مطلوباً حينها للإنسان لصقل الأخلاق في فطرته البشرية ، وفي ناحية أخرى عندما يستطيع الدين أن يخلق في الإنسان منظومة أخلاقية متساوقة مع الأخلاق الإنسانية العامة يكون مطلوباً حينها ..

وقد نصادف أناساً كثيرين لا يدينون بدين ما ولكنهم في قمة الأخلاق والمثالية والحس الإنساني الرفيع ، لذلك أعتقد أن الأخلاق من النواميس الإنسانية التي آمنت البشرية بها ووجدت فيها خلاصاً للإنسان من المهالك والشرور ولا علاقة مباشرة لها بأي دين ..

وللتوضيح أكثر ربما عليّ أن أقول أن الأخلاق التي لا تحقق إنسانية الإنسان ليست أخلاقاً ولا تدخل في صميم الفعل الأخلاقي الذي يهدف إلى خلق حالة من الانسجام الطبيعي التوافقي بين الإنسان من جهة وبين كل مساعيه الخيّرة في الوجود عبر الإيمان بالقيم الأخلاقية التي تجعل من الإنسان أخلاقياً في معارفه الدنيوية وفي مساعيه المسلكية وفي تعامله مع غيره وفي نظرته للحياة عموماً ، فعندما يتحلى الفرد بأخلاق التسامح ويجد أن هذه الأخلاق تعتبر قيماً سامية فأنه في هذه الأخلاق يبني جسراً من التواصل الإنساني الجميل مع الناس بعيداً عن طبيعة الفروقات الطبقية والاجتماعية أو الانتماءات الدينية ، وحينما تتمثل الأخلاق في البحث عن الفضيلة عبر تقصي سبل القيم المعرفية لها فإن الإنسان هنا يريد أن يأسس اتجاهاً مسلكياً في الحياة يقوم على أن الفضيلة تعني فيما تعنيه البحث عن أفضل السبل لرقي الإنسان عن طريق المعرفة العلمية ، لذلك أجد أن الجهل قد يكون واحد من مصادر الشر التي تحيق بالإنسان وهادم كبير للأخلاق ، وحينما نضع الأخلاق في إطاره الإنساني العام وننطلق من هذا الإطار في التعامل مع الآخرين فإننا نحقق بذلك واحدة من أعظم القيم الأخلاقية وهي احترام الآخر مهما كان هذا الآخر وبهذا الاحترام نصل إلى المعنى العميق للوجود البشري الذي يجب أن يتداخل في تعميق الأخلاق الإنسانية ضمن سياقات الأخوة البشرية بغض النظر عن الانتماءات الدينية والمذهبية والأثنية والعرقية والهويات الضيقة الخانقة ..

وعلينا أن نلتفت إلى مسألة في غاية الأهمية وهي أن معايير الأخلاق تختلف من مجتمع إلى آخر حسب المنظومة الثقافية والمسلكية للمجتمع ، ويجب أن يتم التركيز على المعيار الحقيقي للأخلاق ، فمثلاً في مجتمعاتنا العربية والإسلامية نجد أن معيار الأخلاق هو في مقدار ما يعكسه الأفراد في سلوكهم العام في الحياة من خلال تمسكهم بالمظاهر الدينية وحرصهم الشديد على إظهار تلك المسلكيات الشكلية الظاهرية والتي يجدون إنها تعبير عن الأخلاق ، وكذلك يجدون الأخلاق في تمسك المرأة على سبيل المثال بالحجاب الإسلامي وغير ذلك من المظاهر الدينية الشكلية ، بينما في الغرب نجد أن معيار الأخلاق يكون في مقدار ما يبديه الفرد من احترامه للقانون الذي وجد لخدمته ويجد أن الأخلاق تعني المحافظة على نظافة وطنه وفي الصدق في التعامل وعدم الغش والأمانة العلمية ونظافة اليد ونبل المقصد وتبني مرجعية الضمير المسئول وفي عدم استغلال الفرد لمنصبه في المنفعة الشخصية ، أما ما ينتهجه في مسلكايته الشخصية فأمر يخصه لوحده ويجب أن لا يضر به أحداً ، وكثيراً ما يردد الإسلاميون وبسذاجة مطلقة من أن حضارة الغرب هي حضارة الأفخاذ العارية وحضارة منزوعة الأخلاق ، فالمشكلة ليست في تلك الأفخاذ العارية بل المشكلة في إننا نرى الأخلاق وفق معيارنا نحن فقط ووفق ما نراه من خلال عيوننا فقط ، كما يقول المفكر سيد القمني :
نحن نرى الغرب بعيوننا التي لا ترى في حضارتهم سوى الأفخاذ العارية ، لأننا بين الأفخاذ نركز عيوننا ، فيكون العيب في عيوننا وليس في الأفخاذ ..



#محمود_كرم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأنثى ولذة العقاب
- استنطاق الأفكار وآفاق التأمل
- الدنيا في عيونهم
- يموت الزمار وأصابعه تلعب
- كيف أرسمُ وجه حبيبتي
- المجازفة خَلقٌ جميل
- هزيمتان في الغرام
- الحب اخترعه المترفون
- المسلمون والعقلية الانفعالية
- المرأة وتجليات الأصوليين
- الفضاء تحت الوصاية الدينية
- كيف تراني ؟
- امتزاج الثقافات وضرورة الحوار
- نعم للبقصم لا للإرهاب
- فبراير وتجليات الذاكرة
- نقرأ القرآن ولا نقرأ الحياة
- الحسين في المزاد العاطفي والأسطوري
- حينما تصبح هويتنا الدينية رصيدنا الوحيد
- زبدة لوبارك تحت المقاطعة
- هل تسير شعوبنا في ركاب الإرهابيين


المزيد.....




- محكمة العدل الدولية تصدر-إجراءات إضافية- ضد إسرائيل جراء الم ...
- انتقاد أممي لتقييد إسرائيل عمل الأونروا ودول تدفع مساهماتها ...
- محكمة العدل تأمر إسرائيل بإدخال المساعدات لغزة دون معوقات
- نتنياهو يتعهد بإعادة كافة الجنود الأسرى في غزة
- إجراء خطير.. الأمم المتحدة تعلق على منع إسرائيل وصول مساعدات ...
- فيديو خاص: أرقام مرعبة حول المجاعة في غزة!!
- محكمة العدل تأمر إسرائيل بفتح المعابر لدخول المساعدات إلى غز ...
- مسؤول أممي لبي بي سي: -المجاعة في غزة قد ترقى إلى جريمة حرب- ...
- الأونروا تدعو لرفع القيود عن وصول المساعدات إلى شمال غزة
- الأمم المتحدة: هناك مؤشرات وأدلة واضحة تثبت استخدام إسرائيل ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محمود كرم - الأنسنة في الفعل الأخلاقي