أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - غسق أزرق














المزيد.....

غسق أزرق


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6065 - 2018 / 11 / 26 - 22:16
المحور: الادب والفن
    


" طق، طق، طق.. "، يتواصل الطرق في سمعي مع وقع الخطى على سقفي.
كانت ساعة الغسق، لونه الأزرق القاتم يُغرق رويداً نصاعة طبقة الجليد، المتقمصة شكل الأرض. وإنها ساعة المطبخ، اعتاد فيها على الاستمتاع بتحضير أحدى الوجبات كي أتناولها مع رشفات من النبيذ الأحمر. ولكن علي أن أنسى الوجبة والنبيذ، أن أتغذى في المقابل بالمرارة.. والحقد. أجل، هذا شعور ليس بالجديد علي ولطالما اشتعل في آناء الليل والنهار بفعل حطبٍ مجانيّ. وإنه بالمجان أيضاً، الماء البارد المتدفق دائماً من صنابير ثلاثة، علاوة على الدُش، مسهماً في حفلة الإزعاج والنكد. معذبتي، كانت تتراءى لي خِلَل طبقة السقف شبه الزجاجية، متقافزة ومعولة ـ كأنثى الضبع، وهيَ تُطلق خفخفةً مرعبة في كل مرة تتهيأ فيها للانقضاض على فريسة اصطادتها وحوش أخرى، منافسة.
أتنقل بدوري من حجرة إلى أخرى، حاملاً جهاز التنضيد الإلكتروني، علّني أحظى بفرصة للكتابة. إلا أنّ الضبع، بما تملكه من خبث لا يُضارع، كانت تحبط كل حيلي. فيمضي الغسق بأثر الأصيل، ويحل الليل ثم الفجر. لا طعام، لا كتابة، لا نوم.. لا شيء سوى: " طق، طق، طق! ".
صمتٌ مفاجئ. لا أعرف كم الساعة. أي حركة، قد توقظ الضبع. ولكن لا، إنها لا تنام أبداً. كأنها روح طوطم أسلافها الأفارقة، المنحني على الرعية المنهكة جوعاً وعطشاً. إلا أن الماء مجانٌ في بلد الفايكنغ، وفي الوسع إهداره ليلاً نهاراً لغاية وحيدة، مَوْصوفة آنفاً.. طق، طق، طق!
أصعد إليها، أخيراً. أو بالأصح، أجدني فجأة أمام باب كهف الضبع. كيفَ حلّ الغسق الأزرق، مجدداً؟ بدا أنني كنتُ أهوّم قبلاً، بحيث تهيأ لي تقلّب الليل والنهار. لا بأس، الغسق ساعة مناسبة للضربة القاضية. ضجة الأولاد في الدور الأسفل، فضلاً عن فكرة انشغال ذويهم بشؤون الطبخ بعد العودة من العمل، كلّ ذلك حفزني على التحرك. وها أنذا أمام باب الشقة، أقف متردداً خائفاً. خطوة أخرى، يمكن أن تقرر مستقبلي كله. وبينما كنت أختنق بهذه الفكرة، إذا بي أباغت بكون الباب موارباً. أدفعه بطرف العصا الغليظة، المنتزعة من مكانها في الحمّام، ثم أخطو إلى الداخل وكان مشمولاً بالعتمة وكأنما هو فعلاً كهفٌ من الكهوف. آه، وهذه هيَ الضبع أيضاً! لم أميّزها في الظلمة، بل إنه صوت خفخفتها المرعب، المنذر، مَن أعلمني بوجودها. وما لبثت شمعةٌ، ذات ساق طويل، أن أضيئت في عمق المكان كي تؤكد ظنّي: كانت جالسة بوضعية التأهب للوثوب، مكتسية بثوب على شكل الجلد المرقط، شعرها المجعد منتصب كما يرى المرء في لوحات تصور الساحرات. لوحت العصا بوجهها، دونما أن يفارقني التردد من اقتراف العمل المطلوب. وكان ردها، إمساك جذر شجرة ضخم وقذفي به دونَ تصويبٍ. في اللحظة التالية، وبينما استقر الجذع خلفي بلا أيّ ضرر، اندفعت على غرة بضع هررة صغيرة من خلف الكائن المشوه الشبيه بالضبع. وعبرَ بابٍ ما، بان لعينيّ فجأة، ما عتمَ أن تسلل حيوان أكبر حجماً كان من الصعب التيقن بأنه أم أولئك الهررة. تراجعت رويداً، إلى أن مست يدي جذع الشجرة، فتناولته بلمحة ثم قذفته بكل قوتي فوق رأس راعية القطيع الشيطانيّ: " ستخرج هذه الحيوانات ورائي، وترعب الأطفال المشغولين تحت بألعابهم. فيشتكي أهاليهم على قرين الشيطان! "، كذلك فكرت فيما كنت أولي الأدبار من المكان المنحوس.
صراخ أولئك الأطفال، المتصاعد إلى موقفي وراء باب شقتي، زلزل كياني فجعلني أرتجف بارتياع. فأن فكرة أخرى، سقطت لحظتئذٍ على أم رأسي: " قد يكون فرغلاً، ذلك الحيوان المعتقد أنه أم الهررة؟ ". بقيَ الصراخُ يدوي في رأسي، بينما أزرق الغسق يتحول إلى عتمة شاملة تغرق كل شيء من حولي، وفيما الخطى المرعبة تهز السقف: " طق، طق، طق! ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شيرين وفرهاد: الفصل السادس 2
- شيرين وفرهاد: الفصل السادس 1
- شيرين وفرهاد: بقية الفصل الخامس
- تورغينيف وعصره/ القسم الخامس
- شيرين وفرهاد: الفصل الخامس 2
- شيرين وفرهاد: الفصل الخامس 1
- شيرين وفرهاد: الفصل الرابع 5
- طريدة منفردة
- شيرين وفرهاد: الفصل الرابع 4
- تورغينيف وعصره/ القسم الرابع
- شيرين وفرهاد: الفصل الرابع 3
- تورغينيف وعصره/ القسم الثالث
- شيرين وفرهاد: الفصل الرابع 2
- تورغينيف وعصره/ القسم الثاني
- شيرين وفرهاد: الفصل الرابع 1
- تورغينيف وعصره
- شيرين وفرهاد: الفصل الثالث 5
- شيرين وفرهاد: الفصل الثالث 4
- شيرين وفرهاد: الفصل الثالث 3
- متاهة


المزيد.....




- سلطنة عمان تستضيف الدورة الـ15 لمهرجان المسرح العربي
- “لولو بتعيط الحرامي سرقها” .. تردد قناة وناسة الجديد لمشاهدة ...
- معرض -بث حي-.. لوحات فنية تجسد -كل أنواع الموت- في حرب إسرائ ...
- فرقة بريطانية تجعل المسرح منبرا للاجئين يتيح لهم التعبير عن ...
- أول حكم على ترامب في قضية -الممثلة الإباحية-
- الموت يفجع بطل الفنون القتالية المختلطة فرانسيس نغانو
- وينك يا لولو! تردد قناة وناسة أطفال الجديد 2024 لمشاهدة لولو ...
- فنانو الشارع يُحوِّلون العاصمة الإسبانية مدريد إلى رواق للفن ...
- مغن كندي يتبرع بـ18 مليون رغيف لسكان غزة
- الغاوون ,قصيدة عامية بعنوان (العقدالمفروط) بقلم أخميس بوادى. ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - غسق أزرق