أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - شيرين وفرهاد: الفصل الثالث 5














المزيد.....

شيرين وفرهاد: الفصل الثالث 5


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6047 - 2018 / 11 / 7 - 23:05
المحور: الادب والفن
    


" سيكون في المنزل حتماً، بما أنه في سنّ التقاعد "، قالها لصهره السوريّ حينَ همّ بالنزول من السيارة. وكان قد غمز بعينه، مردفاً في نغمة مرحة " إلا إذا كان في عداد الراحلين، أو المفقودين! ". بادله الابتسامَ للمزاحة، المتوافقة مع ما يعلمه عن مصير شخصيات السيرة. ما لبث الآخرُ أن غاصَ في ظلال المنزل المنيف، بينما كان يمسح العرق عن جبهته بباطن كفّه. أمام الباب، أتخذ هيئة صارمة تتناسبُ ووجاهته. هذه، كانت عادة لاحظها " دلير " عند أغلب المنحدرين من خلفية ريفية: تصنّعُهم العظمة والخيلاء أمام ابن المدينة الأصليّ، للإيحاء بخطورة شأنهم وثقل مسؤولياتهم مقابل ما يتوهمون لديه من ميل إلى الخداع والغش.
" الحاج انتقل إلى رحمة الله قبل عدة أعوام، وذلك أثناء أدائه العمرة. ويقال، أنه أوصى بدفنه في أرض الحجاز الطاهرة لما أشتدّ عليه المرض هنالك "، هكذا تكلّم المستأجرُ وهوَ يلوّح بيديه. وكان " إدريس " قد عادَ إلى طبيعته البسيطة، بمجرد سماعه لهجة الرجل الموحية بجذوره الجبلية. حتى أنه ربت على كتفه بمودة، رداً على ما أفضى به من معلومات ضافية، ضرورية. إذ أوضحَ أن الابن الكبير لمَن دعاه، " الحاج "، أخذ مكان أبيه في إدارة محل الأثاث ذاك، الكائن في حي غيليز الراقي. ثم غابَ الرجلُ دقيقة، ليعود ويمدّ يده للسائل الخطير الشأن: " هاكَ كرتَ المرحوم، وفيه عنوان المحل "
" سندع السيارة أمام باب المنزل، كي نتجول قليلاً في الضاحية "، أوصاه السائلُ بنبرة آمرة هذه المرة. أحنى المستأجر رأسه في وداعة، قبل أن يلتفت إلى الخلف ليصرخ على أحدهم: " انتبه لسيارة السيّد، ولا ترفع عينك عنها! ". ثم سارَ خطواتٍ وراء السيّد، وكأنما ينتظر منه أعطية ما. إلا أنّ " إدريس " لم يعُد يعبأ بالالتفات نحوه. انتظرَ خروج صهره من المركبة المتهالكة المغبرّة، وما عتمَ أن أقفل بابها بالمفتاح.

***
بخطواته الواسعة، راحَ " إدريس " ينقل جرمه الضخم على درب الضاحية الرئيس، المفروش بإسفلت غابت صفته تحت طبقة من الغبار. وكان صهره يتوق لمعاينة ذلك المنزل، الذي خلّفاه وراءهما؛ هنالك أين أقام على التوالي عدد من أبطال السيرة أو وجدوا أنفسهم فيه لسبب من الأسباب. فلما صارَ أكثر قرباً من قريبه، فإنه باحَ له بمكنون رغبته. عقّب هذا في شيء من الضيق، وكان ما ينفكّ يمسح العرق عن جبينه: " لو أخبرتني قبلاً، لضربتُ بابَ المنزل بقدمي ودخلنا! ". ثم تابعَ، مومئاً إلى الناحية المعمورة من الدرب: " إنه لا يختلف عن باقي منازل الضاحية، مثلما ترى "
" بل إنه على خلاف ذلك، لناحية مهمة أنت تعرفها "
" نعم، أدركُ ما تعنيه. على أيّ حال، نحن في طريقنا إلى تلك الفيللا ولعلنا نجد حجّة لولوجها حتى لو كان أصحابها قد ماتوا أثناء حجّهم إلى الفاتيكان وأوصوا بأن يدفنوا فيه! "، قالها منهياً جملته بقهقهة جعلت كرشه ترتج تحت ردائه. وكان " إدريس " يكاد لا يغيّر ملبسه، المكون من جلابة رمادية مخططة فوق بنطال أسود. وبينما صدى الضحكة يضمحل في جو الغسق الخانق، كانت الشمس تسحبُ آخر أشعتها من فوق أسطح الفيللات، المترائية عن بُعد كأنها نتوءات في خط الأفق.
" الكَور، أخذوا في التمدد إلى خارج مراكش سعياً وراء الهواء النقيّ والهدوء والأمان. لقد امتلكوا معظم رياضات المدينة القديمة، ويظهر أنّ هدفهم الآنَ الاستيلاء على الأراضي الريفية لإنشاء المزارع والكروم والمناحل "، تمتمَ المرافقُ الضخم بلهجة يصعب التيقن مما لو كانت تحفل بالفخر أو السخط. إلا أن كلام ابن حميه عن " الكَور "، أوقظ هذه الفكرة في رأسه: " أليسَ من الممكن أيضاً أن يكون الجنرال قد باعَ المزرعة لهم، بما فيها الفيللا؟ ".

***
لاحت مجدداً هاماتُ النخيل، المنكسة رؤوسها بكسل فوق المشهد المظلم لعمائر المدينة وشوارعها وميادينها وعرصاتها. الأصوات المنكرة، الداعية لصلاة العشاء، المرددة من مكبرات مآذن المساجد، كانت تطغى على الضجة المعهودة لمختلف المركبات والدراجات النارية. على جانبيّ الشارع الرئيس، المنحني في وصوله إلى مدخل باب دُكالة، كانت عشرات العائلات تفترش الأرضَ وهيَ تتناول الأطعمة أو تتفاكه وتتسامر على وقع أقداح الشاي المنعنع. لأول مرة منذ إيابه للمدينة الحمراء، تتألق سحنة " دلير " بالبشر على أثر إطلاعه على الكرت الخاص بمحل الأثاث التقليديّ، العائد لذلك العجوز المدفون في أرض الحجاز المقدسة. لقد هزه ما سُجّل على ظهر الكرت الذابل، الحائل اللون، فجعل شريط الذكريات يمر مرة أخرى أمام ناظريه:
" الحاج لاوند جان
تجارة عامة وتعهدات "







#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شيرين وفرهاد: الفصل الثالث 4
- شيرين وفرهاد: الفصل الثالث 3
- متاهة
- شيرين وفرهاد: الفصل الثالث 2
- شيرين وفرهاد: الفصل الثالث 1
- شيرين وفرهاد: الفصل الثاني 5
- شيرين وفرهاد: الفصل الثاني 4
- شيرين وفرهاد: الفصل الثاني 3
- شيرين وفرهاد: الفصل الثاني 2
- شيرين وفرهاد: الفصل الثاني 1
- شيرين وفرهاد: الفصل الأول 5
- شيرين وفرهاد: الفصل الأول 4
- شيرين وفرهاد: الفصل الأول 3
- شيرين وفرهاد: الفصل الأول 2
- جزيرة مهجورة
- شيرين وفرهاد: الفصل الأول 1
- زين وآلان: الفصل السابع 5
- شجرتان وأسطورة صغيرة
- زين وآلان: الفصل السابع 4
- زين وآلان: الفصل السابع 3


المزيد.....




- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - شيرين وفرهاد: الفصل الثالث 5