أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - شيرين وفرهاد: الفصل الثاني 3














المزيد.....

شيرين وفرهاد: الفصل الثاني 3


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6038 - 2018 / 10 / 29 - 20:55
المحور: الادب والفن
    


" إدريس "، المنتظر صهرَهُ في السيارة، كان منحنٍ على المقود بجذعه الضخم. بمجرد أن لمحه ينبثق من منحنى الزقاق، ترجل من السيارة في تأنّ نظراً لحركة السيارات على الشارع. فأضحى عندئذٍ أشبه بشجرة التين الضخمة، المهيمنة مع ظلالها على المكان. ما لبثا أن تعانقا كصديقين أكثر منهما قريبين، وبحرارة أشهر الفراق الطويلة. لاحظ " دلير " حالاً ما جدّ من تغيّر على ابن حميه، فيما كان نظره يطوف فوق لحيته الخفيفة، المشوبة بشيء من الشيب، نزولاً إلى كرشه الكبير المنتفخ تحت الجلابة الرمادية اللون: " أختك تدّعي أنك في مثل عُمري، مع أنني أبدو كابنك! "، قال له مُداعباً. أطلق القريبُ ضحكة منغّمة، على غرار من يُدَغدغ في خاصرته، قبل أن يعلّق بصوته الخشن: " السكّري، يا صاحبي، أهلكني في الآونة الأخيرة. ولكنني لا أعبأ بأيّ حميّة تحرمني من اللحوم والحلوى، كما أنني أستخدم السيارة حتى في المشاوير القصيرة "
" لن نحتاج لها اليوم، وسيكون المشي مفيداً لصحتك "، قالها الصهرُ مبتسماً. وكان قد قرر استهلال تقصّيه عن أحوال أبطال القصة بهذا الحيّ نفسه، أين المفترض أن تسكنه " خولة ". عقّبَ " إدريس " بنبرة متشككة: " اللهم ألا أن تكون السيدة قد انتقلت لمنطقة أخرى ". ثم أردف متسائلاً، " في الوسع معرفة عنوانها من قسم شرطة المقاطعة، ما قولك؟ "
" في الشام، نلجأ عادةً إلى الحلاقين. وسنبدأ بذاك الأقرب إلينا، طالما أنني زبونه القديم على أيّ حال "، أرفق قوله بالتلويح إلى الجهة المقصودة. وكان دكان الحلاق قابعاً على الطرف الآخر من الشارع، في زاوية مقابلة لباب السور الأثريّ. النهار، كان يُغري بالتسكّع حقاً. فالحرارة معتدلة، والجو من الصفاء أن بانت بوضوح قمم الأطلس، الحالقة القصية. همّ " إدريس " بإقفال السيارة، فتساءل صهره ما إذا لم تكن في مكان مخالف لقانون السير. فأجابته قهقهة في غاية المرح والرضا: " يا نسيبي، هذه السيارة لم يجرؤ على مخالفتها أحد منذ أن امتلكتها قبل نحو عشر سنين! ".

***
كأنما الحلاق كان بانتظارهما، وهوَ في جلسته حَذاء المحل المتواضع الواجهة، المغمور بأشعة الشمس. ولكنها سرعان ما ذبلت، ابتسامتُهُ المتفتحة لمرأى الزبون الغريب، المُعرَّف بالسخاء. فإنهما كلاهما، الرجل السوريّ ومرافقه المغربيّ، كان شعره مقصوصاً حديثاً وكذا ذقنه حليقة بعناية. على ذلك، نهضَ الحلاقُ متثاقلاً لتلقي اليدَ الممتدة بالمصافحة. وقال بحزن، رداً على سؤال الرجل الغريب عن الأحوال: " مهنتنا راكدة عموماً. صارَ من النادر أن نرى الشبان، سوى في عشيات الأعياد. وهذا سببه أجهزة الحلاقة الشخصية، الكهربائية والمتطورة "
" الله يكون في العون! "، قال له المرافقُ المغربيّ الضخم. ثم دخل في موضوع الزيارة، رأساً وبلا تمهيد: " الحقيقة يا صاحبي، أننا جئناك متأملين أن تعيننا في معرفة عنوان أحد ساكني هذا الدرب ". هنا، دبّت الحيوية بالحلاق من جديد طالما أنه يأمل في إكرامية مقابل ما يملكه من معلومات. فبادر فوراً إلى دعوة الرجلين إلى داخل المحل. ثم ارتفع صوته هنالك، لما توجه إلى معاونه يأمره بالذهاب للبيت لإحضار الشاي والحلوى. وكان " دلير " يعرفَ قبلاً، أنّ هذا هوَ الابن البكر للحلاق. كان الفتى متجاوزاً سن المراهقة، أسمرَ دميمَ السحنة، على خلاف والده ذي الوجه المعتدل القسمات والحنطيّ اللون.
بعد حوالي نصف ساعة، غادرَ كلاهما محل الحلاق بشفتين نديتين وطريتين من أثر الشاي المنعنع والحلويات البيتية. ولكن " دلير " كان منقبض النفس، فبقيَ محتفظاً بالصمت لحين وصوله إلى مكان السيارة: علم من الحلاق، المعتبر دليل الحارة، أنّ " خولة " باعت منزلها قبل أن تلحق بزوجها في مكان عمله بالدار البيضاء. المحزن في الخبر، فوق ذلك، موت ابنتها الشابة وكانت تعاني من علّة الصرع.
" إدريس "، راحَ يتهادى بتثاقل على الدرب؛ كأنه قرصان عريق، لم تعتد قدماه وطء اليابسة. إنه لاحظ ولا شك ما اعترى ملامح نسيبه من ضيق، فحاول التهوين عليه بالقول مازحاً: " لا بأس، لقد أمدّينا همتنا بالوقود ". هز " دلير " رأسه ورد بلهجة جدية، " ما علينا الآنَ إلا الانطلاق لاستكشاف المكان الآخر، المتحصن فيه باقي أقارب المرأة ". كان يقصدُ فيللا الأسرة المُحسنة، الكائنة في مدخل غيليز من جهة المدينة القديمة، حيث سبقَ لمحامي " شيرين " أن دلّه عليها ذات مرة.
" قبل ذلك، سنرتاح قليلاً في البيت ونؤدي معاً صلاة الظهر في مسجد الزنقة "، أقترحَ عليه قريبه مع علمه بأنه لا يصلي في أيّ مكان. ألتزمَ بالصمت، فيما كآبة داخله تتبدد بفعل هذه الفكرة: " إنها سيجارة الحشيش، لا صلاة الظهر، مَن عنت على بالك يا بن عمي! ". هكذا ترك له ساعده ليتأبطه، ثم قطع معه الشارع باتجاه البيت.
" لو كان الغداء دجاجاً مشوياً على يد عجوزتك، الماهرة والكريمة، فإننا لن نفوته بطبيعة الحال! "، قالها مقهقهاً بصخب الرجلُ الضخم الأشبه بالقرصان.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شيرين وفرهاد: الفصل الثاني 2
- شيرين وفرهاد: الفصل الثاني 1
- شيرين وفرهاد: الفصل الأول 5
- شيرين وفرهاد: الفصل الأول 4
- شيرين وفرهاد: الفصل الأول 3
- شيرين وفرهاد: الفصل الأول 2
- جزيرة مهجورة
- شيرين وفرهاد: الفصل الأول 1
- زين وآلان: الفصل السابع 5
- شجرتان وأسطورة صغيرة
- زين وآلان: الفصل السابع 4
- زين وآلان: الفصل السابع 3
- أُضحِيّة
- زين وآلان: الفصل السابع 2
- زين وآلان: الفصل السابع 1
- زين وآلان: الفصل السادس 5
- زين وآلان: الفصل السادس 4
- زين وآلان: الفصل السادس 3
- زين وآلان: الفصل السادس 2
- زين وآلان: الفصل السادس 1


المزيد.....




- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - شيرين وفرهاد: الفصل الثاني 3