|
زين وآلان: الفصل السادس 4
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 6014 - 2018 / 10 / 5 - 19:16
المحور:
الادب والفن
إبانَ الغروب، أكملت الشمسُ انتقالها من قرن الشيطان الأيمن إلى الأيسر. الطيورُ، هجعت في محطاتها ما قبلَ الأخيرة على أفاريز المساجد وغيرها من الأبنية العالية، منتظمةَ الصفوف أو متخلخلة، كما لو أنها أحرفٌ لاتينية سوداء في مخطوطٍ عفا عليه الزمن. روّادُ المقاهي، وغالبيتهم موظفون أو مستخدمون عائدون من أعمالهم، يتبادلون الحديثَ بينما أعينهم لا تغفل عن مراقبة هذه السائحة الأوروبية وتلك، غابطين أولادَ بلدهم المتغربين في فراديسٍ تجهلُ ذكرَ الله وقرنَ الشيطان على حدّ سواءً. الأضواءُ تغمر رويداً الساحة، بدءاً من المصابيح الكهربائية المبهرة للمحلات المسوّرة مدخل سوق السمارين، والتي لن تلبث أن تجاريها مصابيحُ غازٍ ستُضيء مظلاتِ العطارين ومحترفي نقش الحناء وقراءة الكف، لتتناثرَ بينها هنا وهناك شموعٌ من كل صنف لبسطات باعة الفوانيس وألعاب الأطفال. هيَ ذي أنوارٌ أخرى، تصدرُ عن حلقات الفرق المحلية مع تصاعد موسيقى آلاتها البدائية والحديثة؛ أنوار وموسيقى وغناء ورقص وتصفيق، ستبقى تتلاعبُ بهذه الساحة حتى لحظة انفجار جملة " الله أكبر " من مكبّر صوت منارة مسجد الكتبية؛ المنارة العظمى، المهيمنة على مشهد المدينة الحمراء كله. وكان " سيامند " ما يفتأ غارقاً في أفكاره، بينما عشيقته تنثرُ ثرثرتها في الفراغ الفاصل بينَ جلستيهما خلف الطاولة الضيقة، الملتصقة بحافة سور الترّاس من جهته المشرفة على ساحة السحر والأعاجيب. أفاق من لجّة الفكر على تساؤلها، المشفوع بإشارة يدها نحوَ تلك الجهة: " كأني بهم غير عالمين أنها ليلة رأس السنة، أم أنهم يتجاهلونها كمناسبة خاصّة بالكَاوري؟ " " أعتقدُ أنهم يتجاهلونها للسبب المذكور، طالما أن لديهم رأس سنة هجرية " " بل إننا، نحن المغاربة، نهتم أكثر بعيد الميلود " " وما هوَ هذا الميلود؟ "، سألها بدَوره ثم ما عتمَ أن أستدركَ: " ربما تقصدين عيدَ المولد النبوي، أليسَ كذلك؟ ". هزت رأسها، الملمَّع لونه العسليّ كالذهب تحت ضوء المصباح الكهربائيّ العاري، المنتصب على حافة الترّاس. هنا، جالت في ذهنه فكرةٌ سرعانَ ما نقلها لجلّيسته: " أتدرين، أنني كنتُ أعتقد اسمَ ‘ ميلود ‘ قد اشتق من مصدر بربريّ؟ " " نحن الشلوح، لا نطلق على أولادنا سوى أسماء إسلامية "، قالتها مشددة على الصفة الأثنية وكأنما بغيَة توضيح تسميتها الصحيحة. إلا أنه كان عندئذٍ مشغولاً بفكرة أخرى: " ما يظنه كثيرون أنها أسماء عربية إسلامية، إنْ هيَ في حقيقتها إلا أسماء عبرية مذكورة في التوراة " " ليسَ ذلك بالغريب، طالما أنهم أهلُ كتاب مثلنا! ولكن، هل جرى لعلمك أن الشلوح أنفسهم كانوا أساساً على الدين اليهوديّ قبل إسلامهم؟ " " نعم. وأظن أنه صديقي، عبد الإله، مَن ذكر لي المعلومة " " إنه شخصٌ طريف، هذا على الرغم من أنّ لخطيبتك رأيٍ آخر فيه "، قالتها مشددة هذه المرة على صفة سكرتيرته. ومع أنّ " سيامند " يبتسم عادةً لطريقتها الطريفة في التعبير، إلا أنّ فكرة جديدة رفرفت فوق رأسه ولو لم تشأ أن تجري على لسانه: " علاقتها مع زين توثقت على ما يلوحُ، وتحديداً مذ بدأت تجلسها أمامها لساعاتٍ كلّ مرة كي تنجز لها رسمَ بورتريت ". إ لى الأمس القريب، كانتا تتبادلان مشاعرَ الكيد والكراهية على مألوف عادة الضرائر. وهيَ ذي إحداهن، تنافحُ عن الأخرى وتحذره من مغبة عدم الاقتران بها: " ولكن مَن منهما الموجب والسالب، لو أنها علاقة قائمة على إشباع ميول منحرفة؟ "، تساءل في نفسه وكان يتفحّص عن كثب هيئة عشيقته " السهلة المنال ". كان قد تناسى ( أو بالأصح دفنَ تحت تراب الذاكرة )، ما سبقَ وتناهى لعلمه من أقاويل في شأن العلاقة الجسدية بين " خطيبته " ومخدومتها الأولى. تلك السيّدة السورية، " سوسن خانم "، المحيطة ذاتها بهالة الأصل النبيل، لم تأبه أن يُثلِمَ حدَّ سمعتها ما كان يُشاعُ أيضاً عن اشتراكها بعلاقة مماثلة مع مرافقتها السابقة. " آه، أهذا ما قصدته هيَ قبل قليل آنَ مقارنتها بيني وبين أخي الراحل؛ زوج تلك المرافقة! "، غمغم بهذه الفكرة في أغوار نفسه الطافحة بألم الشكوك والريَب. في الأثناء، كانت " غزلان " ما تنفكّ تنتظر ردّة فعله فيما ذكرته عن ذلك الصديق. وبالطبع، كانت ابتسامتها توحي بكونها خالية الذهن مما شغلَ فكره. على أن داخله أنتفضَ على حين بغتة، حينَ تذكّرَ مقدرتها على قراءة ما يجول في رؤوس الآخرين. ظل يتفرّس فيها كما ذي قبل، محاولاً جلاءَ ما يكمن وراء بسمتها المخادعة. صوت المؤذن، الداعي لصلاة المغرب، أمكن سماعه بوضوح شديد مع توقف الساحة كلياً عن إصدار جلبة الموسيقى والطبول والغناء. عند ذلك، نظرَ " سيامند " في ساعة يده وقد بدا قلقاً حيال التزاماته في خصوص حفلة رأس السنة. فلما عادَ وتنهّدَ بارتياح، مطمئناً لفكرة أنَ معاونيه يقومون بواجبهم دونما حاجة لمعونته، فإن ملامحه سرعانَ ما آبت للكدر مع سطوع صورة أحد أولئك المعاونين.
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
زين وآلان: الفصل السادس 3
-
زين وآلان: الفصل السادس 2
-
زين وآلان: الفصل السادس 1
-
زين وآلان: الفصل الخامس 5
-
زين وآلان: الفصل الخامس 4
-
زين وآلان: الفصل الخامس 3
-
زين وآلان: الفصل الخامس 2
-
زين وآلان: الفصل الخامس 1
-
قصة واقعية، وأخرى خيالية
-
زين وآلان: الفصل الرابع 5
-
زين وآلان: الفصل الرابع 4
-
زين وآلان: الفصل الرابع 3
-
زين وآلان: الفصل الرابع 2
-
زين وآلان: الفصل الرابع 1
-
زين وآلان: الفصل الثالث 5
-
زين وآلان: الفصل الثالث 4
-
زين وآلان: الفصل الثالث 3
-
زين وآلان: الفصل الثالث 2
-
زين وآلان: الفصل الثالث 1
-
زين وآلان: الفصل الثاني 5
المزيد.....
-
قناديل: أرِحْ ركابك من وعثاء الترجمة
-
مصر.. إحالة فنانة شهيرة للمحاكمة بسبب طليقها
-
محمد الشوبي.. صوت المسرح في الدراما العربية
-
إيرادات فيلم سيكو سيكو اليومية تتخطى حاجز 2 مليون جنية مصري!
...
-
ملامح من حركة سوق الكتاب في دمشق.. تجمعات أدبية ووفرة في الع
...
-
كيف ألهمت ثقافة السكن الفريدة في كوريا الجنوبية معرضًا فنيا
...
-
شاهد: نظارة تعرض ترجمة فورية أبهرت ضيوف دوليين في حدث هانغتش
...
-
-الملفوظات-.. وثيقة دعوية وتاريخية تستكشف منهجية جماعة التبل
...
-
-أقوى من أي هجوم أو كفاح مسلح-.. ساويرس يعلق على فيلم -لا أر
...
-
-مندوب الليل-... فيلم سعودي يكشف الوجه الخفي للرياض
المزيد.....
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
-
رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية
...
/ أكد الجبوري
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
المزيد.....
|