علاء الجبوري
الحوار المتمدن-العدد: 6062 - 2018 / 11 / 23 - 14:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الدور السياسي للعوائل في الانظمة الديمقراطية ( الانتخابات البرلمانية والمحلية) دراسة مقارنة
تملك العوائل المتنفذة او ذات الاغلبية او من لها حسب ونسب تأثير في الحياة السياسية في بلدان العالم الثالث وكذلك في الدول الاوربية الا ان التأثير في الاخيرة انخفض بنسب متفاوتة لصالح التنظيمات السياسية الحديثة مثل الاحزاب السياسية والنقابات واتحادات العمال, الا ان دول العالم الثالث لا زالت تعاني من هذه السيطرة للعائلة على الحياة السياسية وتبرز بشكل اكبر في الانتخابات سواء البرلمانية او المحلية , ففي هذه البلدان كانت العائلة دائما في المقدمة من اجل تحقيق مكاسبها والحفاظ على مكانتها , ففي مصر شهدت الانتخابات التشريعية لعام 2015م حسب تقرير اعده مركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية تصدرت العائلات التي تتمتع بنفوذ سياسي المشهد الانتخابي، مشيرا إلى أن العائلات حرصت على استمرار تمثيلها في البرلمان بشكل متواكب مع التطورات السياسية، التي طرأت على الدولة بعد ثورتي 25 يناير و30 يونيو سواء من خلال ترشيح الوجوه الشبابية من أبنائها أو عقد مجمع انتخابي للإجماع على مرشح من أبنائها، وذلك للحفاظ على تمثيلها داخل مجلس النواب, مثال ذلك الحزب الوطني وعلى مدار العقود الثلاثة الماضية اعتمد على هذه القوى سواء في الانتخابات التشريعية أو المحلية لما تمثله من بنية اجتماعية وسياسية متماسكة, واشارت الدراسة الى ان هناك اتفاق بشان "العائلة" التي تلعب دورًا مهمًا في تفاعلات النظام السياسي المصري، ليس فقط من خلال الانضمام للأحزاب السياسية أو المشاركة فى الانتخابات العامة ترشحًا أو انتخابًا، بل كان لها تأثيرها فى مجريات العملية السياسية فى مختلف العهود.
اما في لبنان فتشكل الوراثة السياسية أحد الأركان التاريخية التي يقوم عليها النظام في لبنان، حتى بات هذا البلد الصغير يعتبر نموذجا في انتقال الزعامة من الأجداد والآباء إلى الأبناء والأحفاد والأقارب, ويمكن القول إن بعض البيوت السياسية عملت على مجاراة التطور المجتمعي وأسست اعتبارا من القرن الماضي أحزابا وتيارات، لكنها أبقتها تحت الرعاية العائلية, بذلك فهي الاخرى لم تخرج من الاطار العام لدول العالم الثالث حيث تسيطر العوائل فيها على مجالات الحياة السياسية بل ان لبنان تعاني ما يعانيه العراق في مسألة التوريث السياسي للمناصب من قبل تلك العوائل ففي كتابي الذي سيصدر قريبا (التوريث السياسي في البلدان العربية لبنان والعراق نموذجا) شرحت ذلك الامر بالتفصيل في سيطرة عوائل في كلا البلدين على المناصب العليا والمحلية من خلال ما تملك من وسائل تقليدية واخرى غير تقليدية تمكنت لسنوات من السيطرة على المناصب , يقول الاستاذ عمار سلامة استاذ العلوم السياسية في الجامعة الامريكية في بيروت " ان من أسباب وجود العائلات السياسية وقدرتها على جذب الناخبين سعي الجماعات الطائفية اللبنانية باستمرار لإيجاد زعماء معروفين يشكلون صمام أمان للجماعة وضمانة لحمايتها، علما بأن بيوتا سياسية جديدة أكدت حضورها في مراحل معينة مثل عائلة الحريري وعون وسعد وغيرها".
اما في العراق وبعد التغير السياسي عام 2003م وما صاحبه من تغير في كل المؤسسات السياسية فقد تمكنت بعض العوائل من السيطرة على تلك المؤسسات حتى انها اصبحت تسمى باسمها على لسان الافراد العوام البسطاء, ظهور هذه العوائل وتأثيرها لم يكن جديد بل هو قديم منذ تأسيس الدولة العراقية لكن التفاوت في الدور والعوائل كان حاضرا نتيجة تغير الانظمة السياسية والقابضين عليها تارة وتارة اخرى نتيجة عوامل اخرى منها محاولات الاحزاب تقليص الدور واخذ مكانها , ففي الانظمة الملكية التي حكمت العراق مارست العوائل دورها الكبير نتيجة ما اتيح لها من تسهيلات ودعم وعوامل اخرى مكنتها من التأثير على الحياة السياسية, استمرار الدور للعوائل ابان الحكم الجمهوري وان اختلفت العوائل ونسبة تأثيرها الا ان الدور بالمجمل العام بقي موجودا, ما يرافق التغير السياسي في كل البلدان التي تشهد تغيرات جوهرية يجعل من بعض العوائل تتسلق لتصل الى اعلى مستويات التأثير لها, مع توفر البيئة والتربة الخصبة لهذا التأثير , فالترابط الاسري الشديد والخضوع التام لشيخ العشيرة , او رب الاسرة مع انعدام الثقافة السياسية والقانونية وانتشار الامية وعدم التزام الاحزاب ببرامجها التي تطرحها وقت الانتخابات وتخلفها عن الوفاء في الوعود جعل من تلك العوائل تأخذ مكانتها اكثر فأكثر من اجل تحقيق مصالحها عن طريقين
1- المباشر: يتم ذلك من خلال ترشيح احد افرادها للانتخابات العامة او المحلية ودعمه بكل ما تملك من وسائل التأثير سواء العلاقات او الاموال, حصلت هذه الحالة كثرا في العراق بعد عام 2005م فهناك عائلات لا زالت في الدورات البرلمانية الاربعة واخرى في مجالس المحافظات غير المنتظمة بإقليم.
2- غير المباشر: يتم ذلك من خلال الاتفاق مع الاحزاب السياسية على جملة من النقاط بحضور شيخ القبيلة وقائد الحزب او المرشح الحزبي لتخضع العملية للمساومة او المقايضة , حيث تمكنت الاحزاب السياسية من الصعود عدة مرات الى قبة البرلمان او مجالس المحافظات من خلال هذه الطريقة التي اصبحت احد الطرق التقليدية المعروفة للأحزاب السياسية في تحقيق اهدافها واولها الوصول الى السلطة.
المتتبع للدورات البرلمانية في العراق منذ عام 2005-2018م ورغم التغيرات الكثيرة سواء من خلال النظام الانتخابي وطريقة تقسيم الاصوات او من خلال الاصلاحات والمناداة بها, او ظهور الاحزاب السياسية الكثيرة ومحاولاتها السيطرة على الجماهير وكسب الاصوات في كل انتخابات وغيرها من التغيرات, الا ان دور العائلة بقي مؤثر ولو بدرجات مختلفة تتفاوت من محافظة الى اخرى حيث تنشط في المحافظات الجنوبية والغربية وتقل في الوسط والعاصمة لكن تمكنت تلك العوائل من ممارسة دورها السياسي في الانتخابات فهناك عوائل حافظت على وجود ابناءها في الدورات التشريعية الاربعة واخرى انخفض دورها في فترة ونشط في اخرى وتمكنت من اعادة افرادها للسلطات الاتحادية والمحلية بل ان الاكثر من ذلك تمكنت عوائل من اصباغ العائلة على المؤسسة التي تتواجد فيها ولسنوات سواء من خلال الدعم والترشيح او من خلال التوريث والتوزيع العائلي للمناصب وترسيخ مكانتها حتى باتت تلك المؤسسات الحيوية العامة تسمى باسم ( ال فلان- ال فلان-) .
ختاما نرى في ظل استمرار توفر العوامل المشجعة لهذه العوائل وعدم جدية الاحزاب السياسية في التعامل مع برامجها المطروحة والابتعاد عنها من قبل الافراد لعدم الصدق في الوعود التي تطلقها في وقت الانتخابات والتفافهم حول العوائل التي باتت تعرف كيف تحقق اهدافها ومع انعدام الثقافة وضعف الوعي وعدم تسليط الضوء عليها من قبل الاعلام والجامعات سيكون لتلك العوائل تأثيرا ذات مستوى جيد في انتخابات مجالس المحافظات التي من المزمع اجراءها في الشهر القادم وحتى وان تأجلت للسنة القادمة سيبقى الدور السياسي للعوائل حاضرا وبقوة خاصة في ظل الظروف الحالية.
#علاء_الجبوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟