أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - احمد علي - حياتي الكردية















المزيد.....


حياتي الكردية


احمد علي

الحوار المتمدن-العدد: 1509 - 2006 / 4 / 3 - 11:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قراءة في مذكرات نورالدين زازا
في إحدى ليالي آب من العام 1967 ، يعبر رجل الحدود من سوريا إلى تركيا، تلك الحدود التي عبرها منذ 37 عاما في الاتجاه المعاكس ، هذا الرجل هو الدكتور نورالدين زازا، والذي بعبوره الحدود في تلك الليلة الخريفية ، يكون قد خلف ورائه 37 عاما من تاريخه الشخصي ، وحياة الكرد في سوريا ، في شبه قطيعة مع البلد الذي لم يحمل منه إلا القليل من الذكريات الحلوة ، بين فترات طويلة من الملاحقة والسجن المتكرر، والتعذيب ، من النضال ومن الانكسارات ، من التضحية والتضامن ومن الغدر أيضا. يغادر زازا سوريا بعد أن يقتنع ، بأنها لم تمنحه إلا حياة الكسل والخمول، والموت البطيء في السجون ، وبأنه لا يستطيع قط إفادة شعبه في تلك الظروف .
يرجع زازا إلى مادن، تلك التي لم تفارق مخيلته يوما، والتي يكتب عنها بعشق صوفي، كلما مر بمناظر جبلية تشبه تلك التي عشاها هناك، في مسقط رأسه في العام 1919 . مادن تلك الواقعة على منابع دجلة والمشهورة بإنتاج النحاس ، والتي انتقل إليها جده بتكليف من السلطان ، ليعيد بناء صناعة النحاس فيها ، تلك المهمة التي يقوم بها بنجاح، لتتحول مادن من قرية صغيرة إلى مدينة كبيرة ،منظمة ، وليصبح هو زعيماً، يعتد به في المنطقة بأسرها ، مما يثير حفيظة السلطان ، الذي يرسل في تعقبه 10 آلاف رجل، إلا إن الجد يتمكن من الهروب في زي ناسك متشرد، إلى أن تصل به الأقدار ليموت وحيدا في اليمن، وتكون تلك معركة العائلة الأولى ، مع أعداء الشعب الكردي ومستبديه.
في نهاية الحرب الأولى ، وفي تركيا العثمانية، كان من الطبيعي أن يولد المرء وأن يعيش كرديا،إذ كان الجميع عثمانيين ، وقلما يتم التمييز بين العرب والأتراك والكرد، كما يذكر زازا. لكن الظروف تغيرت بسرعة، فبعد انتصار مصطفى كمال على أعدائه، بواسطة الكرد، طوى شعاره المشهور، والذي يقول بأن تركيا تنتمي إلى أمتين، الأمة الكردية والأمة التركية، واقدم على اعتقال النواب الكرد في البرلمان، ومنع اللغة والثقافة الكردية لتصبح صفة الكردية تهمة، تلاحق الكردي من المهد إلى اللحد. لذا كان تنظيم المقاومة الكردية يفرض نفسه بقوة ، وقد تصدى لهذه المهمة بقوة خالد بيك جبري أحد سادة قبيلة جبران القوية في منطقة موش ، لكن الثورة التي حدد تاريخ انطلاقها بالسادس عشر من آذار 1925 ، انفجرت بشكل مفاجئ في السابع من شباط على اثر المناوشات بين رجال الشيخ سعيد ،الذي كان قد اقسم الولاء لخالد بيك جبري والقوات التركية ، حيث تتم دعوة خالد بيك إلى بدليس، لمناقشة مستقبل كردستان وليقتل غدراً هناك، ولتبدأ ثورة الشيخ سعيد بيران وتشمل مناطق واسعة وتنكسر على أسوار ديار بكر. وتبدأ مرحلة انتقام رهيبة في كردستان، التي يتم هدم وحرق أجزاء واسعة منها ،وقتل الآلاف ، وتهجير مئات الآلاف إلى المناطق التركية ، وتدخل عائلة زازا محنة جديدة مع السلطات ، باعتقال والده وأخيه الأكبر ، وعمه وابنه الذي يتم قتله ، بدعوى مساعدة الشيخ سعيد.
في العام 1930 وبعد فترة قصيرة من الهدوء ، يبدأ فصل جديد وحاسم في حياة نورالين زازا والكرد عامة، وذلك بقيام تنظيم خويابون ، بالمقاومة مجدداً في جبال آرارات، بقيادة إحسان باشا نوري، والتي تنتهي بسماح الشاه بمرور القوات التركية ومهاجمة الثوار من جهة إيران ، لتبدأ هنا موجة أخرى من القمع والقتل والإبادة ، وتهجير كل المثقفين من كردستان إلى تركيا، بمن فيهم الدكتور احمد نافذ الشقيق الأكبر لنور الدين، والذي يفضل المغادرة إلى سوريا، التي حملت إليها فرنسا الحرية والديمقراطية، على حد تعبير زازا. في دمشق يلتقي زازا بزعامات القومية الكردية المنفية ، من تركيا ، ويذكر منهم محمد واكرم وقدري أبناء جميل باشا، وحاجو اغا زعيم قبيلة هرفيكان في كردستان تركيا ، والأمير جلادت بدرخان والذي يصفه بأنه كان طويل القامة ذا لحية صغيرة ، ينحدر من سلالة أمراء، الأمارة الكردية الأخيرة في جزيرة بوتان. وخلال الأمسيات الطويلة التي كان يقضيها زازا مع هؤلاء، يتفتح وعيه على فكرة القومية الكردية.
دمشق تلك التي لم تكن قد وصلتها بعد موجات القومية الشوفينية البعثية، حيث يذكر زازا بأنه كان من بين الفرق الرياضية الشامية ، فريق كردي يسمى فريق كردستان، الذي فاز ببطولة المدينة لعام 1940 ، وكانت الصحف تكتب في صدر صفحاتها عن كردستان المنتصر ، هذه الأمور التي لا يمكن تصورها في دمشق البعث اليوم .

في سفرة من دمشق إلى عين ديوار، يقدم زازا وصفا للمناطق الكردية في سوريا، حيث كتب يقول : كانت مجموعة من الظروف والمصادفات تفصل هذا القسم من كردستان ـ يقصد كردستان تركيا ـ عن القسم الملحق ببلد أنشئ من أجزاء متناثرة من قبل فرنسا، ليصبح الدولة السورية فقد فصلت الجبال والسهول المغطاة بالرياض عنا بخطة تخالف إرادة الشعب الكردي.
عن القامشلي يقول ، كان سكان المدينة حينها من السريان الأرثوذكس والكاثوليك والأرمن ، أما العرب فقد كانوا موظفين من دمشق، ومزارعين من دير الزور، وكانوا قلة وكانت القبائل العربية لا تزال تعيش حياة البداوة ،وتنتقل مع مجرى رافدي الفرات الخابور وجعجع ، وما أن يسير المرء باتجاه شمال المدينة حتى يجد نفسه في قلب بلد كوردي . كما نشأت مدينة هامة جدا في الشرق على طريق القامشلي ـ عين ديوار حملت اسم القرية التي قامت في محلها، وهو ديريك ، كان في القرية دير وكانت تابعة إداريا لعين ديوار ولكن بسبب قرب الثكنات العسكرية كانت اكثر حيوية ونشاطا من عين ديوار .
ويذكر أن جبل الكرد آنذاك، وبسبب المشاعر القومية الكردية المنتشرة فيه، فقد أرسلت السلطات التركية أحد ضباطها، والذي تخفى في هيئة شيخ كردي، وقام بإشعال حرب أهلية في بداية العام 1939 واستمرت سنتين ، وأدت إلى مقتل اكثر من 10 آلاف شخص ، ودمرت المنطقة، وحينما انتهى الشيخ إبراهيم من مهمته اختفى بصورة غامضة، دون أن يترك أثراً.
بعد أن يستقر زازا فترة في الجزيرة، يقول بأنه ، لم يكن بإمكاني الوقوف مكتوف اليدين ، وقبول تقارب المخططات المتعددة التي تهدف إلى تدمير هذا الشعب، كما لم يكن باستطاعتي أن لا اشعر بالإهانة، وأنا أرى حرمان الفلاحين الكرد من حقوقهم، فلا يحق لهم التعبير بلغتهم الأم أمام رجال الدرك، والموظفون، وكانت الجماهير الفلاحية الكردية تعاني من الجهل والقيود الاجتماعية العشائرية الصارمة وفرض الزعماء الدينيين سلطتهم الكاملة عليهم، الأمر الذي جعلها غير قادرة على إدراك مدى بؤسها المادي والمعنوي، ومأساتها الوطنية وإيجاد السبيل للخروج منها .ورغم ذلك كان هناك المثقف الذي رفع لواء الوطنية، ونادى الشعب علنا إلى التحرر من نير التقاليد البالية، والأديان والجمعيات الأخوية الدينية ، كان هذا المثقف هو جكرخوين الذي ترك الرهبانية، وكان شاعرا موهوبا ينشد القصائد في صالونات الاغوات والمقاهي وفي الساحات العامة ، يقف على طريقة هوميروس ، يرثي حاضر الشعب الكردي ويذكرهم بماضيه ، وبمستقبل زاهر ، إذا اتحد أبنائه وناضلوا من اجل حريتهم ، وكان الكثيرون يعتبرونه مصاب بمس من الجنون ، ويقول البعض منهم ، وهم يهزون رؤوسهم : من المؤسف أن يصاب شاب وسيم كهذا بالجنون . أحفاد هؤلاء أضاءوا عتمة قبر جكرخوين في نوروز منذ أيام بالمئات من الشموع.
في العام 1937 قرر كمال اتاتورك وبعد القضاء على كل مقاومة كردية، إنهاء وضع الإدارة الذاتية التي كانت تتمتع بها منطقة ديرسم بقبائلها الأثنتي عشرة، بقيادة سيد رضا، فشن عليها حرب شاملة، أدت إلى تدميرها ، وأمام صمت العالم ، فقد قام وفد من طلبة المدارس يتقدمهم زازا، بالاحتجاج لدى سفارات بعض الدول في دمشق ، هذا الوفد الذي شكل البداية، لتأسيس أول جمعية طلابية كردية باسم هيفي. والذي دفع بالشباب الكرد إلى تأسيس العديد من الروابط والنوادي ، والجمعيات التي شكلت المنطلق، لتأسيس الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا في العام 1957 على ما يذكر الدكتور نور الدين .
أثناء رحلة أخرى من حلب إلى القامشلي، وأثناء مناقشة مع معلمين تركيين ذاهبين للتعليم في كردستان ، يذكر أحدهم تلك المناطق بولايات الشرق ، فيرد عليه زازا بان تلك الولايات كانت تسمى في الخرائط العثمانية ، بولاية كردستان، وان سكانها هم أكراد، وليسوا أتراكا، كما يدعيان ، هذه المناقشة التي أدت إلى استنفار الآمن التركي في القطار ، ووضعه تحت الحراسة لاعتقاله في المحطة التالية ، إلا انه وكما يقول:
بعد أن بحثت جميع الوسائل الممكنة، والقابلة لتصوري، ارتأيت أن الحل الوحيد المعقول يكمن قي أن القي بنفسي من النافذة أثناء سير القطار، لقد كنت شابا رياضيا ومعتادا على الصعود والنزول من الحافلات الكهربائية أثناء السير، وهكذا قفزت من القطار السائر بسرعة 80 كم ، وركضت هاربا إلى أن وجدت نفسي في عامودا، وخلال شهور طويلة كان الناس في الجزيرة، وعلى طول الحدود التركية يتحدثون عن هروبي من القطار.
عندما يبدأ البارزاني في العام1943 حركة مسلحة ضد السلطات العراقية، يقرر زازا الذهاب لمقابلته ، لكنه يعتقل في المنطقة الحدودية السورية العراقية ، مع صديق كردي عراقي،ويتنقل بين السجون العراقية من الموصل إلى بغداد، إلى العمارة في أقصى الجنوب، ليمضي سنة فيها ،ثم يطلق سراحه بطلب من ستة عشر نائبا في البرلمان السوري، توجهوا من اجله مباشرة إلى نوري السعيد، ورغم السجن فانه يقول: ومع ذلك فان جعبتي امتلأت بمعلومات كثيرة أخرى ، تتعلق بكرد العراق، ومنظماتهم والتغيير الكلي للسياسة البريطانية بحقهم. ثم يسافر إلى لبنان، ويدرس العلوم السياسية، والاقتصادية في الجامعة الفرنسية، ويعمل في البرامج الكردية لراديو بيروت ، إلى العام 1946 حيث وضعت الحكومة اللبنانية يدها على الإذاعة ومنعت البرامج الكردية.
في سويسرا التي يصلها في العام 1947 ويبدأ فيها دراسة الدكتوراه ، يحاول إثارة المسألة الكردية ، في كل مناسبة من خلال الصحافة والإذاعة ، والمشاركة في المؤتمرات ، الطلابية العالمية، والتي يصدم فيها حسبما يورد ، مع طلاب الأحزاب الشيوعية ،في الدول التي تتقاسم كردستان، فيذكر بأن هذه الأحزاب التي تستوحي أفكارها من المبادئ الستالينية، كانت تقف في وجه إقامة منظمات كردية مستقلة عنها. وبضغط منها ينسحب الكرد الشيوعيين من رابطة الطلبة الكرد ، والتي كانت تصدر صحيفة باسم صوت كردستان، بأكثر من لغة.
وذات يوم من حزيران 1956 ، يغادر سويسرا متوجها إلى سوريا، وهو متلهف لفعل شيء للكرد، ما يلاحظه في سوريا للوهلة الأولى ، التغير الكبير في مظهر وملابس الناس ، حيث انهم فد نزعوا الملابس التقليدية ، وارتدوا الملابس الحديثة، ويقول بان هذا التطور كان عند النساء مدهشاً جدا، فعند رحيلي كان 99% من النساء المسلمات في المدن، يمشين في الشوارع وهن محجبات، وبعد تسعة أعوام ،أصبحت تلك النسبة قليلة جدا. كما إن البلاد، والتي كانت آنذاك تعيش افضل أوقاتها ديمقراطية ، قد تعرضت إلى تغيرات اقتصادية من أهمها إن الإقطاعيون العرب، والكرد قد أدخلوا الآلات إلى الزراعة مما اجبر مز ارعيهم الكرد على الهجرة من الريف إلى المدينة، عند هؤلاء الفلاحين والثوار والمنفيين ستجد القومية الكردية لها مرتعا خصبا ومثاليا.
لم تكن أيديولوجية حزب البعث ، الذي أسسه مشيل عفلق، والذي كان مروجا نشطا للنازية قبل وأثناء الحرب العالمية ، حينئذ تلقى ترحيبا مناسبا، إلا لدى طلاب المدارس الثانوية وطلاب الطبقة البرجوازية الريفية الصغيرة بصورة عامة ، لكنه كانت غير مقبولة شعبياً. وكان الحزب الشيوعي الذي حارب بشجاعة الحكومات البرجوازية لما بعد الحرب العالمية الثانية، والمناصرين للأمريكان، بالإضافة إلى الأنظمة العسكرية ذات النزعة نفسها التي حلت محلها، و كان مدفوعا نحو النجاح، ويرفض رفضا قاطعا وضع يد مصر على سورية. وكان الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا، والذي أسس قبل عدة اشهر من الوحدة ، وكانت أهدافه تكمن في الدفاع عن الكيان القومي لكورد سوريا وتأمين حقوقهم الثقافية والإدارية، في إطار نظام ديمقراطي لمجموع البلاد. يرفض هذه الوحدة في ظل الجدود المفروضة من قبل عبد الناصر، ويعمل على التشهير بها في منشوراته، حيث يكتب زازا : وقمت بوضع دراسة اقتصادية لوضع سوريا بعد النفوذ المصري ، سمحت لأعضائنا بإدراك أسباب ضم سوريا إلى مصر.
انتشرت تنظيمات الحزب بشكل سريع، فاقت حتى توقعات مؤسسيه ، بالإضافة إلى أزمات حكم عبد الناصر في سوريا، مما أستدعى البحث عن كبش فداء فوجدوه في شخص ، الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا، فسموهم بالخونة والشعوبيون، والانفصاليين الذين يستهدفون اقتطاع جزء من سوريا، لإلحاقه بدولة أجنبية. في الخامس من آب 1960 ، تشن مخابرات عبد الناصر حملة ضارية على الحزب حيث يعتقل المئات من أعضائه ومناصريه ، وخاصة في منظمة حلب ، وفي الثامن منه يتم توقيف الدكتور نورالدين ، وينقل إلى حلب مع رفيقه في النضال ، عثمان صبري ، والذي يصفه بأنه مناضل كردي في الستينات من عمره، والشريك المؤسس للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا، وعضو الجنة التنفيذية المؤقتة، ويلتقي هناك في السجن بأعضاء الحزب المعتقلين ، حيث يتعرض الجميع إلى حملات ضارية من التعذيب ، وعندما يبدأ المحقق باستجواب الدكتور نورالدين، يبدأ بسرد الاتهامات التالية والتي اتهم ويتهم بها أي كردي اعتقل في سوريا منذ ذلك الحين والى الآن حيث يقول: بينما كانت الأمة العربية تناضل من اجل وحدتها الشاملة، وتحارب على جبهات عديدة، كنتم تقومون بلعبة الإمبريالية والصهيونية، بإطلاق النار علينا من الخلف وتحاولون اقتطاع جزء من الجمهورية العربية المتحدة وضمه إلى دولة كوردية إلى دولة أجنبية، أنكم تهدفون تماما إلى اقتطاع قسم من سوريا وإلحاقه بدولة تطمحون بإنشائها ، لذلك فإنه يحق لنا أن نسمي الكرد إسرائيل الثانية، وأن تتخذ إجراءات ضرورية لكي نسحق جميع محاولاتكم، وهي لا تزال في مهدها. ويكون رد الدكتور زازا، بأنه إذا كنا قد أسسنا الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا، فهذا يعود إلى انه منذ 1949 لم تفعل السلطات العسكرية المتعاقبة سوى أنها داست بقدمها على الديمقراطية في سوريا، وألغت الحقوق التي كان يتمتع بها الكرد تدريجياً. وان وحدة مصر مع سوريا والتي لم نكن نتوقع منها أن تقيم العقبات في طريق هذه السياسة الرامية إلى التخلف الثقافي، جعلت هذه السياسة اكثر عنصرية وفاشية استبدادا. واليوم ليس هناك ضباط كرد في الجيش ولا موظفون ذوي مستوى عال في الإدارة ، ولا معلمون ولا شرطة كردية، ولا نتجرأ أبدا على التحدث بلغتنا بحرية، فالمستقبل يبدو لنا مظلما ويرغمنا هذا على الاتحاد، ولذلك أسسنا الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا. فيرد عليه الضابط بأن هذا يوضح هدفكم الكبير، واليوم تكتفون فقط بالمطالبة ببعض الحقوق الثقافية والحريات الديمقراطية، هذه ليست سوى مرحلة من مراحل إستراتيجيتكم، وإذا بلغتم ذات يوم تلك المرحلة في كل الدول التي تهيمن على ما تسمونه كردستان، فستحاولون العبور إلى المرحلة الثانية وهو إنشاء دولة كوردية. وبعد تحقيق وتعذيب طويل ، يتم الاحتفاظ ب 32 منهم، ويتم نقلهم إلى سجن المزة المشهور، حيث يوضعون في القسم العسكري منه ، وكانت فكرة نقلنا كمسجونين إلى المزة تعذبنا كنا نعلم إن التعذيب يبدأ فيه لحظة الاستقبال وكان على أشكال غريبة لا يمكن تصورها، يقول زازا. يقدم الجميع إلى المحاكمة التي يترافع فيها عنهم محامون أكراد وعرباً مجاناً، ليتم الحكم بإنزال عقوبة الإعدام بثلاثة منهم وهم عثمان صبري ورشيد حمو ونور الدين زازا، وعلى الآخرين بمدد متفاوتة. إلا إن حملة واسعة من التضامن معهم امتدت من سوريا إلى العرق ولبنان وسويسرا ، تجبر السلطات على تخفيف الحكم وإطلاق سراحهم في 8 آب 1961 . يقول الدكتور زازا بان خيبة أملي الأولى، هي مستودعي لاستيراد وتصدير المواد الصيدلانية، الذي نهب خلال فترة اعتقالي , مما أدى إلى عجز في ميزانيتي لأكثر من 50الف فرنك سويسري. وكان علي منذ الآن أن أباشر بالعمل بيدي وانطلقت من نقطة الصفر .
بعد سقوط حكم الوحدة، بدأت تباشير حكم ديمقراطي يلوح في الأفق ، وقررت الحكومة إجراء انتخابات نيابية، ويقوم الدكتور زازا بترشيح نفسه للنيابة، بتشجع من كورد الجزيرة ، حيث كان إقبال الكرد كبيرا على تسجيل أسمائهم في اللوائح الانتخابية ، إذ إنه وحسب أرقام السجل المدني في القامشلي ، لم ينتخب سوى أربعة آلاف عربي وخمسة آلاف من غير المسلمين ( المسيحيين من مختلف الطوائف وخاصة السريان الأرثوذكس وأيضا اليهود ) من اصل 50 ألف مقترع، كان اغلبهم من الكرد، بالإضافة إلى الكرد المسجلين في السجل المدني ,كان هناك اكثر من مائة ألف لم يسجلوا، أهملت طلباتهم تجنيسهم منذ سنوات في المستودعات المغبرة في سراي دمشق القديم .وحين تأكدت إدارة الحزب الديمقراطي الكردي ، إن معظم المقترعين كانوا من الكرد، وان أغلبية من بينهم سيقترعون للائحتي، أرادت أن تنهي لعبة الانتخابات الموروثة عن الدولة المنتدبة , وحرصت على أن تحتوي لائحتي على هؤلاء (أنا باعتباري حضريا , وكورديان من الريف وسرياني من القامشلي ) ً . ولأن السلطة الحقيقية في دمشق، كانت تحت يد الجيش، وكان الضباط الشباب قوميين ومتعصبين، ويشتهرون بمناهضتهم للكرد ، فقد حكموا على تصرف الشعب الكردي، بأنه خطير جدا، واقسموا على كسر حماسة الشعور القومي الكردي . فقاموا باعتقال المرشح زازا أثناء فترة الانتخابات ، وزوروها هي أيضا. لتنجح القائمة المدعومة من قبل الجيش.
في الثامن من آذار يقوم تحالف من الضباط البعثيين والناصريين، بانقلاب في سوريا، يلغون الدستور والمجلس النيابي والأحزاب ، ويفرضون الأحكام العرفية، وتبدأ إذاعة دمشق ببث قائمة من أسماء المطلوب القبض عليم ، يكون من بينها اسم الدكتور نورالدين زازا ، والذي يضطر للاختفاء مرة أخرى في حي الأكراد بدمشق حصنه المنيع ، ثم بعد فترة يشد الرحيل مرة أخرى إلى لبنان، هرباً من السجن والملاحقة والتعذيب، وذلك في 14حزيران 1963. لبنان الذي كانت فيه جالية كوردية كبيرة، تشكلت تدريجيا منذ الحرب العالمية الأولى، ليصل عددهم عشية أحداث عام 1975 إلى 100الف نسمة وكان 95 % من كورد بيروت يومئذ من ولاية ماردين في كردستان تركيا .من هناك يبدأ معركة أخرى ، ألا وهي إيصال حقيقة ما يجري للشعب الكردي في العراق ، حيث كان يتعرض للهجوم من قبل قوات البعث في سوريا والعراق معاً. وذلك بإيصال الأخبار والكتابة في الصحافة اللبنانية والأجنبية. إلى أن تكتشف السلطات اللبنانية مصدر الأخبار هذا، وتقوم باعتقاله هي أيضا، وللخلاص منه تبعده إلى الأردن، الذي يعيده بدوره معتقلاً إلى بيروت ، والتي تسلمه إلى سوريا والقيود في يديه . حيث يوضع لمدة سبعة اشهر في زنزانة منفردة في سجن الشيخ حسن بدمشق . ويتعرض إلى تعذيب وحشي على يد الضابط محمد رمضان ، الذي كان وكيلا للوالي في عامودا أثناء حريق السينما فيها ، والتي يقول عنها زازا : ذات يوم وأثناء عرض فليم دعائي عن الجزائر، في إحدى دور السينما في عامودا، شب فجاءة حريق عم الصالة كلها وحينما شعر المتفرجون الصغار بأنهم قد استسلموا لمصيرهم المحتوم، هرعوا إلى الأبواب النجاة التي كانت مقفلة بإحكام من الخارج، فأصيبوا بالذعر، وشرعوا يهرعون بصورة عشوائية بحثا عن منافذ أخرى، وهكذا فقد هلك من بينهم 40 شخصا تفحموا تماما، وبعد ذلك وصلت النجدة ، خلال هذا الوقت كان وكيل الوالي جالسا في مكتبه يحتسي القهوة بهدوء . وبالرغم من الاستياء العام، فقد ظل هذا الوكيل فترة طويلة في منصبه، واستمر في إرهاب الأهالي ولا سيما الأطفال المراهقين .
من سجن الشيخ حسن ، تقوم السلطات بنفيه إلى السويداء في جبل الدروز ، ويبقى هناك إلى أن يقوم سليم حاطوم زعيم رجال الكوماندوس بانقلاب فاشل ،يهرب على إثره رجال الأمن المكلفين بحراسه زازا من السويداء، وينقل هو في نهاية نيسان 1967 إلى دمشق، تحت الإقامة الجبرية والمراقبة. في الخامس من حزيران تقوم حرب الأيام الستة والتي تخسر بموجبها الدول العربية مصر وسوريا والأردن الحرب، حيث تضطر حكومة دمشق للهروب إلى حمص، لتعود إليها بعد انتهائها ، ولكنها الآن منهكة ولديها الكثير الذي يجب أن تفعله قبل أن تعود وتلتفت إلى وضع سجينها الدائم نورالدين زازا ، والذي يستغل فترة الارتباك هذه للهروب باتجاه موطن الطفولة الأول كردستان تركيا. حيث يحلم أو يتوهم بأنه قد يستطيع العيش وفعل شيء مفيد لشعبه في تركيا، التي كانت وحسب وصفه، تعيش افضل لحظات تاريخها ديمقراطية، إلا أن هذه الديمقراطية لم تتسع لكردي قرر أن لا يتنازل عن لون جلده ولغة أمه ، فتسقط الدولة التركية الجنسية عنه، وتستعد لتسليمه مرة أخرى إلى سوريا، إلا انه يتمكن هذه المرة من الهرب باتجاه حرية حقيقة على الأقل بالنسبة لشخصه ، ألا وهي سويسرا ، والتي يقضي فيها أخر أيامه بعيدا عن عامودي وقامشلو وعفرين و.....و مـــــادن .



#احمد_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحية إلى الرفاق في حزب البعث
- انتظار...انتظار ثم الانتظار
- تغير حساس ولكنه عقلاني
- عنصرية كردية
- بكداشية في زمن لا سوفيتي
- الحزبية الكردية في آخر انقلاباتها
- نحن اوروامريكان الله .....و ما بنعرف
- ألمانيا، ماركس وعودة الشبح
- الذكرى التسعين للمجازر الأرمنية - 3
- (الذكرى التسعين للمجازر الأرمنية ( 2
- الذكرى التسعين للمجازر الأرمنية.
- هذا الصمت المريب!!!
- نظرية أم عمار
- الاندروفر
- محكمة أمن الدولة السورية تعترف بدولة كــردية
- *نكتة سورية جديدة او حزب البعث يحظر الأحزاب المحظورة اصلا


المزيد.....




- إزالة واتساب وثريدز من متجر التطبيقات في الصين.. وأبل توضح ل ...
- -التصعيد الإسرائيلي الإيراني يُظهر أن البلدين لا يقرآن بعضهم ...
- أسطول الحرية يستعد لاختراق الحصار الإسرائيلي على غزة
- ما مصير الحج السنوي لكنيس الغريبة في تونس في ظل حرب غزة؟
- -حزب الله- يكشف تفاصيل جديدة حول العملية المزدوجة في عرب الع ...
- زاخاروفا: عسكرة الاتحاد الأوروبي ستضعف موقعه في عالم متعدد ا ...
- تفكيك شبكة إجرامية ومصادرة كميات من المخدرات غرب الجزائر
- ماكرون يؤكد سعيه -لتجنب التصعيد بين لبنان واسرائيل-
- زيلينسكي يلوم أعضاء حلف -الناتو- ويوجز تذمره بخمس نقاط
- -بلومبيرغ-: برلين تقدم شكوى بعد تسريب تقرير الخلاف بين رئيس ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - احمد علي - حياتي الكردية