احمد علي
الحوار المتمدن-العدد: 1381 - 2005 / 11 / 17 - 10:58
المحور:
القضية الكردية
لرغبة صادقة في رؤية الحركة الكردية السورية , وهي تجتاز تشتتها المريع، ولتعاظم الأمل في ذلك , وخاصة بعد أحداث آذار 2004، وما تلاها، وبالنظر للوضع العام في سوريا، وما حولها، والاحتمالات المفتوحة للتطور الأحداث في كل الاتجاهات . سادت أوساط جماهير الأحزاب الكردية , تفاؤلاً، بان عهد الانشقاقات / الانقلابات، قد ولى , وبان الوقت الحالي إن هو إلا وقت وحدة الحركة في إطارات جديدة وفاعلة . إلا أن آخر الانقلابات التي حدثت في الشهرين الآخرين , أكدت إن الرغبات شيء , والواقع شيء آخر .
فكان انقلاب بعض قواعد وقيادات حزب الاتحاد الشعبي سابقا، على الوحدة التي تمت بينهم، وبين الحزب اليساري , في إطار حزب آزادي ، والانقلاب الثاني، هو ما جرى في تيار المستقبل , الحديث النشأة والتكوين . والتي جرت بصورة كلاسيكية، نسخة عن انشقاقات الأحزاب الكردية في الثمانينات . وبفارق واحد فقط ،وهو إنها الآن تتم بسرعة خاطفة ، لأنها تجري على صفحات الإنترنت ، وهذا دليل إيجابي على كل حال، بأننا شعب سريع الانسجام مع الحداثة!! .
إن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو، لماذا تتعثر تجارب الوحدة، وبالمثل إنشاء تنظيمات جديدة، يرنو أصحابها بان تكون مختلفة عن ما هو قائم في الساحة حاليا ؟. لإعطاء جواب عن هذه الأسئلة، أرى من المفيد دراسة تجربة الوحدة في حزب آزادي وتيار المستقبل . مع الإشارة مسبقاً ، إلى أن السلبيات التي سيرد ذكرها ، أثناء هذا الاستعراض للتجربتين، لا تخصهم فقط ، وإنما هي موجودة في كل الأحزاب الكردية بدون استثناء.
لفترة طويلة جدا منذ الثمانينيات، وبالترافق مع إنهاء النظام لكافة قوى المعارضة السورية عنفا, أو إفراغا لها من إرادتها السياسية والنضالية , إن بضمها إلى جبهته التقدمية، أو بتوزيع المناصب والعطايا عليها . دخلت الحركة الكردية في حالة سكون، وبلاد ة سياسية وتنظيمية، نتج عنها انشقاقات متعددة أنتجت 12 حزبا، بأسماء متكررة، تعيش في واد , والناس في واد آخر , لذا كان من السهل عليها الاستمرار في هذا الانكفاء , وممارسة ما تشاء من التبعثر والتعثر، واللاجدوى إلى حين بداية الحراك السياسي والاجتماعي قبيل وفات الرئيس حافظ الأسد، وبعده بشكل خاص , لتجد هذه الأحزاب ذاتها ضعيفة , معزولة عن قاعدتها الشعبية ـ وهو حال معظم المعارضة السورية ـ وعن إمكانية ممارسة دور فاعل في الحياة السياسية، المنبثقة لتوها من خلال ما سمي بربيع دمشق المؤود .
إلا إن أحداث آذار، وحجم المخاطر التي كشفت عنها , والتي يمكن أن يتعرض لها الشعب الكردي في سوريا , أفرزت معطيات جديدة , أهمها في مجال البحث هذا , هو أن الحركة الكردية وجدت نفسها، وبدون سابق إنذار في موقع المواجهة من جهة , وفي موقع المرجعية والقيادة الكردية من جهة أخرى , وهي تعاني من أقصى درجات التشتت , وضعف اتخاذ القرار وفاعلية تنفيذه ، كما انه وعبر هذه الأحداث، اكتشفت الجماهير الكردية أيضا , بان هذه الأحزاب التي غابت هذه الجماهير عنها، لفترة طويلة، إن هي إلا مرجعيتها الوحيدة , وقيادته المفترضة , على الأقل في الوقت الحاضر. وبغض النظر عن كل ما يمكن أن يقال حول نسبية هذه المسالة . إلا إن الوقائع على الأرض، كانت ولازالت، تؤكد هذه الحقيقة , وهذا ما دفع بالناس إلى الاهتمام بأوضاع الحركة، والضغط باتجاه توحيد صفوفها وتفعيل دورها , وترشيد سياساتها . لأن قراراتها وتوجهاتها أصبحت تؤثر بشكل مباشر ليس على مستقبلها فقط , وإنما على حياتها اليومية سلبا أو إيجابا .
في هذه الأجواء الضاغطة جماهيريا، والاحتمالات المفتوحة لتطور الأحداث، وضعف التأثير والتشتت , يضاف إليها بطبيعة الحال الرغبة الصادقة والعميقة , لدى قواعد هذه الأحزاب , وبالتأكيد لدى أوساط واسعة من قياداتها , انطلق تقريبا , في كل مكان يتواجد فيه الكرد السوريون، الدعوة إلى وحدة الحركة الكردية وتفعيلها . كما إن أواسط أخرى رأت وعملت على إنشاء إطارات جديدة تكون تجاوزاً وبديلا للحركة القائمة .
في هذا المناخ العام، أعلن عن قيام حزب آزادي ، كنتيجة للوحدة بين الاتحاد الشعبي والحزب اليساري , بطريقة أشبه ما تكون بإعلانات الوحدة بين الدول العربية في الخمسينات والستينات من القرن الماضي , بتبويس اللحى ، وسياسة عفى الله عن ما مضى , والاندفاع العاطفي والغير المدروس في إقامة وإعلان هذه الوحدة , وهي بذات الوقت من أهم أسباب تعثرها السريع بعد اشهر من إعلانها ، لأنها كانت بالفعل مرتجلة، وسريعة ـ بغض النظر عن إنها كانت تجاوباً مع رغبة صادقة وعميقة لدى الجماهير الكردية ـ حيث أنه :
ـ لم تكن لها أساس تنظيمي واضح ومتفق عليه ,إذ لم يكن هناك برنامج ونظام داخلي مشترك، جرى أعداده والتوافق عيه , أو على الأقل الاتفاق على إن برنامج ونظام أحد الحزبين، كوثائق مؤقتة للحزب الجديد . أي أن هذا الحزب قد ولد عمليا بدون برنامج سياسي ونظام داخلي .
ـ جرى تغييب كامل لدور , وموافقة قواعد الحزبيين في صناعة هذه الوحدة، لتكون نابعة بالتالي من إرادتهم هم , حيث لم يجري لا مناقشة الأسس السياسية ولا التنظيمية في القواعد، كما انه لم يجري هناك أي تصويت وهذا اضعف الإيمان , في الموافقة على هذه الوحدة وشكلها، ومن ثم البدء بدمج وتشكيل الهيئات الجديدة من الأدنى إلى الأعلى، من خلال الانتخاب الحر والديمقراطي المباشر .
ـ لم تؤدي هذه الوحدة إلى خلق حالة حزبية نوعية ، وهو الهدف الأساسي منها ، واختزلت لتكون تجمعياً كمياً لأعضاء الحزبين.
ـ والأهم من ذلك لم يتم الاتفاق على كيفية الدمج ـ هنا اعني دائما بشكل معلن، وليس ما تكون قد اتفقت القيادات عليه في اجتماعاتها المغلقة ـ وكيفية التعامل مع مشكلة تضاعف عدد القيادات في كل المستويات الحزبية , من قيادات الفروع حتى المكتب السياسي ـ كان الاستثناء الوحيد , انهم اتفقوا على منصب الأمين ونوابه ـ هذه القيادات التي تتألف في جانب كبير منها، من أناس غير مؤهلين، لشغل مواقع المسؤولية هذه , وهم وصلوا إليها، لأن الطلب كان يفوق على العرض ،عند كل انشقاق جديد، ولأنهم هكذا , فليس من السهل عليهم ،هضم مسالة قبولهم بمسؤوليات حزبية أدنى , وذلك بظل عدم الاتفاق على آلية الدمج , مما ترك مجالا واسعاً للقيادة للتفرد في تقرير هذه المسالة , مما أثار ردود فعل عنيفة عليها , تمثلت في تتالي إصدار بيانات الاحتجاج , عبر الإنترنت، من قيادات وقواعد لحزب التحاد الشعبي، تشكو فيه من الظلم والحيف الذي لحق بهم، من جراء الطريقة التي تمت بها هذه الوحدة ,وليعلنوا في بيان أخير , انفصالهم عن حزب آزادي . وبغض النظر عن دوافع هؤلاء , ومدى أحقيتها، وحجمهم , ومدى تأثيرهم ، فان ذلك يكشف عن الخلل العميق الذي تمت هذه الوحدة على أساسه .
تجربة التيار المستقبل الكردي , تحيلنا إلى نفس النتيجة ,هذا التيار الذي حاول أن يقدم نفسه(بديلا ديمقراطيا وحضاريا ) للحركة القائمة , والذي مارس نقدا مسهبا لتاريخها ومساراتها , ليصل إلى نتيجة مفادها , بأنه لا بد من أطر جديدة ذات برامج وحياة تنظيمية , ديمقراطية ومنفتحة , تقبل المختلف وتقر بحقوق الأقلية في التنظيم للتعبير عن نفسها , لكنه فشل عند الاختبار الأول له في الالتزام بكل هذا الذي انتقده , ورفضه , وقدم البديل عنه , وتبين انه إنما هو نسخة عن الأحزاب الموجودة , لا بل قد يكون نسخة سيئة عنها أيضا . ولعل من المفيد ذكر بعض التفاصيل عما جرى , وعن مدى توافقها مع النظام الداخلي للتيار , المنشور على موقعه على الإنترنت .
في توضيح من ثلاثة اسطر ونصف، تعلن هيئة المتابعة والتنسيق، ولأسباب متنوعة ـ ترى الهيئة بأنه لا فائدة من ذكرها ـ تطرد الهيئة أحد أعضائها القياديين وتنهي علاقته بالتنظيم!!. ليس من المهم مناقشة صوابية هذا القرار، أم لا، لكن الهيئة لم تشير ولو بكلمة واحدة بأنه هناك نظام داخلي ,وقد جرى هذا الفصل على أساسه، لأنه في الواقع لم يكن كذلك , إذ انه وبقراءة النظام الداخلي، المادة 11 باب وحدة المتابعة والتنسيق , نجد ان هذه الهيئة غير مخولة باتخاذ مثل هذا الإجراء , وانه يدخل في صلاحيات مجلس الإدارة , وهو هيئة أوسع وأعلى من هيئة المتابعة والتنسيق. حيث ينص البند رقم 5 من المادة 12 إنه يحق له ( مجلس الإدارة ) تعديل أو تجميد بعض أعضائه وأعضاء وحدة المتابعة والتنسيق , والمكاتب المتخصصة ........ كما انه يدخل في باب صلاحيات الاجتماع العام ـ المؤتمر والذي سمى بهذا الاسم، حسب ما اعتقد، فقط لتمييز التيار نفسه عن الأحزاب الأخرى ـ وتحدد المادة 15 البند 11 أسباب أبعاد العضو عن التيار، وهي انه إذا أساء إلى معتقدات الناس الدينية , أو اتصل بأعداء الشعب الكردي , أو حاول تخريب الوحدة السياسية للتيار . هذه الأسباب التي لم تذكرها الهيئة في توضيحها كتبرير لقرارها المذكور .
كان الرد على قرار الهيئة , بعد يوم واحد ـ فقــط ـ عبر بيان صادر عن مجموعة تسمي نفسها قواعد تيار المستقبل , تعلن فيه رفضها لهذا القرار، لكنها والحق يقال تذكر انه هناك شيء اسمه نظام داخلي , لكنه تنساه فورا عندما تعلن في الفقرة التالية : وتوصل الاجتماع الطارئ للقواعد ... وبروح رفاقية عالية المستوى، إلى اتخاذ عدة قرارات , وهي تجميد كافة أعضاء هيئة المتابعة والتنسيق , والناطق الرسمي للتيار , وتجريدهم من كافة المسؤوليات . والتحضير لمؤتمر استثنائي.
وبهذا فقد اصبح المستقبل الكردي،أيضاً مستقبلين ، لما لا إذا كان لدينا اكثر من عشرة مواضي ؟!!.
والملفت للنظر,إن هذا تم بروح رفاقية عالية المستوى , وربما أنه كذلك، لأنه لم يجري سفك دماء، وكان الانقلاب ابيضا .
ألا يذكر هذا بتعليق الدستور وحل الأحزاب , وسجن أو قتل كل أعضاء القيادة السابقة في البيان الأول، للانقلابات العسكرية السورية في الخمسينات ؟!.
ولكن أين النظام الداخلي من هذا ؟!.
اعلم إن سؤالي عن النظام الداخلي، أثناء انشقاقات الأحزاب الكردية , يدعو للضحك , كمن يسال عن ميثاق حقوق الإنسان ومدى تطبيقه، أثناء الصراع بين القوات الأمريكية , ومناوئيها في العراق أثناء المعارك . لكني أجد نفسي مضطرا لذلك . لأن الأحزاب هي أعضاء، وبرنامج ،ونظام داخلي ،لا تقوم بفقدان واحدة منها.
وبالعودة إلى النظام الداخلي، فانه يؤكد بان للاجتماع العام، حق اتخاذ الإجراءات، بحق أي من أعضاء التيار... وتجميد نشاطه أو حله أو تغير اسمه ......... وان الاجتماع العام ينعقد استثنائيا، بطلب أكثرية أعضاء مجلس الإدارة , وليس القواعد حتى لو كانت كل القواعد مائة بالمائة , هذا هو النظام الذي وافقتم عليه وبالتالي عليكم الالتزام به .
انه انقلاب حزبي كردي نموذجي ،أحد أهم أسبابه الإضافية هنا, هو إن غالبية من يقومون بتشكيل الأطر التنظيمية الجديدة , إن في الداخل أو في الخارج ،هم خريجو مدارس الانشقاقات الحزبية بامتياز , سواء أكانوا مشاركين بها , أو ضحيتها . ولهذا السبب، وبسبب صراعاتهم المريرة مع قياداتهم السابقة , والتي تمت بدون شك، بشكل غير ديمقراطي من قبل الطرفين فان لديهم ميل شديد لرفض الديسيبلين التنظيمي، متى كان هذا معارضا لتوجهاتهم . وهم بذلك يؤكدون بأنهم لا يستطيعون نسيان تجاربهم الماضية , أو استخلاص الدروس والعبر منها ، والاهم الالتزام بها .
إن ما يمكن استخلاصه من هذين الواقعتين ، هو أن آفـــة الحركة الكردية السورية، هي في ضعف الروح الديمقراطية وانعدام التثقيف بها وممارستها داخل التنظيم وفيما بين الأعضاء وخاصة بين القيادة والقواعد , ، وقوننة ذلك من خلال نظام داخلي نابع من إرادة الأعضاء , والتزامهم بالتالي ببناء حياة حزبية صحية وحقيقة , تتيح للحركة تجاوز عثراتها الداخلية , والانطلاق الجاد إلى العمل للتصدي لمهماتها النضالية الصعبة , وربما العصيبة في القادم من الأيام .
#احمد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟