أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله البقالي - قصة قصيرة: السي الخمار و الديمقراطية














المزيد.....

قصة قصيرة: السي الخمار و الديمقراطية


عبدالله البقالي

الحوار المتمدن-العدد: 1508 - 2006 / 4 / 2 - 05:46
المحور: الادب والفن
    


وقف "السي الخمار"عند منتصف الورشة بين العمال واضعا يديه على خاصريه ،حاميا وجهه بقبعة من الحلفاء . عيناه كانت تنظر الى أبعد نقطة يمكن أن يرصدها بصره . أي شئ كان يشغل باله ؟
ربما كان يسترجع شريط الحرف التي زاولها و غادرها الواحدة تلو الأخرى. و ربما كان يستعيد حلقات المسلسل الطويل الذي انتهى به الى يصبح انسانا جديدا له مرؤوسين والذي ابتدأ بحلول ذلك اليوم.
كانت الانتخابات على الأبواب، ومثلما يحدث دوما ، فقد كانت تحول أي شخص مهما كان مغرقا في الهامش الى الواجهة ، و يصبح قبلة للخدمات ، و تقام على شرفه الولائم . و سرعان ما يعاد لهامشه وهو في حيرة من أمره، شاهدا على جنون هذا العالم.
قلة من امثال السي الخمار و بفعل تجارب و أفكار "الروبيو" المتمردة رفضت أن تتحول الى مجرد أوراق تحشر في صناديق الاقتراع .و ربما مدفوعا بهذا التاثير أشار السي الخمار الى موكب انتخابي كان يمر امامه و قال مخاطبا شخصا كان يجلس بجوراه : أكل هذه القيامة من أجل أن نختار انسانا مآسينا بالنسبة له لن تكون بالنسبة له أكثر من سؤال شفوي ؟
رد الرجل : لن تصوت ؟
ـ اذا كان لا بد أن نكون مجرد أصوات، فلتكن أصواتا مزمجرة ترعب الآذان التي لم تتعود الا على سماع الاصوات الهامسة .
لكن السي الخمار كان له رأي آخر حين قرر حزب الروبيو خوض الانتخابات. ولأنه لم يكن سوى انسانا بسيطا ، فلم يكن بمستطاعه أن يشارك في نقاش أو يدلي برأي . و كل ما كان يستطيع أن يفعل هو حمل السلم و الصاق الملصقات .
لكن وهو يقطع الشارع ، كان دائما يوحي لناظره من خلال قامته الطويلة، و كتفه الهرقلي، و خطواته العملاقة التي يشقها في ثقة أنه مصر على التحدي . و أن اصراره مستمد من مسيرته الطويلة التي لم يعرف فيها غير الاذلال. و هل هتاك ما يمكن أن يخسره ؟
لم يتنظر الجواب طويلا اذ سرعان ما اجتمع وجهاء القرية. و قرروا بالاجماع الاستغناء عن خدماته في دق الطبل أثناء ليالي رمضان . وحين تناهى اليه الخبر ، علق على ذلك بأن خاطب حماره قائلا: اسمع أيها الأبله . أسماع الوجهاء رهيفة جدا هذه الايام لحد أنها لن تحتمل صوتا لعينا كذلك النهيق المرعب الذي تصدره. ولذا أنصحك بأن تنهق بصوت منخفض. بل و يجدر بك أن لا تفعل ذلك مطلقا ، والا فسيكون اقل ما يفتي به الوجهاء في حقك ، هو صدك عن أثانهم.
قال السي الخمار ذلك وهويصعد ادراج السلم لاصلاح سقف غرفته الوحيدة الذي بات وشيك الوقوع. وهوعند منتصف السلم ، سمع صوتا يعرفه جيدا ، يأمره بالتوقف عن العمل، و التوجه فورا الى مقر القيادة. استدار نحو مصدر الصوت و قال : لأي شئ يطلبونني ؟
ـ هناك ستعرف.
نزل الأدراج. أمر زوجته بادخال المعدات . لبس معطفه الوحيد . وهو ينظر الى بقايا مرآة مثبتة على الجدار، حاول أن يتذكر آخر مرة زار فيها القيادة . لقد كان ذلك منذ زمان بعيد. عندما اكتشف ذات يوم جثة "العياشي الروخو" الذي كان قد فارق الحياة في كوخ مهجور بضواحي القرية. أثارت الذكرى نوعا من الحزن و قال مخاطبا نفسه "مسكين العياشي ، على الاقل فهو قد مات في سلام و لم يزعج أحدا " .
أدخل السي الخمار الى مقر القيادة فور وصوله. ليغادرها بعد لحظات متجهم الوجه لا يلوي على شئ. بحث على الروبيو من غير جدوى . ثم عاد لبيته . قرفص أمام الباب .
ظل السي الخمار مطرق الرأس و سأل زوجته : لم تسأليني لم تم استدعائي؟
أجابت الزوجة في ارتباك واضح : كنت سأفعل ،لكني حين رأيت تلك الظلال القاتنمة المخيمة على وجهك ، ترددت.
قال السي الخمار : خيرا فعلت. فليس في الامر ما يدعو للتهلف قصد سماعه. ثم أضاف وهو ينظر الى البعيد : إذا كان العياشي الروخو قد مات مريضا مهملا منسيا في كوخ مهجور في ضواحي القرية، فالاكيد الان أننا سنموت بكامل عافيتنا . لكن في وسط القرية هذه المرة.
ودون أن ينتظر تعقيبا أضاف : لقد أبلغت أنه لم يعد مسموحا في هذا البلد بترميم البيوت القديمة خصوصا اذا كانت مبنية بالطين.
قاطعته الزوجة: لكن جارنا كان يصلح بيته في الوقت الذي أوقفت انت ولم يمنعه أحد.
ضرب السي الخمار كفا وبكف وانفجر ضاحكا وهو يقول : هل صدقت حقا ان المسألة هي مسألة طين وبناء قديم؟
أدركت الزوجة متأخرة حجم الورطة وقالت محتجة: من البدء قلت لك أن ما يحدث خارج البيت شئ لا يعنينا .
انتفض السي الخمار واقفا كالمارد والدماء تغلي في وجهه وقال : أيتها البلهاء. أمثالك و أمثال من يحملون هذا التفكير هم أسباب كل البلاء الذي تعيشه البلاد .لك ان تفخري . هم على الأقل صاروا يعرفون أن في هذه الثرية هناك رجل يدعى السي الخمار .
قاطعته الزوجة : هل تستطيع ان تجعل من هذا الفخر سقفا يحمينا من الماء؟
انحنى السي الخمار للأرض باحثا عن أي شئ يقذف به الزوجة التي توارت هاربة تندب حظها . وفي الليل . والظلمة و السكون مطبقان على القرية. سمعت دقات خافتة على باب بيت السي الخمار الذي قام لتوه كي يفتح. و إذا به يطرح تساؤلات بنبرة استنكارية . أنت؟ ماذا تريد أيضا؟
لم يعرف احد من كان الطارق ولا لأي سبب أتى . لكن السي الخمار عاد . لبسه معطفه. وخرج .وحين بحثت عنه الزوجة في الصباح لم تجده في الفراش. ولما تفقدته في الخارج وجدته على السقف . قالت بصوت منخفض : أنزل . اي مصير سنواجه إن سجنوك؟
وضع السي الخمار يديه على خاصريه وقال محاولا ان يوصل صوته لأبعد مسافة ممكنة : من يستطيع ذلك ؟
لم تكن الزوجة الوحيدة التي وقفت فاغرة فمها . بل مجموع عمال ورش الانعاش الذين كان ينظرون ثم يفركون عيونهم وينظرون من جديد ليتأكدوا من أن القادم هو السي الخمار برفقة القائد الذي خاطب مجموع العمال قائلا : يسرني أن اقدم لكم رئيسكم الجديد الكبرال السي الخمار .








الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صور وصور -الى كل النساء في عيدهن الأممي .
- قصة قصيرة : سور العاطلين
- السينيما
- الإمتحان الشفاهي
- فقر وغنى
- قصة قصيرة: حفلات و أزمات
- الجحيم الأن
- من هزم غيوم .الحياة أم الأحياء؟
- حزيران مرة أخرى


المزيد.....




- يتصدر عمليات البحث الأولى! .. فيلم مشروع أكس وأعلى الإيردات ...
- المخرج علي ريسان يؤفلم سيرة الروائي الشهيد حسن مطلك وثائقياً ...
- فنانون سوريون ينعون ضحايا تفجير كنيسة مار إلياس
- المفكر الإيراني حميد دباشي.. التصورات الغربية عن الهوية الإي ...
- فيلم -باليرينا-.. درس جديد في تصميم الأكشن على طريقة -جون وي ...
- التشادي روزي جدي: الرواية العربية طريقة للاحتجاج ضد استعمار ...
- ما آخر المستجدات بحسب الرواية الإسرائيلية؟
- تردد قناة ماجد الجديد لأطفالك 2025 بأحلى أفلام الكرتون الجذا ...
- -أسرار خزنة- لهدى الأحمد ترصد صدمة الثقافة البدوية بالتكنولو ...
- بمناسبة أربعينيّته.. “صوت الشعب” تستذكر سيرة الفنان الراحل أ ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله البقالي - قصة قصيرة: السي الخمار و الديمقراطية