أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله البقالي - من هزم غيوم .الحياة أم الأحياء؟














المزيد.....

من هزم غيوم .الحياة أم الأحياء؟


عبدالله البقالي

الحوار المتمدن-العدد: 915 - 2004 / 8 / 4 - 12:25
المحور: الادب والفن
    


اليوم رحل غيوم .
أكيد أنه لم يوص بشئ . بل لم تكن له الرغبة في الحديث لأي كان . لم ينظر لا يمنة و لا يسرة . لم يحاول ان يعرف من حضر لوداعه و من تخلف . نبس بكلام مبهم يقوله أي مقبل على الموت وراح طافقا الباب خلفه بكل قوة.و الأكيد أيضا انه لو كان لا يزال محتفظا ببعض قوته , فانه كان سيعدو بكل قواه الى حيث قبره , ويرد عليه التراب دونما حاجة الى مراسيم أو أناشيد الوداع.

كان تائها يوم انفتح أمامه باب ولجه من غير أن يسأل . بعدها وجد نفسه في رحاب القادمين من الشمال . انبهر وهو يسمع الكلمة البسيطة الآسرة التي لا يحتاج الالتزام بها الى تأكيد أو غليظ الايمان . و القوانين المقدسة التي لا يعلى عليها . و الزمن محاصر بخطوط أفقية و أخرى عمودية لا تسمح بانفلات اي جزء منه . رأى الحياة حاملة كل ما راى ، ماضية بهم الى مراتب محسوبة , نابذة كل مظاهر العبث و العشوائية و أحكام المزاج . لحظتها أيقن أن القوة الحقيقية لا تقاس بحجم الاسلحة و كمية الذخائر .
حين خرج , جثا على ركبتيه وبكى مرتين .الأولى حين التقاه الأهالي وبشروه بالنصر . لكنه لم يرفع رأسه .جذبوه بكل قوة .فتح عينيه .سألهم عن المراد . قالوا:
- سيرحل المستعمر .
أجاب : ماذا ستفعلون بعده ؟
- سنحيى حياة حرة .
- كيف ستحيونها ؟
- كما عشناها قبله .
دمعت عيناه و قال : كم يلزمكم من الوقت كي تهتدوا الى المعركة الحقيقية الحاسمة ؟
اندهشوا و قالوا : أ ما زال أمامنا معارك أخرى ؟
- معارككم ضد أنفسكم أولا .
تبادلوا النظرات و قالوا : كفانا الله شر القتال .
تفرقوا ولم ييأس . أقسم ألا يبكي ثانية . نهض . مرر أصابعه على حنجرته و اطلق لصوته العنان . من محطة الى محطة , ومن جولة الى أخرى كان صوته ناقوسا يعكر صفو سكون الضمائر الخاملة . في الساحات و الشوارع و المسارح و مستنكرا مرة , مدينا أخرى كل أشكال التفسخ و الانكسار التي ما لبثتت تعمق جذورها في تلك التربة المتعفنة الفاسدة .
كم كسب من جولة ؟ كم خسر من رهان ؟ .لم تكن الاجابة مهمة . كان الاهم ان له دور يؤديه و يعيش من أجله . كان متيقنا انه يزرع مثلما كان متيقنا من ان ليس هو من سيحصد .
وفي لحظة فاصلة ما بين الضياع و تلمس الحقيقة , ارتخت حبال صوته فجأة . استجمع قواه . ضغط . لم يبارح صوته حنجرته . عاود الضغط . نظر حوله . راى جذور التفسخ تمد رؤوسا حادة محاولة اختراق جسده . وجد نفسه محاصرا من كل الجهات . منفذ واحد تبقى امامه سلكه من غير تردد, بعدها وجد نفسه يدخل بيته الذي تحول الى اقامة اجبارية امتدت الى يوم رحيله .
...و أزهرت جذور التفسخ . مدت للفضاء سيقانا و أوراقا هادفة الى حجب اشعة الشمس . ممتصة بقايا حرارة لأجساد من جراء ركض طويل بلا جدوى . أطبق الصمت و الظلمة على الأمكنة . العيون وحدها ظلت تملك القدرة على الحركة . تتركز على الأبواب حين تغادر السقوف حيث وقع خطوات لم تصل أبدا .الآذان كانت تصغي السمع جيدا , يتناهى اليها صدى انهيار الأزمنة في مصب التلاشي . هدير قوي يحدث اهتزاز القناعات المتصلبة و يرسم أخاديد غائرة على الوجوه المتصلبة ..
وفي لحظة صفو عابر , ردد البعض سرا أن صوت غيوم لا يزال يتردد و لكنه خافت مشوش . اجتمع سامعو الصدى و قرروا جمع اشلاء الصوت و بثه عبر مكبر لعله يصل الآذان الموقورة . ساعتها جاء الصوت بكل وضوح ، يأمرهم ألا يفعلوا ما اعتزموه , لأنهم في حاجة الى اصوات يتجاوز صداها محيط القرية , و يتردد في فضاء على مقاس خارطة الوطن .







الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حزيران مرة أخرى


المزيد.....




- التعبيرية في الأدب.. من صرخة الإنسان إلى عالم جديد مثالي
- يتصدر عمليات البحث الأولى! .. فيلم مشروع أكس وأعلى الإيردات ...
- المخرج علي ريسان يؤفلم سيرة الروائي الشهيد حسن مطلك وثائقياً ...
- فنانون سوريون ينعون ضحايا تفجير كنيسة مار إلياس
- المفكر الإيراني حميد دباشي.. التصورات الغربية عن الهوية الإي ...
- فيلم -باليرينا-.. درس جديد في تصميم الأكشن على طريقة -جون وي ...
- التشادي روزي جدي: الرواية العربية طريقة للاحتجاج ضد استعمار ...
- ما آخر المستجدات بحسب الرواية الإسرائيلية؟
- تردد قناة ماجد الجديد لأطفالك 2025 بأحلى أفلام الكرتون الجذا ...
- -أسرار خزنة- لهدى الأحمد ترصد صدمة الثقافة البدوية بالتكنولو ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله البقالي - من هزم غيوم .الحياة أم الأحياء؟