|
زين وآلان: الفصل الثاني 4
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 5989 - 2018 / 9 / 9 - 21:27
المحور:
الادب والفن
لم تباغته إذاً برودة " عبد الإله "، وإنما خابَ أمله حينَ راقبه وكان يتملى هيئة الفتاة الفاتنة بعينين جائعتين. ثم ما لبثَ الضابط الكبير أن حضرَ، وبدا شكله على جانب من الطرافة؛ بقامة قصيرة بدينة، تملأ سترةَ سبور بيضاء، وقبعة سوداء ربما تخفي صلعه. دونَ أن يحيي أحداً من المتحلقين حول الطاولة، بادرَ إلى سحب الوسيط من داخل الصالة الصغيرة كي يمضي به إلى سدّة البار. مُحرجاً، تشاغل " سيامند " بمداعبة النقوش البارزة على زجاجة النرجيلة الكبيرة، المنتصبة كالشبح فوق سطح الطاولة الأملس. بينما الموسيقى الصاخبة، المنبعثة من عمق البار، كانت تحرك بإيقاعاتها في آنٍ معاً، أناملَ الفتاة وشفتيها. " سامحني، لو كنتُ سبباً في تعكير جوّ جلسة عملكم "، جاءه صوتها مُخترقاً جلبة الموسيقى. محاولاً إخفاء مشاعره المُحبَطة، أمسك بيد فتاته وضغط عليها في رقة. كان عسيراً عليها مواساته، مع كونها غير ملومة في مسألة الدعوة للبار. على أنّ الشابَ لم يكن في حاجة لمواساة، أو شد أزر. وكان، من ناحية أخرى، أذكى من أن تنطلي عليه حيلة ذلك الرجل المسئول، المعروف في أوساط رجال الأعمال برتبته العسكرية، " الجنرال "، السابقة لتقاعده. " ولكنه قد يكون ظنها إحدى فتيات البار، ولا ريبَ أنّ صديقي سيضعه في الصورة الصحيحة "، عادَ واستدركَ أقلّ ضيقاً. سرعان ما تبيّن صحّةَ توقعه، مع متابعته لعودة الرجل المسئول وكان مرتدٍ هذه المرة قناعاً من البشاشة والإلفة. غيرَ أنها " زين "، مَن كادت أن تعقّد الأمر ثانيةً، حينَ التفتت في اللحظة التالية إلى صديقها: " سأنتظرك هنالك على سدّة البار "، قالتها ومضت بسرعة إلى تلك الناحية، المشمولة بأضواء باهرة. " من هيَ، تلك الفتاة؟ ولكن هذا ليسَ مهماً! " تساءل الجنرال فيما كان يتعقب ببصره هيئةَ المعنية، المتهادية في مشية منتصبة وواثقة. ثم أضافَ للفور بلهجة جدية، موصوصاً عينيه في الشاب الغريب: " لقد جئتُ من مزرعتي البعيدة خصيصاً لأجل هذا الاجتماع، وآمل ألا أكون خسرتُ عبثاً ثمنَ البنزين " " لا، يا سعادة الجنرال، سيكون لقاؤنا مثمراً بعون الله "، بادرَ الوسيطُ إلى الجواب بما أنّ المُخاطَبَ كان ما ينفكّ واجماً. وكان " سيامند " قد اعتراه مجدداً ألمُ تأنيب الذات الممض، وذلك كردة فعل على ما لحظه من نظرات الفسق الموجهة من قبل الجنرال إلى فتاته، المغادرة تواً مجلسهم. هذا الأخير، علّقَ متفكّهاً وهوَ يراقب الشابَ بانتباه: " الله لا يعين من يرتادون أمكنةَ الفساد، المُباح فيها الخمر والنساء " " الله غفور رحيم، يا الشريف "، أجابَهُ محدّثه في نبرة مداهنة مخفضاً رأسه برصانة المؤمن. تضاحك سعادته في كثير من الرضا، مفلتاً هذه المفردات غير المترابطة: " بلى، أيها المسكين.. رحيم وغفور.. سيسامحنا، كونه مكاناً مباركاً أسسه رجل فرنسيّ هداه الله لديننا القويم " " أنتَ تقصد المرحوم، مسيو غوستاف؟ " " أيِّه، المرحوم هاهاها..! "، قالها الرجلُ مواصلاً الضحك حتى أضحت سحنته بحُمرة ثمرة فجل آيلة للتلف. تابع محدّثه الكلام، بعدما جامله بافتعال المرح: " لا تجوز على المسلم إلا الرحمة، كائناً ما كان. يُقال أنّ الراحل كان راديكاليّ الفكر، على الرغم مما حُبيَ به من ثروة وجاه، حتى أنه أختار اسمَ البار تيمناً بثورة الطلبة في فرنسا عام 68 " " لا أعرفُ شيئاً عن فكره وثورته. أما بشأن ثروته، فإنني كنتُ سبباً في تكوينها بالاشتراك مع امرأة كانت عشيقة لنا كلينا "، أطلق الجنرال جملته في نبرةٍ تتسم باللؤم والضغينة والحسد. ثم صمتَ على أثر حضور النادل، وما عتمَ أن تحرك في حيوية آمراً إياه بجلب زجاجة ويسكي مع المشهيات. " عليكَ أولاً أن تزيل هذا القرف.. "، أختتمَ طلباته مُشيراً بازدراء إلى القدَحَين المتخلفين على الطاولة وكانا مترعين بعدُ بالشراب الغازيّ. جملة الجنرال، المتعلقة بالمرأة العشيقة، كانت ما تزال تحلّق فوق رأس الشاب: " أهوَ يقصد أختي شيرين، هذا الشخص الفاسق؟ "، تساءل في سرّه. على أن روعه أفرخَ حالاً، حينَ خاطبه " عبد الإله " متهيباً: " إنها أمّ الشريفة، تلك المرأة ". وأردفَ يسأله: " ألم تلتقي بها في الفيللا مرةً، فإنها كانت على علمي تزورهم من قبل؟ " " لا، لم تعُد إلى زيارتهم منذ مدة "، ردّ الشابُ وكان منزعجاً لجريان الحديث إلى ناحية أثارت شجونه. وهذا الرجل المهم، صاحب الكرش العظيمة، كأنما أحسّ بمشاعر " سيامند ". فإنه مع وصول طلائع السعاة، المحملين بما لذ وطاب من شراب ومشهيات ( سيتكلف صاحبُ الدعوة بالدفع بطبيعة الحال! )، انتقل للفور إلى حديث الأعمال. والواقع أن " عبد الإله " احتكر الكلام في هذا الشأن، طالما أنّ سعادة الجنرال لم يكن محظوظاً سوى في سيَر الفضائح.
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
زين وآلان: الفصل الثاني 3
-
زين وآلان: الفصل الثاني 2
-
زين وآلان: الفصل الثاني 1
-
زين وآلان: الفصل الأول 5
-
زين وآلان: الفصل الأول 4
-
زين وآلان: الفصل الأول 3
-
زين وآلان: الفصل الأول 2
-
زين وآلان: الفصل الأول 1
-
خجي وسيامند: الفصل السابع 5
-
خجي وسيامند: الفصل السابع 4
-
خجي وسيامند: الفصل السابع 3
-
خجي وسيامند: الفصل السابع 2
-
خجي وسيامند: الفصل السابع 1
-
خجي وسيامند: الفصل السادس 5
-
خجي وسيامند: الفصل السادس 4
-
خجي وسيامند: الفصل السادس 3
-
خجي وسيامند: الفصل السادس 2
-
خجي وسيامند: الفصل السادس 1
-
خجي وسيامند: الفصل الخامس 5
-
خجي وسيامند: الفصل الخامس 4
المزيد.....
-
-الديمومة-.. كيف تصمد القضية الفلسطينية أمام النكبات؟
-
ترامب يواصل حرب الرسوم.. صناعة السينما تحت الضغط
-
من فاغنر إلى سلاف فواخرجي: ثقافة -الإلغاء- وحقّ الجمهور بال
...
-
سيرسكي يكشف رواية جديدة عن أهداف مغامرة كورسك
-
الأفلام السينمائية على بوصلة ترمب الجمركية
-
الغاوون:قصيدة (وداعا صديقى)الشاعر أيمن خميس بطيخ.مصر.
-
الشَّاعرُ - علاَّل الحجَّام- فِي ديوان - السَّاعَةِ العاشِق
...
-
محمد الغزالي.. الداعية الشاعر
-
تحقيق المخطوطات العربية.. بين إحجام العالم وإقدام الجاهل
-
رواية -نيران وادي عيزر- لمحمد ساري.. سيمفونية النضال تعزفها
...
المزيد.....
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
-
دفاتر خضراء
/ بشير الحامدي
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
-
رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية
...
/ أكد الجبوري
المزيد.....
|