أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زين وآلان: الفصل الثاني 3














المزيد.....

زين وآلان: الفصل الثاني 3


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5988 - 2018 / 9 / 8 - 20:54
المحور: الادب والفن
    


" كيف الحال، لا بأس؟ "
خاطبَ " عبد الإله " مواطنَته بلهجتهما الدارجة، وبصوت يشوبه شيء من البرود. ابتسمَ " سيامند " في سرّه، عالماً بالطبع مبعثَ انزعاج الرجل. وإذ لم يكن في حاجةٍ لتقديم القادم إلى الفتاة، كونهما متعارفَيْن سلفاً، إلا أننا في المقابل نجد من الضروري استلاف بعض المعلومات عنه من مصادر متعددة.
هذا الرجلُ الخمسينيّ، الحنطيّ البشرة ومن تحتفظ قسماته بنزر من ملاحة أيام زمان، كانَ على أعتاب الثلاثين حينَ تصيّدَ فرصةً ثمينة قادته إلى عاصمة النور؛ إلى مدينة، ما تفتأ الإقامة فيها تداعبُ خيال أكثر الناس بؤساً ورثاثة في بلده، المتكئ على عكاز القارة العجوز. على أنه وجدَ نفسه أولاً في مدينة مراكش، منتقلاً إليها من بني ملال بهدف الدراسة في معهد متوسط. وكانت أحلامه بمثل حجم دراسته، آنَ التقى اتفاقاً، في مرحلة لاحقة، مع أديبٍ فرنسيّ حضرَ للمدينة الحمراء كي يكتب عنها انطباعاته لصالح دار نشر باريسية شهيرة.
" إنك لا تنظُر في عينيّ محدثك، فإما أنك شخصٌ كذّاب أو مثليّ "، قال له الأديبُ الغريب في بداية تعارفهما بأحد مقاهي ساحة جامع الفنا. الحال، أنّ هذا الأخير كان جالساً في الكافيه دو فرانس مع صحفيّ مغربيّ آنَ اقتحمَ عليهما المكانَ شابٌ فارعُ القامة، ما لبث أن حياهما بكثير من الود. والواقع أنّ القادم، الذي جلسَ بدون استئذان، كان على معرفة شخصية بالصحفيّ. صراحة الفرنسيّ، ما كان في وسعها تشويه ابتسامة الشاب المتطفّل، بل وإنها جعلتها أكثر لطفاً وإيناساً. ذلك فاقمَ من حنق الأديب، لولا أنّ جلّيسه الصحفيّ مالَ عليه حالاً كي يهمس في أذنه ببعض الكلمات. عندئذٍ لاحت الحيوية في سحنة الفرنسيّ، المتغضنة بفعل المعاناة أكثرَ من مرّ السنين.
ومن مراكش إلى طنجة، دونما هدف هذه المرة سوى مرافقة الأديب الغريب. ثمة، تفاعل بسرعة ويُسر مع الوسط الثقافيّ، المُشكّل الأجانب بؤرته الأساس. بيْدَ أنّ ثقافة " عبد الإله " الضئيلة، تطفله وشططه، علاوة على ما أشيعَ عن علاقته المشبوهة مع الأديب الفرنسيّ، المثليّ، كل ذلك عادَ عليه بازدراء ونفور البعض من المغاربة، الملتفين حول البؤرة الأجنبية. غير أنّ هذا تحديداً ما كان يمنحه مزيداً من الفتنة والسحر، بعين أحد أولئك الأجانب على الأقل.
إلى أن كان يوماً جميلاً من أيام الربيع، ضجّت فيه العصافير المعتلية أشجار الأوكاليبتوس خارج مقهى المثقفين، لدرجة أن تخترق أحاديثهم ومجادلاتهم. إذاك حضرَ " عبد الإله "، وكعادته، توجّه من فوره إلى طاولة صديقه الفرنسيّ. لاحظ هذا ما اعترى وجهه من تجهّم، فأحال ذلك إلى قرب سفره وعودته إلى باريس
" لا تبدو سعيداً اليومَ، يا عبده؟ "، توجه إليه بإشفاق متسائلاً. وكان الشابُ معتاداً أيضاً على لقبه، الممتح من اسمه على عادة أهل المشرق. وإنه يعلم، بالطبع، أنّ صديقه الأديبَ الفرنسيّ، المُجيد قليلاً من العربية بلهجة تلك الجهة، كان في إبان شبابه قد خدمَ في دمشق مع العسكر الفرنسيّ. ثم فيما بعد، لما أصابَ شهرة واسعة كأديب ذي نزعة يسارية، زارَ عمّان وبيروت كي يعاين عن قرب معسكرات الفدائيين الفلسطينيين وليعيش معهم عدة أسابيع في كلّ مرة، عاقداً أيضاً صداقات مع أبرز قادتهم.
" كيفَ لا أكون تعيساً، مسيو جان، وأنتَ ستسافر غداً تاركاً إيايَ وحيداً في مدينة غريبة تمحضني مشاعر المقت والاحتقار؟ "، أجابه الشاب بنبرة ملتاعة. وبدا على استعداد للإجهاش في البكاء، لولا أنه في مكان عام. كذلك كان في ودّ الأديب الضحك عالياً، كردة فعل على مشهد صديقه المتسم بالطرافة فضلاً عما في كلامه من سذاجة. ولكنه ردد الكلمة الدارجة: " لا بأس، لا بأس..! "، ثم طفقَ يفكّر صامتاً. ما عتمَ أن وقف فجأة، طالباً من الشاب الملول أن يتبعه إلى خارج المقهى. فكم كانت بهجة الشاب غامرة، مع علمه بأنهما في طريقهما إلى فيللا القنصل الفرنسيّ لمحاولة الحصول على فيزا له. كون أخراج جواز سفر مشكلة كبيرة، في تلك الأيام العسرة، فإن القنصل تكرّم ثانيةً وهذه المرة بالوساطة عند المسئولين المغاربة.
هناك في عاصمة النور، وبعدَ دهشة وسعادة رؤية معالمها الساحرة، كان على الشاب أن يُصدم بفعل ما لاقاه من معاملة سيئة في مسكن الأديب الفرنسيّ. ولم يكن هذا المسكن سوى شقة صغيرة في بنسيون، مثلما أنّ من تعهد تلك المعاملة لم يكن سوى عشيق الأديب. هذا، كان شاباً في مثل عُمر " عبده "، أو يصغره قليلاً، تمّ جلبه كذلك إلى باريس من بلد أفريقيّ. لقد أسبغَ عليه ذلك الأفريقيّ عداوة سافرة، بسبب الغيرة ولا غرو، علاوة على خشيته فقدان الحظوة عند صاحب الِشأن مما قد يدفعه إلى الشارع. إلا أنه صاحبنا، مَن راحَ يهرب من الشقة طوال معظم النهار ( كان الأديبُ مسافراً من جديد )، ذارعاً الشوارع القريبة مع أفكاره المحبطة. إلى أن كان مساء أحد الأيام، يهمّ بإفراغ مثانته عند جدار بناء قديم، مظلم. وإذا بامرأة غائمة الملامح، تطل من نافذة في الدور الأول، لتشتمه بصوتٍ عال واصفة إياه ب " الأجنبيّ القذر ". كونه لم يسكت على الإهانة، فما كان من المرأة إلا الخروج من باب العمارة كي تجابهه وتهدده بالبوليس.
بعد نحو سويعة، كان ذلك " الأجنبيّ القذر " يملأ فراشَ السيّدة نفسها، وكانت عندئذٍ تعمد لتدليله بألفاظ أخرى، حميمة، من قبيل " يا فارسي الفحل! ". كانت صاحبةَ فندق من الدرجة العادية، يشغل معظم أدوار العمارة. إلا الدور الأرضيّ، وكان منذوراً لمعيشة المرأة الأرملة، المناهزة الخمسين من العُمر.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زين وآلان: الفصل الثاني 2
- زين وآلان: الفصل الثاني 1
- زين وآلان: الفصل الأول 5
- زين وآلان: الفصل الأول 4
- زين وآلان: الفصل الأول 3
- زين وآلان: الفصل الأول 2
- زين وآلان: الفصل الأول 1
- خجي وسيامند: الفصل السابع 5
- خجي وسيامند: الفصل السابع 4
- خجي وسيامند: الفصل السابع 3
- خجي وسيامند: الفصل السابع 2
- خجي وسيامند: الفصل السابع 1
- خجي وسيامند: الفصل السادس 5
- خجي وسيامند: الفصل السادس 4
- خجي وسيامند: الفصل السادس 3
- خجي وسيامند: الفصل السادس 2
- خجي وسيامند: الفصل السادس 1
- خجي وسيامند: الفصل الخامس 5
- خجي وسيامند: الفصل الخامس 4
- خجي وسيامند: الفصل الخامس 3


المزيد.....




- -فيلة صغيرة في بيت كبير- لنور أبو فرّاج: تصنيف خادع لنص جميل ...
- باللغة الفارسية.. شيخ الأزهر يدين استمرار الغارات الإسرائيلي ...
- “اخر كـلام “موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان 195 الموسم السابع في ...
- فيلم -المخطط الفينيقي-.. كم تدفع لتصبح غنيا؟
- حرارة الأحداث.. حين يصبح الصيف بطلا صامتا في الأفلام
- -بردة النبي- رحلة كتاب روائي في عقل إيران الثورة
- تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك 2025 بتحديثه الجديد على النايل ...
- قصة الرجل الذي بث الحياة في أوليفر تويست وديفيد كوبرفيلد
- وزيرة الثقافة الروسية: زاخار بريليبين مرشح لإدارة مسرح الدرا ...
- “وأخيرا بعد طول انتظار” موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 1 ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - زين وآلان: الفصل الثاني 3